المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[المطلب الثالث التزام الوسطية والاعتدال في شئون الحياة كلها] - متطلبات المحافظة على نعمة الأمن والاستقرار

[سليمان الحقيل]

فهرس الكتاب

- ‌[تقديم معالي الشيخ عبد العزيز بن عبد المحسن التويجري]

- ‌[المقدمة]

- ‌[المطلب الأول التمسك بتطبيق الشريعة الإسلامية والمحافظة على مقاصدها]

- ‌[المطلب الثاني السمع والطاعة لولي الأمر في المعروف]

- ‌[المطلب الثالث التزام الوسطية والاعتدال في شئون الحياة كلها]

- ‌[المطلب الرابع القيام بواجب النصيحة بالأسلوب الشرعي مع مراعاة التلازم]

- ‌[المطلب الخامس قيام المواطن السعودي بواجبه في المحافظة على الأمن]

- ‌[المطلب السادس قيام العلماء والمثقفين بملء الفراغ الذهني لدى بعض]

- ‌[المطلب السابع شكر النعم]

- ‌[المطلب الثامن القيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في ضوء]

- ‌[المطلب التاسع التماسك والتعاون على البر والتقوى بين المواطنين والابتعاد]

- ‌[المطلب العاشر قيام الأسرة السعودية بواجبها في تربية أولادها التربية]

- ‌[المطلب الحادي عشر سد وقت الفراغ لدى الطلاب ومحاربة انتشار البطالة]

- ‌[المطلب الثاني عشر تعميق الانتماء الوطني لدى المواطن السعودي وتبصيره]

- ‌[المطلب الثالث عشر المحافظة على طهر مجتمعنا وصيانته من انتشار الأخلاق]

- ‌[المطلب الرابع عشر التحلي بمقومات المواطنة الصالحة في ضوء تعاليم]

- ‌[المطلب الخامس عشر صيانة عقول شبابنا من آثار الغزو الفكري المدمر]

- ‌[المصادر والمراجع]

الفصل: ‌[المطلب الثالث التزام الوسطية والاعتدال في شئون الحياة كلها]

[المطلب الثالث التزام الوسطية والاعتدال في شئون الحياة كلها]

المطلب الثالث

التزام الوسطية والاعتدال

والابتعاد عن الإفراط

والتفريط في الدين

ص: 23

التزام جانب الوسطية والاعتدال والابتعاد عن الإفراط والتفريط في الدين من أهم الضمانات اللازمة لاستمرار نعمة الأمن والاستقرار في بلادنا، وكما هو معلوم فإن الوسطية والاعتدال خاصة من أبرز خصائص الإسلام، وهي وسام شرف الأمة الإسلامية، ومن أبرز مميزات الوسطية، الأمان ولذا، يُقال الوسطية تمثل منطقة الأمان والبعد عن الخطر، فالأطراف عادة تتعرض للخطر والفساد، بخلاف الوسط فهو محمي ومحروس بما حوله، كما أن من أهم مميزات الوسطية في الإسلام كون الوسطية دليل القوة، فالوسط مركز القوة، ألا ترى أن الشباب الذي يمثل مرحلة القوة والحيوية وسط بين ضعف الطفولة، وضعف الشيخوخة، والشمس وسط النهار أقوى منها في أول النهار وآخره. قال تعالى:{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة: 143]

بهذه الآية الكريمة حدد الحق تبارك وتعالى هُوية هذه الأمة، ومكانتها بين الأمم، لا إفراط ولا تفريط، لا إهمال ولا تطرف، لا تكاسل ولا غلو، بل اعتدال في كل شأن من شؤون الأمة.

لقد كان السلف الصالح من هذه الأمة الشهيدة على الناس أحسن الناس تصورا للوسط وفهما للشريعة والعقيدة على هذا الأساس الراسخ، كما كانوا في حياتهم اليومية أكثر الناس تمسكا بهذا الأصل، وهو التوسط بلا غلو ولا انحلال، تشهد على ذلك سيرتُهم وحياتهم من أخذ بأصول الخلاف العلمي وآدابه وبالخلق الإسلامي الرفيع.

وإذا كان الإسلام يدعو إلى الوسطية فإنه يُحَذر كل التحذير من كل ما يتعارض معها من إفراط وتفريط.

ص: 25

لقد نهى الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم عن الغلو في الدين لحكم متعددة من أهمها أن الإسلام دين توحيد واجتماع، والغلو في الدين سبب رئيسي من أسباب الاختلاف والتفرق والتمزق بين أفراد المجتمع الإسلامي، قال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} [الأنعام: 159](1) وقال تعالى {وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ - مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} [الروم: 31 - 32](2) .

كما أن الغلو في الدين فيه مشقة وهو يتعارض مع تعاليم الإسلام الداعية إلى اليسر ورفع الحَرَج فيسر الإسلام والتيسير خاصة من خصائصه التي اختلف بها عما سواه من الأديان والمشقة والحرج ليسا من مقاصد الشرع أما اليسر والتيسير فهما من مقاصده، وتقرير هذا من القرآن والسنة، قال الله تعالى:{وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78](3) .

، وقال تعالى:{يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185](4) ويقول صلى الله عليه وسلم: «إن الله لم يبعثني معنتا ولا متعنتا ولكن بعثني معلما ميسرا» (5) وقال صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل وأبي موسى الأشعري لما بعثهما إلى اليمن: «يسِّرا ولا تعسرا ولا تنفًرا» (6) .

لقد امتن الله على عباده برفع الحرج عن المكلف، وأن الله سبحانه وتعالى حبب إلى عباده الإيمان بتيسيره وتسهيله، وكره إليهم الغلو والتشدد والتنطع؛ لأن في الغلو والتطرف في الدين عيوبا وآفات أساسية تصاحبه وتلازمه منها:(7) .

(1) سورة الأنعام، الآية 159.

(2)

سورة الروم، الآية 32.

(3)

سورة الحج، الآية 78.

(4)

سورة البقرة، الآية 185.

(5)

رواه مسلم.

(6)

رواه البخاري.

(7)

يوسف القرضاوي، الصحة الإسلامية بين الجحود والتصرف، القاهرة دار الصحوة، 1412 هـ، ص 32 - 36.

ص: 26

1 -

أن الغلو منفر، لا تحتمله طبيعة البشر العادية ولا تصبر عليه.

2 -

أنه قصير العمر. . . فالإنسان - إلا مَنْ وفقه الله - ملول فيسأم ويدع العمل حتى القليل منه، أو يأخذ طريقا آخر على عكس الطريق الذي كان عليه، أي ينتقل من الإفراط إلى التفريط ومن التشدد إلى التسيب.

3 -

أن الغلو في الدين لا يخلو من جَوْر على حقوق أخرى يجب أن تُرَاعى وواجبات أن تؤدى. . . قال صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو حين بلغه انهماكه في العبادة انهماكا أنساه حق أهله عليه: «ألم أخبر أنك تصوم النهار وتقوم الليل؟ قال عبد الله: قلت بلى يا رسول الله. . . قال صلى الله عليه وسلم لا تفعل صم وأفطر وقم ونم. . . فإن لجسدك عليك حقا وإن لعينك عليك حقا، وإن لزوجك عليك حقا، وإن لزورك عليك حقا» (1) . يعني فأعط كل ذي حق حقه ولا تغلُ في ناحية على حساب أخرى، وما أصدق ما قال بعض الحكماء: ما رأيت إسرافا إلا وجانبه حق مضيع.

وكما نهى الله جلّ وعلا عن الغلو والتطرف والإفراط نهى كذلك عن التفريط في الدين، والذي يعني في أبسط معانيه وصوره التضييع والتقصير والتهاون والترك، والتفريط في الدين يكون بسبب عدم الاهتمام بالمحافظة على حدود الله وعدم الرغبة بالتزامها، نتيجة ضعف الإيمان أو انعدامه، وعلى هذا فالتفريط في الدين إنْ لم يكن من مستوى الكفر والجحود فهو اتباع للهوى وإيثار للشهوات وحب للعاجلة، وترك الأخرى، وقد يصل ذلك إلى مستوى الرغبة في الفجور وهو الانطلاق الوقح في المعاصي والآثام دون ضابط.

(1) رواه البخاري.

ص: 27