الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولا تصح نية صوم يوم قبل ليلته، فلا تصح في نهار يوم لصوم الغد وفاقاً للأئمة الثلاثة، وعن أحمد تصح. وعن أحمد أيضاً تصح في أول رمضان نية واحدة لجميعه، فإن أفطر منه يوماً لعذر أو غيره لم يصح صيام الباقي إلا بنية مجددة، وقيل: يصح.
وأما إن كانت النية في صوم تطوع فإنها تصح قبل الزوال وبعده، وعنه لا تصح بعده، ومذهب مالك وداود هو كالفرض تسوية بينهما.
واختلف القائلون بصحة النية في النهار هل يثاب على الصوم من النية، أو من أول النهار، على ثلاثة أقوال:
أحدها: من النية، اختاره الموفق وغيره، وهو أظهر.
الثاني: من أول النهار، اختاره صاحب المحرر.
الثالث: إن نوى قبل الزوال فالثواب من أول النهار، وإلا فمن النية.
المسألة الثامنة:
هل يشترط في النية التعيين، أو يكفي نية الصوم، في هذه المسألة ثلاثة أقوال:
الأول: اشتراط التعيين، وفاقاً لمالك والشافعي، وهو المشهور من المذهب.
الثاني: لا يشترط التعيين في رمضان خاصة وفاقاً لأبي حنيفة، وعلى هذا يصح بنية مطلقة ونية نفل ونحوه، وبنية فرض تردد فيها بأن نوى ليلة الشك إن كان من رمضان فهو فرضي وإلا فهو نفل، فيجزئ إن تبين منه، وهذه رواية عن أحمد، وعنه رواية ثالثة تصح نية فرض تردد فيها مع الغيم لا مع الصحو.
الثالث: لا يشترط التعيين إن كان جاهلاً، وإن كان عالماً فهو شرط، اختاره الشيخ تقي الدين.
المسألة التاسعة: المفطرات:
المفطرات هي:
1 ـ الأكل والشرب بالإجماع، أي ما وصل إلى الجوف من طريق الفم، سواء كان يغذي أو لا. وقال الحسن بن صالح: لا يفطر فيما ليس بطعام ولا شراب مثل أن يستف تراباً. وقال بعض المالكية: لا يفطر فيما لا يغذي ولا يماع في الجوف كالحصاة ونحوها.
2 ـ الاستعاط بدهن أو غيره إن وصل إلى حلقه أو دماغه، وقال مالك: لا يفطر فيما وصل إلى الدماغ، وقال في الكافي: يفطر بما وصل من ذلك إلى خياشيمه. وقال الحسن بن صالح وداود: لا يفطر بواصل من غير الفم؛ لأن النص إنما حرم الأكل والشرب والجماع. وقال الشيخ تقي الدين في رسالته «حقيقة الصيام» : ليس في الأدلة ما يقتضي أن المفطر الذي جعله الله ورسوله مفطراً هو ما كان واصلاً إلى دماغ، أو بدن، أو ما كان داخلاً من منفذ، أو واصلاً إلى الجوف، ونحو ذلك من المعاني التي يجعلها أصحاب هذه الأقاويل هي مناط الحكم عند الله وعند رسوله أهـ.
3 ـ الاكتحال بكحل يعلم وصوله إلى حلقه، ومذهب مالك والشافعي: لا يفطر بذلك، واختاره الشيخ تقي الدين، وقال: فإن قيل: بل الكحل قد ينزل إلى الجوف ويستحيل دماً. قيل: هذا كما يقال في البخار الذي يصعد من الأنف إلى الدماغ فيستحيل دماً. وكالدهن الذي يشربه الجسم، والممنوع منه إنما هو ما يصل إلى المعدة فيستحيل دماً ويتوزع على البدن.
4 ـ التقطير في الأذن إن دخل دماغه، وقال مالك: إن دخل حلقه أفطر وإلا فلا، وقال الأوزاعي، والليث، والحسن بن صالح وداود: لا يفطر إن وصل إلى دماغه.
5 ـ الحقنة، وقاله الشافعي، وعن مالك خلاف، واختار الشيخ تقي الدين: أنه لا فطر بالحقنة، وقال به الحسن بن صالح وداود. قال الشيخ محمد رشيد رضا عن قول الشيخ تقي الدين: إن قوله حق، ولكن يوجد في هذا الزمان حقن أخر، وهو إيصال بعض المواد المغذية إلى الأمعاء، يقصد بها تغذية بعض المرضى، والأمعاء من الجهاز الهضمي كالمعدة، وقد تغني عنها، فهذا النوع من الحقن يفطر الصائم فهو لا يباح له إلا في المرض المبيح للفطر. أهـ
6 ـ وصول الدواء إلى جوفه، أو دماغه من دواء جرح، أو جائفة، أو مأمومة. ومذهب مالك: لا فطر بذلك، وهو قول أبي يوسف ومحمد، واختاره الشيخ تقي الدين.
ومثل ذلك لو طعنه أحد بأمره، أو طعن نفسه بما يعلم وصوله إلى جوفه أو دماغه، إلا أن مالكاً لم يذكر عنه أنه خالف في ذلك.
7 ـ الجماع بذكر أصلي في فرج أصلي.
8 ـ الحجامة إن ظهر دم فيفطر الحاجم والمحجوم، وقال مالك والشافعي وأبو حنيفة: لا فطر بذلك، وقال الشيخ تقي الدين: لا يفطر الحاجم إلا أن يمص القارورة. وقال ابن عقيل: يحصل الفطر بالحجامة وإن لم يخرج دم، وجزم به في المستوعب والرعاية.
ولا فطر بخروج الدم في غير الحجامة، سواء خرج بنفسه، أو بمحاولة، وقال الشيخ تقي الدين: يفطر من أخرج دمه برعاف أو غيره، وقاله الأوزاعي في الرعاف، وذكر في التلخيص وجهين في الفطر بالفصد، وأن أصحهما عدم الفطر، وقال في الرعاية: يحتمل التشريط وجهين. وقال: الأولى إفطار المفصود والمشروط، دون الفاصد والشارط. أهـ.
9 ـ القيء إذا استقاء فقاء أي شيء كان. وقال به مالك والشافعي وعن أحمد: يفطر بملء الفم، وقال به أبو حنيفة، واختاره ابن عقيل، وقال القاضي: إن فحش أفطر. قال في الفروع: ويتوجه احتمال لا يفطر بالقيء، وذكره البخاري عن أبي هريرة، ويروى عن ابن مسعود، وابن عباس، وعكرمة، وقاله بعض المالكية. وقال ابن عقيل في مفرداته: إنه إذا قاء بنظره إلى ما يغثيه يفطر كالنظر والفكر.
10 ـ الإمناء بالمباشرة ونحوها كالاستمناء، وقال به أبو حنيفة ومالك والشافعي، وقد نقض في الفروع ما احتج به على الفطر، ثم قال: ويتوجه احتمال لا يفطر بذلك. وقاله داود، وإن صح إجماع قبله كما قد ادعى تعين القول به. أهـ
11 ـ الإمذاء بالمباشرة ونحوها كالاستمناء، وقاله مالك، ومذهب أبي حنيفة والشافعي: لا فطر به اختاره الآجري، وأبو محمد الجوزي، والشيخ تقي الدين. قال في الفروع: وهو أظهر.
12 ـ الإمناء بتكرار النظر خلافاً لأبي حنيفة والشافعي والآجري وإن أمذى بذلك لم يفطر خلافاً لمالك. وإن لم يكرر النظر لم يفطر وفاقاً لمالك والشافعي. وقيل: يفطر وفاقاً لمالك، ونص أحمد يفطر بالمني دون المذي.
13 ـ الإمناء بالتفكير وظاهر كلامه: لا يفطر، خلافاً لمالك، وابن عقيل، وأبي حفص البرمكي، وهو أشهر، لأنه دون المباشرة وتكرار النظر.
14 ـ الموت فيطعم من تركته في نذر وكفارة، كذا في الفروع ولم يذكر خلافاً، والصواب: أنه لا يجب الإطعام، لأن هذا قام بالواجب ما استطاع.
15 ـ المباشرة بتقبيل، أو نحوه لمن تحرك شهوته، حكاه ابن المنذر عن ابن مسعود، وحكاه الخطابي عنه وعن المسيب، وجمهور العلماء: لا يفطر، وحكاه ابن عبد البر إجماعاً.
شروط الفطر بما ذكر:
يشترط للفطر بهذه المفطرات شروط:
الأول: أن يكون ذاكراً، فلا يفطر الناسي، خلافاً لمالك، إلا في الجماع فيفطر، وعنه لا، وفاقاً لأبي حنيفة والشافعي، اختاره الآجرى وأبو محمد الجوزي، والشيخ تقي الدين، وذكره في شرح مسلم قول جمهور العلماء، وقيل: يفطر الناسي بالوطء دون الفرج، والاستمناء ومقدمات الجماع، والحجامة.
الثاني: أن يكون مختاراً، فإن كان مكرهاً فلا فطر، خلافاً لأبي حنيفة ومالك، وسواء أكره على الفعل حتى فعل، أو فعل به بأن صب في حلقه الماء مكرهاً، وإن أوجر المغمى عليه معالجة لم يفطر، وقيل: يفطر لرضاه به ظاهراً، فكأنه قصده. وإن أكره الصائم على الوطء أفطر، فاعلاً كان أو مفعولاً به في ظاهر المذهب. وعن أحمد ما يدل على أنه لا فطر، حيث قال: كل أمر غلب عليه الصائم فليس عليه قضاء ولا كفارة، وقيل: يفطر من فعل، لا من فعل به.
ولا يشترط أن يكون عالماً فيفطر الجاهل بالتحريم وفاقاً للأئمة الثلاثة. وقيل: لا يفطر، لأنه لم يتعمد المفسد كالناسي، فلو أكل ناسياً فظن أنه أفطر بذلك فأكل عمداً، فيتوجه أنها مسألة الجاهل بالحكم فيها الخلاف، قاله في الفروع. وهذا هو الصواب.
ويفطر الجاهل بالوقت فلو أكل يظن بقاء الليل، أو غروب الشمس، فتبين أنه في النهار لزمه القضاء وفاقاً للأئمة الثلاثة، وقيل: لا يلزمه القضاء، قاله الحسن، وإسحاق، والظاهرية، واختاره الشيخ تقي الدين.
وقيل: يلزمه في الثانية، وهي إذا ظن الغروب دون الأولى، وهي إذا ظن بقاء الليل، قاله مجاهد، وعطاء، واختاره صاحب الرعاية، وبعض الشافعية.
الموجب للكفارة من هذه المفطرات:
الموجب للكفارة من هذه المفطرات هو الجماع إذا كان في نهار رمضان وأفطر به بدون عذر، والمرأة المطاوعة كالرجل، وعنه لا كفارة عليها وفاقاً للشافعي، وعنه يلزمه كفارة واحدة عنهما، وأما المكرهة فلا كفارة عليها، وذكر القاضي رواية: تكفر، وعنه ترجع بها على الزوج، وكذا المعذورة بجهل أو نسيان، وعنه يكفر الواطىء عن المعذورة بإكراه، أو جهل، أو نسيان، أو نحوها.
وجماع البهيمة كالآدمية، وقيل: لا فطر ولا كفارة، وفاقاً لأبي حنيفة، ولا كفارة بغير الجماع المذكور وفاقاً للشافعي، وعن أحمد: يكفر للفطر بالحقنة، وبالاحتجام إن بلغه الخبر، وقيل عنه: يكفر للفطر بأكل، وشرب، واستمناء. ومذهب مالك: يكفر من أكل وشرب، ومذهب أبي حنيفة يكفر منهما إن كان مما يتغذى به، أو يتداوى به.
ذكر أشياء في الفطر بها خلاف:
1 ـ إذا أصبح في فيه طعام يمكنه لفظه بأن يتميز عن ريقه، وهو أقل من الحمصة أفطر، خلافاً لأبي حنيفة ومالك.
2 ـ إذا زاد على الثلاث في مضمضة، أو استنشاق، أو بالغ فدخل الماء حلقه بلا قصد لم يفطر، وقيل: يفطر، واختار صاحب المحرر يفطر بالمبالغة للنهي الخاص وعدم ندرة الوصول فيها، بخلاف المجاوزة، وأنه ظاهر كلام أحمد في المجاوزة، يعني أنه يعيد.
3 ـ إذا جمع ريقه فابتلعه لم يفطر، وفاقاً للأئمة الثلاثة، وقيل: يفطر.
4 ـ إذا مضغ علكاً لا يتحلل منه أجزاء كره، وفاقاً للأئمة الثلاثة ويتوجه احتمال لا، لأنه روي عن عائشة، وعطاء، وعلى الأول لو وجد طعمه في حلقه فهل يفطر أم لا؟ على وجهين، وعلة عدم الفطر أن مجرد الطعم لا يفطر، كمن لطخ باطن قدمه بحنظل إجماعاً، بخلاف الكحل فإنه تصل أجزاؤه إلى الحلق.
5 ـ الغيبة لا يفطر بها، قال أحمد: لو كانت الغيبة تفطر ما كان لنا صوم، قال في الفروع: وذكر شيخنا وجهاً في الفطر بغيبة ونميمة ونحوها، فيتوجه منه احتمال يفطر بكل محرم، ويتوجه احتمال تخريج من بطلان الأذان بكل محرم، واختار ابن حزم يفطر بكل معصية.