الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الطلاق آفةُ الأسرة
للآنسة مديحة كاظم
تعاني الأمة منذ أمد بعيد أزمة اجتماعية عنيفة وتكتسح البلاد موجةٌ من الاضطراب الفكري، تكرمت على إثرها نخبة من الكتاب وساهم كل منهم بإدلاء رأي له قيمته في معالجة الوضع الاجتماعي، وبسد ثغرة من الثغرات المفتوحة في جسد الأمة. وذلك أملاً بانتشال الجيل من البحران الفكري الذي يعانيه وبإيصاله إلى شاطئ الحقيقة والسلام الذي تنتهي عنده آلام المجتمع. . ولكن علام نسعى إلى إزالة الدخان قبل أن نطفئ النار؟. .
إن في جسد الأمة مرضاً فتاكاً، مرضاً من ذلك النوع الخطر الذي ينتهي بصاحبه إلى هوة العدم، مرضاً لم يخصه أحد بالبحث ولا أدري أكان إهمالاً أم تجاهلاً؟. . .
وبدوري سأتحدث عنه آملة أن أوفق إلى ذلك بعض التوفيق وألا تكون حملة بعضهم علي قوية وشديدة. وسوف لا أجعل من التحدث عن المرأة بيت القصيد في مقالي لأننا لا ننكر قط خطورة الواجب الملقى على عاتقها، وقدسية العمل الذي تقوم به نحو المجتمع فيما إذا قامت بتأدية رسالتها على الوجه الأتم. تلك الرسالة التي تسير بالأمة في طريق السمو وتجعلها تتبوأ مكاناً إلى جانب الأمم المتحضرة. وقد أقر ليبنتز الألماني ذلك بقوله تنتظم حالة المجتمع متى تحسنت فيه تربية الناشئين، وإذا أردت أن تعرف درجة ارتقاء أمة ومستقبل شعبها ووضع حكومتها لاحظ فقط المبادئ التي تغرسها الأم في نفوس الناشئين. فالمرأة إذن قوام العائلة والعائلة ركن الأمة وقوامها. فأي مصير تنتظر أمة يكون قوام بنائها معرضاً للتهديم بمعول الرجل دون قيد ولا شرط؟. . . عفواً أنا لا أخص بقولي القليلين الذين يحترمون قدسية الرباط العائلي ويعرفون أهمية البناء المنزلي وإنما الفئة التي لا يهمها إلا ذاتها وهي تشكل ويا للأسف السواد الأعظم من الناس.
لا شك أن كلامنا يلاحظ هذه الظاهرة الخطيرة في مجتمعنا، وكل منا يقرها بنفسه وإن يتحاشى عن الاعتراف بها علانية. فمنزلنا العربي ذلك الركن الذي يقوم عليه بناء المجتمع، هو نهب لعواصف الرجل ونزعاته. وما أكثر ما تثور تلك العواصف لا لشيء إلا لإشباع رغبة ملحة يغذيها حب ذات قوي وأنانية جارفة وجشعٌ لا حدود له.
يقدم الرجل على عمله ويقوم بالهدم فيطوح بقوام عائلته في بيداء الحياة، لا لذنب فاحش
اقترفته أو لجريمة منكرة ارتكبتها وإنما رغبة في تغيير النوع، وهكذا يصوب سهام الشقاء إلى أطفاله وبنيه ضحايا النظام الاجتماعي السائد. ثم هو لا يقف عند هذا الحد بل ينظر إلى عمله بمنظاره الخاص فيراه منطقياً حسب إدعائه، معقولاً حسب تراثه الفكري ويتجاهل مدى الأثر الذي يتركه عمله في جسد الأمة. وما أكثر ما يتكرر هذا الجرم الإنساني عند سائر الطبقات.
أولا يعد هذا أنانية وأثرة؟ لقد حرم الله ذلك ولم يحلله إلا ضمن قيود وشروط فجاء في الآية الكريمة يا أيها النبيُ إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة وتلك حدود الله. ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه إذن علام يتجاوز الرجل حدود الله ويتخذ من الدين ذريعة لهدم البناء؟ فالدين أسمى وأنبل بل وأرفع من أن يبرر عملاً مغايراً للمبادئ الإنسانية قاطبة، عملاً فيه إجرام وتضليل وحرمان.
فماذا تفيد فتاتنا ثقافتها وماذا يفيدها أدبها؟ إن لم يعترف بكيانها كربة منزل لها كرامة وحقوق في عرش منزل طالما رعته بحنانها، إن كانت هدفاً لأهواء الرجل والإصابة بالحرمان دون قيد ولا شرط!! فأي مبادئ ننتظر من مخلوق طُعن في الصميم وأصابه الحرمان؟ فقوام العائلة والحالة هذه مهددٌ بالخراب والأمة كذلك. وإذا راجعنا في قيود المحاكم الشرعية التابعة لمحافظة دمشق نرى أن عدد حوادث الطلاق لا يقل عن الزواج وأن ضحايا الطلاق من نساء وأطفال يشكل القسم الأكبر من سواد الأمة.
أما الوليد ذلك العنصر الفعَال في بناء المجتمع، ذلك المخلوق الذي سيغدو رجل الأمة إن كان ولداً وأم المجتمع إن كانت بنتاً، فإلى من يؤول أمره عندما يتعرض وكره الجميل إلى عواصف التهديم وعندما يصاب بالحرمان من العطف الوالدي؟!!
إن هذا الكائن يشب وروح النقمة تملأ حناياه وشعور بالخيبة والحرمان يقوده نحو الشر. ونحن ويا لله من هذا المخلوق الذي سيصبح رجل الأمة تطلب عملاً صالحاً ونريده أن يسير دفة عمله على الوجه الإنساني الأتم. فعلى عاتق من يجب أن تلقى تبعة ذلك ألم تكن على عاتق الرجل؟. .
فالمجتمع يئن متوجعاً ولا ينهض إلا إذا دعمته روح التضحية الكبرى من أفراده وبنيه، والفرد لا يكون صالحاً إلا إن تجرد عن أنانيته واحترام قدسية الرباط العائلي واشترك مع
شريكته في تربية أطفاله وبنيه، وذلك ليتمكن من بناء أسرة قوية غايتها السير بالأمة في طريق الكمال.
فيا شباب الوطن شيد بناء عائلتك على أساس المنطق والتفاهم النبيل ودع شعور الإعجاب بالجمال جانباً واحترم قدسية الرباط الزوجي واعلم أنك ببنائك الصغير تساهم في بناء المجتمع الكبير.
مديحة كاظم
المعلمة في مدرسة خديجة الكبرى