المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌وصف ثورة الهند السياسية السلبيةوانتصارها للخلافة والدولة التركية والبلاد العربية*(3) - مجلة المنار - جـ ٢٤

[محمد رشيد رضا]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد رقم (24)

- ‌جمادى الأولى - 1341ه

- ‌فاتحة المجلد الرابع والعشرين

- ‌الدعوة إلى انتقاد المنار

- ‌الملحق الفني التابع لفتوى طهارة الكحولفي ج9 (م23)

- ‌استعمال الذهب والفضة

- ‌كتب ابن تيمية وابن القيموالشوكاني والسيد حسن صديق

- ‌الأحكام الشرعية المتعلقة بالخلافة الإسلامية [*](2)

- ‌وصف استقلال العراق

- ‌رد على الرسالة الرملية فيما سمته العقائد الوهابية

- ‌أهم أخبار العالم

- ‌تقريظ المطبوعات الجديدة

- ‌جمادى الآخرة - 1341ه

- ‌التصوير واتخاذ الصور والتماثيل

- ‌فتاوى المنار

- ‌الأحكام الشرعية المتعلقة بالخلافة الإسلامية(3)

- ‌وصف ثورة الهند السياسية السلبيةوانتصارها للخلافة والدولة التركية والبلاد العربية [*](2)

- ‌الشفاعة الشرعيةوالتوسل إلى الله بالأعمال وبالذوات والأشخاص

- ‌أحوال العالم الإسلامي

- ‌نبأ عن النهضة الأفغانيةوكونها دينية مدنية

- ‌تقريظ المطبوعات

- ‌رجب - 1341ه

- ‌فتاوى المنار

- ‌وصف ثورة الهند السياسية السلبيةوانتصارها للخلافة والدولة التركية والبلاد العربية*(3)

- ‌أقدم كتاب في العالمأثر مصري

- ‌منشور عامفي المسألة العربية العامة والفلسطينية خاصة

- ‌وفاة عالم عربي

- ‌تقريظ المطبوعات

- ‌شعبان - 1341ه

- ‌إماطة اللثام عما علق بأذهان بعض المنتسبينإلى العلم من الأوهام

- ‌رسائل الطعن في الوهابية

- ‌رمضان - 1341ه

- ‌النفس التي خلق منها البشر

- ‌الخطاب الذي خاطب به المحكمة الإنجليزيةالعالم العلامة الأستاذ أبو الكلام(2)

- ‌الخوارج والإباضية

- ‌وفاة زعيم عربي علوي عظيمالسيد محمد علي الإدريسي

- ‌تقريظ المطبوعات الجديدة

- ‌تقريظ للمنار

- ‌شوال - 1341ه

- ‌الحلف بالطلاق - وأنواط النقود

- ‌ليلة نصف شعبان والاكتساب بالقرآن

- ‌خطاب مفتوح من روح الإسلام والجامعة العربيةإلى الشعب الإنجليزي والحكومة البريطانية

- ‌دعوة عامةمن المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى في فلسطينلعمارة الحرم القدسي الشريف

- ‌صفة المسجد الأقصى الشريفوخلاصة تاريخية له [1]

- ‌فاتحة كتاب الخلافةأو الإمامة العظمى

- ‌المراسلة والمناظرة

- ‌تقريظ المطبوعات الجديدة

- ‌ذو القعدة - 1341ه

- ‌التصرف في الكونوحكم من ادعى أن الله أعطى حق التصرف في ملكهللسيد البدوي

- ‌المعاهدة البريطانية الحجازيةوخدعة الوحدة العربية(2)

- ‌نص البيانالذي أصدره المؤتمر الفلسطيني السادس عن المعاهدة

- ‌منشور للإمام يحيى حميد الدين

- ‌اللورد فاروق هدلي وخوجه كمال الدين

- ‌وفاة رجل كبير ومحسن شهيرهو الحاج مقبل الذكير

- ‌ذو الحجة - 1341ه

- ‌الراتبة القَبلية للجمعةالقياس في العبادات، والتردد في نية الصلاةومن صلى غير ما نوى [*]

- ‌المسيحية الإسلامية القاديانيةالملقبة بالأحمدية

- ‌الأستاذ الخوجه كمال الدين

- ‌حقيقة الوهابية ومنشأ الطعن فيها

- ‌الاستفتاء في مَلك الحجاز

- ‌جهاد مسلمي الهند في سبيل الخلافة الإسلاميةوتحرير الجزيرة العربية

- ‌الخلاف بين مصر والحجاز

- ‌رجل مات والرجال قليلالأستاذ محمد وهبي

- ‌مصاب مصر بعالمها الأثري الأكبرأحمد كمال باشا

- ‌منشور الإمام يحيى والإنجليز

- ‌تقريظ المطبوعات الجديدة

- ‌المحرم - 1342ه

- ‌هل كان النبي صلى الله عليه وسلميعرف لغة غير العربية

- ‌حركة الأرض وجريان الشمس لمستقر لها

- ‌حكم الصائم الذي يغطس في الماء

- ‌حقيقة الإيمان والكفر وشُعبهما

- ‌بطل العرب والإسلام العظيمالقائد الكبير محمد عبد الكريم

- ‌الخلافة والسلطان القوميوجهة نظر الترك إلى هذه المسألة الكبرى

- ‌انتقاد المنار لكتاب خلافت وحاكميت ملية

- ‌العرب في إيطالية في القرون الوسطى

- ‌المطبوعات الحديثة

- ‌ربيع الأول - 1342ه

- ‌أسئلة في حقيقة الخمر والسبيرتووما يدخل فيه من أدوية وغيرها

- ‌لغة الإسلامواللغة الرسمية بين الممالك الإسلامية

- ‌الخلافة الإسلامية

- ‌بعثة تنصير المحمديينوبرنامج كيدها للإسلام والمسلمين

- ‌أحوال العالم الإسلامي

- ‌خاتمة المجلد الرابع والعشرين

الفصل: ‌وصف ثورة الهند السياسية السلبيةوانتصارها للخلافة والدولة التركية والبلاد العربية*(3)

الكاتب: أبو الكلام

‌وصف ثورة الهند السياسية السلبية

وانتصارها للخلافة والدولة التركية والبلاد العربية*

(3)

وإنه لتقل أمثلة تلك الجرأة والشهامة والشجاعة التي أبداها طول هذه المدة،

فإنه مازال قبل سجنه يدعو الحكومة إلى القبض عليه بمخالفتها ونبذ طاعتها فما

حذرت عملاً من الأعمال الوطنية إلا وبادر إلى إعادته صائحًا (إن كان هذا العمل

جناية وذنبًا عند الحكومة، فها أنا ذا فاعله، فلتعاقبني!) ولكنها ما زالت تغض

الطرف عنه وتهاب جانبه؛ لأنها تعلم أن الأمة كلها معه، وأن التعدي عليه يزيد

الطين بلة. غير أنها اضطرت أن تسجنه أخيرًا للائحة سنتها وليس في وسعها

سحب قوانينها المعلنة ولا أن تسكت عن نابذيها.

المحاكمة والخطاب

إن خطاب هذا الزعيم سيسجل في تاريخ الحرية والجهاد للأمم، إذ هو آية

عظيمة من آيات الصدع بالحق وتشنيع الباطل وتقبيح الاستبداد، ومَثَلٌ عالٍ للجرأة

والشجاعة والثبات علي الحق كالجبال الراسيات، ولا سيما الأمور الآتية منها،

التي تستحق الاعتبار والتدبر فيها، وهي:

(1)

أن تاريخ الجهاد الوطني في كل البلاد يروي لنا أن الناس كانوا بادئ

ذي بدء يجاهرون بمقاومة القوات المستبدة والحكومات الجائرة بكل جرأة

وشجاعة، حتى إذا أخذتهم الحكومة وأرادت معاقبتهم، يجتهدون في تبرئة أنفسهم،

فإما أن يقولوا عن أعمالهم: إنها كانت قانونية، لاجئين إلى تلك القوانين التي

شهدوا بجَوْرِها، وإما أن يؤولوا أعمالهم بتأويلات تخفف جنايتهم في نظر

المعاقبين، والناس عامة لا يرون في ذلك بأسًا، فيجوزونها قائلين إن هذه سياسة

وخدعة و (الحرب خدعة) فلا بأس أن يحافظ الإنسان على نفسه، ويدفع عنها

شر الأعداء بكل ما أمكن. ولكن صاحب الخطاب سلك مسلكًا آخر، فصرَّح في

خطابه بأنه ليس من الحق والصدق أن ينكر الإنسان أمرًا صحيحًا وحقيقة ظاهرة،

فإن الحكومة كانت o أخذت عليه أنه ينفر الناس عنها ويقول في خطبه: إنها

ظالمة جائرة، ويحرِّضهم على مقاومتها ومحاربتها، فلم ينكر شيئًا من هذا، بل

اعترف به جميعًا بكل جرأة وصراحة، بل قال أكثر مما نسب إليه.

(2)

قال في خطابه: إن النزاع قد قام بين الحق والباطل، وإن الباطل

سيفعل ما كان يفعله أمس بالحق وأصحابه، فيجب على أولئك الذين رفعوا أصواتهم

في حماية الحق مع علمهم بقوة الباطل وشدة شكيمته أن يتحملوا بدون أدنى وجل

ولا اضطراب تلك النتائج التي لا مناص منها في هذه السبيل، وإن كانوا يشكون

ويتململون فليس لهم أن يدخلوا في هذه المعمعة الخطرة.

(3)

قد صرح أمام القضاة بكل ما كان يصرح به أمام الأمة بدون أدنى

خشية ولا وهن، في ساعة كانت حياته بيدهم وكل كلمة من أفواههم كانت كافية

للقضاء عليه، غير أنه لصلابته في إيمانه ورسوخه في التوكل على الله وحده، لم

يبال بهذا الخطر العظيم المحدق به، بل احتقره وآثر الحق على نفسه وحياته!

(4)

إن العبرة الكبيرة التي أُوجِّه نظر المطالعين إليها هي أن الأمة

والجماعة تتأثر من الأسوة العملية أكثر من الخطب والمواعظ، فإنها عندما ترى

أمام أعينها الأمثلة الصادقة للشجاعة والحرية والاستقامة وعدم الخوف، يتجدد فيها

هذا الروح، فعلى زعماء الأمم وأبطالها أن يقدموا أمثلة لإيثارهم وثباتهم كهذا المثل

وإلا فلا طائل تحت بلاغة الخطابة وإعادة الدعاوى والألفاظ.

***

إلى إخواننا

في الشام والعراق ومصر وسائر البلاد الإسلامية

إخواني: إن هذه نبذة يسيرة من تلك المساعي التي تبذلها الهند لصون الخلافة

الإسلامية واستقلال بلادكم الإسلامية والعربية، على معارضة الموانع الآتية:

(1)

إن الهند تبعد عن هاتيكم البلاد بعدًا شاسعًا وتحول بينهما البحار

الزاخرات.

(2)

إن أهل الهند لا يضرهم احتلال هاتيكم البلدان واستعمارها ضررًا

ماديًّا، ولا ينفعهم استقلالها نفعًا شخصيًّا، بل إن مصالحهم المحلية ومقاصدهم

الوطنية تقتضي الإعراض عن غيرهم، والسعي لاستقلالهم أنفسهم.

(3)

إنهم فوق هذا يئنون تحت نير الاستعباد، ويقاسون الشدائد بيد

الاستبداد، وإن الدولة التي تملكهم نفس تلك الدولة التي حاربت بلادكم وتريد

الاستيلاء عليها، فسعيهم ضدها محفوف بالأخطار، ومجلبة للأهوال. بيد أنهم

لمجرد واجبهم الإنساني والشرقي - وأكبر منهما واجب الأخوة الإسلامية وحماية

المظلوم - لم يستطيعوا القرار في راحتهم وبيوتهم، بل اضطروا إلى منازلة أقوى

دول الأرض لأجلكم ولحرية بلادكم!

أفليس في هذا عبرة وموعظة لكم، أهل البلاد الإسلامية والعربية؟ البلاد

التي:

(1)

حريتها واستقلالها وحياتها وشرفها القومي والوطني في معرض

الهلاك.

(2)

لم تكن مستعبدة لأوربا، بل كانت لها حكومة إسلامية شرقية،

ومهما تكن سيئاتها كثيرة، فهي على كل حال كانت حكومة قومية وإسلامية،

وظلمها وغدرها وميلها كان أحسن وأولى من عبودية الأجانب.

(3)

هي نفسها كانت في الحرب فريقًا محاربًا، وكان الشرع والعقل يوجبا

عليها أن تغض النظر عن مصائبها الداخلية وتحارب العدو الخارجي وتدفع شره،

ولكنها ماذا فعلت؟

إن التاريخ سيقص قصتها بكل خجل وحياء!! فإنها لم تكتف بالقعود عن أداء

فرضها الديني والوطني والإنساني، بل واسوأتاه! كثير من أبنائها انضموا إلى

العدو، فساعدوه علي مطامعه وكانوا سببًا لانكسار آخر الدول الإسلامية وانقراضها،

حتى إن رجلاً قرشيًّا هاشميًّا قاد جيوش الحلفاء إلى (بيت المقدس) فنزعه من

إخوان دينه وسلمه إلى أعدائه!

لمثل هذا يذوب القلب من كمد

إن كان في قلب إسلام وإيمان!

أفلم يأت إلى الآن وقت قمع المطامع الشخصية والأهواء الباطلة؟ أفليس هذا

أوان الرجوع إلى الله، ورتق ما فتق، وسد ثُلْمَة الإسلام، واتحاد الكلمة، والذود

عن البلاد الإسلامية والعربية؟ أفلم يأن للمسلمين أن يعودوا إلى رشدهم، ويصلحوا

ما أفسدته أيديهم؟ {أَوَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَّرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ

وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ} (التوبة: 126)

إن مسلمي الهند ليسوا بمجانين حتى يرغبوا في أن يكون أهل بلاد العرب

والشام عبيدًا للأتراك، ولكن ليس معنى التحرير من ربقة الترك، العبودية

لبريطانية وفرنسة باسم الوِصَاية أو الحماية، فيجب على إخواننا أن يغنموا هذه

الحقيقة.

إنه لا يمكن لأمة أن تصون حريتها ما لم تكن وراءها قوة عسكرية، والأتراك

مهما تكن سيئاتهم وذنوبهم، فالحقيقة التاريخية أن قوتهم العسكرية هي التي حافظت

إلى الآن على الأجزاء الباقية من البلاد الإسلامية وردت عنها كيد الأعداء، وإن

العراق والشام إن نالتا اليوم الحرية التامة، لا تستطيعان المحافظة عليها لفقدان قوة

عسكرية منظمة منهما، فإذًا لا مناص لهما ولغيرهما من البلدان الإسلامية من أن

تتحد وتتفق وترتبط بقوة مركزية، مع حفظ حريتها المحلية واستقلالها الداخلي،

وإلا فلا نجاة لها من الحلفاء.

إن الحرية الوطنية إنما تصونها وتضمنها القوة، لا الوعود والعهود

والمعاهدات والمؤتمرات، فإن الغرب لا يبالي بشيء منها بل إنما يهاب القوة،

والقوة وحدها تجعله يحترمها - فعلى أهل البلاد الإسلامية أن يتحدوا ويتعاونوا

ويتناصروا ويرتبطوا بالقوة المركزية الإسلامية، ثم ليعملوا لطرد الأعداء من

أوطانهم - إن أحبوا - بلائحة (اللاتعاون السلمي) الهندية بعد أن يجعلوها ملائمة

لحالتهم الاجتماعية والسياسية [1] .

***

مجلة المنار الغراء

خصصتُ مجلة (المنار) الغراء بنشر هذا الخطاب؛ لأنها الخليقة بمثله

لأياديها البيضاء في الإصلاح الديني وقَدَحِها المُعَلَّى في النهضة الإسلامية الحديثة،

فإنها لا تزال تجاهد جهادًا عظيمًا منذ ربع قرن لإحياء المسلمين، وتقاوم الاستبداد

والقهر والجمود والتقليد من زمن بعيد، بل إنها أول صوت ارتفع على بعد أجيال

كثيرة لإعلاء كلمة الحق، وأعظم منار رفع للهداية إلى الصراط السوي، فإنها هي

التي قد مزقت ظلمات التقليد التي كانت محيطة بالمسلمين، وبصرتهم سبيل الإسلام

ودين الحق التي كانت عميت عليهم، ولم يكن هديها محصورًا في البلاد العربية،

بل شمل العالم الإسلامي كله، فإنه كثيرًا ما استفاد منها وتنور بأفكارها، وإن

صاحب هذا الخطاب - الذي وضعنا له هذه المقدمة - لا يزال يعترف لها ويعدها

أصح دعوة إصلاحية ظهرت بين المسلمين في القرون الأخيرة. اهـ

...

...

...

...

... (عبد الرزاق)

_________

(*) تابع لما في الجزء الأول.

(1)

إن ما ذكره الكاتب في هذه المسألة مبني على النظريات العامة المجملة التي يهتم بها كل مسلم بقدر غيرته الإسلامية ويتمنى ما يقترحه مسلمو الهند من توحيد القوة الإسلامية بقدر رسوخ التوحيد بالله في قلبه، ولكن بين النظريات والعمل عقبات لا عقبة واحدة، أهمها: أن المانع من اتحاد العرب مع الترك مشترك بين الفريقين، والعرب أقرب إلى الترك منهم إليهم، مع أن المجاورين لهم منهم ليس أمرهم في أيديهم، وأن سبب هذه العقبات كلها وعلة عللها العصبية الجنسية التي استحدثها الترك لجعل السلطة التشريعية والتنفيذية تركية لا إسلامية، ويعبرون عنها (بالحاكمية الملية) ويعنون بالملية النسبة إلى ملة الترك ويشترطون أن تكون لغة التابع لدولتهم هي التركية دون سواها، وكان من أصول برنامجهم إسقاط دولة آل عثمان وإزالة سلطة الخلافة من الدولة لتحقيق الحاكمية الملية التركية وقد فعلوا عندما تمهدت السبيل فالعرب لا يأبون الاتحاد بالترك عند الإمكان على قواعد الشريعة الإسلامية العربية مع محافظة العرب على لغة الشريعة والقرآن وحرية الترك في لغتهم، فعلى إخواننا الهنود وغيرهم من أهل الغيرة أن يضعوا لهذه الوحدة النظام الذي نساعدهم عليه بمقالنا الحافل في الخلافة الإسلامية ونحن نعتقد أن السواد الأعظم من العرب يوافقون عليه ويسبقون الترك إلى تنفيذه بالرغم من دسائس الأجانب وأعوانهم من الحجازيين.

ص: 201

الكاتب: شكيب أرسلان

انتداب العرب في سويسرة في القرون الوسطى

طرفة تاريخية من قلم الأمير شكيب أرسلان الشهير

(2)

أما المؤرخ (يود براند) الذي نقل عنه (فرديناند كار) الألماني فقد جاءت

رواياته مطابقة لروايات المسيو رينو، وقد وصف خوارق شجاعة تلك الشرذمة

العربية وما بلغوه من الفتح والاستيلاء والتبسط في البلاد وكيف كانوا يجوبونها

طولاً وعرضًا ويوقعون بكل من ناوأهم أو وقف في وجههم وينهبون الأديار

والكنائس وقصور الأمراء. ومن رأيه أن هؤلاء الغزاة من العرب لم يكن غرضهم

في تلك النواحي التوسع في الملك ولا استعباد الأهالي بل الاجتهاد في جمع الذهب

والنفائس ووضعها في حصن (فراكسينه) حتى إذا ضاق بهم الأمر أو أدبر بهم

طالع الحرب خلصوا بها إلى سفنهم التي كانت دائمًا راسية في مرفأ (سان تروبس)

وقصدوا أسبانية. ومن رأيه ورأي غيره أن الخليفة في أسبانية لم يكن عنده علم

بغزو هؤلاء الصعاليك ولا بما اعتزموه من الاستيلاء على جبال الألب والإيغال في

إيطالية وسويسرة وأنها غزاة قام بها هؤلاء الذؤبان من أنفسهم.

ثم إنه يوجد في دير (نوفالس) تحت جبل (سنيس) .

تاريخ جولة هؤلاء العرب في سنة 906 ويقال: إنه قبل هذه السنة انصبت

بلايا ورزايا على مقاطعات (بور غوند) و (سميلكة) وجبال الألب الإيطالية لأن

العرب المذكورين تسلقوا جبل (سنيس) وانفتحت أمامهم (سافواي) وسويسرة

وكان دير (نوفالس) من أغنى الأديار وأعظمها، فلما سمع الرهبان بقدوم العرب

جمعوا كل ما عندهم من الأموال والنفائس والكتب وحملوها إلى (تورينو) لتكون

في حرز حريز، فقبل أن ساروا بها وصل العرب واستولوا عليها واقتحموا الدير

ووضعوا النار في الكنيسة وأسروا بعض الرهابين. قال: وفي تلك الآونة كانت

جميع البلاد الممتدة من نهر (البو) PO إلى الرون RHONE (والبروفانس)

Pruvence و (البيامون) Piemont و (الدوفينه) Rdaufhine

(ومونتفرات) Montgerra و (ترانتازه) Tarntaisa مجالاً لغارات العرب

ومشهدًا الوقائع غزوهم واجتياحهم.

وكان الأشراف والأساقفة إذا أرادوا المرور من هناك إلى رومية مضطرين أن

يؤدوا فدية عن أنفسهم بأشياء ذات قيمة من ذخائر الأديار.

وزعم هذا المؤرخ أن العرب لم يقتصروا على نهب المال الصامت والصائت

بل تجاوزوه إلى سبي الأهالي رجالاً ونساء واسترقاقهم (كما كان الإفرنج أنفسهم

يفعلون مع العرب) وكان إذا قتل أحد الأهالي واحدًا من العرب أفحشوا الانتقام من

قوم القاتل وأضرموا النار في جميع البلد (على طريقة الدول المتمدنة...... اليوم

برمي القنابر من الطيارات على القرى وقتل أي من صادفت فيها من رجال ونساء

وأطفال عقابًا لمقاوم من أهالي تلك القرى أو عابر سبيل فيها، هذا لعمرك نظير

ذاك حذو القذة بالقذة إلا أن عمل أولئك الصعاليك من العرب وهو أصغر يسمونه

عيثًا وتخريبًا وعمل الدول المتمدنة هذه.... مع كونه أفظع وأكبر يسمونه

إصلاحًا وتمدينًا

) .

وكان السكان يهيمون زرافات ووحدانًا ويأوون إلى الكهوف والغابات

ويعتصمون بالجبال لأجل النجاة بأرواحهم من عادية العرب وطالما سعى أناس في

جمع كلمة الملوك والأمراء على قتال هؤلاء ففشلت مساعيهم بما كان من اختلاف

الكلمة. بل كنت ترى أحيانًا بعض الرؤساء يستظهرون بالعرب على أبناء جلدتهم.

أخبر فلود وارد Floduord في تاريخه أن العرب سنة 921 قتلوا قافلة من

الإنكليز كانوا حاجين إلى رومة بإلقاء الصخور عليهم من أعالي الجبال، وبعد

سنتين من ذلك التاريخ أهلكوا قافلة أخرى في جبال الألب، وفي سنة 929 اضطر

الحج إلى الرجوع أدراجه. قالوا: ولا يعلمون تمامًا في أي مضايق الألب وقعت

هذه الحوادث، هل في ممار الألب بين سويسرة وإيطالية أو في مماره بين فرنسة

وإيطالية؟ ولكن يرجح أن الإنكليز الذين كانوا يحجون رومة كانوا يختارون ممر

سان برنار ، ثم لم يتفق المؤرخون على تعيين الزمن الذي وقعت فيه سان برنار في

قبضة العرب، وإنما محقق وجود هذا الحادث في القرن العاشر، ويرجح بعضهم

أنه في نحو سنة 940 تسلق العرب سان برنار من جهة وادي الرون حيث يوجد

هناك في كهف عظيم دير (أغونوم) Ogaunaum المؤسس على اسم القديس

موريسيوس. ففي ذلك العالم سطا العرب على ذلك الدير ونهبو ما فيه من الأمتعة

والذخائر وأحرقوه فجاء القديس ألريك أسقف أوغسبرغ عن طريق (بيورغوند)

لأخذ عظام الشهداء ونقلها إلى أوغسبرج فلم يجد شيئًا، وذكر (فلو داورد) أن جماعة

من حجاج الإنكليز والفرنسيين كانوا قاصدين رومة سنة 940 فصادفوا العرب

فرجعوا بعد أن فقدوا كثيرًا من رفاقهم. وأن راهبًا اسمه رودلف من رهبان سان

موريتز وجّه خطابًا إلى الملك لودفيك الرابع يذكره فيه بالأعمال العظيمة التي قام بها

سلاطين جرمانية في المحافظة على هذه الجهات ويستعديه على العرب ويستمده

لإماطة معرتهم وترميم ما خربوه من قبور القديسين.

وبعد أن غزا العرب نواحي بحيرة جنيف ظهروا في مضايق جبال الألب

الشرقية وملكوها ويقول (فلود وارد) أنهم غزوا ألمانيا وقطعوا الطرق على حجاج

الألمان واجتاحوا وادي الرين ونواحي شور وأن الوثائق التي تثبت وصول العرب

إلى وادي الرين تنبئ بأن الدوق الألماني هرمان المسمى كونت شورفالسن

Chuvallechen Grafuon التمس من عاهل ألمانيا يومئذ عام 940 أن يعوض

أسقف شور مما نهبه العرب من ديار أسقفيته فأهدى القيصر ذلك الأسقف كنيستين

هما كنيسة بلوندنز وكنيسة سان مارتين على شرط أنه بعد وفاة الأسقف يعود ريع

أوقاف الأولى على أساقفة شور وريع الثانية على دير الراهبات في رازيس.

وإن مما يحير العقول كيف اقتحمت عصابة قليلة من صعاليك العرب الأخطار

وصعدت تلك الجبال - جبال الألب - وعبرت شاطئ بحيرة لانغ وكومر إلى أن

ظهرت على حدود ألمانية؟ فقد ثبت أنهم مع قلة عددهم كانوا أوتوا جرأة خارقة

للعادة، وكان الخوف منهم قد تمكن من القلوب جميعها، ولقد تحقق كونهم جاسوا

خلال أودية منابع الرين وجهات الشور وكانت مغاور الجبال مكامن لهم وكانوا

يقعدون للمسافرين بالمراصد من المهاوي العميقة ويتخذون لأنفسهم أبراجًا يعتصمون

بها في الشدائد.

ثم ورد في تاريخ كلر خبر قيام هوغ صاحب بروفانس لحرب العرب

المذكورين وعزمه على فتح حصنهم في فراكسينة وذلك أنه بعد عقد الصلح مع

ألبريكوس خصمه الذي كان ينازعه على مملكة لومباردية استنجد ملك الروم

بالقسطنطينية ليبعث له بالأسطول فبعث به وأحرق مراكب العرب في خليج سان

تروييس بينما كان هوغ يهاجم حصونهم في جبل فراكسينة وكان مقصد (هوغ) أن

يمحو وجود تلك الديار ويخلص من شرهم ولكن فاجأه ما لم يكن في حسبانه وهو أن

بيرانجر Perengar المطالب بعرش لومباردية ثار على هوغ وجاذبه الحبل

فغضب هوغ وأصر على قهره وأخذه أسيرًا وقتله أو سمل عينه ففر (بيرانجر)

من لومباردية إلى (هرمان) أمير (شفابن) فأجاره وقدمه إلى (أوتو) قيصر

ألمانية فأكرم هذا مثواه ووعده خيرًا، فلما علم (هوغ) بذلك سقط في يده وأرسل

إلى القيصر بالألطاف والهدايا ليصرفه عن مساعدة (بيرانجر) ثم صالح العرب

وسرح الأسطول اليوناني وأطلق للعرب حريتهم وأمنهم بشرط أن يجعلوا سكناهم

في الجبال الفاصلة بين إيطاليا (وشفابن Chavvaben) وأن يحجزوا بين

عساكر (بيرانجر) وجبال الألب. وظاهر جلي أن العرب نالوا بهذه المعاهدة حق

احتلال جميع معابر الألب وشعابها وجلاء نفس (هوغ) عن بقعتهم أو منطقة

احتلالهم، ولكن هذا غير صريح. وقد اتخذ العرب هذه المعاهدة سلاحًا وانتفعوا بها

أعظم الانتفاع وقاموا بتنفيذها بتمامها حتى أن بيرانجر في عودته إلى إيطالية لم

يجرؤ أن يمر بجبال الألب بل جاء من طريق جبال التيرول فتعرض من جراء

جبنه هذه إلى هجاء الشاعر المؤرخ (يود براند) الذي كان في عصره.

ومنذ عقد العرب هذا الوفاق شعروا أنهم أصبحوا السادة المالكين لمعابر الألب

وضربوا رسومًا على القوافل المارة، فكل من لم يؤد لهم الرسم أوثقوه أسيرًا إلى أن

يدفع.

ثم امتد غزو العرب إلى نواحي (سار غاز Sargans) وتورغنبورغ

Toggenburg وأبنزل، وقد ذكر ذلك مؤرخ اسمه إيكيهارد في كتاب وجد في

دير القديس غالن، فقال:

إن طبيعة العرب وطور معيشتهم البرية كانا مما جعل التغلب عليهم في غاية

الصعوبة، ولقد تمادت جرأتهم إلى أيام فالتا Valta وبينما كان الأهالي يومئذٍ

محتفلين بعيد ديني رافعين الصلبان طائفين بها إذ أقبل العرب من جهة بارينيغ

Parenegg ورموا الجماهير بالمقاليع، ولكن الشهم الهمام فالتا لم يترك هذا

الجرم بدون جزاء بل جمع جموعه، ودهم قطاع الطرق بجيشه المكون من العبيد

والعملة وغيرهم وكلهم مسلحون بالحراب والمناجل والفؤوس وقد كبس على العرب

بياتًا وهم نائمون فقتل بعضًا وأسر بعضًا، وفر الباقون إلى الجبال لا يلوون على

شيء وسيق الأسرى إلى الدير فأبوا أن يأكلوا ويشربوا حتى ماتوا جوعًا (إذًا ليس

الإيرلانديون هم الذين اخترعوا هذا النوع من الانتحار) [1] ولم تعرف مدة إقامة

العرب بشرقي سويسرا إلا أنه ثبت كونهم وجدوا هناك في القرن العاشر، وفي سنة

954 التي انكسر فيها العرب في دير القديس (غالن) هذا انكسر لهم جيش آخر

في حرب (المجار) وذلك بفضل شجاعة الملك (كونرادفون بورغوند) فإنه استأصل

منهم طائفة عظيمة لكنهم بقوا قابضين على معابر الألب الغربية.

قال المؤرخ إيكيهارد من رهبان دير القديس غالن: إن العرب تمكنوا تمامًا

في داخل جنوبي أوروبا، وكان من جملة الخطط التي رسموها لأنفسهم أن يتزوجوا

من بنات أهل البلاد وأن يتوطنوا بها على شرط أن لا يؤدوا مالاً كثيرًا لملك القطر

الذي يكونون فيه، وأما الوادي الذي انتجعوه لتأسيس هذه المستعمرة العربية التي

قصدوا أن يتعاطوا فيها الفلاحة ويستقروا هادئين، فلا يُعلم هل هو وادي فاليس

Vallis أو وادي فال من سافوا أم غيرهما.

وسنة 954 كانت سنة نحس على سويسرا الشرقية؛ لأن (المجار) من جهة

الشمال، والعرب من الجنوب كانوا قد اكتسحوا البلاد.

وفي 22 يوليو 973 كان القديس (ماجلوس) من (كلوني) عائدًا من (بافيا)

إلى (بورغوند) ومعه قافلة عظيمة؛ لأن الناس الذين كانوا يريدون العبور ظنوا

أن التحاقهم به قد يحميهم من غارة العرب فوصلوا إلى قرية في جبل سان برنار

وإذا العرب انقضوا عليهم وأوثقوهم ولم ينج القديس نفسه من الوثاق بل صفدوه

بالحديد ثم أحضروا له طعامًا على عادة العرب لحمًا وخبزًا يابسًا فأبى أن يطعم شيئًا،

وقال لهم: إنني لم أتعود أكل هذا الخبز، فقام أحدهم وغسل يديه وعجن دقيقًا

وخبزه وقدمه للقديس بكل احترام، فرضي هذا من عمله وصلى وأكل.

ومما يروي أولئك المؤرخون أيضًا أن أحد العرب أراد أن يقطع غصن شجرة

ليتخذ منه محجنًا فلما أراد أن يتطاول إلى الشجرة كان تحتها إنجيل شريف من

أمتعة القافلة فأراد أن يدوس عليه فانتهره أصحابه وصاحوا به: ويل لك كيف تطأ

برجلك كتاب نبي مقدس؟ وذلك أن العرب يحترمون الأنبياء ويقولون: إن محمدًا

صلى الله عليه وسلم هو النبي الذي وعد بمجيئه المسيح صلى الله عليه وسلم.

هذا وقد أذن العرب للقديس ماجلوس أن يكتب إلى بلدته كلوني بطلب فدية

يفك بها نفسه ورفاقه، فلما ورد الصريخ قامت قيامتهم وأضجوا وأعولوا، وعلا

نحيبهم فجمعوا وعفَّشوا (جمعوا ومنه قول العامة العفش للأمتعة) من ذخائر الأديار

والكنائس كل ما قدروا وأرسلوا به لفداء القديس ورفاقه فبلغ مجموع الفدية ألف رطل

من الفضة أصاب كل واحد من العرب رطلاً. إلا أن هذه الحادثة هاجت عليهم البلدان

بأسرها وصمم الأكثرون على التخلص من معرتهم واشتهر في ذلك زعيم اسمه

(بربو) من أهل (سيسترون Sistron) فتألب الأهالي عليهم بزعامة هذا الرجل

وأجلوهم عن تلك الناحية إلى (دوفينه Daufhine) ومنها إلى بروفانس وهناك

غزاهم غليوم أحد أمراء بروفانس بجيش كبير إلى مقرهم الأصلي فراكسينه، وبعد

حصار شديد افتتح الحصن عنوة، وفر العرب منه لائذين بالحراج والجبال فمنهم من

وقع في اليد فقتل، ومنهم من تنصر لينجو برقبته وتقاسم جيش بروفانس أسلابهم،

وهكذا انتهت من هناك دولتهم وشالت نعامتهم، ولله الأمر من قبل ومن بعد.

... (له تتمة في آثار العرب بسويسرا)

((يتبع بمقال تالٍ))

_________

(1)

المنار هؤلاء مسبوقون أيضًا كما في أخبار سنة 293 من كتاب تجارب الأمم.

ص: 206