المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب نية الصوم وما يتعلق بها - التعليق على رسالة حقيقة الصيام وكتاب الصيام من الفروع ومسائل مختارة منه

[ابن عثيمين]

فهرس الكتاب

- ‌تقديم

- ‌فصل فيما يفطر الصائم وما لا يفطره

- ‌فصل في الكحل والحقنة وما يقطر في إحليله ومداواة المأمومة والجائفة

- ‌فصل: صوم رمضان فرض

- ‌فصل: وإن رئي الهلال نهارا

- ‌فصل: وإن ثبتت رؤيته بمكان قريب أو بعيد

- ‌فصل: ويقبل في هلال رمضان قول عدل واحد

- ‌فصل: ومن صام بشاهدين ثلاثين يوماً

- ‌فصل: وإذا اشتبهت الأشهُرُ على الأسير والمطمور ومن بمفَازَةٍ ونحوهم

- ‌فصل: يكره الصوم وإتمامه لمريض يخاف زيادة مرضه أو طوله

- ‌فصل: للمسافر الفطر

- ‌فصل: من عجز عن الصوم لكبر

- ‌باب نية الصوم وما يتعلق بها

- ‌باب ما يفسد الصوم، ويوجب الكفارة وما يحرم فيه أو يكره أو يجب أو يسن أو يباح

- ‌فصل: وإنما يفطر بجميع ما سبق إذا فعله عامداً ذاكراً لصومِهِ مختاراً

- ‌فصل: ولا كفارة بغير جماع ومباشرة

- ‌فصل: وإن طار إلى حلقِهِ غبار طريقٍ أو دقيقٍ أو دخان لم يفطر

- ‌فصل: يكره للصائم أن يجمع ريقه ويبلعه

- ‌فصل: قال أحمد رحمه الله تعالى ينبغي للصائم أن يتعاهد صومه من لسانه

- ‌فصل: يسن تعجيل الإفطار إذا تحقق غروب الشمس

- ‌فصل: من أكل شاكا في غروب الشمس

- ‌فصل: من جامَعَ في صوم رمضان بلا عذر

- ‌باب حكم قضاء الصوم وغيره وما يتعلق بذلك

- ‌باب صوم التطوع وذكر ليلة القدر وما يتعلق بذلك

- ‌فصل: يُكْرَهُ صوم الدهر

- ‌فصل: يكره الوصال

- ‌فصل: يُكْرَهُ استقبال رمضان بيوم أو يومين

- ‌فصل: يكره إفراد رجب بالصوم

- ‌فصل: يكره أن يتعمد إفراد يوم الجمعة بصوم

- ‌فصل: وكذا إفراد يوم السبت بالصوم

- ‌فصل: وكذا يكره إفراد يوم النيروز

- ‌فصل: ولا يحرم صوم ما سبق من الأيام

- ‌فصل: قال إسحاق بن إبراهيم

- ‌فصل: يوم الشك إذا لم يكن في السماء علة، ولم يتراءى الناس الهلال

- ‌فصل: يحرم صوم يومي العيدين

- ‌فصل: وكذا صوم أيام التشريق نفلا

- ‌فصل: وهل يجوز لمن عليه صوم فرض أن يتطوع بالصوم

- ‌فصل: من دخل في صوم تطوعٍ استحب له إتمامه، ولم يجب، وإن أفسده لم يلزمه قضاء

- ‌فصل: هل يثاب على العبادة على وجه محرم أو مكروه

- ‌فصل: من دخل في واجب موسع

- ‌فصل: ليلة القدر شريفة معظمة

- ‌فصل: وليلة القدر أفضل الليالي

- ‌باب الاعتكاف

- ‌فصل: ولا يجوز أن يعتكف العبد بلا إذن سيده، ولا المرأة بلا إذن زوجها

- ‌فصل: ولا يصح من رجل تلزمه الصلاة جماعة في مدة اعتكافه إلا في مسجد تقام فيه الجماعة

- ‌فصل: ويصح بغير صوم

- ‌فصل: من قال لله علي أن اعتكف صائم

- ‌مسائل مختارة من كتاب الصيام من الفروع

- ‌المسألة الأولى:

- ‌المسألة الثانية:

- ‌المسألة الثالثة:

- ‌المسألة الرابعة:

- ‌المسألة الخامسة:

- ‌المسألة السادسة:

- ‌المسألة السابعة في النية:

- ‌المسألة الثامنة:

- ‌المسألة التاسعة: المفطرات:

- ‌الخلاف في المفطرات (من الفروع)

الفصل: ‌باب نية الصوم وما يتعلق بها

ومن وجد آدميّاً معصوما في مَهْلكةٍ، كغريق، ونحوه، ففي «فتاوى ابن الزاغوني» : يلزمه إنقاذه ولو أفطر، ويأتي في الديات - إن شاء الله تعالى -: أن بعضهم ذكر في وجوبه وجهين، وذكر بعضهم هنا وجهين (1) ، وهل تلزمه الكفارة كالمرضع؟ يحتمل وجهين، وهل يرجع بها على المنقذ؟ قال صاحب «الرعاية» : يحتمل وجهين، ويتوجه أنه كإنقاذِهِ من الكُفَّار، ونفقتهِ على الآبق (2) .

‌باب نية الصوم وما يتعلق بها

لا يصح صوم إلا بنِيةٍ، ذكره بعضهم (ع) كالصَّلاةِ والزَّكاةِ والحج، وخالف زفر في صوم رمضان في حق المقيم الصحيح (3) .

ومَنْ نسي النية أو أغمي عليه حتى طلع الفجر، لم يصح.

وتعتبر النية من الليل لكل صوم واجب (وم ش) ؛ لقوله عليه السلام: «لا صيام لمن لم يُجْمِع الصيام من الليل» . رواه الخمسة.

(1) والصواب بلا شك أنه يلزمه إنقاذه، وإذا توقف إنقاذه على الفطر وجب الفطر، فهنا إنسان غريق أو حرق والنار تلتهم ما حوله، وقال المنقذ: لا أستطيع أن أنقذه إلا إذا أفطرت، فنقول له: أفطر، وهذا يقع كثيراً في أصحاب الدفاع المدني، فأحياناً يكون حريق في نهار رمضان، ولا يستطيعون أن يقربوا حول النار إلا إذا أفطروا، خصوصاً في أيام الصيف، فنقول: أفطروا وجوباً، وأنقذوا الأحياء.

(2)

والصحيح أنه لا كفارة عليه فكيف نلزمه أن ينقذ ويتعب ثم بعد ذلك نقول له عليك كفارة، فالصحيح أنه لا كفارة عليه وكما عُلِم في مسألة الحامل والمرضع أن في وجوب الكفارة عليهما خلاف والخلاصة: أنه يجب الفطر لإنقاذ المعصوم إذا لم يمكن إنقاذه إلا بالفطر والصحيح أنه لا يلزم مع القضاء الكفارة.

(3)

يعني: عند زفر رحمه الله أن رمضان لا يحتاج إلى نية؛ لأن الناس كلهم قد نووا الصوم، وينبني على هذا لو نام الإنسان ولم يستيقظ إلا بعد طلوع الفجر، وثبت هذا من رمضان، فإنه يجزئه وإن لم ينوِ في الليل أنه غداً صائم.

ص: 119

قال الدارقطني، والخطابي، والبيهقي: رفعه عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم، وهو من الثقات، ولم يُثبتْ أحمد رَفْعَه بل عن حفصة وابن عمر، وصحح الترمذي وَقْفَه على ابن عمر. وللدارقطني عن أبي بكر أحمد بن محمد، حدثنا رَوْحٌ بن الفَرَجِ أبو الزنباع، حدثنا عبد الله بن عباد، حدثنا المفضل بن فضالة، حدثني يحيى بن أيوب، عن يحيى بن سعيدٍ، عن عمرة، عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«مَنْ لم يُبَيِّتِ الصِّيامَ قبل طلوع الفجر، فلا صيام له» .

قال الدارقطني: تفرد به عبد الله بن عباد عن المفضل بهذا الإسناد، وكلهم ثقات. وذكر بعضهم أنه ضعيف، ثُمَّ قال: قال ابن حِبَّانَ: روى عنه أبو الزِّنباعِ رَوْحٌ نُسخَةً موضوعة.

ورواه مالك والنسائي عنها موقوفاً، وعن حفصة، وعن ابن عمر، والله أعلم.

ولأن النية عند ابتداء العبادة كالصلاة والحج.

وعند بعض الشافعية تُجْزِئُ النية مَعَ طلوع الفجر، وأَبْطَلَه صاحب «المحرَّر» بالخبر، وبأن الشرط يَسْبِقُ المشروط. قال: وكذا القول في الصلاة وغيرها؛ لا بُدَّ أن توجد النية قبل دُخُولِهِ فيها. كذا قال، وسبق كلامه وكلام غيره: الأفضل مقارنة النية للتكبير (1) .

(1) وهذا يقتضي أن لا تسبق النية العمل، وقال رحمه الله: الأفضل أن تكون مقارنة، والصواب أن النية لا بد منها قبل الفجر؛ لأنه إذا لم ينوِ إلا بعد طلوع الفجر فإنه لا يقال: إنه صام يوماً، وإنما صام أكثر اليوم، وإذا كان كذلك فالواجب صوم يوم، فلا يصح الواجب إلا بنية قبل طلوع الفجر، ولكن من نام في ليلة الثلاثين من شعبان، وقال: إن كان غدا من رمضان فهو فرضي، ثم لم يستيقظ إلا بعد طلوع الفجر، وتبين أنه من رمضان، فالصحيح أنه يجزئه؛ لأن هذا لا يستطيع سواه، إذ أنه نام قبل أن يثبت الشهر، ولا يستطيع إلا أن يقول: إن كان غدا من رمضان فهو فرضي، فنقول: إن تبين أنه من رمضان فهو فرضه ويجزئه.

وأما لو نام قبل ثبوت الشهر بلا نية للصيام، وثبت بعد نومه أن غداً رمضان، واستيقظ بعد طلوع الفجر، فهذا عند شيخ الإسلام رحمه الله أنه لا يلزمه القضاء؛ لأن النية تتبع العلم، وهذا لم يعلم، وعند الجمهور: يلزمه القضاء، وهو أحوط بلا شك.

والصحيح أن رمضان لا يشترط له نية إلا أول ليلة فقط، والباقي يتبعه، إلا أن ينوي قطعها، بأن وجد ما يبيح الفطر فأفطر، ثم استأنف الصوم في أثناء الشهر، فيلزمه أن يجدد النية.

ص: 120

ومذهب أبي حنيفة، وصاحبَيْهِ: يجزئ رمضان، والنذر المعين بنية قبل الزوال. وعند الأوزاعي: يجزئ كل صوم بنية قبل الزوال وبعده. وحكي عن ابن المسيب.

وإن أتى بعد النية بما يبطل الصَّوْمَ، لم يبطل، نص عليه (و) ، خلافا لابن حامد وبعض الشافعية؛ لظاهر الخَبَرِ؛ ولأن الله أباح الأَكْلَ إلى آخر الليل، فلو بطلت به النية، فات محلها.

وإن نوت الحائض صوم الغد، وقد عرفت الطهر لَيْلاً؛ فقيل: يصح لمشقة المقارنة، وقيل: لا؛ لأنها ليست أَهْلاً للصوم.

ولا تَصِحُّ النية في يوم لصوم الغد (و) للخبر، وكنِيّتِهِ من الليل صَوْمَ بعد غد. وعنه: يصح، نَقَلَها ابن منصور، وفيها: لم ينوه من الليل، فبَطَلَ به تأويل القاضي، وهي في قضاء رمضان، فَيَبْطُل به تأويل ابن عقيل، على أنه يكفي لرمضان نية في أوَّلهِ، وأقرها أبو الحسين على ظاهرها (1) .

(1) يعني: لو نوى أن يصوم بعد غد، أما في رمضان فإذا قلنا: أنه في رمضان تكفي نية واحدة في أوله فالأمر ظاهر، لكن في قضاء رمضان يقول: إن الأصحاب اختلفوا في تخريج الرواية عن الإمام أحمد رحمه الله، ولكن الأظهر أنها تحمل على ظاهرها، وأنه لا بأس أن ينوي أن يصوم بعد غد قضاءاً، مثاله: رجل يصوم القضاء، ويعرف أنه غداً الأربعاء سيأتيه ضيوف، وأنه سيفطر، ولكنه نوى أن يصوم بعد غدٍ فلا مانع من هذا، و «الأعمال بالنيات» [أخرجه البخاري في كتاب بدء الوحي/باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (1) ؛ ومسلم في كتاب الإمارة/باب قوله:«إنما الأعمال بالنيات» (1907) .] كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، أما في رمضان فلاشك أنه يجزئ؛ لأن رمضان على القول الراجح يكفي فيه نية من أوله، فإذا نوى من أول رمضان أنه صائم فإنها تكفي، إلا إذا قطع الصوم لعذر، فإنه عند استئنافه لابد من تجديد النية.

ص: 121

وتعتبر لكل يوم نية مفردة؛ لأنها عبادات؛ لأنه لا يَفْسُدُ يوم بفَسَادِ آخر، وكالقضاء. وعنه: يُجْزئُ في أول رمضان نية واحدة لكله (1)(وم) ، نصرها أبو يعلى الصغير، وعلى قياسه النَّذْرُ المعين ونحوه. فعليها: لو أفطر يوما بعذر أو غيره، لم يصح صيام الباقي بتلك النية، جزم به في «المستوعب» وغيره، وقيل: يصح (وم) مع بقاء التتابع، وقدمه في «الرعاية» ؛ فقال: وقيل: ما لم يفسخها أو يُفْطِر فيه يوماً.

(1) والقول أن النية في أول رمضان تكفي هو الأقرب الموافق للقياس، كما أن الإنسان في صلاته ينوي الصلاة في أول ركعة، ويستمر إلى الركعات الباقية، وإن كان بين المسألتين فرق؛ لأن الصلاة لا يحول بين أجزائها شيء يقطعها، أما الصوم فيحول الفطر، لكن يقال: لا فرق من حيث النية، إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، إلا إذا قطع الصوم لعذر فلا بد من تجديد النية، ومثل ذلك: الحج، فإذا نوى الحج فهل يشترط لكل ركن أن ينويه؟ هذه محل خلاف: فبعضهم يقول: لا يشترط، فيقف بعرفة ولا حاجة إلى نية؛ لأنه نوى حجاً من الأصل، والحج يشتمل على كل أجزائه، وكذلك الطواف لو أن الإنسان مثلاً دخل في يوم العيد، ومع شدة الزحام غابت عنه نية أن هذا طواف الإفاضة، لكن عنده نية أن هذا طواف حج، فهنا الصحيح أنه يجزئه وإن لم ينوِ، وكذلك يقال في السعي والرمي؛ لأن منزلة أجزاء الحج كمنزلة أجزاء الصلاة، فكما أنه لا يحتاج أن ينوي الركوع والسجود والقيام والقعود، فكذلك أجزاء الحج.

ص: 122

ويجب تعيين النية في كل صوم واجب (وم ش) ، وهو أن يعتقد أنه يصوم من رمضان أو من قَضَائهِ، أو نذره، أو كفارته. نص عليه. قال في «الخلاف» : اختارها أصحابنا؛ أبو بكر، وأبو حفص، وغيرهما، واختاره القاضي أيضا والأصحاب، منهم صاحب «المغني» ؛ لقوله:«وإنما لامرئ ما نَوَى» ، وكالقضاء والكفارة، والتعيين مقصود في نفسه؛ لاعتباره لصلاة يضيق وقتها كغيرها، ومن عليه صلاة فاتته، فنوى مطلق الصلاة الفائتة، ولم يعين، لم يجزئه، والحج يخالف العبادات.

وعنه: لا يجب تعيين النية لرمضان (وهـ) ؛ لأن التعيين يراد للتمييز، وهذا الزمان متعين، كالحج. فعليها؛ يصح بنية مطلقة، ونية نفل (وهـ) ليلاً، ونيةِ فرض تردد فيها، واختار صاحب «المحرر» : يصح بنية مطلقة؛ لتعذر صرفه إلى غير نية رَمَضَانَ، فصرف إليه؛ لئلا يَبْطُلَ قصده وعمله، لا بنية مقيدة بنفل أو نذر أو غيره؛ لأنه ناو تَرْكَه؛ فكيف يجعل كنية الفعل؟ وهذا اختيار الخرقي في «شرحه» لـ «المختصر» ، واختاره شيخنا إن كان جاهلاً، وإن كان عالماً، فلا، قال: كمن دفع وديعة رجل إليه على طريق التَّبَرُّعِ، ثم تبين أنه كان حقه، فإنه لا يحتاج إلى إعطاء ثان، بل يقول له: الذي وصل إليك هو حق كان لك عندي.

وقال صاحب «الرعاية» فيما وجب من الصوم في حج أو عمرة: يتخرج أن لا تجب نية التعيين. وقولهم: نية فرض تردد فيها؛ بأن نوى ليلة الشك: إن كان غدا من رمضان، فهو فرضي، وإن لم يكن فهو نفل، لا يجزئه، على الرواية الأولى، حتى يَجْزمَ بأنه صائم غدا من رمضان (وم ش)، وعلى الثانية: يجزئه (وهـ) .

ص: 123

قال صاحب «المحرَّر» : ونقل صالح عن أحمد رواية ثالثة بصحة النية المترددة والمطلقة مع الغيم دون الصحو؛ لوجوب صومه، وإن نَوَى: إن كان غداً من رمضان، فصومي عنه، وإلا فهو عن واجب عيَّنه بنيته، لم يجزئه عن ذلك الواجب، وفي إجزائه عن رمضان إن بان منه الروايتان. وإن قال: وإلا فأنا مُفْطِرٌ، لم يصح، وفيه ليلة الثلاثين من رمضان وجهان؛ للشك والبناء على الأصل (وش) . وإن لم يردِّدْ نيّتَه بل نوى ليلة الثلاثين من شَعْبَانَ، أنه صائم غدا من رمضان بلا مستَنَدٍ شرعي - كصحو أو غيم -، ولم نوجب الصوم به، فبان منه، فعلى الروايتين فيمن تردد أو نوى مُطْلقاً (و)، وظاهر رواية صالح والأثرم: تجزئه، مع اعتبار التعيين لوجودها، وإن نوى الرمضانية عن مستَنَدٍ شرعي، أجزأه، كالمجتهد في الوقت.

ومن قال: أنا صائم غداً إن شاء الله، فإن قصد بالمشيئة الشك والتردُّدَ في العزم والقصد، فسدت نيته، وإلا لم تفسد. ذكره في «التعليق» و «الفنون» ؛ لأنه إنما قصد أن فِعْلَه للصوم بمشيئة الله تعالى وتوفيقه وتيسيره، كما لا يفسُدُ الإيمان بقوله: أنا مؤمن إن شاء الله؛ غير متردد في الحال. وللشافعية وجهان. ثم قال القاضي: وكذا نقول: سائر العبادات لا تفسد بذكر المشيئة في نيتها (1) .

(1) يعني: إذا قال شخص: أنا صائم إن شاء الله، فإن كان متردداً فلا نية له؛ لأنه لم يجزم بها، وإن كان متبركاً فهذا لا بأس به، يعني: تصح النية على هذا الوجه؛ لأنه غير متردد، بل قال: إن شاء الله ليتحقق له مطلوبه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في قصة سليمان عليه السلام «لو قال: إن شاء الله لم يحنث» [أخرجه البخاري في كتاب النكاح/باب قول الرجل: «لأطوفن الليلة على نسائي» (5242) ؛ ومسلم في الأيمان/باب الاستثناء في اليمين وغيرها (1654) (23) .] .

ص: 124

ومن خطر بقلبه ليلاً أنه صائم غداً، فقد نوى. قال في «الروضة» - ومعناه لغيره -: الأكل والشرب بنية الصوم نية عندنا، وكذا قال شيخنا: هو حين يتعشى عَشَاءَ من يريد الصوم، ولهذا يُفرَّقُ بين عشاء ليلة العيد وعشاء ليالي رمضان.

ولا يعتبر مع نية التعيين نية الفرضية في فرضه، والوجوب في واجبه، خلافا لابن حامد، وللشافعية وجهان (1) .

وإن نَوَى خارج رمضان قضاءً ونفلاً أو كفارة ظهار، فنفل إلغاء لهما بالتعارض، فتبقى نية أصل الصوم، وجزم به صاحب «المحرَّر» . وقيل: عن أيهما يقع؟ فيه وجهان، وأوقعه أبو يوسف عن القضاء لتَعْيينِه وتأكده؛ لاستقراره في الذمة، ووافق لو نوى قضاء وكفارة قتل، أو كفارة قتل وظهار، أنه يقع نفلاً.

(1) والصحيح أنه لا يحتاج إلى نية الفرض؛ لأن التعيين يكفي، فلو نوى صيام رمضان فهو فريضة، ولو نوى الصيام عن كفارة فهو واجب.

ص: 125

ويصح صوم النفل بنية من النهار قبل الزوال وبعده. نص عليه، اختاره الأكثر؛ منهم القاضي في أكثر كُتُبِه؛ لفعله عليه السلام، وأقوال الصحابة، وفعلهم رضي الله عنهم. وعنه: لا يجوز بنية بعد الزوال. اختاره في «المجرَّدِ» وابنُ عقيل (وهـ ق) ؛ لأن فعله عليه السلام إنما هو في الغَدَاءِ، وهو قبل الزوال. ومذهب (م) وداود هو كالفرض؛ تسوية بينهما، كالصلاة والحج (1) .

(1) والصحيح أنه يجوز، بشرط أن لا يكون قد فعل مفطراً قبل النية، فإن كان قد فعل مفطراً فلا يصح؛ لأن الصيام الشرعي من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، ولكن إذا كان اليوم معيناً فإنه لا يناله ثواب ذلك اليوم المعين إذا نوى الصوم من أثناء النهار، فمثلاً: شخص صام يوم الاثنين، ونوى من أثناء النهار، فهنا لا يحصل على ثواب صوم يوم الاثنين؛ لأنه لا يقال: إنه صام ذلك اليوم، وإنما يقال: صام بعض اليوم، وكذلك صيام الأيام البيض، لو نوى من أثناء اليوم فإنه لا يحصل له بالصيام الثواب المعين، وإن كان يصح على ما فيه من الخلاف الذي سبق، والصواب أنه يصح؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على أهله ذات يوم فقال:«هل عندكم من شيء؟» . قالوا: لا. فقال: «فإني إذاً صائم» [أخرجه مسلم في كتاب الصيام/باب جواز صوم النافلة بنية من النهار قبل الزوال (1154) (170) .] . فعقد النية من الحال.

ص: 126

ويحكم بالصوم الشرعي المثاب عليه من وَقْتِ النية، نقله أبو طالب. وقال صاحب «المحرَّر» : وهو قول جماعة من أصحابنا؛ منهم القاضي في المناسك من «تعليقه» واختاره الشيخ وغيره، وهو أظهر، وفي «المجرّد» و «الهداية» : من أول النهار، واختاره صاحب «المحرَّر» وفاقا للحنفية، وأكثر الشافعية. وقال حماد وإسحاق: إن نواه قبل الزوال. فعلى الأول يصح تطوُّعُ حائض طَهُرَتْ، وكافر أسْلمَ في يومٍ، ولم يَأْكُلَا، بصوم بقية اليوم، وعلى الثاني لا؛ لامتناع تبعيض صوم اليوم، وتعذر تكْمِيلِه، بفقد الأهلية في بعضه. ويتوجه: يحتمل أن لا يصح عليهما؛ لأنه لا يصح منهما صوم، كمن أَكَلَ، ثُمَّ نوى صوم بقية يومِهِ (و) . وخالف فيه أبو زيد الشافعي. وإنما لم يصح؛ لعَدَم حُصُولِ حِكْمِة الصَّومِ، ولأن عادة المفطر الأكل بعض النهار، وإمساك بعضه، وقوله عليه السلام في عاشوراء:«من كان أكل فليصم بقية يومه» . أي: لِيُمْسِكْ، لقوله في لفظ آخر:«فَلْيُمْسِكْ» وإمساكه واجب إن كان صومه واجباً، وإلا استُحِبَّ لمن أَكَلَ ثُمَّ علم به، إمساكه؛ للخبر، ذكره القاضي، وتبعه صاحبه «المحرر» .

ص: 127

ومَنْ نوى الإفطار أفطر. نص عليه (وش ر م)، وزاد في روايةٍ: يكفِّرُ إن تعمده؛ لاقتضاء الدليل اعتبار استدامة حقيقة النية، وإنما اكتفى بدوامه حكماً للمشقة ولا مشقة هنا، والحج آكد. وعند ابن حامدٍ، وبعض المالكية، وبعض الشافعية: لا يبطل صومه كالحج، مع بطلان الصلاة عندهم، ومذهب (هـ) لا يبطل سواء قطع النية قبل الزوال وبعده؛ لقوة الدوام (1) . وقولنا: أفطر، أي: صار كمن لم ينو، لا كمَنْ أكل، فلو كان في نفل ثم عاد نواه جاز. نص عليه (وش) ، وكذا لو كان في نذرٍ أو كفارةٍ أو قضاءٍ، فقطع نيته، ثُمَّ نوى نفلاً، جاز، ولو قلب نية نذرٍ وقضاءٍ إلى النفل، فكمَنْ انتقل من فرض صلاةٍ إلى نفلها، وعلى المذهب: لو تردد في الفطر، أو نوى أنه سيفطر ساعةً أخرى، أو إن وجدت طعاماً، أكلت وإلا أتممت، فكالخلاف في الصلاة. قيل: يبطل؛ لأنه يجزم بالنية، ولهذا لا يصح ابتداء الصوم بمثل هذه النية، وكمَنْ تردد في الكفر، نقل الأثرم: لا يجزئه من الواجب حتى يكون عازماً على الصوم، يومه كله، وقيل: لا يبطل؛ لأنه لم يجزم بنية الفطر. والنية لا يصح تعليقُهاَ (2) .

(1) والصحيح أنه يفطر، يعني: إذا نوى الإفطار انقطع صومه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنيات» [سبق تخريجه.] ، والصوم إنما يكون بالنية؛ لأنه ليس عملا لكي يشاهد وينظر، وإنما هو إمساك، ولكن من نوى أن يأكل ويشرب ولم يأكل ويشرب فهذا لا ينقطع صومه، وهكذا جميع المحظورات لا تبطل بها العبادات، إلا إذا وقعت فعلاً.

(2)

لكن الصواب: أنه إذا تردد في النية بعد أن شرع في الصوم فلا يبطل؛ لأن الأصل بقاؤه على ما كان عليه حتى يجزم.

ص: 128