المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌بدع الجمعة والأذانوختم الصلاة والجنازة - مجلة المنار - جـ ١٩

[محمد رشيد رضا]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد رقم (19)

- ‌شعبان - 1334ه

- ‌فاتحة السنة التاسعة عشرة للمنار

- ‌التعريف بكتابيمنازل السائرين، ومدارج السالكينوترجمة مؤلفيهما

- ‌أعظم معركة بحريةبين أعظم أساطيل العالم

- ‌رمضان - 1334ه

- ‌العصبية الجنسية التركية

- ‌حكم الصيام

- ‌حال المسلمين الاجتماعية

- ‌المجمع اللغوي المأمول

- ‌جمال باشا السفاك

- ‌الكتب المعزوة إلى غير مصنفيها

- ‌دعوة اللجنة التحضيرية

- ‌مصابنا بالزهراوي والكيلاني

- ‌مسألة الأزياء والعادات

- ‌شوال - 1334ه

- ‌آراء الخواص في المسألة العربية

- ‌السيد عبد الحميد الزهراوي

- ‌البلاغ الإنكليزي الرسميفي شأن العرب والسلطة الإسلامية

- ‌الانتقاد على المنار

- ‌ذو القعدة - 1334ه

- ‌مناسك الحجأحكامه وحكمه

- ‌العرب والإسلام

- ‌الإسلام والطورانية الحديثة

- ‌منشور شريف مكة وأميرها

- ‌ذو الحجة - 1334ه

- ‌فوائد شتى [*]

- ‌فتاوى المنار

- ‌قصيدة في مدح الرسول

- ‌جمعية آداب اللغة العربيةبلندن

- ‌الأخبار والآراء

- ‌المحرم - 1335ه

- ‌فتاوى المنار

- ‌الزاروهل اعتقاد تأثير الوليوالعِفريت فيه شرك جلي

- ‌بلاد العربوأحوالها منذ الأعصر الخالية

- ‌المنشور الهاشمي الشريف الثاني

- ‌تقريظ المطبوعات الجديدة

- ‌صفر - 1335ه

- ‌هل البسملة آية من كل سورة أم لا

- ‌مبايعة شريف مكة وأميرهاعلى ملك العرب

- ‌مبايعة وفود الأقطار الحجازية

- ‌احتضار سورية

- ‌متى يذكر الوطن النُّوَّم

- ‌ربيع أول - 1335ه

- ‌ذكرى المولد النبوي [*](2)

- ‌رحلة الحجاز(2)

- ‌المنشور الهاشمي الشريف الثالث

- ‌عاقبة الحربومكانة بريطانية العظمى منها

- ‌الحركة الطورانية الجديدةفي بلاد تركيا [*]

- ‌تأثير الصحافة في أخلاق الأمة

- ‌جمعية النهضة النسائية بمصر

- ‌تقريظ المطبوعات الجديدة

- ‌ربيع الآخر - 1335ه

- ‌ربح صندوق التوفير

- ‌شق صدر النبي صلى الله عليه وسلموتطهير قلبه من حظ الشيطان

- ‌بدع الجمعة والأذانوختم الصلاة والجنازة

- ‌الجمعيات الاتحاديةلتكوين العصبية التركية

- ‌رحلة الحجاز(3)

- ‌تقريظ المطبوعات الجديدة

- ‌جمادى الآخر - 1335ه

- ‌استدارة الزمان والنسيئة في الحج

- ‌ذكرى المولد النبوي [*](3)

- ‌علماء بغداد في القرن السادسومكانتهم في الوعظ والتذكير

- ‌الدكتور شبلي شميل

- ‌عمران بغداد في القرن الثالثوصف دار الخلافة فيها

- ‌خاتمة السنة التاسعة عشرة للمنار

الفصل: ‌بدع الجمعة والأذانوختم الصلاة والجنازة

الكاتب: محمد رشيد رضا

‌بدع الجمعة والأذان

وختم الصلاة والجنازة

(س 13- 20) من صاحب الإمضاء بطملاي مركز منوف مديرية

المنوفية.

بسم الله الرحمن الرحيم

وبعد فهذا من عبد الرحمن أحمد الصعيدي إلى دار الدعوة والإرشاد بمصر

يتشرف بالإفادة عما سيذكر: في هذا العهد ظهر عندنا رجل ينهانا عما سيأتي:

1-

قراءة سورة الكهف جهارًا داخل المسجد يوم الجمعة.

2-

والأذان المسمى عندنا بالأول من يوم الجمعة.

3-

والأذان الثاني داخل المسجد بين يدي الخطيب.

4-

الترقية.

5-

التبليغ في الصلاة.

6-

ختام الصلاة جهارًا في المسجد.

7-

الصلاة والسلام على النبي عقب الأذان.

8-

السير مع الجنازة بالذكر جهارًا وقراءة البردة.

وحيث إننا نفعل كل ما ذكر من منذ وجدنا بالدنيا، وهذا الرجل يجتهد في

إبطال ذلك ولا نعلم إذا كان عمل هذا من البدع فنتركه أم من الدين فنتبعه.

نرجو الإفادة مع التوضيح وإفتائنا عما ذكرناه؛ لأن في نفوسنا (ريبًا) من

ذلك؟ وقال الله تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} (النحل: 43)

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وحِبّه وسلم.

...

...

...

...

...

مقدمه

عبد الرحمن أحمد الصعيدي

الجواب عن هذه الأسئلة [*]

1-

قراءة سورة الكهف جهارًا داخل المسجد يوم الجمعة- بدعة ليس لها دليل

من كتاب الله ولا من سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ولم تؤثر عن سلف الأمة

الصالح. ولكن لقراءتها يوم الجمعة بدون تقييد بالجهر وبكونها في المسجد أصلاً

ضعيفًا، قال الحافظ ابن حجر في تخريج الأذكار: من أقوى ما ورد في قراءة

الكهف يوم الجمعة حديث أبي سعيد الخدري عند الحاكم في التفسير والبيهقي في

السنن (من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين)

وقد أورده الحاكم من طريق نعيم بن حماد عن هشيم عن أبي هاشم وصححه، ولكن

قال الذهبي في الميزان: بل نعيم بن حماد ذو مناكير. أقول: بل جُرح بأكثر من

هذا، وقد وردت أحاديث أقوى من هذا في قراءة آل عمران وهود في يوم الجمعة،

فلماذا لا يعمل بها هؤلاء الناس المواظبون على قراءة الكهف إن كان غرضهم العمل

بالأحاديث لا اتباع العادة.

ثم إن الإتيان بالعبادة المشروعة على وجه مخصوص وفي وقت معين لم يرد

في الشرع ما يدل عليهما في كيفية الأداء المبنية على الاتباع، وظهور ذلك يجعل

ما ليس من شعائر الدين شعارًا. وهذا ما يسميه الشاطبي في الاعتصام بالبدعة

الإضافية وسيعاد ذكره قريبًا، دع ما في رفع الصوت بقراءة الكهف أو غيرها في

المسجد عند اجتماع الناس للصلاة من التهويش على المصلين وهو غير جائز، وقد

صرح الفقهاء بمنع الجهر بالتلاوة في المسجد إذا كان فيه من يصلي وأنه حرام.

وفي حديث أبي سعيد الخدري: (اعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم في

المسجد فسمعهم يجهرون بالقراءة فكشف الستر وقال: ألا إن كلكم مناج لربه فلا يؤذ

بعضكم بعضًا ولا يرفع بعضكم على بعض في القراءة) رواه أبو داود.

2-

الأذان الأول يوم الجمعة، أحدثه عثمان في خلافته وأقره الصحابة

رضي الله عنهم وما رواه ابن أبي شيبة عن ابن عمر أنه قال: الأذان الأول يوم

الجمعة بدعة، فالأظهر أنه استعمل البدعة هنا بمعناها اللغوي لا للإنكار، ومعناه

أنه لم يكن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم قيل: ويحتمل أنه للإنكار؛ أي:

لأن مقتضى إكمال الدين في عهده صلى الله عليه وسلم أن لا يزاد في العبادات

ولا سيما الشعائر بعده شيء، وإنما الاجتهاد في مسائل المعاملات والمصالح التي

تختلف باختلاف الزمان والمكان لا العبادات وشعائر الإسلام التي لا يدخل فيها

القياس الذي احتجوا به لفعل عثمان رضي الله عنه ويمكن أن يُجاب عن هذا

بأن الأذان للإعلام بالوقت وسيلة للصلاة اجتهادية لا عبادة مقصودة لذاتها، وأن

النبي صلى الله عليه وسلم استشار المسلمين في أمر هذه الوسيلة واستحسن ما

كان منهم من رأي ورؤيا؛ فلأجل هذا رأى عثمان والصحابة أن هذه المسألة يصح

العمل فيها برأي أولي الأمر إذا احتيج إلى ذلك. فلما حدثت الحاجة بكثرة المسلمين

وعدم تبكيرهم إلى المسجد على نحو ما كانوا يفعلون في عهده -صلى الله عليه

وسلم- أمر عثمان المؤذن أن يؤذن بهم للجمعة على الزوراء - وهي موضع أو دار

له بسوق المدينة- وأبقى ما كان من أذان المسجد عند جلوس الإمام على المنبر كما

كان إبقاء للعبادة كما كانت. قال السائب بن يزيد رضي الله عنه فيما رواه عنه

البخاري وأبو داود والنسائي: كان النداء يوم الجمعة أوله إذا جلس الإمام على

المنبر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر فلما كان عثمان

وكثر الناس زاد النداء الثالث على الزوراء ولم يكن للنبي صلى الله عليه وسلم

غير مؤذن واحد.

وفي رواية أخرى لهم زيادة فثبت الأمر على ذلك. والمراد بقوله: النداء

الثالث هو الأذان الأول، فهو أول بالنسبة إلى تقديمه في العمل وثالث بالنسبة إلى

حدوثه بعد الأذانين المشروعين لكل صلاة، أعني الأذان والإقامة، وكانوا يطلقون

عليهما (الأذانين) على طريق التغليب أو لأن الأول إعلام بوقت الصلاة والآخر

إعلام بالشروع فيها، ولكنهم إذا ذكروا الإقامة وحدها لا يسمونها أذانًا بل إقامة.

والمرجح المختار عندنا في هذه المسألة أن يتبع الناس في كل حالة ما كان عليه

السلف الصالح، فإذا علمنا أن المصلين اجتمعوا في المسجد على نحو ما كانوا عليه

في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما

اكتفينا بأذان المسجد، وإذا كانت الحال كما كانت في عهد عثمان وعلمنا أن الأذان

الأول على المنارة أو في السوق مجلبة للمصلين فعلناه. ولا ينبغي لمسلم أن ينكر

على أهل مسجد ما يختارونه من هذه الفعلين؛ إذ لا يصح أن يكون ما حدث في

عهد عثمان ناسخًا لما قبله، ولا أن يكون ضلالة من بعض الراشدين أقره عليها

الصحابة، فليتق الله مَن تُحدثه نفسه بهذا الإنكار. وليعرف قيمة نفسه أولاً، وأما

قول السائل: لم يكن له صلى الله عليه وسلم غير مؤذن واحد فهو خاص بأذان

الجمعة.

3-

الأذان الثاني داخل المسجد بين يدي الخطيب- فيه أن فعله بين يدي

الخطيب وبالتلقين المعهود في بعض المساجد بدعة لا فائدة فيها ولا نعرف الحامل

لمبتدعها عليها. وقد علمنا علم مما قلنا آنفًا في مسألة الأذان الأول أن الأذان الثاني

وهو الذي كان على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم إنما يكون إذا جلس الإمام

على المنبر كما صرح به السائل في حديثه الصحيح. وأما مكانه فقد روى

الطبراني فيه أن بلالا ً كان يؤذن على باب المسجد. وذكره الحافظ في فتح الباري

محتجًّا به وهو المشهور.

4-

الترقية المعهودة في يوم الجمعة بدعة لا نعرف لها أصلاً من كتاب ولا

سنة ولا اجتهاد أحد من الأئمة وإنما أحدثها بنو أمية وأنكرها الفقهاء من جميع

المذاهب.

(راجع المنار ص 31 م6)

وقد استفتي شيخ الجامع الأزهر منذ بضع عشرة سنة في بعض المسائل

المتعلقة بالجمعة مما تقدم فأفتى بأنها بدع منكرة. وقد أشار الأستاذ الإمام إلى هذه

الفتوى ومقاومة بعض أصحاب النفوذ السياسي لها بقوله في كتاب الإسلام

والنصرانية (ص 139من الطبعة الثانية) فقال:

(سأل سائل الأستاذ شيخ الجامع الأزهر عن حُكم عمل من الأعمال

الجارية في المساجد يوم الجمعة، ومنزلة الشيخ من الرياسة في أهل العلم بالدين

منزلته فأفتى بما ينطبق على السنة، وما يعرفه العارفون بالدين، وقال: إن العمل

بدعة من البدع يجب التنزه عنها. أيظن أن المستفتي أمكنه العمل بمقتضى الفُتيا؟

كلا، حدث قيل وقال، وكثرة تسآل، ودخلت السياسة، ثم قيل: إن الزمان ناصر

الحقيقة وقد وجدنا الأمر كذلك من قبلنا، وسكت السائل وماذا يصنع

المجيب؟ اهـ.

5-

التبليغ في الصلاة هو رفع المؤذنين أصواتهم بالتكبير للإحرام وأذكار

الانتقال لإعلام من لم يسمع صوت الإمام ولا يراه عند إحرامه وانتقاله من ركن إلى

آخر: وله أصل في السنة بما كان من صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في

مرض موته آخر جماعة؛ إذ صلى قاعدًا والناس خلفه قيام وأبو بكر (رضي الله

عنه) يبلغهم تكبيره. وقد صرح علماء المذاهب المشهورة بجواز التبليغ إذا احتيج

إليه، فإن لم يُحتج إليه كان بدعة منكرة. على أن للمؤذنين فيه بدعًا كثيرة كفعلهم

له جماعة ورفعهم أصواتهم أكثر مما ينبغي متحرين فيها حُسن النغم وإطالتهم المد

حتى يضطر الإمام إلى انتظارهم أو سبقهم فينتقل إلى السجدة الثانية قبل فراغهم من

تكبيرة السجدة الأولى مثلاً، وقد بين الفقهاء ذلك، وأطال فيه وفي غيره من هذه

المسائل صاحب المدخل رحمه الله تعالى.

6-

ختام الصلاة جهارًا في المساجد بالاجتماع ورفع الصوت من البدع التي

أحدثها الناس فإذا التزموا فيها من الأذكار ما ورد في السنة كانت من البدع الإضافية

وقد تساهل فيها كثير من مقلِّدة الفقهاء وأطال العلامة الشاطبي الكلام في إنكارها في

كتابه الاعتصام، ونقلناه عنه في المنار فليراجعه من شاء.

وهذه البدعة قد انتشرت في الأقطار الإسلامية منذ بضعة قرون حتى عمت

الغرب والشرق والجنوب والشمال، ولما أنكرها من أنكرها في الأندلس كثر فيها

القيل والقال، وقد كنت فطنت لها قبل أن أرى لأحد من العلماء كلامًا فيها فتركتها

في أواخر زمان الطلب ولكنني لم أترك الأذكار الواردة بل كنت أقولها وأنا

منصرف من الصلاة، ولم يخطر في بالي أن أنهى عنها أحدًا، ولا أنها يصح أن

تسمى بدعة. ولما كنت في عليكده من الهند سنة 1330 قدموني للخطبة وإمامة

الجمعة فلما فرغت من الصلاة لم أستطع الانصراف ولا التحول من شدة الازدحام

في المسجد ولا رأيت أحدًا من الناس انصرف ولا قام لصلاة ولا غيرها، ثم خلص

إليّ شاب من طلاب العلوم الدينية فأخبرني أن الناس ينتظرون أن يسمعوا مني

أذكار ختم الصلاة ليتبعوني فيها ويقوموا إلى صلاة السنة البعدية وغيرها من

شئونهم، قلت: إن هذا غير مشروع، قال: ألم يرد في الصحيح أن النبي -صلى

الله عليه وسلم- كان يقول بعد السلام:

(اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام) قلت: نعم قد صح

أنه كان إذا سلم لم يقعد إلا بمقدار ما يقول ذلك (رواه مسلم) ولكن لم يصح أنه كان

يقول ذلك رافعًا صوته ليسمعه الناس ويقولونه بقوله، وأنا قد قلت ذلك سرًّا.

ولما جئت بيروت عند منصرفي من الهند أقمت فيها أيامًا كنت أقرأ درسًا بعد

الظهر في مسجد المجيدية من كل يوم، فشُغل المؤذن بعد صلاة الجمعة يومًا عن

الأذكار والأدعية التي جرت العادة برفع صوته فيها واتباع جمهور المصلين له،

شغلته عنها صلاة الجنازة، فظل كثير من الناس ينتظرونه متلفتين إلى اليمين وإلى

الشمال، فبدأت الدرس ببيان الحق في هذه المسألة وهو أنه ليس من السنة أن

يجلس الناس بعد الصلاة لقراءة شيء من الأذكار والأدعية المأثورة ولا غير

المأثورة برفع الصوت وهيئة الاجتماع كما اعتادوا في الأقطار المختلفة، وأن هذه

العادة صارت عند الناس من قبيل شعائر الدين التي يُنكر على تاركها والناهي عنه،

وإنكار تركها هو المنكر. وأن ما ورد في بعض الأحاديث من الأذكار كقول: (اللهم

أنت السلام) إلخ والاستغفار والتسبيح والتحميد والتكبير والتهليل يُستحب أن يقوله

الأفراد سرًّا في أي حالة يكونون عليها بعد الصلاة من قيام وقعود ومشي وأن

الاجتماع لذلك والاشتراك فيه ورفع الصوت بدع هوَّنها على الناس التعود، ولو

دعاهم أحد إلى مثل هذه الصفات في عبادة أخرى كصلاة تحية المسجد مثلاً لأنكروا

عليه أشد الإنكار. ولما عدت إلى مصر وشرعت في طبع كتاب الاعتصام للشاطبي

رأيته وفَّى هذه المسألة حقها، فحمدت الله تعالى.

7-

الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم عقب الأذان- هي

بدعة أيضًا والقول فيها كالقول فيما تقدمها. قال صاحب المدخل: يطلب من إمام

المسجد أن ينهى المؤذنين عما أحدثوه من صفة الصلاة والتسليم على النبي -صلى

الله عليه وسلم- عند الأذان، وإن كانت الصلاة والتسليم على النبي -صلى الله عليه

وسلم- من أكبر العبادات، ولكن ينبغي أن يسلك بها مسلكًا فلا توضع إلا في

مواضعها التي جعلت لها، ألا ترى أن قراءة القرآن من أعظم العبادات، ومع ذلك

لا يجوز للمكلف أن يقرأ في الركوع ولا في السجود ولا في الجلوس أعني

الجلوس في الصلاة؛ لأن ذلك لم يرد والخير كله في الاتباع، وهي بدعة قريبة

الحدوث جدًّا مما تقدم ذكره فيما أحدثه بعض الأمراء من التغني بالأذان. إلخ.

8-

السير مع الجنازة بالذكر جهارًا وقراءة البُردة كل ذلك من البدع التي لم

يسكت عنها المشتغلون بعلوم الشرع كما سكت جماهيرهم على الأذكار التي اتصلت

بالأذان والصلاة. على أن جميع ما ذكر في الأسئلة والأجوبة من البدع قد بينه

أنصار السنة وخاذِلو البدعة من العلماء منذ أُحدثت إلى هذا العصر.

والبلاء كل البلاء في جعل عمل الناس حُجة على كتاب الله تعالى ودواوين

السنة مع أن بعض الأئمة قال بالاحتجاج بعمل أهل المدينة في زمن الصحابة

والتابعين فخالفه في ذلك سائر الأئمة وجمهور الأمة، وخص بعضهم ذلك بزمن

الراشدين فقط، والآن يحتج الناس بعمل العوام الطغام وبسكوت من لا حجة في

قوله فضلاً عن سكوته من المعممين، أو بتأويل بعض المنافقين الذين يتقربون إلى

العامة بما يرضيهم طمعًا ببعض الحطام أو الجاه الكاذب عندهم.

وقد استفتي شيخ علماء الإسكندرية لهذا العهد في المسألة الأخيرة من هذه

المسائل وفي مسائل أخرى مما أحدثه الناس في أمور الموتى فنذكر ذلك بنصه:

السؤال

ما قولكم فيما يفعله الناس الآن من الصياح أمام الجنازة بنشيد البردة وغيرها،

والاجتماع للتعزية بنصب الخيام، وقراءة القرآن فيها أيامًا مخصوصة، وقراءة

الصمدية بعدد مخصوص يسمونه (عتاقة) ويزعمون أنها تعتق الميت من النار

وتفريق الخبز للفقراء على القبور، وأخذ الفقراء الخبز والنقود أجرًا على قراءة

القرآن- فأهل العلم فينا بين محرِّم لذلك ومحلل، وقد لجأنا إليكم لكي تفيدونا، هل

هذا من الدين أم لا؟ وما هي طريقة نبينا صلى الله عليه وسلم والسلف الصالح

من الأئمة في ذلك؟ وما حكم الله فيمن يخالف طريقتهم أفيدونا بأدلة تشفينا، فلا

زلتم هداة الحائرين.

الفتوى

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد: فما يفعله

الناس الآن من الصياح أمام الجنازة بنشيد البُردة وقراءة القرآن ونحو ذلك غير

جائز شرعًا، وهو خلاف السنة، وخلاف عمل السف الصالح؛ لأن السنة في اتباع

الجنائز الصمت والتفكر والاعتبار وعلى ذلك جرى العمل من السلف الصالح، وقد

قال الإمام مالك رضي الله عنه: (لن يأتي آخر هذه الأمة بأهدى مما كان عليه

أولها) وكذلك الاجتماع بنصب الخيام في التعزية مباهاة وافتخارًا، وقراءة القرآن

بالكيفية الجاري العمل بها الآن في هذه المجتمعات، وأخذ القراء الخُبز وأجرة على

ذلك واتخاذ ذلك سنة وعادة، فليس من السنة، ولا من عمل السلف الصالح، وإنما

شأنهم أنهم كانوا يذهبون إلى صاحب المصيبة في بيته لحمله على الصبر وعدم

الجزع، من غير إطالة مكث، ويدعون لصاحب المصيبة بالصبر، وللميت

بالمغفرة والرحمة، ثم إن الذي ينفع الميت إنما هو الصدقة على روحه، والدعاء له

بالمغفرة والرحمة، أما إهداء ثواب الفاتحة وغيرها مثل قراءة القرآن بغير الطريقة

التي أخرجته إلى حد الغناء فبعض العلماء رجح حصول الثواب إلى الميت وبعضهم

قال بعدمه.

...

...

...

... شيخ علماء الإسكندرية

_________

(*) حذفنا سؤالاً من هذه الأسئلة يتعلق بعادة مصرية بين العروسين.

ص: 538

الكاتب: محمد توفيق صدقي

دروس سنن الكائنات

محاضرات علمية طبية إسلامية للدكتور محمد توفيق صدقي

(18)

أما نوبة الملاريا فلها ثلاثة أطوار:

(1)

طور البرودة- يشعر المريض بتعب وسآمة وصداع وآلام في الظهر

وبرودة- وتبتدئ الرِّعدة فينكمش في فراشه ويرتجف جميع جسمه وتصطك أسنانه

ويزرقّ وجهه وأنامله وينتصب شعر جسمه كما يحصل من شدة البرد أو الفزع

ويصغر النبض ويُسرع ويضطرب ويتوتر، ويكون التنفس سريعًا غير عميق.

ويكون سطح الجلد باردًا حقيقة، ولكن إذا وُضع مقياس الحرارة في الفم أو في

الدُّبر أو تحت الإبط رأينا الحرارة مرتفعة، فإنها تبدأ في الزيادة قبل الرعدة بدقائق،

بل بساعة أو ساعتين أحيانًا؛ وإنما ينشأ الإحساس ببرودة سطح الجسم من

انقباض أوعية الدم فيه.

ويكون مقدار البول كثيرًا ولونه رائقًا وكثافته قليلة. ويستمر هذا الطور

نصف ساعة أو ساعتين. وترتفع الحرارة بسرعة في آخره إلى ما بعد 40

سنتيجراد.

(2)

طور السخونة- يبدأ بالإحساس بالسخونة التي تعم الجسم كله فتزداد

الحُمَّى، وتتمدد الشرايين، ويتوتر النبض ويسرع ويمتلئ، ويحتقن الوجه،

ويتصدع الدماغ. وفي بعض الحالات يهذي المريض أو يعتريه الذهول. ويكون

البول في هذا الطور قليلاً قاتمًا كثيفًا. وكثيرًا ما تظهر [النملة Herpes] حول

الفم. ويستمر هذا الطور 3-4 ساعات.

(3)

طور العَرق- يتندى الجسم أولاً بالعَرق بعد شدة جفافه ويعُم الجسم كله

ثم يصير غزيرًا ويستمر ساعة أو ساعتين أو ثلاثًا فيشعر المريض حينئذ بالراحة

ويترطب لسانه، وتنخفض الحرارة أولاً بالتدريج، ثم تسرع حتى تصير طبيعية

ويعود المصاب إلى حالته الصحية الأولى. ويكون البول في هذا الطور كثيفًا جدًّا

وتُرَسب فيه أملاح كثيرة من حامض البوليك.

ولا تحصل جميع هذه الأطوار لكل مصاب، بل قد تقتصر النوبة على واحد

منها أو اثنين، فمثلاً قد يشعر ببرودة خفيفة تعقبها سخونة مدة ساعتين أو ثلاث ولا

يحصل عرق، وقد يبرد ويعرق ولا يشعر بسخونة، وقد يعرق فقط مع ارتفاع

خفيف في الحرارة.

أما الأطفال فيندر أن يحصل لهم رِعدة بل يصابون بدلها بتشنج خفيف (وقد

لا يلاحظ) أو بتشنج شديد.

وفي الأحوال المعتادة يكبر الطحال في طور البرودة والسخونة حتى قد يحس

به تحت الضلوع.

وتحصل أول نوب الحمى هذه إما في الصباح أو وقت الظهر، أما النوب

التي تليها فلا تكون دائمًا في وقت النوبة الأولى بل قد تتأخر عنها شيئًا فشيئًا حتى

تحصل في المساء أو في الليل، وقد تتقدم عنها شيئًا فشيئًا حتى تحصل قبل الفجر،

ويسمى النوع الأول بالمتقهقر والثاني بالمتقدم.

والأحوال المعتادة من هذه الحمى غير مميتة في الغالب إلا للأطفال الصغار أو

الشيوخ أو السُّقماء. وقد يتمدد الطحال منها حتى ينفجر وينسكب الدم في تجويف

البطن، وقد ينزف الدم في منسوج الطحال نفسه ويتكون فيه خراج فينفجر في

تجويف البريتون. ومضاعفات مثل هذه الأحوال ليست بكثيرة، وأشهرها النزلة

الشعبية والرُّعاف والبول الزلالي والآلام العصبية فوق الحاجب.

أما الأحوال الخبيثة المسماة [بالصيفية الخريفية] فلا تكون نوبها منتظمة ولا

متقطعة إلا أحيانًا قليلة تكون الفترة فيها قصيرة، ويقل حصول الرعدة للمصاب،

وكثيرًا ما يعتريه اليرقان والغثيان والقيء والإسهال، حتى قد تشتبه هذه الحمى

بالحمى التيفودية، وقد تطول مدتها إلى ثلاثة أسابيع وتنتهي كثيرًا بالموت الذي

يسبقه الهذيان أو الغيبوبة أو الاضطرابات الهضمية أو البول الزلالي أو النزف

الدموي أو الهمود (الهبوط) .

ومن الأنواع التي يتأثر منها المجموع العصبي بشدة نوع يمتاز طول الغيبوبة فيه حتى تمكث نحو 12 ساعة أو أكثر، ويكون الشخص كأنه مصاب بنزف

في مخه، ومنها نوع يشتد فيه الهذيان والهيجان. وقد شوهد بعض أحوال يركن

فيها المصاب كأنه ميت حقيقة فيقف تنفسه ويضعف نبضه وضربات قلبه حتى لا

يمكن إدراكهما.

واعلم أن هذه الحمى إذا تكررت نوبها جعلت الشخص سقيمًا عليلاً مصفرًّا

(لإبادة ميكروبها للكريات الدموية الحمراء) ويعتريه الدُّوار، وقلة الميل للطعام وآلام

بالعضلات والمفاصل والضعف والاستسقاء) ، ويضخم الطحال والكبد أو يكثر

منسوجه الليفي ويتيبس ويضمر، وقد يصاب الشخص بالجنون أو بالتهاب

الأعصاب أو بطنين الآذان أو الصمم أو فقدان الشم أو الذوق.

التشخيص- إن أحسن الطرق للتحقق من شخص هذه الحمى البحث في الدم

عن ميكروبها بواسطة المجهر. وليحترس من إعطاء الكينين للمريض قبل عمل

هذا البحث فإن هذا الدواء يُذهب الميكروب من الدم. ويختفي الميكروب أيضًا من

الدم في الأنواع الخبيثة وقت انخفاض الحرارة، أعني في الفترات التي بين نوب

الحمى وأحسن الأوقات لمشاهدته في تلك الأنواع هو أن يبحث في الدم عند ابتداء

النوبة وقت صعود الحرارة. أما في الأنواع الحميدة فيكون الميكروب أكبر وأظهر

في الفترات التي بين نوب الحمى.

المعالجة- الغرض الذي يُرمى إليه هو قتل الميكروب وإخراج سمومه من

الجسم وإراحة المريض مما يحدثه من أعراض الداء، وأحسن الأدوية وأشهرها

لقتل هذا الميكروب هو [الكينين Quinine][1] وأشهر أملاحه الكبريتات، وهي

مادة بيضاء خفيفة شديدة المرارة قليلة الذوبان في الماء فتذوب فيه بنسبة 1: 800

ولكنها سهلة الذوبان فيه بإضافة أحد الحوامض إليه. ومقدار تعاطيها في اليوم 20-

30 قمحة تقسم على ثلاث دفعات، والأفضل أن تكون الدفعة الأخيرة قبل ميعاد

حضور النوبة نحو ست ساعات، ولا مانع من إعطائها بعد طعام الفطور والغذاء

والعشاء ككثير من الأدوية الأخرى. وإذا قاءها المريض مزجت بقليل من الأفيون

أو حقنت في المستقيم أو تحت الجلد، والأفضل أن تحقن داخل عضلات الألية،

وأحسن الأملاح للحقن في الشرج أو تحت الجلد هو [هيدروبروميد الكينين

الحمضي] فإنه سهل الذوبان في الماء ولا يتهيج منه المكان المحقون، وجرعته من

قمحتين إلى عشر أو 15 قمحة.

و [البوكينين Euquinine] وهو إتيل كربونات الكينين يكاد يكون عديم

المرارة ولا يضر المعدة ولا الأعصاب، ولذلك كان أحسن دواء للأطفال والنساء.

وجرعته تختلف من 5 إلى 10 قمحات بحسب السن.

ويجب الاستمرار على تعاطي الكينين مدة بعد زوال الحمى؛ لأن بعض

الميكروبات قد ينجو من فعله ويختفي في الطحال، ثم يعود إلى الظهور ويكثر

فيحدث النكس، فلذا يجب الاستمرار على تعاطيه بعد الشفاء بمقادير يعينها الطبيب

(كخمس قمحات في اليوم) لمدة ثلاثة أشهر على الأقل.

وهناك بعض أدوية أخرى نافعة في الملاريا، ولكنها أقل قيمة من الكينين مثل

مركبات الزرنيخ.

وكثيرًا ما يحدث من الكينين أعراض ضارة مثل طنين الآذان والصداع

والصمم، وقد تُتقى هذه الأعراض بتقليل مقداره أو إبطاله مؤقتًا أو إعطاء حامض

الهيدروبروميك أو الجويدار لمنع الاحتقان الناشئ من الكينين.

الوقاية- تكون:

(1)

بردم المستنقعات.

(2)

وبإبادة البعوض وذلك بصب زيت البترول على المياه التي توجد فيها

البويضات والعلق لقتلهما، ويكون ذلك بنسبة أوقية لكل 15 قدمًا مربعة من سطح

الماء.

(3)

وباتقاء لذع البعوض بمثل الكلة (الناموسية) وخصوصًا بالليل وهو

وقت لذع هذا النوع من البعوض في الغالب.

(4)

وبدوام استعمال الكينين في الأقاليم التي تكثر فيها الملاريا (بمقدار

خمس قمحات يوميًّا) .

***

حمى البول الأسود

Fever Blackwater

تحدث هذه الحمى في الأقاليم الحارة التي تكثر فيها الملاريا لمن أقام بتلك

البلاد سنة على الأقل فأكثر أو للذين أصيبوا بالملاريا، ويقل حصولها لغير هذين

السببين.

بحث الأسباب تفصيلاً- ذهب العلماء في حقيقة سبب هذه الحمى مذاهب

أهمها:

(1)

أنها نتيجة إصابة شديدة بالملاريا.

(2)

أنها ملاريا متضاعفة بإصابة الكليتين.

(3)

أنها نتيجة ميكروب مجهول.

(4)

أنها ملاريا مع عامل آخر كتسمم الجسم بمثل الكينين أو بسُمّ مرض

من الأمراض كالإفرنجي وغيره، أو كالتعرض للبرد.

الأعراض- تتقدمها آلام في الأطراف والدماغ وتوعّك ثم رعدة فقيء صفراوي

فبول أحمر أو أسود بسبب ذوبان مادة الكريات الحمراء فيه، ويكون فيه زلال

كثير، وترتفع الحرارة إلى 40 سنتجراد فأكثر ثم تنخفض قليلاً بعد بضع ساعات،

ثم ترتفع مع رِعدة أخرى، وهلم جرًّا. ويُصاب المريض باليرقان، ويضخم

الطحال والكبد ويتألم المصاب من جسهما.

وفي الحالات البسيطة تزول الأعراض بعد نحو أسبوع، وأما في الشديدة

فيستمر القيء ويقل البول أو يبطل إفرازه ويصاب المريض بالغيبوبة أو الهمود

ويموت.

وعدد الوفيات بهذا المرض هو من 16 إلى 50 في المئة.

المعالجة- تكون بحسن التمريض والعناية بالمصاب والإكثار من شرب

السوائل لإدرار البول، وتعطى المنعشات المقويات للقلب، ولا يعطى المريض

الكينين إلا إذا وجد ميكروب الملاريا في الدم، وحينئذ يعطى أي ملح من أملاحه

غير الكبريتات فإنها تساعد على إذابة الكريات الحمراء، ويكون مقدار أي ملح قليلاً

متكررًا.

***

الدوسنطاريا الأميبية

Dysentery Amoebic

قلنا: إن الدوسنطاريا نوعان: نوع ينشأ من ميكروب نباتي (وقد سبق الكلام

عليه في صفحة 102 من الجزء الثاني من هذا الكتاب) والآخر ينشأ من ميكروب

حيواني وهو المراد بالكلام هنا.

وكلمة [أميبا Amoeba] يونانية معناها (المتغير) تطلق على حييوين

دقيق ذي خلية واحدة دائم التغير لشكله بما يرسله من جسمه في جميع الجهات من

الأرجل [الكاذبة [2] Pseudopodia] التي يتحرك بها حركة ذاتية، وهو من

أبسط الحيوانات المسماة [الحيوانات الأولى Protozoa] .

يتسلق الإنسان ثلاثة أنواع من الأميبا:

(1)

نوع يوجد في فمه إذا أصاب أسنانه النقد (التسويس) (راجع ص

68 من الجزء الأول) .

(2)

ونوع يسكن الجزء الأعلى من الأمعاء الغلاظ، والظاهر أنه لا ضرر

منه.

(3)

والثالث هو أميبا الدوسنطاريا هذه.

وهذا الأميبا يشاهد في براز المصاب وفي المدة التي قد تتكون في الكبد [3]

بسبب هذا المرض، وأكثر وجوده يكون في المواد المخاطية التي يتبرزها المريض

وقت اشتداد المرض؛ أي في زمن حدته. قُطر هذا الميكروب الحيواني هو من 25-

35 ميكرونًا؛ أي أن حجمه كحجم ثلاث أو أربع كريات حمراء من كريات الدم.

وهو يثقب الغشاء المخاطي للأمعاء الغلاظ ويسكن تحته ويتكاثر ويحدث المرض،

وقد يصل إلى الأوعية اللمفاوية أو الأوردة فيسير فيها.

أسباب الدوسنطاريا الأميبية- يوجد هذا النوع من الدوسنطاريا في الأقاليم

الحارة والمعتدلة كمصر، ولا ينتشر بشكل وبائي كالنوع الآخر السابق. وتنتقل

الأميبا بواسطة الماء الذي يتلوث في براز المصاب أو بواسطة الأطعمة الملوثة به

أيضًا خصوصًا الخضر. ويصيب المرض جميع الأجناس البشرية إذا تعرضت

للعدوى، وكذلك الصغار والكبار بلا تمييز بينهم، غير أن الظاهر أنه يصيب

الذكور أكثر من الإناث لقلة تعرض هؤلاء له من أولئك ، ولهذا النوع أيضًا حملة

كالنوع الأول يوجد الميكروب في أمعائهم ولا تحدث لهم أعراضه.

الأعراض- لا تختلف أعراض هذا النوع كثيرًا عن أعراض النوع الباسيلي

الذي سبق ذكره إلا في أشياء قليلة، وهي أنه لا يكون ابتداؤه مفاجأة بل تدريجيًّا في

الغالب، وتكون مدته أطول فإنه يميل لأن يكون مزمنًا، وتكون الحمى فيه أقل،

وكذلك الاضطراب العام، وتكثر نكساته ولا يمنع ذلك من أن يكون أحيانًا شديدًا جدًّا

ومميتًا بسرعة، وترتفع الحمى ويقلّ البول ويكثر الزلال فيه. ومن الناس من

توجد في أمعاءه قروح ناشئة على هذا الميكروب، ومع ذلك لا تظهر عليهم

أعراض المرض، ولكن ذلك قليل.

المضاعفات- تحتقن الكبد أحيانًا وتلتهب وكذلك الكليتان، ويندر حصول

النسف المعوي في هذا الشكل. وأهم المضاعفات خرّاج الكبد الذي يكون غالبًا

واحدًا أو على الأكثر لا يزيد عن ثلاثة، والسبب فيه وصول الميكروب إلى الكبد

بطريق الوريد الباب فيميت بسمه منسوجه.

ومن العقابيل ضيق الأمعاء بسبب انقباض آثار القروح التي تحدث فيها.

الإنذار- يراعى فيه مسألة خراج الكبد وشدة الأعراض. وتخشى النكسة

والإزمان. والفواق علامة سيئة في الحالات الحادة؛ لأنه ينذر غالبًا بقرب

الاضمحلال والموت.

المعالجة- لا تختلف عن معالجة النوع الباسيلي إلا في نفع [عرق الذهب]

وشدة تأثيره في هذا المرض، وهو جذور شجرة في بلاد البرازيل بأمريكة الجنوبية،

في هذه الجذور مادة مقيئة تسمى لذلك باللغات الإفرنجية [Emetine] ولكنها

شافية لهذا الداء. والجرعة من مسحوق هذه الجذور هي 20-30 قمحة،

ويستحسن إعطاء قليل من الأفيون أو أحد مركباته قبلها بنحو نصف ساعة،

ويستلقي المريض على قفاه ولا يعطى له شيء آخر سوى قليل من الثلج لمصه،

وذلك كله لمنع القيء الذي يحدث من الدواء، وتتكرر الجرعة بعد 8 أو 10 ساعات،

إذا كانت الأعراض شديدة أعطيت الجرعة ثلاث مرات في اليوم، وبعد زوال

أعراض الدسنطاريا يكمل العلاج بمركبات البزموت والأفيون ونحوهما.

ويفضل استعمال [الأميتين Emetine] حقنًا تحت الجلد أو في داخل

العضلات [4] بمقدار نصف قمحة مرة ليلاً ومرة نهارًا عندما تتحسن الحال بحقن

المريض مرة واحدة فقط في اليوم، ولا يحدث القيء بهذه الطريقة كما يحدث من

إعطاء مسحوق عرق الذهب نفسه بالفم. وهذا الدواء نافع أيضًا في منع التهاب

الكبد وخراجها؛ لأنه قاتل لميكروب الدوسنطاريا بسرعة عجيبة.

والمعالجة بالأميتين أو بعرق الذهب نافعة أيضًا في الحالات المزمنة، وإذا

تعاطت حقن المريض أيضًا بالمحاليل المطهرة أو القابضة في المستقيم، ويكون

مقدار الحقن نحو لتر في المحلول الدافئ.

الوقاية- تقوم بتطهير الماء بالغلي أو غيره بالامتناع عن أكل الخُضر وغيرها

إلا إذا طهرت، وبإبادة الذباب بقدر الإمكان أو منعه من الوصول إلى الطعام أو

الشراب.

***

الحمى الراجعة أو ذات النكس

Fever Relapsing

مرض معد شهير ينتشر عادة بشكل وبائي، وليس له طفح مخصوص كبعض

الحميات الأخرى، وإنما يمتاز بحصول حمى بضعة أيام تنتهي فجأة بعد نحو

أسبوع، ثم ترجع ثانية بعد مُضي بضعة أيام وهكذا. وهي كثيرة الوجود في مصر

وغيرها، وقد كانت تنتشر بشكل مريع في السجون وغيرها حيث يكثر الازدحام.

ينشأ الشكل المعتاد منها في مصر من ميكروب حيواني حلازوني الشكل

اكتشفه [أبرميير Obermeier] في الدم سنة 1873 وله أنواع يختلف بعضها

عن بعض قليلاً كما في بلاد الهند وأمريكا. طول هذا الميكروب يختلف من 16 -

40 ميكرونًا وعرضه ميكرون واحد. وهو يشاهد في دم المصاب بهذه الحمى بين

كرياته لا في داخلها. ويقول بعض الباحثين: إنه يمكن مشاهدته في طور التفريخ

قبل حصول الحمى بنحو 48 ساعة، ويقول آخرون: إنه يشاهد أولاً في اليوم

الثاني للحمى ويكثر عدده كلما تقدمت الحمى، ولا يقل إلا إذا بلغت الحمى أكثر

شدتها وارتفاعها قبيل البحران، فإذا انخفضت الحرارة لا يشاهد الميكروب في الدم

إلى أن تقترب النوبة الثانية. وقد أمكن تلقيح الإنسان والقرد بهذا الميكروب إذا

حُقن فيهما جزء من دم المصاب. وشاهد بعض العلماء أن الميكروب إذا اختفى من

الدم ذهب إلى الطحال، وهناك تبتلعه بعض الكريات البيضاء وتقتله، فلذا استنتج

أنه إذا أفلت بعضها من القتل وعاد إلى الدم تكاثر فيه فتنتكس الحمى.

والإصابة بهذه الحمى لا تحمي الشخص من عودتها بعد زمن إلا قليلاً ولكنها

تحمي غالبًا من الإصابة بالتيفوس. ومن الأسباب المهيئة للعدوى الفاقة والجوع

والازدحام والقذارة. وذلك لأنها تنتقل من شخص إلى آخر بواسطة قمل الجسم فقد

شُوهد فيه نفس الميكروب، وهو لا ينتقل إلى الإنسان بلسع القمل لجسمه، وإنما

ينتقل بطريقة أخرى، وهي أن المصاب بالقمل يكون كثير الحك لجسمه فيتسلخ

جلده قليلاً من أظافره أو غيرها فإذا سحقت قملة في أثناء الحك أو غيره كالنوم

عليها وأصاب دمها بعض تلك الجروح التي بالجلد دخل منها الميكروب إلى الدم

وأصاب الإنسان بالحمى. ويبقى الميكروب في جسم القملة مدة حياتها بل يصل إلى

بويضاتها (الصئبان) فتتلقح به أيضًا، ولذلك وجب الاحتراس من القمل والصئبان

فإنهما ينقلان هذه الحمى.

وهي تصيب الإنسان في جميع الأعمار ولا تميز بين الذكر والأنثى إلا قليلاً

فإن نسبة المصابين بها من الذكور إلى الإناث تكون عادة كنسبة 3 إلى 2 وهي

كثيرة الحصول للفقراء والشحاذين ونحوهم لكثرة ضعفهم ووجود القمل فيهم، وقل

أن تصيب الأغنياء إلا إذا صادفتهم قملة انتقلت إليهم من مصاب بها اقتربوا منه.

وهناك نوع من هذه الحمى يحصل في إفريقيا ينتقل من شخص إلى آخر بواسطة

القراد، ولكن مدة هذه الحمى أقصر فإنها تكون عادة يومين أو ثلاثة، ويوجد أيضًا

ميكروبها حتى في بويضات القردان، ويجوز أن ينتقل إلى الجيل الثالث من نسله.

الأعراض- يتراوح طول التفريخ بين يوم و 16 يومًا ولكن في أكثر الأحوال

يكون أقل من تسعة أيام. وتبدأ الحمى فجأة بقشعريرة أو برعدة يعقبها سريعًا صداع

في الجبهة وآلام في الظهر والأطراف. وبعد زمن يسير تزول القشعريرة ويخلفها

إحساس بحرارة في الجسم ويزداد الصداع والآلام المذكورة. وتكون درجة الحرارة

في اليوم الأول 39 أو أكثر فيضطر المريض إلى التزام الفراش ويشتد به العطش

والإقهاء وقد يعتريه الغثيان والقيء ويحتقن الوجه ويبيض اللسان وتزداد درجة

الحرارة في الليل فتكون 40 أو 41 وتنخفض قليلاً في الصباح فتكون أقل بدرجة

غالبًا.

وقد تتكرر الرعدة ويكثر العرق. ويسرع النقل، وكذلك مرات التنفس.

ويعتري المريض في بعض الأحوال اليرقان الشديد حتى يتكون البول بلون المُرة

(الصفراء) وتكبر الكبد والطحال خصوصًا، وتظهر [النملة Herpess] أحيانًا

على الشفتين وقد يحصل رعاف (نزف من الأنف) . وتستمر هذه الحالة على نحو

من أسبوع، ويقل نوم المريض ويشتكي كثيرًا من آلام المفاصل والعضلات، ولكنه

يبقى حافظًا لقواه العقلية إلى قبيل النهاية وعندئذ يعتريه الهذيان، وتشتد الحمى جدًّا

قد تصل إلى 42 و 49 وحينئذ تنفرج الأزمة فجأة ويحصل البحران، ويكثر العرق

وتقل مرات النبض والتنفس، وتنخفض الحرارة بسرعة ويشفى المريض غير أنه

قد يعتريه همود خصوصًا إذا كان شيخًا، وقد يصحب البحران إسهال أو رعاف

وتكون الحرارة أقل من الدرجة الطبيعية ثم يتحسن الحال بسرعة وتشتد شهوة

الطعام وتعود قوة المريض في ثلاثة أيام أو أربعة. وبعد أن يظن أنه شُفي تمامًا

تعود إليه الحمى فجأة كما بدأت، ويكون ذلك بعد مضي أسبوع تقريبًا، ويصبر

المريض في عين الحالة التي كان عليها في المرة الأولى، وبعد بضعة أيام تنتهي

النكسة بالبحران أيضًا. وقد ينكس المريض ثانية وثالثة ورابعة، وكذا خامسة في

النادر. ومن المرضى من لا ينكس ألبتة. وتكون مدة النكس في الغالب أقل من مدة

المرض الأولى فتكون عادة أربعة أيام أو خمسة، وقد تكون يومين أو ثلاثة،

وتكون النكسة في الغالب أخف وطأة من الحمى الأولى، ولكنها أحيانًا تكون أشد بل

قد يموت منها المريض.

واعلم أن جميع المدد المذكورة سابقًا هي تقريبية فإنها تتفاوت تفاوتًا عظيمًا

باختلاف الأشخاص، وقد رأينا في السجون المصرية أن مدة الحمى الأولى قد

تتراوح من يوم إلى ثمانية أيام أو تسعة، والفترة الأولى من يومين إلى واحد

وعشرين يومًا، ومدة النكسة الأولى من يوم إلى عشرة، والثانية من يوم إلى سبعة

وهلمَّ جرًّا في الاختلافات العظيمة في مدة الفترات وأيام النكس، ومن المسجونين

من نُكس أربع مرات [5] .

وعدد الوفيات يختلف من 14 إلى 18 في المئة، ويحصل الموت عند اشتداد

الكرب في الحمى الأولى أو عقب البحران مباشرة من الهمود خصوصًا في الشيوخ

كما تقدم. وقد يحصل الموت بسبب التسمم البولي والتشنج أو بالالتهاب الرئوي أو

بالزحار أو غيره.

ومن المضاعفات غير ما ذكر، ضخامة الطحال وتمزقه، والحُمرة بالأطراف

السفلى، والتهاب الغدد اللعابية أو تقيحها، والتهاب العين الذي يعميها، وإجهاض

الحَبالا والنسف الرحمي الخطر.

((يتبع بمقال تالٍ))

_________

(1)

هذه الكلمة مأخوذة من لغة أهل بيرو Pero بأمريكة الجنوبية، ومعناها (القشر) لأن هذه المادة تستخرج من قشر شجرة (السنكونا Cinchona) وسميت هذه الشجرة بهذا الاسم؛ لأن أميرة شنكون Chinchon زوجة حاكم بيرو عولجت بها من حمى فشفيت في سنة 1628 وفي السنة التالية أحضرتها إلى أوروبة، وبعد ذلك أدخلها الجزويت إلى رومية، ولذلك سميت أيضًا (قشر الجزويت) .

(2)

سميت بذلك؛ لأنها ليست دائمة بل تنبعث وتنقبض.

(3)

خصوصًا بعد فتح خراج الكبد هذا بثلاثة أيام حينما تنقبض جُدُره.

(4)

ذلك أفضل لعدم إحداث ألم وورم وتييس في مكان الحقن.

(5)

راجع تقرير جناب الدكتور (كرتون Kirton) رئيس القسم الطبي بمصلحة السجون المصرية عن سنة 1907.

ص: 545