المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الشفاعة الشرعيةوالتوسل إلى الله بالأعمال وبالذوات والأشخاص - مجلة المنار - جـ ٢٤

[محمد رشيد رضا]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد رقم (24)

- ‌جمادى الأولى - 1341ه

- ‌فاتحة المجلد الرابع والعشرين

- ‌الدعوة إلى انتقاد المنار

- ‌الملحق الفني التابع لفتوى طهارة الكحولفي ج9 (م23)

- ‌استعمال الذهب والفضة

- ‌كتب ابن تيمية وابن القيموالشوكاني والسيد حسن صديق

- ‌الأحكام الشرعية المتعلقة بالخلافة الإسلامية [*](2)

- ‌وصف استقلال العراق

- ‌رد على الرسالة الرملية فيما سمته العقائد الوهابية

- ‌أهم أخبار العالم

- ‌تقريظ المطبوعات الجديدة

- ‌جمادى الآخرة - 1341ه

- ‌التصوير واتخاذ الصور والتماثيل

- ‌فتاوى المنار

- ‌الأحكام الشرعية المتعلقة بالخلافة الإسلامية(3)

- ‌وصف ثورة الهند السياسية السلبيةوانتصارها للخلافة والدولة التركية والبلاد العربية [*](2)

- ‌الشفاعة الشرعيةوالتوسل إلى الله بالأعمال وبالذوات والأشخاص

- ‌أحوال العالم الإسلامي

- ‌نبأ عن النهضة الأفغانيةوكونها دينية مدنية

- ‌تقريظ المطبوعات

- ‌رجب - 1341ه

- ‌فتاوى المنار

- ‌وصف ثورة الهند السياسية السلبيةوانتصارها للخلافة والدولة التركية والبلاد العربية*(3)

- ‌أقدم كتاب في العالمأثر مصري

- ‌منشور عامفي المسألة العربية العامة والفلسطينية خاصة

- ‌وفاة عالم عربي

- ‌تقريظ المطبوعات

- ‌شعبان - 1341ه

- ‌إماطة اللثام عما علق بأذهان بعض المنتسبينإلى العلم من الأوهام

- ‌رسائل الطعن في الوهابية

- ‌رمضان - 1341ه

- ‌النفس التي خلق منها البشر

- ‌الخطاب الذي خاطب به المحكمة الإنجليزيةالعالم العلامة الأستاذ أبو الكلام(2)

- ‌الخوارج والإباضية

- ‌وفاة زعيم عربي علوي عظيمالسيد محمد علي الإدريسي

- ‌تقريظ المطبوعات الجديدة

- ‌تقريظ للمنار

- ‌شوال - 1341ه

- ‌الحلف بالطلاق - وأنواط النقود

- ‌ليلة نصف شعبان والاكتساب بالقرآن

- ‌خطاب مفتوح من روح الإسلام والجامعة العربيةإلى الشعب الإنجليزي والحكومة البريطانية

- ‌دعوة عامةمن المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى في فلسطينلعمارة الحرم القدسي الشريف

- ‌صفة المسجد الأقصى الشريفوخلاصة تاريخية له [1]

- ‌فاتحة كتاب الخلافةأو الإمامة العظمى

- ‌المراسلة والمناظرة

- ‌تقريظ المطبوعات الجديدة

- ‌ذو القعدة - 1341ه

- ‌التصرف في الكونوحكم من ادعى أن الله أعطى حق التصرف في ملكهللسيد البدوي

- ‌المعاهدة البريطانية الحجازيةوخدعة الوحدة العربية(2)

- ‌نص البيانالذي أصدره المؤتمر الفلسطيني السادس عن المعاهدة

- ‌منشور للإمام يحيى حميد الدين

- ‌اللورد فاروق هدلي وخوجه كمال الدين

- ‌وفاة رجل كبير ومحسن شهيرهو الحاج مقبل الذكير

- ‌ذو الحجة - 1341ه

- ‌الراتبة القَبلية للجمعةالقياس في العبادات، والتردد في نية الصلاةومن صلى غير ما نوى [*]

- ‌المسيحية الإسلامية القاديانيةالملقبة بالأحمدية

- ‌الأستاذ الخوجه كمال الدين

- ‌حقيقة الوهابية ومنشأ الطعن فيها

- ‌الاستفتاء في مَلك الحجاز

- ‌جهاد مسلمي الهند في سبيل الخلافة الإسلاميةوتحرير الجزيرة العربية

- ‌الخلاف بين مصر والحجاز

- ‌رجل مات والرجال قليلالأستاذ محمد وهبي

- ‌مصاب مصر بعالمها الأثري الأكبرأحمد كمال باشا

- ‌منشور الإمام يحيى والإنجليز

- ‌تقريظ المطبوعات الجديدة

- ‌المحرم - 1342ه

- ‌هل كان النبي صلى الله عليه وسلميعرف لغة غير العربية

- ‌حركة الأرض وجريان الشمس لمستقر لها

- ‌حكم الصائم الذي يغطس في الماء

- ‌حقيقة الإيمان والكفر وشُعبهما

- ‌بطل العرب والإسلام العظيمالقائد الكبير محمد عبد الكريم

- ‌الخلافة والسلطان القوميوجهة نظر الترك إلى هذه المسألة الكبرى

- ‌انتقاد المنار لكتاب خلافت وحاكميت ملية

- ‌العرب في إيطالية في القرون الوسطى

- ‌المطبوعات الحديثة

- ‌ربيع الأول - 1342ه

- ‌أسئلة في حقيقة الخمر والسبيرتووما يدخل فيه من أدوية وغيرها

- ‌لغة الإسلامواللغة الرسمية بين الممالك الإسلامية

- ‌الخلافة الإسلامية

- ‌بعثة تنصير المحمديينوبرنامج كيدها للإسلام والمسلمين

- ‌أحوال العالم الإسلامي

- ‌خاتمة المجلد الرابع والعشرين

الفصل: ‌الشفاعة الشرعيةوالتوسل إلى الله بالأعمال وبالذوات والأشخاص

الكاتب: أحمد بن تيمية

‌الشفاعة الشرعية

والتوسل إلى الله بالأعمال وبالذوات والأشخاص

من فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية [*]

(الوجه الثاني)[1] الدعاء له والعمل له سبب لحصول مقصود العبد فهو

كالتوسل بدعاء الرسول والصالحين من أمته. وقد تقدم أن الدعاء إما أن يكون

إقسامًا به أو تسببًا به، فإن قوله:(بحق الصالحين) إن كان إقسامًا عليه فلا يقسم

على الله إلا بصفاته. وإن كان تسببًا فهو تسبب لما جعله سبحانه سببًا وهو دعاؤه

وعبادته. فهذا كله يشبه بعضه بعضًا وليس في شيء من ذلك دعاء له بمخلوق ولا

عمل صالح منا. فإذا قال القائل: أسألك بحق الأنبياء والملائكة والصالحين، فإن

كان يقسم بذلك فلا يجوز أن يقول: وحق الملائكة وحق الأنبياء وحق الصالحين،

ولا يقول لغيره: أقسمت عليك بحق هؤلاء، فإذا لم يجز أن يحلف به ولا يقسم،

فكيف يقسم على الخالق به؟ وإن كان لا يقسم به فليس في ذوات هؤلاء سبب يوجب

حصول مقصوده، لكن لا بد من سبب منه كالإيمان بالأنبياء والملائكة، أو منهم

كدعائهم لنا، لكن كثير من الناس تعودوا ذلك كما تعودوا الحلف بهم حتى يقول

أحدهم: وحقك على الله وحق هذه الشيبة على الله.

وفي الحلية لأبي نعيم أن داود عليه السلام قال: يا رب بحق آبائي عليك

إبراهيم وإسحاق ويعقوب، فأوحى الله إليه (يا داود أي حق لآبائك عليَّ؟) وهذا

وإن لم يكن من الأدلة الشرعية فقد مضت السنة أن الحي يُطْلَب منه الدعاء كما يُطْلَب

منه سائر ما يقدر عليه. وأما الغائب والميت فلا يطلب منه شيء.

وتحقيق هذا الأمر أن التوسل به والتوجه إليه و (به) لفظ فيه إجمال

واشتراك بحسب الاصطلاح، فمعناه في لغة الصحابة أن يطلب منه الدعاء

والشفاعة فيكونون متوسلين ومتوجهين بدعائه وشفاعته، ودعاؤه وشفاعته من أعظم

الوسائل عند الله. وأما في لغة كثير من الناس أن يسأل بذلك ويقسم عليه بذلك،

والله تعالى لا يُقْسَم عليه بشيء من المخلوقات بل لا يقسم بها بحال فلا يقال:

أقسمت عليك يا رب بملائكتك، ونحو ذلك. بل إنما يقسم بالله وأسمائه وصفاته.

فيقال (أسألك بأن لك الحمد، لا إله إلا أنت المنان، بديع السموات والأرض يا ذا

الجلال والإكرام يا حي يا قيوم، وأسألك بأنك أنت الله الأحد الصمد الذي لم يلد ولم

يولد ولم يكن له كفوًا أحد، وأسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك) الحديث كما

جاءت به السنة. وأما أن يسأل الله ويقسم عليه بمخلوقاته فهذا لا أصل له في دين

الإسلام.

وقوله [2] : (اللهم إني أسألك بمعاقد العز من عرشك، ومنتهى الرحمة من

كتابك، وباسمك وحدك الأعلى وكلماتك التامة) مع أن في جواز الدعاء به قولين

للعلماء فجوَّزه أبو يوسف وغيره ومنع منه أبو حنيفة، وأمثال ذلك [3]- فينبغي

للخلق أن يدعوا بالأدعية الشرعية التي جاء بها الكتاب والسنة فإن ذلك لا ريب في

فضله وحسنه فإنه الصراط المستقيم، صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين

والصديقين والشهداء والصالحين. وحسن أولئك رفيقًا، وهو أجمع وأنفع، وأسلم

وأقرب إلى الإجابة.

وأما ما يذكره بعض العامة من قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا كانت لكم إلى

الله حاجة فاسألوا الله بجاهي فإن جاهي عند الله عظيم) فهذا الحديث لم يروه أحد

من أهل العلم، ولا هو في شيء من كتب الحديث. والمشروع: الصلاة عليه في كل

دعاء. ولهذا لما ذكر العلماء الدعاء في الاستسقاء وغيره ذكروا الأمر بالصلاة عليه،

ولم يذكروا فيما يشرع للمسلمين في هذا الحال التوسل به، كما لم يذكر أحد من

العلماء دعاء غير الله والاستغاثة به في حال من الأحوال، وإن كان بينهما فرق

فدعاء غير الله كفر، بخلاف قول القائل: إني أسألك بجاه فلان الصالح. فإن هذا لم

يبلغنا من أحد من السلف إنه كان يدعو به.

ورأيت في فتاوى الفقيه الشيخ أبي محمد بن عبد السلام أنه لا يجوز ذلك في

حق غير النبي صلى الله عليه وسلم [4] ثم رأيت عن أبي حنيفة وأبي يوسف

وغيرهما من العلماء أنهم قالوا: لا يجوز الإقسام على الله بأحد من الأنبياء.

ورأيت في كلام الإمام أحمد أنه في النبي صلى الله عليه وسلم. لكن هذا قد يخرج

على إحدى الروايتين عنه في جواز الحلف به [5] .

وأما الصلاة عليه فقد دل على ذلك الكتاب والسنة والإجماع، قال الله تعالى:

{إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} (الأحزاب: 56) وفي الصحيح عنه أنه قال: (من صلى عليَّ مرة صلى الله

عليه عشرًا) وفي المسند: أن رجلاً قال: يا رسول الله أجعل عليك ثلث

صلواتي؟ قال (يكفيك الله ثلث أمرك) فقال: أجعل عليك نصف صلواتي؟ قال:

(إذًا يكفيك الله ثلثي أمرك) فقال: أجعل صلاتي كلها عليك؟ فقال (إذًا يكفيك الله ما

أهمك من أمور دنياك وآخرتك) وقد ذكر العلماء وأئمة الدين الأدعية المشروعة،

وأعرضوا عن الأدعية المبتدعة فينبغي اتباع ذلك.

والمراتب في هذا الباب ثلاث: (إحداها) الدعاء لغير الله سواء كان المدعو

حيًّا أو ميتًا، وسواء كان من الأنبياء عليهم السلام وغيرهم فيقال: يا سيدي فلان

أغثني، وأنا مستجير بك، ونحو ذلك. فهذا هو الشرك بالله. والمستغيث بالمخلوقات

قد يقضي الشيطان حاجته أو بعضها وقد يتمثل له في صورة الذي استغاث به

فيظن أن ذلك كرامة لمن استغاث به وإنما هو شيطان أضله وأغواه لمَّا أشرك بالله

كما يتكلم الشيطان في الأصنام وفي المصروع وغير ذلك. ومثل هذا واقع كثيرًا

في زماننا وغيره، وأعرف من ذلك ما يطول وصفه في قوم استغاثوا بي أو بغيري

وذكروا أنه أتى شخص على صورتي أو صورة غيري وقضى حوائجهم فظنوا أن

ذلك من بركة الاستغاثة (بي) أو بغيري، وإنما هو شيطان أضلهم وأغواهم وهذا

هو أصل عبادة الأصنام واتخاذ الشركاء مع الله تعالى في الصدر الأول من القرون

الماضية كما ثبت، فهذا شرك بالله نعوذ بالله من ذلك.

(الثانية) أن يقال للميت أو الغائب من الأنبياء والصالحين: ادع الله لي

وادع لنا ربك، ونحو ذلك. فهذا مما لا يستريب عالم أنه غير جائز، وأنه من البدع

التي لم يفعلها أحد من سلف الأمة وأئمتها، وإن كان السلام على أهل القبور جائزًا

ومخاطبتهم جائزة، كما كان صلى الله عليه وسلم يُعلِّم أصحابه إذا زاروا القبور أن

يقول قائلهم: (السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون)

وقال ابن عبد البر: ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ما من رجل

يمر بقبر رجل كان يعرفه فيسلم عليه إلا رد الله عليه روحه حتى يرد عليه السلام .

وفي سنن أبي داود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ما من رجل

مسلم سلم عليَّ إلا رد الله عليَّ روحي حتى أرد عليه السلام .

لكن ليس من المشروع أن يطلب من الأموات شيئًا. وفي الإمام مالك [6] أن

عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما كان يقول: السلام عليك يا رسول الله،

السلام عليك يا أبا بكر، السلام عليك يا أبه، ثم ينصرف. وكذلك أنس بن مالك

وغيره من الصحابة رضي الله عنهم، نُقِلَ عنهم السلامُ على النبي صلى الله عليه

وسلم، فإذا أرادوا الدعاء استقبلوا القبلة يدعون الله تعالى لا يدعون وهم مستقبلو

القبر الشريف.

وإن كان قد وقع في ذلك بعض الطوائف من الفقهاء والمتصوفة ومن العامة

ممن لا اعتبار بهم، فإنه لم يَذهب إلى ذلك إمامٌ متبَع في قوله ولا مَن له في الإمامة

لسان صدق. بل قد تنازع العلماء في السلام على النبي صلى الله عليه وسلم فقال

أبو حنيفة: يستقبل القبلة ويستدبر القبر. وقال مالك والشافعي: بل يستقبل القبر،

وعند الدعاء يستقبل القبلة ويستدبر القبر، ويجعل القبر عن يساره أو يمينه،

وهو الصحيح؛ إذ لا محذور في ذلك.

(الثالثة) أن يقول: أسألك بجاه فلان عندك أو بحرمته، ونحو ذلك. فهو

الذي تقدم عن أبي محمد أنه أفتى بأنه لا يجوز في غير النبي صلى الله عليه

وسلم [7] . وأفتى أبو حنيفة وأبو يوسف وغيرهما أنه لا يجوز في حق أحد من

الأنبياء فكيف بغيرهم. وإن كان بعض المشايخ المبتدعين يحتج بما يرويه عن النبي

صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا أعيتكم الأمور، فعليكم بأهل القبور) أو

قال (فاستغيثوا بأهل القبور) فهذا الحديث كذبٌ مفترًى على رسول الله صلى الله

عليه وسلم بإجماع العارفين بحديثه لم يروه أحد من العلماء ولا يوجد في شيء من

كتب الحديث المعتمدة.

وقد قال تعالى: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ} (الفرقان:

58) الآية، وهذا مما يعلم بالاضطرار في دين الإسلام أنه غير مشروع. وقد

نهى النبي صلى الله عليه وسلم عما هو أقرب من ذلك من اتخاذ القبور مساجد،

ونحو ذلك ولعن على ذلك من فعله تحذيرًا من الفتنة باليهود؛ فإن ذلك هو أصل عبادة

الأصنام أيضًا، فإن ودًّا وسواع ويغوث ويعوق ونسرًا كانوا قومًا صالحين في قوم

نوح عليه الصلاة والسلام، فلما ماتوا عكفوا على قبورهم ثم اتخذوا الأصنام على

صورهم، كما ذكر ذلك ابن عباس وغيره من العلماء [8] فمن فهم معنى قوله:

{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (الفاتحة: 5) عرف أنه لا يعين على العبادة الإعانة

المطلقة إلا الله وحده.

وقد يُسْتَغَاث بالمخلوق فيما يقدر عليه وكذلك الاستعانة لا تكون إلا بالله

والتوكل لا يكون إلا على الله. وما النصر إلا من عند الله. فالنصر المطلق وهو

خلق ما يغلب به العدو فلا يقدر عليه إلا هو سبحانه. وفي هذا القدر كفاية لمن هداه

الله تعالى والله تعالى أعلم. وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليمًا

كثيرًا. انتهى [**] .

_________

(*) تابع لما نشر في الجزء التاسع ص 681م23.

(1)

أي من وجهيْ ترجيح المعنى الذي حمل عليه حديث دعاء الخارج إلى الصلاة.

(2)

في كتاب (الوسيلة) وكذلك قوله إلخ. عطفًا على الدعاء الذي قبله، وليس فيه العبارة المقحمة هنا بين الدعاءين.

(3)

أي من الأدعية.

(4)

في كتاب التوسل والوسيلة تقييد هذا بقوله: إن صح حديث الأعمى.

(5)

من قوله (ثم رأيت عن أبي حنيفة) إلى هنا ليس في سياق كتاب الوسيلة.

(6)

كذا بالأصل ولعلها (وفي موطأ الإمام مالك إلخ) .

(7)

أي مُعلقًا له على صحة حديث الأعمى.

(8)

الأثر في صحيح البخاري.

(**) ملحوظة: نشرنا هذه الرسالة أو الفتوى عن مجموعة مخطوطة جاءتنا من بغداد وفي أثناء الطبع وجدنا فيها مواضع محرفة فراجعنا (كتاب التوسل والوسيلة) الذي سبق لنا نشره فوجدناها فيه بعبارة أوسع وأوضح سالمة من التحريف فتراجع فيه (ص 103) .

ص: 129

الكاتب: شكيب أرسلان

انتداب العرب في سويسرة في القرون الوسطى

طرفة تاريخية من قلم الأمير شكيب أرسلان الشهير

(1)

يظهر أنه من جملة الممالك الأوروبية التي انبسطت إليها يد الاستيلاء العربي

وخفق فوق ربوعها علم الفتح الإسلامي في القرون الوسطى هي بلاد سويسرا، هذه

البقعة الجميلة النضيرة التي تراها جنة خضراء صيفًا وشتاء، والتي هي من

أوروبا بمثابة الكبد من الجسد.

كنت أعلم أن العرب بعد أن فتحوا أسبانيا استولوا على جنوبي فرنسا وتمكنوا

من أواسطها ونزلوا بر إيطاليا واكتسحوا روما فضلاً عن استيلائهم على صقلية

وسردانية وغيرهما من الجزر، ولكن إلى سنة 1919 تاريخ ورودي سويسرا لم

أكن أعلم شيئًا عن وصول العرب إلى نفس سويسرا مع بقائهم فيها مستقلين بعدة من

القلاع والبقاع نحوًا من مائة سنة، وبلوغهم بحيرة كونستانز الشهيرة من جنوبي

ألمانيا.

وأول من نبَّه فكري إلى هذا الحادث العظيم من مجريات الفتح العربي

الأوروبي هو الأستاذ هس المستشرق السويسري الذي أقام مدة بمصر وعرف

كثيرين من كبراء المصريين والذي يَمُتُّ إلينا بحبل صداقة أكيدة كانت بينه وبين

أستاذنا الإمام المرحوم الشيخ محمد عبده - برَّد الله ثراه - فأول اجتماعي مع

المستشرق المشار إليه أطلعني على تاريخ وجود العرب بسويسرا محررًا باللغة

الألمانية بقلم مؤلف اسمه (فرديناند كار) مطبوعًا في مدينة زوريخ سنة 1856

وبعد ذلك استقريت هذا الموضوع فوقع في يدي كتاب ممتع جليل عنوانه تاريخ

غارات المسلمين على فرنسا وسافواي وبيامون وسويسرا للمسيو (رينو)

الفرنساوي، وكتب أخرى ظهر من إجماعها ومن آثار العرب الباقية ومن الأسماء

العربية التي تركوها في البلاد ومن المسكوكات العربية التي لا تزال محفوظة - أنه

كان للعرب دولة وصولة في بلاد سويسرا وأنهم لبثوا فيها حُقْبًا (الحُقب بضم

فسكون نحو ثمانين سنة أو أكثر) كان حافلاً بالوقائع والنوادر، شأنهم في كل محل

دخلوه أيام كان العرب عربًا والناس ناسًا ....

وملخص هذه التواريخ وهو من أغرب ما جاء في حوادث الدهر أن عشرين

عربيًّا كانوا راكبين في سفينة من سواحل أسبانيا ضلت بهم الطريق وما زالت

تتقاذفهم الأمواج حتى رمت بهم على شاطئ خليج (سان تروبس) في جهات جينوة

فخرجوا إلى البر وتوغلوا بين القرى يقتلون ويأسرون واتخذوا لهم حصنًا في أدغال

جبل (موروس) وصاروا يشنون الغارات ويأوون إليه بالغنائم.

وقيل: بل ركب 20 عربيًّا من لصوص البحر من ساحل الأندلس قاصدين

سواحل بروفانس (جنوبي فرنسا) فأخذتهم الريح إلى خليج غريمو أو خليج سان

تروبس فخرجوا ولم يشعر بهم أحد ورأوا حول ذلك الخليج غابة ملتفة أشبة، حولها

سلسلة جبال فأغاروا على أقرب قرية من محل نزولهم وقتلوا أهلها وانتشروا في

الناحية وألقوا الرعب في القلوب وكان الموقع مساعدًا لهم بطبيعة الأرض من

الإشراف على البحر ثم من الغاب المشتبك ثم الجبال الشامخة فتحكموا في تلك الجهات

واستولوا على طرقها وقبضوا على مضايقها، وألقت هي إليهم بمقاليدها. وكان هذا

الحادث نحو سنة 891 مسيحية.

ولا يجب أن نأخذ كلام مؤرخي الإفرنج هذا على علاته من جهة كون غَزَاة

هؤلاء العشرين عربيًّا هي لصوصية صرفة وعيثانًا بحتًا، وأنهم إنما جاءوا للنهب

والغصب فهذه شنشنة مؤرخي أوروبا بإزاء حوادث كثيرة في تاريخ الإسلام، مع أن

الواقع قد يكون خلاف ذلك، وقد دلت الآثار وقامت الأدلة ونهضت البراهين على

أن أكثر أغراض العرب في مغازيهم في صدر الإسلام إنما كان إعلاء كلمة الله

ونشر عقيدة التوحيد وأنهم كانوا يرون أنفسهم هُدَاة لا جُبَاة، وكانوا يستبسلون في

الحروب استبسالاً ويبيعون أنفسهم من الله ابتغاء الجنة فقط، ويجدون ذلك فرضًا

عليهم على حين أن الغبي أو الغريب الجاهل للحقائق البعيد عن اكتناه أسرار هذه

المغازي وما كان يجيش في صدور أهلها - كان يتوهم أنها بأجمعها فتوحات دنيوية

لأجل السلب والكسب والنهي والأمر، وليس التوهم بعبرة، فقد يكون هؤلاء

العشرون غازيًّا الذين أبحروا من ساحل أسبانيا إلى ساحل إيطاليا هم ممن نصبوا

أنفسهم للجهاد في سبيل الله ورفع راية التوحيد ونشر كلمته بين أهالي هاتيك

الأرضين راكبين لذلك لُجَج البحار، ومتوقلين عقاب الأوعار. استزادة من ثواب

الله، ورغبة في الشهادة في سبيل الله، وربما كان بين هؤلاء العشرين مجاهدًا

العالم الفاضل، والفقيه المحدث، والشاعر المترسل، والسائس المحنك، والقائد

البصير المجرب.

وبرهان ذلك واضح كالشمس من كون 20 رجلاً لا يقتحمون مثل هذه الغمرة،

ولا يلقون بأنفسهم في بر لا آخر له، وهم عصبة كهذه قليلة، إن لم يكونوا من

ذوي النفوس العالية، والطباع الزاكية، ولم تكن بين جنوبهم أرواح تتطالّ إلى ما

هو أعلى من حطام الدنيا الفانية- وليست قصة اللصوصية هذه التي تجدها في أكثر

تواريخ الإفرنج، حاشا النقاد المدققين الذين ابتدأوا ينبهون الأفكار في هذه الأيام -

بدليل على كون هؤلاء العشرين غازيًّا إنما جاءوا عابثين مفسدين قاصدين الغنيمة

المادية، ولا سيما وأنك تراهم من جهة أخرى يعترفون بأنهم ما استقرت قدمهم في

ذلك الساحل حتى شادوا الحصون، واستنبطوا العيون، وامتهدوا الحزون، ونحتوا

الصخور، وأثروا آثار عمارة أثيلة لا تزال منها بقايا ناطقة بفضلهم إلى يومنا هذا،

مما يوافقنا كل عاقل منصف أنها ليست أعمال لصوص ولا حكايات دعَّار، وإنما

هي آثار أمجاد أنجاد، وقروم أجواد، من أعاظم الرجال، وخيرة الأبطال.

وقد يكونون علموا بما كان عليه أهل تلك الديار يومئذ من الجهل والخمول

والانحطاط في المعارف والأخلاق (فانتدبوا) لإصلاح أمورهم و (للأخذ بيدهم في

معترك الحياة) كما هي لغة الاستعمار؛ لأن مما هو ثابت فعلاً بكون شرذمة كهذه

أصلها 20 رجلاً لا تتمكن من نواصي تلك الديار، ولا تسود أولئك الأقوام من

البحر المتوسط إلى بحيرة (كونستز) التي على كبد أوروبا - إلا وهي أرقى جدًّا

من أهلها. ولولا الفرق البعيد في درجات المدنية ما ساد هذا القليل على ذلك الكثير،

لا بل لم تظهر هذه النقطة على ذلك الغدير.

قالوا: ولما رأى هؤلاء العشرون رجلاً ما أصابوا من الغُنم في هذه الغزاة

أرسلوا إلى أسبانيا فوافاهم 100 رجل آخرون من ذؤبان الرجال، وممن يعتمد

عليهم في مثل هذا الأحوال، فاشتدت بعد ذلك وطأتهم وصالوا على جميع هاتيك

الجهات يثخنون في أهلها ويضربون عليهم الجزية ويقتادون ما يشاءون منهم بخزام

الذلة والصغار وساعدهم على ذلك ما كان فيه أهل تلك الأنحاء من اختلاف الكلمة

وتفرق الأجواء، فكان بعضهم يستعين بهم على بعض فعصفت ريحهم في هاتيك

الآفاق، وصاروا يُنصَرون بالرعب، وأصبح الفرد الواحد منهم لا يبالي أن يلاقي

ألفًا. فما مضت بضع سنوات حتى صار لهم عدد من الأبراج والقلاع أهمها في

الجبال المسماة فراكسين توم Fraxinatum أو فراكسينه ولا تزال من بقايا آثارهم

فيها أبنية ماثلة وبيوت منحوتة في الجبال، وآبار محفورة في الصخور.

قال المؤرخ (رينو) السابق الذكر: وكان ذلك في أواخر القرن التاسع للمسيح،

ثم وصلوا إلى سلسلة جبال الألب الشهيرة، وسنة 906 أجازوا مضايق دوفينه وجبل

سينس واستولوا على نوفالس في حدود البيامون ونهبوا الأديرة التي هناك

وشردوا الرهبان وأثخنوا في الأهلين فاجتمع هؤلاء عليهم وأحاطوا بهم وأخذوهم

أسارى وشدوا أوثقتهم ووضعوهم في دير ماراندراوس فحطم هؤلاء الأسرى القيود

وأفلتوا وانقضوا على أعدائهم فهزموهم وأحرقوا الدير وقسمًا من المدينة وما زالوا

يعيثون ويشنون الغارات حتى انقطعت الطرق بين فرنسا وإيطاليا.

ثم يقول رينو: إن العرب استولوا على مقاطعة فالي وزحفوا إلى قلب بلاد

المريزون وصاقبوا بحيرة جنيف وتقدموا إلى بلاد الجورة في سويسرا Garu

وكانت سويسرا حينئذ من مملكة بورغنيه ففرت أم الملك كوبراد إلى برج منفرد في

نيوشاتل (إحدى ولايات سويسرا اليوم) ولما ضاق ذرع الأهالي جميعًا بهؤلاء العرب

لا سيما أهل بروفنس وسويسرا وإيطاليا ثار هوغ كونت بروفانس وعزم أن يتولى كبر

هذه المسألة ويطرد العرب من تلك الديار ويستولي على معقلهم الأشم في فراكسينه

والمرسى الذي لهم في خليجها فاستنجد هوغ صهره صاحب القسطنطينية ليمده

بالأسطول وبالنار الإغريقية فحضر الأسطول وهاجم العرب من البحر بينما الأهالي

يهاجمونه من البر وضاق بالعرب الخناق فاعتصموا بالجبال وأعيا أمرهم هوغ فلم

يلبث أن صالحهم ولا سيما بعد أن رأى خصمه برانجر قام ينازعه الملك فاستقر أمر

هؤلاء وجعلوا يحرثون الأرض ويبنون ويغرسون وتزوجوا بنساء من البلاد ولبثوا

قابضين على بلاد الألب لا سيما ممر (سان برنار)(الشهير إلى الآن) وأقامت

منهم فئة بمدينة نيس وفيها حارة باسمهم إلى هذا اليوم.

وفي سنة 960 تمكن الأهالي من طرد العرب من سان برنار بعد معركة

شديدة وسنة 965 أجلوا عن (غرنوبل) وعن وادي (غريزي فودان) وبعد ذلك

اجتمعت عليهم جيوش عظيمة من كل صوب وهزموهم وقتلوا أكثرهم وتنصر

بعضهم ويظن أن فلهم فر إلى إفريقيا وأسبانيا وقد بقيت لهم قرى تنصر أهلها ومن

أبى منهم النصرانية صاروا عبيدًا يشتلون في أراضي الأديرة وكان سقوط حصن

فراكسينة سنة 975 بعد أن أقاموا به أكثر من 80 سنة وسمعت من بعض من

يعرف أمور سويسرا أنه يوجد إلى اليوم قريتان في مقاطعة فالي Valee يركب

أهلها الخيول بسروج عربية ولهم عادات كثيرة خاصة بهم، وهم لا يتزوجون من

سائر الأهالي ولا يصاهرونهم.

((يتبع بمقال تالٍ))

_________

(1)

لا ندري ما يريد الكاتب من اكتساح رومية أحقيقة هو أم مجاز؟ فالعرب لم يفتحوها ولا سلبوها وهو أوسع منا اطلاعًا على التاريخ.

(2)

المنار: وهكذا تفعل العرب اليوم، كان المائة بعد العشرة يحتلون قلب أوروبا ويعيشون فيها أعزة وتستعين بهم أمم الفرنجة بعضها على بعض وهم اليوم مائة مليون ولكنهم أذلة في بلادهم ويستعين بعضهم على بعض بالأجانب كما يفعل ملك الحجاز وأولاده.

(3)

والعرب يقولون لوند.

ص: 134

الكاتب: حسني عبد الهادي

من الخرافات إلى الحقيقة

(7)

(70)

اعتنى المسلمون قديمًا بالرياضة البدنية اعتناء شديدًا زائدًا؛ لأن

العقل الصحيح لا يكون إلا في الجسم الصحيح، ولذلك كانوا يعلمون الشبان فن

الفروسية والرماية والسباحة اتباعًا للحديث الشريف القائل: علموا أولادكم السباحة

والرماية [1](وعليكم بالرمي فإنه خير لهوكم)[2] و (الرمي خير ما لهوتم به)[3] .

ليتأمل العاقل نتيجة دين أمر بتوسيع دائرة المعارف وتزييد أسباب الثروة

وتقوية البدن وفن (الحرب) وهذه الأركان الثلاثة متصل بعضها ببعض كما

لصقت محاسن الأخلاق بالتحاب والتواد، هل يقف أمام قوم هذا منهاجهم مهما قل

عددهم وعديدهم أعظم إمبراطورية؟

(71)

الرحمة للصغير واحترام الكبير كان خلقًا راسخًا؛ لأنه صلى الله

عليه وسلم قال: (ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويعرف شرف كبيرنا)[4] .

(72)

الاقتصاد كان أساسًا للمعاملات المالية، وفي الحديث الشريف: (ما

عال من اقتصد) [5] .

(73)

الشح وكان مذمومًا جدًّا، وجاء في الحديث الشريف: (ما محق

الإسلام محق الشح شيء) [6] .

(74)

السخاء كان أمرًا ممدوحًا جدًّا، قال صلى الله عليه وسلم: (أقيلوا

السخي زلته فإن الله آخذ بيده كلما عثر [7] ) .

من لا يعرف أن أبا بكر وعثمان رضي الله عنهما سمحا بثروتهما لأجل

استكمال وسائل الحرب؟

(75)

أما البخل فكان في أقصى درجات المعيبات والمذمومات؛ لقوله

صلى الله عليه وسلم فيه: (خصلتان لا يجتمعان في مؤمن: البخل وسوء الخلق)[8] .

(76)

حرية الوجدان وحرية المساكن وصيانة الملك بأنواعه ولا سيما

الكتب والرسائل وأمثالها من الحريات السياسية التي طالما افتخر بها الأوروبيون

وقد كانت من جملة ما جاءنا به نبينا من قبل ألف سنة وكسور. قال الله تعالى:

{لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} (الكافرون: 6){لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} (البقرة: 256) .

وقال رسوله: (من اطلع في بيت قوم بغير إذنهم فقد حل لهم أن يفقأوا عينه)[9]

وقال الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا

عَلَى أَهْلِهَا} (النور: 27) وقال صلى الله عليه وسلم: (من اطلع في كتاب

أخيه بغير أمره فكأنما اطلع في النار) [10] .

قصارى القول: لو اعتنى علماؤنا باستخراج أمثال هذه الأحاديث لوجدوا فيها

من الوثائق ما هو كاف لإبطال كل دعوى اتُّهِم بها الدين الحنيف.

ومما يوجب الأسف أن المصائب التي حلت بالمسلمين كأنها لم تكف لفتح

عيونهم لتحري أوامر هذا الدين المبين التي تقتضي أن يكون متبعوه في طليعة

العلماء والأغنياء والأقوياء والأمراء. واعجباه!

(77)

إن التهيؤ للخصم ومقابلة قوته بالقوة من أسس الإسلام لذلك قال الله

تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ} (الأنفال: 60) فهل للمسلمين بعد

هذا أن يكلوا الأمور لمشيئة الله تعالى ويعطلوا قواهم وأوامر القرآن ويعدوا ذلك من

الإسلام؟ .

(78)

أرشد صلى الله عليه وسلم إلى حسن اختيار الموظفين بقوله: (لكل

شيء آفة تفسده وآفة هذا الدين ولاة السوء) [11] فهل يحل بعد هذا أن يقبل الوالي

المسلم الشفاعات لأجل توسيد الأمور العامة لغير أهلها.

(79)

كانوا يعتنون بكل ما يزيد الثروة العمومية، ولا سيما تربية الغنم؛

لأنه صلى الله عليه وسلم قال: (اتخذ الغنم فإنها بركة)[12] وغير خافٍ على أحد

ما للغنم من المكانة الاقتصادية في عصرنا. ليتنبه الكسالى.

(80)

كانوا يضعون الشيء في محله ويتباعدون عن الإسراف والتبذير

استرشادًا بقوله صلى الله عليه وسلم: (أفضل الدنانير دينار ينفقه الرجل على

عياله، ودينار ينفقه الرجل على دابته في سبيل الله، ودينار ينفقه الرجل على

أصحابه في سبيل الله عز وجل [13] وهذا يدل على أنه لم يكن من المعروف في

عصره صلى الله عليه وسلم تخصيص الثروة لأناس كسالى ينامون على ظهورهم

تاركين العمل وعادِّين هذا عبادة.

(81)

كان العمل والجد ممدوحًا والكسل مذمومًا لقوله صلى الله عليه وسلم:

(من بات كالاًّ من عمله بات مغفورًا له)[14] .

(82)

أشد ما اعتنت به الديانة الأحمدية: الصناعة والتجارة؛ لأنه صلى الله

عليه وسلم قال: (أطيب الكسب عمل الرجل بيده وكل بيع مبرور)[15] .

(83)

كان الفقر مكروهًا مستعاذًا منه، وإنما يُطلب الصبر عليه، وكان

صلى الله عليه وسلم يقول: (أعوذ بالله من الفقر والعيلة ومن أن تظلموا أو

تظلموا) [16] و (اللهم إني أعوذ بك من الفقر والقلة والذلة، وأعوذ بك من أن

أظلم أو أظلم) [17] إن أبا بكر كان تاجرًا غنيًّا. وكذلك ذو النورين. واكتسب

طلحة والزبير ثروة هائلة من التجارة.

(84)

ما كان أحد في أوائل الإسلام ينكمش في زاوية أو تكية ليأكل

ويشرب من ثمرة جد غيره باسم العبادة؛ لأنه صلى الله عليه وسلم قال: (استغنوا

عن الناس ولو بشوص السواك) [18] . لذلك كان كل واحد يشتغل بعمل من

الأعمال حسب قدرته العقلية والبدنية.

(85)

الحراثة كانت محترمة جدًّا وقد أمرنا بها سيدنا صلى الله عليه وسلم

بقوله: (احرثوا فإن الحرث مبارك وأكثروا فيه من الجماجم [19] ) .

(86)

الحياة الاستقلالية كانت أساس عمل كل فرد؛ لأنه صلى الله عليه

وسلم قال: (خيركم من لم يترك آخرته لدنياه ولا دنياه لآخرته ولم يكن كلاًّ على

الناس) [20] لذلك كان كل يسعى لئلا يكون حملاً ثقيلاً على المسلمين، شأن

البطالين والكسالى اليوم.

(87)

الاتجار في الأقطار وجلب ما يحتاجه الناس كان من الأمور الممدوحة.

والاحتكار كان من الأمور المذمومة جاء في الحديث: (الجالب إلى سوقنا كالمجاهد

في سبيل الله والمحتكر في سوقنا كالملحد في كتاب الله [21] ) .

هنا أدعو القارئ الكريم لأن يطالع بحث التجارة الخارجية وبحث الاحتكار في

كتب الاقتصاد السياسي ليرى علو معنى هذا الحديث.

(88)

التبذير وعمل الأشياء التي لا فائدة منها كانت مجهولة عندهم؛ لأن

النبي صلى الله عليه وسلم قال (لعن الله زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد

والسرج) [22] .

من هنا يفهم أن انتشار الترب وزيارتها ليس من الإسلامية في شيء. وقد

انتقلت هذه الخرافة لديننا الصافي النقي من أساطير الهنود القديمة.

إذًا إتلاف شيء من الزاد وإيقاد الشموع على القبور موجب للَّعنة فأين

المتأملون؟

(90)

إن ذبح القرابين والضحايا على القبور ممنوع في دين الإسلام؛

لأنه جاء في الحديث: (لا عقر في الإسلام)[23] .

(91)

النذر لغير الله ليس مشروعًا؛ لقوله صلى الله عليه وسلم (لا وفاء

لنذر في معصية الله) [24] .

(92)

تعليق بعض الأشياء على الأولاد وغيرهم لدفع النظرة، أو استكتاب

النسخ لأجل محبة الأزواج لزوجاتهم - من أمور الشرك، نعوذ بالله. لقوله صلى الله

عليه وسلم: (إن الرقى والتمائم والتولة شرك)[25] ليتنبه الغافلون المبذرون.

(93)

نهى النبي صلى الله عليه وسلم لمن ربط القلب بالمشعوذين وقال:

(من تعلق شيئًا وكل له)[26] والنتيجة الحرمان.

(94)

نهى كذلك عن مراجعة العرافين الذين يبتزون أموال الناس بدعوى

الإخبار عن الغيب، قال: (من أتى عرافًا فسأله عن شيء لم يقبل له صلاة

أربعين يومًا) [27] ولأن الله تعالى قال في كتابه الكريم آمرًا نبيه أن يبلغ الأمة:

{قُل لَاّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ} (الأنعام: 50) . فما قول خفاف العقول الذين يطلبون علم الغيب من العرافين

بعد ما جاء في هذه الآية الكريمة ما نرى من الصراحة؟

(95)

نهى صلى الله عليه وسلم عن التشاؤم من الاسم أو من صوت الطير

وعن الرمل، وَعَدَّ ذلك وثنية فقال:(العيافة والطير والطرق من الجبت)[28] .

(96)

وكذلك عَدَّ التطير شركًا فقال (الطيرة شرك)[29] .

(97)

كانوا لا يتشاءمون من طير الطائر ولا يعتمدون على أقوال الكهنة

والسحرة؛ لأنه أخرج من يفعل ذلك من الجمعية الإسلامية إذ قال: (ليس منا من

تطير ولا من تُطُيِّرُ له أو تكهن أو تُكُهِّنَ له أو تسحر أو سُحِرَ) [30]

(98)

الحسد والنميمة والكهانة كانت بمنزلة واحدة؛ لأنه جاء في الحديث

الشريف: (ليس مني ذو حسد ولا نميمة ولا كهانة ولا أنا منه)[31] أين من يعتبر؟

(99)

لا واسطة بين العبد والمعبود في دين أحمد، وكل فرد مسئول عن

عمله؛ لأن الله تعالى قال: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} (الأنعام: 164) أما

ما يعمله أو يتخذه بعض الجهلة من الوسطاء لله تعالى فهو مأخوذ من الأمم السابقة

وتقليد (للإغراء) من النصارى و (للبراهمة) عند الهنود القدماء، و (لمونيه)

عند الزردشتيين وللكاهن عند الكلدان. وما لهذا مكان في دين الإسلام.

(100)

إن الله غني عن أية واسطة بينه وبين عبده؛ لأنه قال في كتابه

الكريم: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الوَرِيدِ} (ق: 16) .

وأما بناء القبور الفخمة والمزينة واتخاذها ملجأ لقضاء الحاجات فهو ليس من

الإسلام في شيء. ولكنه تقليد للنصارى والهنود والإيرانيين كما سيجيء تفصيل

دخول هذه الخرافات في تعاليم الإسلام.

(101)

الغيبة كانت مستكرهة جدًّا؛ لأن الله قال: {وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم

بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً} (الحجرات: 12) والأحاديث في

تحريمها كثيرة.

ليتنبه الأغنياء الذين يقضون أوقاتهم باغتياب الناس والسبحة في أيديهم.

(102)

لم يعتن الدين الإسلامي بشيء كما اعتنى بالعلم. وقد جاء في

الحديث: (طلب العلم ساعة خير من قيام ليلة، وطلب العلم يومًا خير من صيام

ثلاثة أشهر) [32] وقال أيضًا: (العلم أفضل من العبادة، ومِلاك الدين الورع)[33]

و (فضل العلم أحب إليَّ من فضل العبادة)[34] و (أفلح من رزق علمًا)[35]

(103)

الحرية الشخصية والاستقلال الذاتي من أهم قواعد الدين الحنيف

وحفظاً لكرامة الضرر جاء في القرآن الكريم: {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ * لَسْتَ

عَلَيْهِم بِمُسَيْطِرٍ} (الغاشية: 21-22) .

فإن كان جل جلاله ينهى نبيه عن السيطرة، فهل يكون هناك دين يكفل

الحرية أزيد من دين الإسلام؟ وسنبحث في مقابلة الإسلام بغيره في هذه المسألة

بحثًا خاصًّا.

...

...

...

...

حسني عبد الهادي

(لها بقية)

((يتبع بمقال تالٍ))

_________

(1)

رواه ابن منده في المعرفة والديلمي في مسند الفردوس بسند حسن.

(2)

الطبراني في الأوسط عن سعد بسند صحيح.

(3)

الديلمي في مسند الفردوس عن ابن عمر.

(4)

أحمد والترمذي والحاكم عن عبد الله بن عمر بسند صحيح.

(5)

أحمد عن ابن مسعود بسند حسن.

(6)

أبو يعلى عن أنس بإسناد حسن.

(7)

الخرائطي في مكارم الأخلاق عن ابن عباس بإسناد صحيح.

(8)

البخاري في الأدب المفرد والترمذي بسند صحيح.

(9)

أحمد ومسلم من حديث أبي هريرة.

(10)

الطبراني في الكبير عن ابن عباس.

(11)

رواه الحارث من حديث ابن مسعود وصححه.

(12)

الطبراني والخطيب عن أم هانئ وابن ماجه بلفظ (اتخذي) .

(13)

أحمد ومسلم وأصحاب السنن - ما عدا أبا داود - عن ثوبان.

(14)

ابن عساكر عن أنس بسند صحيح.

(15)

أحمد والطبراني والحاكم عن رافع بن خديج والطبراني عن ابن عمر وهو حديث صحيح.

(16)

الحاكم في المستدرك بلفظ (تعوذوا بالله، وآخره: وأن تظلم أو تظلم) .

(17)

أبو داود والنسائي وابن ماجه.

(18)

البزار والطبراني والبيهقي عن ابن عباس وهو صحيح.

(19)

أبو داود في مراسيله عن علي بن الحسين مرسلاً.

(20)

الخطيب عن أنس بسند صحيح.

(21)

الحاكم عن اليسع بن المغيرة مرسلاً.

(22)

أبو داود والترمذي والنسائي والحاكم عن ابن عباس بسند صحيح وليس سبب اللعن التبذير بل أن هذا العمل من العبادات الوثنية.

(23)

رواه أبو داود عن أنس.

(24)

أحمد عن جابر بسند حسن، والنذور للموتى منها ما هو من أعمال الشرك ولا فائدة في شيء من هذه النذور وإنما يستخرج بها من مال البخيل، كما ورد في حديث آخر.

(25)

أحمد وأبو داود وابن ماجه والحاكم عن ابن مسعود، وهو صحيح.

(26)

أحمد والترمذي والحاكم وحسَّنوه.

(27)

أحمد ومسلم عن بعض أمهات المؤمنين.

(28)

أبو داود عن قبيصة وهو صحيح.

(29)

أحمد والبخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن عن ابن مسعود.

(30)

الطبراني في الكبير عن عمران بن حصين وهو حسن.

(31)

رواه أيضًا عن عبد الله بن بسر.

(32)

الديلمي في مسند الفردوس عن ابن عباس.

(33)

الخطيب وابن عبد البر في كتاب العلم.

(34)

الطبراني في الأوسط والحاكم عن حذيفة والثاني عن سعد وتتمته (وخير دينكم الورع) وهو صحيح.

(35)

البخاري في التاريخ والبيهقي في الشُّعب بلفظ (أفلح من رزق لُبًّا) أي عقلاً.

ص: 139