المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الجزء الثالث من خطط الشام يتابع الباحث في هذا الجزء ما - مجلة المقتبس - جـ ١

[محمد كرد علي]

فهرس الكتاب

- ‌محمد كرد علي علاّمة الشام

- ‌تراث ضخم بجميع المقاييس

- ‌موهبة واعدة ومبكرة

- ‌بين الأدب والصحافة

- ‌تجربة غنية في الديار المصرية

- ‌أبو المجامع

- ‌مجمع للعرب جميعاً

- ‌أهداف أساسية

- ‌بين الترجمة والمقالة والدراسة والتحقيق

- ‌شخصية منفردة

- ‌سيرة حافلة

- ‌التنوع والتميز

- ‌خطط الشام

- ‌في الجزء الأول

- ‌الجزء الثاني من خطط الشام

- ‌الجزء الثالث من خطط الشام

- ‌الجزء الرابع من خطط الشام

- ‌الجزء الخامس من خطط الشام

- ‌الجزء السادس من خطط الشام

- ‌المصادر والمراجع:

- ‌انتقادات على محمد كرد علي

- ‌1 - من مشاركة (أبو مشاري) في ملتقى أهل الحديث

- ‌2 - من مشاركة (حسين بن محمد جمعة) منتدى مركز ودود

- ‌العدد 1

- ‌صدور المشارقة والمغاربة

- ‌الأمية والكتاتيب

- ‌سيئات القرن الماضي

- ‌تعليم اللغات

- ‌الأخلاق الفاضلة

- ‌ماهية الحياة

- ‌التمثيل في الإسلام

- ‌التناسل الغريب

- ‌التربية والتعليم

- ‌صحف منسية

- ‌نكات الوهراني

- ‌وصف الجرائد

- ‌الغزل المصري

- ‌تدبير الصحة

- ‌تدبير المنزل

- ‌مطبوعات ومخطوطات

- ‌سيرة العلم

- ‌مقالات المجلات

- ‌نفاضة الجراب

الفصل: ‌ ‌الجزء الثالث من خطط الشام يتابع الباحث في هذا الجزء ما

‌الجزء الثالث من خطط الشام

يتابع الباحث في هذا الجزء ما وصل إليه في نهاية الجزء الثاني عن تاريخ الدولة العثمانية حتى سقوط السلطان عبد الحميد الثاني وصدور الدستور معرجاً على منشأ الصهيونية في تلك المرحلة والحرب العالمية وقسط الشام من الحرب، وإعدام جمال باشا أحرار الشام والوقائع المهمة في فلسطين، وسقوط القدس، وما إليها، وسقوط بلاد الشام بأيدي الحلفاء، وتجزئة الشام بين فرنسا وإنكلترا، ومبايعة الملك فيصل ملكاً على الشام، ودخول المستعمرين الغربيين بلاد الشام، وتقسيمها إلى دويلات، ودور الصهيونية في تلك المرحلة فيهجر اليهود إلى فلسطين تحت الحماية البريطانية، وتنفيذ معاهدة سايكس بيكو وصكوك الانتداب على سورية ولبنان وفلسطين وشرق الأردن.

‌الجزء الرابع من خطط الشام

هذا الفصل يتميز من حيث موضوعه المختار عن العلم والأدب في بلاد الشام، بالتفصيل منذ القديم حتى نهاية القرن الرابع عشر بما في ذلك الجامعات والمكتبات والصحافة والطباعة والكتب، وينتقل الباحث بعد ذلك إلى الفنون الجميلة: الموسيقى والغناء والتصوير والنقش، والبناء، والشعر، والفصاحة، والرقص، والتمثيل، وكيفية الارتقاء بهذه الفنون.

وفي الفصل التالي من الجزء الرابع عرض شامل للزراعة الشامية وهو بدوره فصل غني يبدأ بالمشكلة الزراعية القائمة آنذاك من خلال قلة العناية بالأنهار، وخراب الزراعة والمزارع وعوامل هذا الخراب، وآفة الهجرة على الزراعة، لينتقل إلى خصب الأراضي ومعالجتها وما يزرع فيها، وتقسيم السهول والجبال، والطرق الجديدة في الزراعة، وأصناف الزرع، والأشجار، والتربة، والحراج، والري إلى الحيوانات والدواجن والصناعات الزراعية وطرق استثمار الأراضي والضرائب الزراعية وأقراض الزراع.

ص: 23

أما الفصل الذي يليه فقد خصص للصناعات الشامية: الغزل والحياكة والنساجة، والدباغة وصناعات الجلود، وتربية دود الحرير أو النجارة، والقبانة، والحدادة، والنحاسة، وتصنيع الزجاج والدهان والفخار والقيشاني، والمرايا، والصباغة وصناعة الصدف والرخام والسجاد والحصير، وصولاً إلى الصناعات المحدثة.

أما الفصل الأخير من هذا الجزء فكان عن التجارة، وموقع الشام من التجارة، وتجارة القدماء، ودور التجارة والاقتصاديات في العهد الحديث، والورق النقدي، والحواجز الجمركية والواردات والصادرات.

‌الجزء الخامس من خطط الشام

خصص الفصل الأول عن الجيوش قديماً وحديثاً، تليه تفاصيل عن الأسطول البحري، وعن الجباية والخراج والأوقاف والحسبة والبلديات، والترع والمرافئ والطرق والمساجد والمصانع والقصور وخاصة الجامع الأموي، والحرم القدسي، والمسجد الأقصى، والقصور الشامية والقلاع، وهندسة البيوت والجسور.

‌الجزء السادس من خطط الشام

خصص للبيع والكنائس والجوامع والمدارس والمستشفيات والبيمارستانات ودور الآثار ودور الكتب والأديان والمذاهب والعادات والتقاليد التي كانت تحكم بلاد الشام على مر العصور.

وهكذا نجد أن من الصعوبة تقديم دراسة تفصيلية عن هذه الأجزاء الستة الضخمة من (خطط الشام) لما تحتوي عليه من مادة غزيرة أعدها الباحث خلال ربع قرن من الزمن، ولم نكن نرغب أن يغيب التعريف بهذه الخطط عن قارئ سيرة محمد كرد علي، فآثرنا تقديم عرض مكثف لأهم العناوين التي اشتملت عليها الأجزاء الستة، فهذا يعين القارئ والباحث على استقراء كامل تاريخ بلاد الشام ويمكنه الرجوع إلى الأصل إذا أراد التوسع في الاطلاع.

‌المصادر والمراجع:

مراجع عامة

ـ عبد القادر عياش ـ معجم المؤلفين السوريين.

ـ خير الدين الزركلي ـ الأعلام.

ـ عدنان الخطيب ـ كتيب (محمد كرد علي).

ـ مصنفات مجمع اللغة العربية.

ص: 24

‌انتقادات على محمد كرد علي

‌1 - من مشاركة (أبو مشاري) في ملتقى أهل الحديث

لا زال الزمن يكشف لنا عن أقنعة، لمعظمين، لا يستحقون التعظيم، والقائمة في هؤلاء تطول، ولكن أعرض هنا، لبعض النظرات في مذكرات محمد كرد علي، رئيس مجمع اللغة العربية في دمشق الشام، ووزير معارفها الأسبق، وصاحب مجلة المقتبس، والذي كنا نحسن فيه الظن، لتتلمذه على العلامة طاهر الجزائري، وامتداحه في مقالته ابن تيمية، والوهابية مع الإمام محمد بن عبد الوهاب.

حيث أني قد أنهيت قبل أيام النظر في مذكراته، في مجلداتها الأربع، والتي طبعت، بإعادة التصوير من دار أضواء السلف، طمعا في الاستفادة منها، ولأضيف لعمري عمرا آخر، كما استفدنا من ذكريات العلامة الموسوعي الأديب علي الطنطاوي رحمه الله رحمة واسعة، إذ فيها كل ما لذ وطاب.

ولكن تبين في مذكرات كرد علي عدة أمور، أعرض لبعضها:

* قلة الفائدة، خاصة في زماننا هذا، حيث غلب على مذكراته، الناحية السياسية، وتكلم على أحداث، وتفاصيل غير مهمة في شأن الدولة العثمانية، والدولة السورية.

وكنت بحثت عن اسمه في مجلة المنار لمحمد رشيد رضا رحمه الله، فرأيته يقول عنه، أنه ليس له في السياسة علم.

والعجيب أن كرد علي في كتابه (المعاصرون) ذكر هذا عن محمد رشيد رضا، أي أنه لا يفهم بالسياسة!.

* كتب مذكراته عند كبر سنه، فأساء الحكم على الرجال، والأزمان، كما ذكر الزركلي في أعلامه، والطنتطاوي في مذكراته، وغيرهم، وعلى حد تعبير الزركلي، أن خوفه من جمال باشا السفاح التركي، ظل يلاحقه حتى بعد سقوط الدولة العلية.

* الخلل العقدي العظيم عند هذا الرجل، إذ أنه لا يكاد يؤمن، بعقيدة الولاء والبراء، فهو قومي وطني بحت، حتى إنه ليقول أنه يأنس للياباني الذي أخذ بأسباب الحضارة والمدنية وإن لم يكن مسلما أكثر من، القروي الأمي المسلم!، أضف إلى ذلك ثناءه الحار وحبه لبعض الدرز والمورون والقساوسة

الخ فقط لأنهم عرب.

* يثني في أكثر من موضع على مذهب المعتزلة، فيقول:((لما انقرض مذهب المعتزلة تراجع أمر المسلمين عامة)) 4/ 1252.

* يدعو بدعوة مضل المرأة (قاسم أمين) كما في مقاله ((الحجاب والسفور)) 4/ 1048، يبارك ما بدأ في الشام من زيادة السفور يوما بعد يوم ببركة دعاة التحرير، ويزعم أن آية الحجاب خاصة في أزواج النبي صلى الله عليه وسلم!.

ويقول في موضع آخر ((ربما كان النساء يفضلن الحجاب على السفور حتى تستر صورخن القبيحة عمن يسارقوهن النظر متخيلين أن هناك جمالا ما وقعت على مثله عين)) 4/ 1271.

* نشأ حزب الإخوان المسلمون في عهده، على يد الإمام حسن البنا رحمه الله، فاتهمهم بسرقة مال الأمة، وأن الفقهاء وأهل الدين متى ما تكلموا بالسياسة أتوا بالعجائب، فلا ينبغي لهم الكلام بالسياسة.

ويقول: ((يوم فصلت الأمم النصرانية الدين عن الدنيا سارت أمورها على السداد)) 4/ 1075، ولذلك نجده في أحد مقالته يثني على علي عبد الرازق، بعد قبوله في مجمع اللغة العربية، ويعتب على من قدم له يوم دخوله ولم يذكره كتابه ((الإسلام وأصول الحكم))، والمعروف تكفير علماء الأزهر لكاتبه، وفصل من الأزهر، أيام العلامة محمد الخضر حسين رحمه الله، شيخ الأزهر.

فهذه بعض النظرات على عجالة من الأمر، إلا فالطوام عديدة، وكثيرة، والله المستعان وعليه التكلان. " انتهى.

‌2 - من مشاركة (حسين بن محمد جمعة) منتدى مركز ودود

نعم للأستاذ: محمد كرد علي جهود مشكورة واهتمامات تفيد في البحث والجمع وغير ذلك من الإيجابيات.

فهذه يستفاد منها؛ كما أنها تستفاد من غيره

ومع ذلك نبين ونوضح أشياء أخرى قد جانب فيها الحق والصواب

فمن أحبه فـ لينظر فيما أحسن وأصاب، ولا يتابعه فيما أساء فيه وأخطأ.

ونحن نتفق على جعل القدوات لأجيالنا وأحفادنا من كان على الكتاب والسنة الصحيحة؛ وكل من وما يقربهم من فهم كلام الله تعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم على طريقة وفهم السلف الصالح رضوان الله عليهم.

والأستاذ محمد كرد علي؛ كغيره من أولئك اللذين قد عاشوا فترات الفتن المظلمة الداعية للتغريب والعلمنة؛ بحجة السياسة المدنية الصرفة لليد المستعلية ولو كانت كافرة، تمهيدا لاحتلال بلد المسلمين، وتثبيتا للانحرافات العقدية والعلمية الشرعية والمدنية، ومسخ الهوية الإسلامية والقدوات الصالحة.

ففي تلك الفترة أعيد نشر وتعظيم تراث الاعتزال والمعتزلة ورموزها ورجالها؛ لهذا الغرض، كما أنه كانت النصرة كاملة لكل من يطعن أو يخالف الدولة العثمانية والخلافة العثمانية؛ اغترارا بمستقبل سياسي مدني أفضل، بغض النظر عن الشرع الإسلامي والحياة الإسلامية الصحيحة.

ولذا تجد هؤلاء ونحوهم يمدحون شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره؛ ولو كان المادح درزيا أو ماسونا، أو من المعتزلة الجدد ودعاة التغريب وغيرهم؛ ممن يجري مجراهم.

فالسياسة عندهم - عمليا - لا دخل لها في الدين، والدين عندهم لا دخل له في السياسة. والحياة المشتركة والاجتماع إنما هي بأن نجتمع على ما نتفق عليه (أيا كان)، ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه. حتى جعلوا ذلك لهم عقيدة ومنهج حياة، وقاعدة ذهبية في السياسة والمدنية والاجتماع.

والواجب على المسلمين أن تكون قاعدة اجتماعهم تثبيت الدين والعدل وأداء الأمانات، ونفي الكفر والظلم والعدوان.

كما قال الله تعالى؛ وقوله الحق: " وتعاونوا على البر والتقوى، ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ".

وتفاصيل هذا تجده في كتب السياسة الشرعية.

وقد مهدت بهذا الاستطراد؛ لخفاء الأمر على كثير من الناس واغترارهم بأقوال لا حقيقة لها ولا اعتبار، وتاريخ ورجال؛ بلا تاريخ صحيح ولا أنصاف رجال.

وانظر في ذلك كتابا مهما؛ وهو كتاب: " الانحرافات العقدية والعلمية في القرنين الثالث عشر والرابع عشر الهجريين، وآثارها في حياة الأمة "، رسالة ماجستير، بجامعة أم القرى، تأليف: علي بن بخيت الزهراني. وهي مطبوعة، في (1094) صفحة - دار الرسالة - مكة المكرمة.

ص: 25

‌صحف منسية

نصائح ابن حزم

باب عظيم من أبواب العقل والراحة وهو طرح المبالاة بكلام الناس واستعمال المبالاة بكلام الخالق عز وجل بل هو العقل كله والراحة كلها. من قدر أنه يسلم من طعن الناس وعيبهم فهو مجنون. من حقق النظر وراض نفسه على السكون إلى الحقائق وأن المها في أول صدمة كان اغتباطه بذم الناس إياه أشد وأكثر من اغتباطه بمدحهم إياه لأن مدحهم إياه إن كان بحق وبلغه مدحهم له أسرى ذلك فيه العجب فأفسد بذلك فضائله وإن كان بباطل فبلغه فسر فقد صار مسروراً بالكذب وهذا نقص شديد. وأما ذم الناس إياه فإن كان بحق فبلغه فربما كان ذلك سبباً إلى تجنبه ما يعاب عليه وهذا حظ عظيم لا يزهد فيه إلا ناقص. وإن كان بباطل فصبر اكتسب فضلاً زائداً بالحلم والصبر.

لو لم يكن من فضل العلم إلا أن الجهال يهابونك ويحبونك وأن العلماء يحبونك ويكرمونك لكان ذلك سبباً إلى وجوب طلبه فكيف بسائر فضائله في الدنيا والآخرة. لو لم يكن من نقص الجهل إلا أن صاحبه يحسد العلماء ويغبطه نظراؤه من الجهال لكان ذلك سبباً إلى وجوب الفرار منه فكيف بسائر رذائله في الدنيا والآخرة. لو لم يكن من فائدة العلم والاشتغال به إلا أنه يقطع المشتغل به عن الوساوس المضنية ومطارح الآمال التي لا تفيد غير الهم وكفاية الأفكار المؤلمة للنفس لكان ذلك أعظم داع إليه.

من شغل نفسه بأدنى العلوم وترك أعلاها وهو قادر عليه كان كزارع الذرة في الأرض التي يجود فيها البر وكغارس الشعراء (شجرة من الحمض ليس لها ورق ولها هدب تحرص عليها الإبل حرصاً شديداً تخرج عيداناً شداداً) حيث يزكو النخل والزيتون. نشر العلم عند من ليس من أهله مفسد لهم كإطعامك العسل والحلواء من به احتراق وحمى وكتشميمك المسك لمن به صداع من احتدام الصفراء. الباخل بالعلم ألوم من الباخل بالمال لأن الباخل بالمال أشفق من فناء ما بيده والباخل بالعلم بخل بما لا يفنى على النفقة ولا يفارقه مع البذل. من مال بطبعه إلى علم ما وإن كان أدنى من غيره فلا يشغلها بسواه فيكون كغارس النارجيل بالأندلس وكغارس الزيتون بالهند وكل ذلك لا ينجب.

احرص على أن توصف بسلامة الجانب وتحفظ من أن توصف بالدهاء فيكثر المتحفظون

ص: 23

منك حتى ربما أضر ذلك بك وربما قتلك. وطن نفسك على ما تكره يقلُّ همك إذا أتاك ولم تتضر بتوطينك أولاً ويعظم سرورك ويتضاعف إذا أتاك ما تحب مما لم تكن قدرته. الوجع والفقر والنكبة والخوف لا يحس أذاها إلا من كان فيها ولا يعلم قيمتها إلا من كان خارجاً عنها وليس يراه من كان داخلاً فيها. الأمن والصحة والغنى لا يعرف حقها من كان فيها. وجودة الرأي والفضائل وعمل الآخرة لا يعرف فضلها إلا من كان من أهلها ولا يعرفه من لم يكن منها. التهويل بلزوم زي ما والاكفهرار وقلة الانبساط ستائر جعلها الجهال الذين مكنتهم الدنيا أمام جهلهم. ثق بالمتدين وإن كان على غير ديتك ولا تثق بالمستخف وإن أظهر أنه على دينك. من استخف بحرمات الله فلا تأمنه على شيء تشفق عليه. وجدت المشاركين بأرواحهم أكثر من المشاركين بأموالهم وعلة ذلك طبيعية في البشر إنما تأنس النفس بالنفس فأما الجسد فمستثقل مبروم به ودليل ذلك استعجال المرء بدفن حبيبه إذا فارقته نفسه وأسفه لذهاب النفس وإن كانت الجثة حاضرة بين يديه.

خطأ الواحد خير في تدبير الأمور من صواب الجماعة التي لا يجمعها واحد لأن خطأ الواحد في ذلك يستدرك وصواب الجماعة يضري على استدامة الإهمال وفي ذلك الهلاك. سوء الظن يعده قوم عيباً على الإطلاق وليس كذلك إلا إذا أدى صاحبه إلى ما لا يحل في الديانة أو إلى ما يقبح في المعاملة وإلا فهو حزم والحزم فضيلة. من عيب حب الذكر أنه يحبط الأعمال إذا أحب عاملها أن يذكر بها وكاد يكون شركاً لأنه يعمل لغير الله تعالى وهو يطمس الفضائل لأن صاحبه لا يكاد يفعل الخير حباً للخير لكن ليذكر به فواجب على المرء ترداد النصح رضي المنصوح أو سخط تأذى الناصح بذلك أو لم يتأذ إذا نصحت فانصح سراً لا جهراً أو بتعريض لا تصريح إلا أن لا يفهم المنصوح تعريضك فلابد من التصريح ولا تنصح على شرط القبول منك فإن تعديت هذه الوجوه فأنت ظالم لا ناصح وطالب طاعة وملك لا مؤد حق ديانة وأخوة. . . لا تنقل إلى صديقك ما يؤلم نفسه ولا ينتفع بمعرفته فهذا فعل الأرذال ولا تكتمه ما يستضر بجهله فهذا فعل الشر.

الناس في بعض أخلاقهم على تسع مراتب فطائفة تمدح في الوجه وتذم في المغيب وهذه صفة أهل النفاق والعيابين. وهذا خلق فاش في الناس غالب عليهم. وطائفة تذم في المشهد والمغيب وهذه صفة أهل السلاطة والوقاحة من العيابين. وطائفة تمدح في الوجه والغيب

ص: 24

وهذه صفة أهل الملق والطمع. وطائفة تذم في المشهد وتمدح في المغيب وهذه صفة أهل السخف والنواكة. وأما أهل الفضل فيمسكون عن المدح والذم في المشاهد ويثنون بالخير في المغيب أو يمسكون عن الذم وأما العيابون البراء من النفاق والقحة فيمسكون عن المدح وعن الذم في المشهد والمغيب.

مما ينجع في الوعظ الثناء بحضرة المسيء على من فعل خلاف فعله فهذا داعية إلى عمل الخير وما أعلم لحب المدح فضلاً إلا هذا وحده وهو أن يقتدي به من يسمع الثناء ولهذا نوجب أن نؤرخ الفضائل والرذائل لينفر سامعها عن القبيح المأثور عن غيره ويرغب في الحسن المنقول عمن تقدمه ويتعظ بما سلف. وتأملت كل ما دون السماء وطالت فكرتي فوجدت كل شيء فيه من حي وغير حي طبعه إن قوي أن يقلع عن غيره من الأنواع كيفياته ويلبسه صفاته فترى الفاضل يودُّ لو كان الناس فضلاء وترى كل من ذكر شيئاً يحض عليه بقول أو فعل أمراً مداوماً وكل ذي مذهب يود لو كان الناس موافقين له وترى ذلك في الغياض إذا أحال بعضها على بعض أحاله إلى نوعيته وترى ذلك في تركيب الشجر وفي تغذي النبات والشجر والماء ورطوبة الأرض وإحالتها ذلك إلى نوعيتها.

ص: 25