المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[المطلب الرابع عشر التحلي بمقومات المواطنة الصالحة في ضوء تعاليم] - متطلبات المحافظة على نعمة الأمن والاستقرار

[سليمان الحقيل]

فهرس الكتاب

- ‌[تقديم معالي الشيخ عبد العزيز بن عبد المحسن التويجري]

- ‌[المقدمة]

- ‌[المطلب الأول التمسك بتطبيق الشريعة الإسلامية والمحافظة على مقاصدها]

- ‌[المطلب الثاني السمع والطاعة لولي الأمر في المعروف]

- ‌[المطلب الثالث التزام الوسطية والاعتدال في شئون الحياة كلها]

- ‌[المطلب الرابع القيام بواجب النصيحة بالأسلوب الشرعي مع مراعاة التلازم]

- ‌[المطلب الخامس قيام المواطن السعودي بواجبه في المحافظة على الأمن]

- ‌[المطلب السادس قيام العلماء والمثقفين بملء الفراغ الذهني لدى بعض]

- ‌[المطلب السابع شكر النعم]

- ‌[المطلب الثامن القيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في ضوء]

- ‌[المطلب التاسع التماسك والتعاون على البر والتقوى بين المواطنين والابتعاد]

- ‌[المطلب العاشر قيام الأسرة السعودية بواجبها في تربية أولادها التربية]

- ‌[المطلب الحادي عشر سد وقت الفراغ لدى الطلاب ومحاربة انتشار البطالة]

- ‌[المطلب الثاني عشر تعميق الانتماء الوطني لدى المواطن السعودي وتبصيره]

- ‌[المطلب الثالث عشر المحافظة على طهر مجتمعنا وصيانته من انتشار الأخلاق]

- ‌[المطلب الرابع عشر التحلي بمقومات المواطنة الصالحة في ضوء تعاليم]

- ‌[المطلب الخامس عشر صيانة عقول شبابنا من آثار الغزو الفكري المدمر]

- ‌[المصادر والمراجع]

الفصل: ‌[المطلب الرابع عشر التحلي بمقومات المواطنة الصالحة في ضوء تعاليم]

«استعمل الرسول رجلا من بني أسد على صدقة - فلما قدم قال: هذا لكم وهذا أهدي لي فصعد الرسول المنبر وقال: " ما بال العامل نبعثه فيأتي فيقول: هذا أهدي لي فهلا جلس في بيت أبيه وأمه فينظر أيهدى له أم لا، والذي نفسي بيده لا يأتن بشيء إلا جاء به يوم القيامة يحمله على رقبته إن كان بعيرا له رغاء أو بقرة لها خوار أو شاه تبعر ثم رفع يده حتى رأينا عفرتي إبطه قائلا ثلاثا ألا هل بلغت» (1) .

والظلم: قال تعالى: {وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا} [الفرقان: 19](2) هذا هو موقف القرآن من الظالم. «يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا» (3) وهذا ما يحدث به النبي صلى الله عليه وسلم عن رب العزة الحاكم العادل، وكذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم:«إن الله ليملي للظالم فإذا أخذه لم يفلته» (4) وظلم العبد لغيره ليس أكبر من ظلم الإنسان لنفسه فالكفر ظلم للنفس وارتكاب الموبقات ظلم للنفس وشرب الخمر وإذهاب العقل وسوء التصرف في الصحة الجسمية والعقلية والنفسية ظلم للنفس، وما ساد ظلم في مجتمع إلا دبت فيه الفوضى وآل إلى دمار.

هذه نماذج من مدمرات المجتمع القاضيات على استقراره نوردها على سبيل الأمثلة لا الحصر، ونستعيذ بالله منها ومن شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا وندعو الله مخلصين أن يحفظ علينا أمن بلادنا واستقرارها ويوفق قادتها لما فيه صالح العباد والبلاد وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

[المطلب الرابع عشر التحلي بمقومات المواطنة الصالحة في ضوء تعاليم]

الإسلام

(1) رواه الأمام أحمد.

(2)

سورة الفرقان، الآية 19.

(3)

رواه مسلم.

(4)

متفق عليه.

ص: 120

المطلب الرابع عشر

التحلي بمقومات المواطنة الصالحة في ضوء تعاليم الإسلام

ص: 121

من الضمانات اللازمة لاستمرار نعمة الأمن والاستقرار في بلادنا التحلي بمقومات المواطنة الصالحة في ضوء تعاليم الإسلام، ونقصد بمقومات المواطنة الصالحة تلك الصفات والسجايا اللازم توافرها في أفراد مجتمع يعرفون واجباتهم نحو خالقهم أولا ثم نحو أنفسهم وذويهم ومجتمعهم وأمتهم وولاة الأمر فيهم، وعن طريق التربية الإسلامية يعرفون حقوقهم وواجباتهم.

وتختلف مقومات المواطنة الصالحة من أمة لأمة باختلاف أساليب التربية المستمدة من تراث هذه الأمة، وترتكز مقومات المواطنة الصالحة في الإسلام على ثلاث دعائم رئيسية: هي التمسك بالعقيدة الإسلامية والمحافظة على شريعتها ثم التمسك بأخلاق الإسلام، وأخيرا الابتعاد عن مساوئ الأخلاق التي سبق وأن تحدثنا عن نماذج منها في المطلب الثالث عشر.

والعقيدة هي الحكم الذي لا يقبل الشك عند معتقده، ومن المفهوم اللغوي للعقيدة وهو الشدة والربط ومفهوم التأكيد والتوثيق والتصديق، فالعقيدة إذا هي ما يدين به الشخص من معتقد لا يقبل الشك، وهي بالمعنى الصحيح لا ينبغي أن تطلق إلا على العقيدة الإلهية التي تكون من عند الله جل وعلا وتمتاز العقيدة الإسلامية بعدة خصائص منها: - * فهي من عند الله، فهي الكمال بحكم مصدرها كاملا من كل الوجوه.

* وهي صالحة وشاملة لكل مكان وزمان.

* وهي لا تتعارض مع الفطرة التي فطر الله الناس عليها.

* وهي تخلو من كل تشدد أو تعصب.

* وهي خالية ومحرمة للأباطيل والخرافات والشعوذة والاستهتار بالعقول.

ص: 123

* وهي تساوي بين الناس في الثواب والعقاب وتأمر بالعدل الشامل والكامل ولا شفاعة فيها في حد من حدود الله.

* وهي تحافظ بقوة على الدم والعرض والمال. . .

من هنا فإن العقيدة الإسلامية الحقة تولد في نفس معتقدها طمأنينة نفس، لا قلقا نفسيا يدمر الإنسان، بل أمنا يدفع إلى العمل والإنتاج وهي تذكر المسلم دائما بربه وتبعد عن الانهماك في مشكلات الحياة ناسيا ربه، بل توجد رقيبا داخليا على المسلم من نفسه، وتجعل المسلم عفيفا شريفا، وتحد من الصراع والاحتكاك والاعتداء والظلم، بهذا تصلح أمور المجتمع وتستقيم حياته اليومية.

فالمسلم يضع نصب عينيه دائما أن الله فوقه يسمع ويرى وأنه مطلع على عمله وأنه مسئول عن كل صغيرة وكبيرة وأن تقوى الله شرط كي يعلمه الله ويفتح أمامه كل سبيل، وأن كل ما أوصى به الله في كتابه وما أوصى به رسول الله في سنته لا بد أن يكون أمام عينيه في كل تصرفاته.

وللمسلم تراث سلوكي قل أن يوجد في أي تراث حضاري في العالم، ثروة هائلة من السلوكيات قررها أدب الإسلام من عهد الرسالة إلى الخلفاء الراشدين إلى التابعين من الصالحين بسلوكهم اليومي تضرب الأمثال علما وأدبا وتصرفا في المواقف اليومية، وبالجملة فإن من أراد للمواطنة الصالحة نماذج فليبحث عنها في تراث المسلمين الذين ملؤوا الدنيا علما وأدبا، وكانوا في المواطنة الصالحة حقا وصدقا خير أمة أخرجت للناس.

والخلق ما رسخ في النفس وصدرت عنه الأفعال الإدارية، وهو يتأثر بالتربية الحسنة والسيئة، فهي التي تجعل هناك قابلية للفضائل ومعرفة

ص: 124

الحق والواجب وحب الخير، وهي التي تصنع العكس، ومن هنا نوه الإسلام بالخلق الحسن ودعا إلى تربيته بين المسلمين، وقد مدح الحق رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم:{وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4](1) . وأمره بمحاسن الأخلاق.

{ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فصلت: 34](2) .

وقال رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق» (3) .

ونسوق هنا موقع حسن الخلق في السنة: - قال عليه الصلاة والسلام: «إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا» (4) . ويقول: «ما من شيء أثقل في الميزان من حسن الخلق» (5) .

ويقول: «إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم ولكن يسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخلق» (6) . ويقول: «إن خياركم أحسنكم أخلاقا» (7) .

من هنا فإن العقيدة الإسلامية ترتبط ارتباطا وثيقا بمحاسن الأخلاق والمواطنة الصالحة متحققة في بساط شديدة إذا حسنت أخلاق الناس.

لا بذاءة في طريق.

والطريق آخذ حقه إماطة الأذى بأنواعه عنه.

الناس تتعامل في مودة ورفق وإيثار.

(1) سورة القلم، الآية 4.

(2)

سورة فصلت، الآية 34.

(3)

رواه البخاري.

(4)

رواه الترمذي.

(5)

رواه الترمذي.

(6)

رواه الزار.

(7)

رواه البخاري.

ص: 125

لا كسب حرام.

ولا نهب ولا سلب.

لا غش في الحياة اليومية.

الجار يعرف حق جاره ويذكر عن رسول الله التوصية المتكررة من جبريل عليه السلام عن الجار حتى ظن رسولنا الكريم أن الحق تبارك وتعالى سيورثه. .

المرؤوس يجل رئيسه.

والرئيس يعطف على المرؤوس ويرحم ولا يخلط بين الحزم والرحمة، هذه هي المواطنة الصالحة!

بقي أن نقف قليلا عند بعض الأخلاق الفاضلة إجلالا لشأنها وتأكيدا لقيمتها في إعداد المواطن الصالح الغيور على دينه وعلى سلامة وطنه ومواطنيه ولنبدأ بالأمانة:

الأمانة: قال تعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} [الأحزاب: 72](1) . بهذا يرينا القرآن قدر الأمانة ثم يقرن خيانتها بخيانة الله والرسول {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [الأنفال: 27](2) .

ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «لا إيمان لمن لا أمانة له ولا دين لمن لا عهد له» (3) . وأمانة المواطن الصالح تتجلى وهو يعمل، كدا واجتهادا،

(1) سورة الأحزاب، الآية 72.

(2)

سورة الأنفال، الآية 27.

(3)

رواه أحمد.

ص: 126

ومستوى للأداء في العمل دائما بهدف الارتفاع به ويتخذ شتى الطرق والوسائل لذلك، يحافظ على أسرار مهنته وعمله ولا يجعله محل أحاديث سهراته وأسماره وأمانة المواطن تبدو في المحافظة على أسرار بلده، لا يتحدث عما يعرف أمام من هب ودب فلعل في حافلة عامة عدوا أو جاسوسا من أعداء بلده، وتبدو في المحافظة على أسرار الناس التي اؤتمن عليها والودائع التي تودع لدينا أمانات يلزم الاهتمام بالحفاظ عليها وردها لأهلها {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: 58] (1) . وعندما تنتشر الأمانة وتعم في المجتمع فإن الصورة تكون بالغة الحد من الجمال.

معلم يرعى الأمانة في تعليم أبنائه وتنشئتهم التنشئة الصالحة التي تخدم وطنهم وتخدم أهلهم وتخدمهم أنفسهم، وطبيب يرعى الأمانة في مرضاه - يخفف عن المعاني معاناته ولا يهمل المريض ويتركه في حال من السوء لا يرضاها الله، وأم ترعى الأمانة في أولادها فتخرج من البيوت رجالا يبنون الوطن ويعرفون قيمته ويحافظون على أمنه وسلامته، وتاجر أمين يخدم المجتمع الذي يعطيه القوة والثراء ويرعى الله في كيل الميزان وفي كل ما يقدم للناس وفي معاملاته التجارية، وصانع أمين إذا بنى، وإذا أنتج مصنوعا يقدمه إلى بني وطنه.

إن الأمانة في المجتمع هي صانعة أمن النفس لدى الناس، فلا أحد يظل متشككا خائفا من غبن أو نهب أو تهاون في أداء الواجب، إن الأمانة هي الخلق الأساس للمواطن الصالح في نظر الإسلام.

(1) سورة النساء، الآية 58.

ص: 127

الوفاء: قال تعالى: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا} [الإسراء: 34](1) .

وقال تعالى: {وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} [الفتح: 10](2) .

وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1](3) .

والعهود التي يرتبط بها المواطن المسلم درجات. . أسماها وأعلاها وأقدسها هو العهد الأعظم بين العبد وربه، والوفاء بهذا العهد هو أساس سعادة الإنسان في الدنيا والآخرة.

ومن أهم العقود واجبة الوفاء العقد الذي بين المواطن الذي بايعه على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فالمسلم مطالب بالالتزام بهذا العقد وعدم الخروج عليه لأن الخروج عنه تمزيق لوحدة الأمة وضياع لمصالحها وتعطيل لمقاصدها. . .

الإخلاص: رياء أن تعمل شيئا ليقال أنك تعمل.

وإخلاص أن تعمل الشيء لأنه يجب أن يعمل. . .

قال تعالى: {قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ} [الزمر: 11](4) .

وقال جل وعلا: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: 5](5) .

ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «من فارق الدنيا على الإخلاص لله وحده لا شريك له وأقام الصلاة وآتى الزكاة فارقها والله عنه راض» (6) .

(1) سورة الإسراء، الآية 34.

(2)

سورة الفتح، الآية 10.

(3)

سورة المائدة الآية 1.

(4)

سورة الزمر، الآية 11.

(5)

سورة البينة، الآية 5.

(6)

رواه ابن ماجه.

ص: 128

وقد عد رسول الله صلى الله عليه وسلم ضمن ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: «رجل بايع إمامه ولا يبايعه إلا لدنيا فإن أعطاه منها رضي وإن لم يعطه سخط» ، هل بايع من أجل وظيفة أم من أجل التخلص من ورطة أم من أجل القيام على الدين والعدل والحق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟

فالرياء في العبادة محرم في الإسلام.

والرياء في المعاملة محرم في الإسلام.

والإخلاص واجب للرب والعباد.

وهو أوجب ما يكون في ميادين العلم والثقافة، فالمجتمع الذي يزدان بعلماء مخلصين هو مجتمع النور والفضيلة والمعرفة الحقة، والمجتمع الذي يفتقد هؤلاء نصيبه الجراحات القاتلة من علماء فقدوا الإخلاص فضلوا وأضلوا ذويهم وبني وطنهم.

إن الحاكم المخلص يبدو من أعماله، من استقرار بلاده، من تمتعها بالأمن والأمان والرفاهية وكافة الخدمات.

فلنخلص لله جهد إيماننا ولنخلص لوطننا وأبنائه لننعم باستمرار بنعمة الأمن والاستقرار في بلادنا.

الصدق: هو فضيلة الفضائل التي يتحلى بها المواطن الصالح، ويعود نجاح الأمم في تحقيق أهدافها لما يقدمه بنوها من صادق الأعمال، والمسلم صادق يلتزم بالصدق ظاهرا وباطنا، فهو يهدي إلى البر والبر يهدي إلى الجنة، والمواطن الصالح يعلم أن الصدق من متممات الإيمان قال تعالى:

ص: 129

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة: 119](1) . ووصف القرآن عظماء الرجال {رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} [الأحزاب: 23](2) .

وقال تعالى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا} [مريم: 54](3) .

ويقول الرسول الكريم: «كبرت خيانة أن تحدث أخاك حديثا هو لك مصدق وأنت له كاذب» (4) . والصدق يكون في القول وفي العقيدة وفي العمل وهو شقيق الإخلاص ومواكبه.

والصدق في العقيدة أن يكون مطابقا لأصل الوجود فالإله واحد يبدئ ويعيد، فعال لما يريد لا ند له ولا شريك، والصدق في العمل أن يكون خالصا لله، لا يشوبه رياء، والصدق في الوعد ألا يخلف المواطن الصالح وعدا وعده وصدق الحال ألا تظهر بمظهر ليس منا في شيء ولا ينطبق غير ما نظهر للناس.

ومن آثار الصدق الطمأنينة كما يقول الرسول عليه السلام: «والصدق طمأنينة» (5) . فهو يؤدي بالحتم إلى اطمئنان النفس وعدم القلق، والصدق في الشهادة تبلغ الإنسان منازل الشهداء، والإنسان الصادق لا يفتري على الله شيئا ولا على إمامه ولا على عامة أهله، قال رسول الله عليه الصلاة والسلام:«إن كذبا علي ليس ككذب على أحد، فمن كذب علي متعمدا فليتبوأ مكانه من النار» (6) . وفي نطاق هذا الافتراء سائر ما ابتدعه الجهال وأقحموه على الدين من محدثات لا أصل لها وقد نبه عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: «يكون في آخر أمتي أناس دجالون كذابون يحدثونكم بما لا تسمعون أنتم ولا آباؤكم فإياكم وإياهم لا يضلونكم ولا يفتنونكم» (7) .

(1) سورة التوبة، الآية 119.

(2)

سورة الأحزاب، الآية 23.

(3)

سورة مريم، الآية 54.

(4)

رواه البخاري.

(5)

رواه الترمذي.

(6)

رواه البخاري.

(7)

رواه مسلم.

ص: 130

من هنا فإن الصدق من أهم مقومات المواطنة الصالحة التي تبني ولا تهدم وتثبت نعمة الأمن والاستقرار ولا تزعزعها.

الصبر: والصبر سلاح المؤمن على تحمل الحياة، قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [آل عمران: 200](1) . وقال تعالى: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ - الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة: 155 - 156](2) .

والآيات في كتاب الله تحض على الصبر، وأتبعها الرسول الكريم في سنته بكثير من الأحاديث، ويقوم الفكر الإسلامي في التركيز على الحض على الصبر على حقيقتين مهمتين: الأولى تتعلق بطبيعة الحياة الدنيا فإن الله تعالى لم يجعلها دار جزاء وقرار بل جعلها دار تمحيص وامتحان، والحياة فيها صراع مستمر يحتاج إلى صبر لا يعرف الكلال.

الثانية تتعلق بطبيعة الإيمان وهو صلة بين العبد وربه لا بد أن تخضع للارتباك الذي يمحصها ويكشف عن أصالتها أو زيفها.

على هاتين الحقيقتين يقوم الصبر، ومن طبع الإنسان الجزوع أنه لا يقدر على الصبر، ولمكانة الصبر في الإسلام اقترن بالشكر {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} [الشورى: 33] (3) واقترن بالتوكل {الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [النحل: 42](4) وبالتقوى {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [آل عمران: 186](5) .

والصبر هو النور الذي يهدي إلى الطريق المستقيم ويساعد على حل المشكلات ويمنع الاكتئاب النفسي الذي هو سمة من سمات العصر الذي نعيشه، وهو مانع القلق النفسي المدمر الذي يعد بحق أحد أسباب الفوضى الاجتماعية المؤدية إلى انفلات حبل الأمن واضطراب الأحوال.

(1) سورة آل عمران، الآية 200.

(2)

سورة البقرة، الآيتان 155 - 156.

(3)

سورة الشورى، الآية 33.

(4)

سورة النحل، الآية 42.

(5)

سورة آل عمران، الآية 186.

ص: 131