الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الكاتب: محمد رشيد رضا
ذكرى المولد النبوي [*]
(3)
خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في تلك الليلة من داره إلى دار أبي
بكر، ثم خرجا متزودين من خوخة [1] فيها واستخفيا في الغار المعروف بغار ثور [2] ،
وكانا قد استأجرا دليلاً ماهرًا من المشركين ليرحل بهما، وأعطياه راحلتيهما
وأمَّناه على سرهما [3] وواعداه غار ثور بعد ثلاث، فكتم أمرهما ووافاهما في الميعاد،
ولما علمت قريش بخروجهما، خرجت بالقافة في طلبهما [4] حتى إذا ما انتهوا إلى
باب الغار، صرف الله عنه القلوب والأبصار، وفي الصحيحين أن أبا بكر قال:
يا رسول الله لو أن أحدهم نظر إلى ما تحت قدميه لأبصرنا. فقال: (يا أبا بكر ما
ظنك باثنين الله ثالثهما؟ لا تحزن إن الله معنا) ولما كان بعد ثلاث جاء الدليل
فرحل بهما، وأردف أبو بكر مولاه عامر بن فهيرة فهاجر معهما، وكانت نار
الطلب قد خمدت عنهما، وجعل المشركون لمن جاءهم بهما دية كل واحد منهما،
وقد كان ما كان من حِفظ الله وإكرامه لهما.
ولما بلغ الأنصار خروجه صلى الله عليه وسلم من مكة، كانوا يخرجون
صبيحة كل يوم ينتظرونه في الحَرّة [5] ولا يرجعون إلى الديار، إلا بعد أن تغلبهم
الشمس على الضلال [6] حتى وافاهم بقباء [7] يوم الإثنين ثامن ربيع الأول فتلقوه
بالإكرام، وقام فيها مدة أربعة أيام، وكان نزوله في بني عمرو بن عوف، وبنى
فيها مسجدها الذي أسس على التقوى من أول يوم، ثم دخل المدينة يوم الجمعة
عند دخول الشمس في بُرج الميزان، وهو أول الاعتدال الخريفي في الزمان، فكان
ذلك رمزًا لما في شريعته من الاعتدال، وكونها آخر الشرائع الإلهية التي يبلغ بها
الدين غاية التمام والكمال، وقد أدركته الجمعة في بني سالم بن عوف فجمع بهم في
المسجد الذي في بطن الواد، ثم ركب فأخذوا بخطام ناقته: هلم إلى العدد والعدة
والمنعة والسلاح [8] . فقال: (خلوا سبيلها فإنها مأمورة) وكلما مرت بدار من دور
الأنصار رغبوا إليه في النزول عليهم وهو يقول: (دعوها فإنها مأمورة) وما
زالت تمر بدار بعد دار، إلى أن بركت في موضع مسجده اليوم من دور أخواله بني
النجار [9] فبادر أبو أيوب الأنصاري إلى رحله فأدخله في بيته، فجعل رسول الله
صلى الله عليه وسلم يقول: (المرء مع رحله) وأقام في منزل أبي أيوب
حتى بنى حجرته ومسجده، واستحضر في أثناء ذلك أهل بيته من مكة المكرمة [10]
ولم يفرح الأنصار بشيء كفرحهم بقدومه صلى الله عليه وسلم ومثله عودته إليهم
بعد الفتح الأعظم [11] وأي شرف وفخر وسعادة في الحياة وبعد الممات، أعظم من
هذه السعادة التي افتخر بها شاعرهم بهذه الأبيات:
ثوى في قريش عشرة حجة
…
يذكر لو يلقى حبيبًا مواتيا [12]
ويعرض في أهل المواسم نفسه
…
فلم يرَ من يؤوي ولم ير داعيا [13]
فلما أتانا واستقرت به النوى
…
وأصبح مسرورًا بطَيْبة راضيا [14]
وأصبح لا يخشى ظلامة ظالم
…
بعيد ولا يخشى من الناس باغيا [15]
بذلنا له الأموال من حِلّ مالنا
…
وأنفسنا عند الوغى والتآسيا [16]
نعادي الذي عادى من الناس كُلهم
…
جميعًا، وإن كان الحبيب المصافيا [17]
ونعلم أن الله لا رب غيره
…
وأن كتاب الله أصبح هاديا [18]
***
أخلاقه وسيرته بعد الهجرة مع المؤمنين
وحاله مع أهل الكتاب والمشركين
كان صلى الله عليه وسلم أكرم الخلق أخلاقًا، وأعلاهم فضائل وآدابًا،
امتاز بذلك في عهد الجاهلية، فكيف يدرك كنهه بعد النبوة، وقد خاطبه العلي
العظيم، بقوله:{وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} (القلم: 4) وكان جامعًا بين اللُّطف
والتواضع والدماثة، وبين العزة والوقار والمهابة، من رآه بديهة هابه، ومن
خالطه معرفة أحبه [19] ، وجامعًا بين الرأفة والرحمة والحياء، وبين الشجاعة والحزم
والمضاء، فكان في حومة الوَغى أثبت الناس، وكانوا يلوذون به إذا اشتد البأس
[20]
حتى إنه ثبت وحده في يوم أُحد، ولكنه لم يقتل بيده غير أُبي بن خلف [21]
وإنما كان يدافع عن نفسه وغيره دفاعًا، ويرشد المقاتلين بالتدبير والتثبيت إرشادًا،
ولم يكن ينتقم لنفسه، ولا يُحابي في الحق عشيرته ولا أبناء جنسه، وكان على
حلمه الواسع، لا تأخذه في الله لومة لائم، وكان أجود من الريح المرسلة،
والسحب المنهملة، وكان أعظم الناس صبرًا، وأحسنهم لله وللناس شكرًا [22] ، وكان
يجب اليُسر ويأمر به، ويكره العُسر ويَنهى عنه [23] ، يأكل من الطعام ما وجد، لا
يأبى المستلَذ منه نسكًا. ولا يتحراه تنعُّمًا وترفًا، ولكنه كان يعتني بأمر الماء [24] ،
ويحب الطِّيب والنساء، وكان يُكثر الوصية بهن وباليتامى والأرقّاء، ليمحو من
أنفس الناس احتقار الضعفاء.
كان صلى الله عليه وسلم يربي المؤمنين بالقرآن، وبما آتاه الله من الخُلق
العظيم والعرفان، فآخى بين المهاجرين والأنصار، حتى إنهم كانوا يتقاسمون المال
والعقار، وألَّف الله به بين قلوب الأوس والخزرج فأصبحوا بنعمته تعالى إخوانًا،
وكانوا في الجاهلية أعداء لا يألو أحدهما الآخر بغيًا وعدوانًا، وكان يشاور أصحابه
في الأمر، ويساوي بينهم في الإقبال والبشر، ويوقِّر كبيرهم ويرحم صغيرهم،
ويُكرم فقيرهم، ويعود مريضهم، ويشيِّع ميتهم، ويقبل هديتهم، ويجيب دعوتهم،
ويكون معهم كأحدهم.
فأما اليهود من أهل الكتاب، الذين كانوا في تلك الرحاب، فقد وادعهم وأقرهم
على دينهم، وأمنهم على دمائهم وأموالهم، على أن لا يحاربوه، ولا يُظاهروا ولا
يوالوا [25] عدوهم عليه، وأن لهم النصر على المؤمنين، وينفقون معهم ما داموا
محاربين، وأن لهم دينهم وللمسلمين دينهم، سواء في ذلك مواليهم وأنفسهم، ولكنهم
ما لبثوا أن نقضوا عهده، وظاهروا عليه عدوه.
وأما المشركون فاشتدت عداوتهم له، وكانوا حربًا له ولمن آمن به، فلم
يشتفوا بإخراجه وإخراجهم من ديارهم وأموالهم، وما كان من تعذيبهم لمواليهم
وضعفائهم ونسائهم، لأجل إرجاعهم عن الإسلام، إلى ما كانوا عليه من عبادة
الأصنام، حتى صارحوهم البغي والعدوان، فلم يكن للمسلم أمان على نفسه في
مكان، إلا أن يمنعه أحد الأقوام، أو يصدهم عنه الشهر الحرام أو المسجد الحرام،
على أن قريشًا صدتهم عن البيت، بعد أن قلدوا الهدي وأحرموا بالعمرة سنة
ست [26] ، حتى صالحهم صلى الله عليه وسلم في الحديبية [27]- والإسلام على ما
صار إليه من المنعة والقوة-[28] ، على وضع الحرب عشر سنين، يأمن فيها
الناس من مؤمنين وكافرين، وأن يرجع عنهم ذلك العام، ويُخلُّوا بينه وبين
مكة في العام المقبل ثلاثة أيام، وأن يرد عليهم من أتاه من أصحابهم ولو بقصد
الإسلام، ولا يردوا عليه من أتاهم من الصحابة الكرام، وكان -صلى الله عليه
وسلم- قد رأى في المنام، أنه قد دخل المسجد الحرام، فظن المسلمون أن تأويل
الرؤيا يكون في تلك السنة، ولذلك اشتد عليهم الاستياء من الصلح حتى خيفت عليهم
الفتنة [29] لولا أن الله تعالى أنزل عليهم السكينة، وعجل لهم بعض ما وعدهم، ثم
من المغانم الكبيرة [30] وذلك برهان على إيثاره صلى الله عليه وسلم للسلام،
وما كانت حروبه إلا دفاعًا وتأمينًا لدعوة الإسلام، وكان أكبر فوائد ذلك الصلح
اختلاط المسلمين بالمشركين، وإسماعهم القرآن وتبليغهم حقيقة الدين، وإرسال
الرسل لتبليغ الملوك المجاورين [31] فصار الناس يدخلون فيه آمنين مقتنعين،
وأظهر الإسلام في هذه الهدنة مَن كان يخفيه بين المشركين خوف الفتنة، وحسبك أنه
تعالى أنزل سورة الفتح، في تعظيم شأن هذا الصلح؛ مبينًا ما فيه من الحِكَم
والمصالح، ومشتملة على أخبار الغيب والوعد بالنصر والمغانم، فسماه فتحًا مبينًا،
وأعقبه كما وعد نصرًا عزيزًا؛ إذ كان تمهيدًا لفتح مكة، الذي أتم به النعمة، وازداد
المؤمنون بذلك إيمانًا، وصار الناس يدخلون في دين الله أفواجًا.
وكان فتح مكة سنة ثمانٍ، وفي سنة عشر حج رسول الله -صلى الله عليه
وسلم- حجة الوداع، التي هدم فيها قواعد الشرك والجاهلية وقرَّر قواعد الإسلام،
وعلَّم الألوف أحكام المناسك [32] ، وأمر بأن يبلِّغ الشاهد منهم الغائب، وأشهَد الله
تعالى المؤمنين على أنه بلغ ما نزل إليه وبينه تبيينًا، وأنزل تعالى عليه في مساء
عرفة: {اليَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ
دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً} (المائدة: 3) .
وكان صلى الله عليه وسلم قد أقام في مكة بعد بدء التبليغ عشر سنين،
يدعو إلى أصول الإيمان وكليات الدين، وتزكية النفس بتطهيرها من أدران الرذائل،
وتحليتها بأحاسن الأخلاق وعقائل الفضائل، واستعمال نعم الله تعالى من بدنية
وعقلية، وسماوية وأرضية، فيما تظهر به حِكَمه وتشاهد آياته في الخلق، وتتسع
به العلوم التي يعرف بها الحق وتكثر موارد الرزق، صابرًا مع السابقين من
المؤمنين، على الاضطهاد والأذى من المشركين، ثم دخل الإسلام بالهجرة في عهد
الحرية، وتكونت له قوة العصبية، وجاء الوحي فيه مفصلاً لما أجمل في السور
المكية من الأحكام، وبيان الحلال والحرام، وبينت السنة النبوية جميع فروع
العبادات، وكل ما يحتاج إليه من النصوص والقواعد للسياسة وفروع المعاملات،
فبذلك كله أكمل الله الدين، وأتم نعمته على المؤمنين، وقد تربى على ذلك الألوف
من المهاجرين والأنصار، فنشروا هذا الدين القويم في الأقطار والأمصار، فأروا
أمم الحضارة والأديان القديمة، من العدل والرحمة والسيرة القويمة، ما لم يروا
مثله بأعينهم، ولا رووا نظيره عن أحد من قبلهم، وقد كانت مدة التشريع بعد
الهجرة، كمدة التبليغ بعد البعثة [33] فبعد حجة الوداع بثلاثة أشهر [34] قبض الله
تعالى إليه نبيه المصطفى، ورسوله المجتبى، ورفع روحه الطاهرة إلى الرفيق
الأعلى، فتوفي صلى الله عليه وسلم تاركًا للأمة ما إن تمسكوا به لن يضلوا من
بعده، كتاب الله وسنته في تبيينه وعترته العاملين بهما من أهل بيته [35] وكذا خلفاؤه
الراشدون [36] وعلماء أصحابه به العاملون [37] مؤسسًا لهم أمة عظيمة، ودولة عادلة
رحيمة، وحكومة شوروية حكيمة، قيدت فيها سلطة الفرد، بالشريعة العادلة
وسيطرة أهل الحل والعقد [38] مبشرًا بأن ملكها سيعم الشرق والغرب، وينتظم ملك
كسرى وقيصر، وأنه يظل عزيزًا ما أقاموا الحق واعتصموا بالعدل، فإذا وسدوا
الأمر إلى غير أهله، فلينتظروا ساعتهم المضروبة لفقده [39] ، وبأنه لا تزال طائفة
من أمته ظاهرة على الحق قوَّامة على أمر الله، إلى أن تقوم الساعة ويأتي أمر
الله [40] .
وقد تم كل ما بشر به وأنذر، ولا تزال آيات نبوته تتجدد وتتكرر، فجزاه الله
عنا أفضل ما جزى نبيًّا عن قومه، ورسولاً عن أمته، وصلى الله وبارك عليه،
وعلى أهل بيته الطاهرين [41] ، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
_________
(*) تابع لما نشر في الجزء الثامن ص 473.
(1)
الخوخة: الكوَّة النافذة والباب الصغير في الباب الكبير.
(2)
ثور: اسم جبل معروف من جبال مكة، والغار لا يزال فيه إلى اليوم.
(3)
فيه من العبرة ما كان عند العرب من الأمانة والصدق والوفاء.
(4)
القافة جمع قائف، وهو الذي يعرف الآثار، فإذا رأى أثر الأقدام أو الأخفاف أو الحوافر في الأرض استدل بها على عددها ووجهة سيرها.
(5)
الحَرّة: موضع ظاهر المدينة من جهة مكة فيه حجارة سود.
(6)
أي: عندما يقرب وقت الظهر ويتقلص ظلال الجدر حتى كأن الشمس تغالب المستظل بها عليها.
(7)
موضع بظاهر المدينة فيه قرية، وأصله اسم لبئر كانت هناك فهو مؤنث ممنوع من الصرف ويصرف بمعنى الموضع، وتبصر أيضًا.
(8)
الخِطام: الحبل الذي يوضع في مِخطم الراحلة أي أنفها لتُقاد به وهلم إلخ حكاية لقولهم، أي قائلين: هلم أي أقبل وتعالَ إلى قوتي الكثرة والاستعداد.
(9)
هم قبيلة من الأنصار، وهم أخواله صلى الله عليه وسلم من جهة جده عبد المطلب فإن أمه سلمى بنت عمرو منهم.
(10)
أرسل صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة وأبا رافع وأعطاهما بَعيرين وخمسمائة درهم فأحضروا فاطمة وأم كلثوم ابنتيه وسودة بنت زمعة زوجه التي تزوجها بعد خديجة وأسامة بن زيد وأمه أم أيمن وأما بنته زينب فلم يمكِّنها زوجها أبو العاص بن الربيع من الخروج وقد خرج من هؤلاء عبد الله بن أبي بكر بعيال أبي بكر، ومنهم عائشة فنزلوا في بيت حارثة بن النعمان.
(11)
هو فتح مكة.
(12)
ثَوى أقام الحِجَّة بالكسر السنة، والبُضع ما بين 3 إلى 9 أي: أقام ثلاث عشرة سنة بمكة يُذَكِّر ويعظ بالدعوة إلى الله في أثنائها، وإنما دعا في عشر منها.
(13)
المواسم مجمع الحج، فلم ير من يؤويه أي يجعل له مأوى أي منزلاً يأمن فيه على نفسه، ولم ير داعيًا إلى ذلك أو إلى الله بمساعدته ونصره.
(14)
النَّوى وِجهة المسافر التي ينويها بسفره، وطَيْبَة: المدينة يُروى البيت في سيرة ابن هشام هكذا: فلما أتانا أظهر الله دينه
…
فأصبح مسرورًا بطيبة راضيا.
(15)
الباغي المعتدي ويروى البيت هكذا:
فأصبح لا يخشى من الناس واحدًا
…
قريبًا ولا يخشى من الناس نائيا.
(16)
الوَغَى: الحرب والتآسي مثل التعازي ما يتسلى به المرء عن المكاره.
(17)
أي: نعادي الذي عاداه من جميع الناس، وإن كان من قبل حبيبًا لنا لا يؤثر عليه أحدًا.
(18)
يروى هذا البيت بألفاظ أخرى في سيرة ابن هشام، وفيها أبيات أخرى أيضًا.
(19)
البديهة: الفجاءة؛ أي من رآه مفاجأة من غير سابق معرفة خافه أو وقَّره وأجلَّه لما يتجلى في شمائله من الروعة والهَيْبة، ومن خالطه أي: عاشره مخالطة معرفة أحبه لحُسن خلقه وكمال آدابه وشدة رحمته وعنايته بأمر معاشره، وهذا الكلام من وصف علي رضي الله عنه له صلى الله عليه وسلم.
(20)
البأس: بالهمز ويخفف هنا للتناسب وهو الشدة والمكروه، والمراد هنا الحرب ونحوها من المكاره الشديدة.
(21)
كان أُبَيّ من رؤوس المشركين وصناديدهم، وكان يعلف فرسًا له بمكة اسمه العود ويقول: أقتل عليه محمدًا فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم خبره فقال: (بل أنا أقتله إن شاء الله) فلما كان يوم أُحد ونُكب المسلمون وانكشفوا عن النبي صلى الله عليه وسلم أقبل أُبي مقنعًا بالحديد لا يُرى من بدنه شيء، وجعل يقول: أين هذا الذي يزعم أنه نبي فليبرز لي فإنه إن كان نبيًّا قتلني، فلما دنا من النبي صلى الله عليه وسلم أخذ النبي حربة من الحارث بن الصِّمة فطعنه بها طعنة جاءت في تَرقوته من فُرجة بين سابغة الدرع والبيضة التي على الرأس فكرَّ الخبيث منهزمًا ومات من ذلك الجُرح في طريقهم إلى مكة قيل: بسرف وقيل: برابغ.
(22)
قال صلى الله عليه وسلم: (من لم يشكر الناس لم يشكر الله) رواه أحمد والترمذي عن أبي سعيد.
(23)
من وصاياه: (يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا) رواه البخاري ومسلم وغيرهما.
(24)
كان أحب الشراب إليه الحلو البارد كما في حديث عائشة في الشمائل، وكان يستعذب له الماء من بيوت السقيا كما روى أبو داود، والسُّقيا بالضم عين على بُعد يوم من المدينة أو أكثر.
(25)
أي: لا يعانوا ولا يناصروا.
(26)
الإحرام وتقليد الهدي، أي: ما يُهدى إلى الحرم من الأنعام دليل على عدم إرادة القتال.
(27)
الحُديبية بالتخفيف كدويهية ويشدِّده أكثر المحدثين: بئر سُمي باسمها الموضع الذي حولها (وقيل: وادٍ هناك) وهوعلى نحو مرحلة من مكة من بعضها عن طريق جدة وكان هناك قرية، قيل: هي في الحِلّ، وقيل: في الحرم، وقيل: بعضها في الحل وبعضها في الحرم وهو أبعده عن مكة.
(28)
كان مع النبي صلى الله عليه وسلم 1400 رجل أو 1500.
(29)
لما صالح صلى الله عليه وسلم المشركين أمر المؤمنين بالتحلل من عمرتهم فلم يبادروا إلى الامتثال لما عراهم من ذهول الحزن، فدخل صلى الله عليه وسلم على أم سلمة وقال لها:(هلك المسلمون) وذكر لها ما كان فأشارت عليه بأن يخرج ولا يكلم أحدًا حتى ينحر هديه ويحلق رأسه، فخرج ففعل ذلك فتبعوه فنحروا، وصار يحلق بعضهم بعضًا حتى كاد بعضهم يقتل بعضًا من الغم.
(30)
عجل لهم فتح خيبر فقد عاد صلى الله عليه وسلم من الحديبية في ذي الحجة فأقام في المدينة زُهاء عشرين ليلة، ثم خرج إلى خيبر ففتحها في المحرَّم أول سنة سبع.
(31)
ملوك جزيرة العرب والشام ومصر وفارس.
(32)
المناسك أحكام الحج، وقد اختُلف في عدد من حج مع الرسول صلى الله عليه وسلم حجة الوداع من 40 ألفًا إلى مئة وعشرين ألفًا وسبب هذا الاختلاف أنه خرج من المدينة بجماهير المسلمين فيها وفيما حولها، وكان الناس ينضمون إليهم في الطريق عدا من حج من سائر بلاد العرب.
(33)
أي: عشر سنين.
(34)
توفي صلى الله عليه وسلم يوم الإثنين 12 ربيع الأول سنة إحدى عشرة، وكذلك كانت ولادته وبعثته وهجرته في يوم الإثنين وفي ذلك إشارة إلى أن الإيمان به يلي الإيمان بالله تعالى، والشهادتان شاهدتان على ذلك.
(35)
روى مسلم في صحيحه من طرق عن زيد بن أرقم قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيبًا بماء يدعى خُمّا بين مكة والمدينة فحمد الله وأثنى عليه ووعظ وذكَّر ثم قال: (أما بعد ألا أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب وأنا تارك فيكم ثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به- فحث على كتاب الله ورغب فيه ثم قال: -وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، وفسر زيد أهل بيته بمن حرَّم عليهم الصدقة، قال: وهم آل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس ويقول آخرون: هم علي وذريته من فاطمة عليهم السلام ولَعمري إنهم كانوا أحفظ الناس لهديه حتى عند ظهور البدع وفتن الدنيا، ولا يخلو عصر من طائفة منهم أو أفراد من الهداة المصلحين، وإنْ فُتن الكثيرون منهم بغلاة المحبين، فكانت فتنتهم لهم أعم وأدوم من فتنة الأمراء الظالمين؛ إذ كان من أثرها في ذريتهم أن ترك أكثرهم العلم والأعمال النافعة استغناء عنهما بشرف النسب، غافلين عن قول جدهم علي المرتضى -كرم الله وجهه-: قيمة كل امرئ ما يحسنه، ولله دَرّ بيت الإمامة في اليمن منهم فإنهم لم يتركوا الاجتهاد في علوم الدين والمحافظة على الإمامة إلى اليوم والثقل بالضم وبفتحتين: الشيء النفيس المصون، وكذا متاع المسافر وحشمه قال النووي: قال العلماء: سميا ثقلين لعظمهما وكبير شأنهما، وقيل: العمل بهما، وروى الترمذي من حديث جابر قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجته يوم عرفة وهو على ناقته القصواء يخطب فسمعته يقول: (إني تارك فيم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي- أحدهما أعظم من الآخر- كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعِترتي أهل بيتي، ولن يتفرقا حتى يردا عليَّ الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما) وروى أحمد والطبراني من حديث زيد بن ثابت مرفوعًا (إني تارك فيكم خليفتين كتاب الله حبل ممدود بين السماء والأرض، وعِترتي أهل بيتي، وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض) وعلم عليه السيوطي بالصحة، ورُوي نحوه من حديث أبي سعيد وحذيفة بن أسيد ورواته كثيرون وطرقه متعددة ذكرنا أصحها، وروي حديث بمعناه عن أبي هريرة وفيه لفظ السنة بدل العترة، ومعناه صحيح ولا معارضة بينه وبين الآخر الذي هو أصح منه رواية ويؤيده حديث مرسل في الموطأ.
(36)
ورد في مناقب الخلفاء الأربعة أحاديث كثيرة في الصحاح وغيرها وورد لفظ الخلفاء الراشدين في حديث العرباض بن سارية عند أبي داود والترمذي (فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي عَضوا عليها بالنواجذ) إلخ.
(37)
ورد في فضل أصحابه صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة منها في صحيح مسلم أنهم أمنة لأمته فإذا ذهبوا أتاهم ما يوعدون ومعنى أَمَنَة حفظة على الدين، ومنها الحديث الصحيح (خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم) إلخ رواه الشيخان وغيرهما، والقرن: العصر طال أو قصر.
(38)
الإسلام هو الذي شرع للناس شكل الحكومة التي يسمونها الديمقراطية فأقامها الراشدون بالعمل ثم هدمت بالتدريج.
(39)
إشارة إلى حديث أبي هريرة عند البخاري (إذا وُسِّد الأمر إلى غير أهله فانتظروا الساعة) .
(40)
إشارة إلى ما ورد في الصحيحين والسنن من الأحاديث كحديث ثوبان: (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك) وحديث المغيرة: (لن يزال قوم من أمتي ظاهرين على الناس حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون) واللفظان هنا لمسلم وليس في البخاري (على الناس) وفي أحاديث أخرى ذكر عصابة تقاتل على الدين أي على حفظه، وذكر النووي أن الطائفة لا يلزم أن يكونوا مجتمعين، بل يجوز اجتماعهم في قطر أو بلد ويجوز تفرقهم، وذكر أن منهم الفقيه والمحدث والمفسر والمقاتل والقائم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والزاهد والعابد أي: لأن إقامة الحق تكون بالعلم بالكتاب والسنة وبثهما وبالعمل بهما وبالدفاع عنه بالحجة وبالقوة.
(41)
ذكر المباركة هنا مع الصلاة لموافقة الصلاة الإبراهيمية المشروعة في الصلوات، والحمد لله على نعمه التي تتم بها الصالحات.