الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الكاتب: محمد رشيد رضا
الجماعة الإسلامية في برلين
ونداؤها العام وبلاغاتها
كنا سمعنا أن بعض المسلمين المقيمين في برلين قد أسسوا جمعية بهذا الاسم
رئيسها والداعي إليها الأستاذ محمد عبد الجبار الهندي، وسمعنا أن غرض هذه
الجمعية الدفاع عن الإسلام ونشر تعاليمه وآدابه في العالم الأوروبي، وقد كتب إلينا
بعض المسلمين المقيمين في برلين كتابًا يطعن فيه بهذه الجمعية طعنًا شديدًا ويحذرنا
من وفد لها أرسلته إلى الحجاز وغيره من البلاد الإسلامية لبثّ دعوتها ثم قيل لنا: إن
هذا الكاتب كان من أعضاء الجمعية وخرج أو أُخرج منها لخلاف شجر بينه وبين
بعض مؤسسيها.
ثم لم نلبث أن تلقينا في البريد صحائف منها مبدوءة بنداء عام منها موجه إلى
جميع المسلمين شرحت فيه مبدأها وغايتها ووجه الحاجة إليها. يليه (حفلة مأتم)
في إنكار العدوان على المسلمين في الشام وريف مراكش، وقد عقدت الجماعة لذلك
احتفالاً حضره زهاء أربعمائة نسمة وألقيت فيه الخطب وختم بالدعوة إلى الجهاد في
سبيل الله للنجاة من حكم الشيطان! ! - يليه خطاب عنوانه (صيحة الجهاد - الله
أكبر) وموضوعه يعلم من عنوانه. يليه بلاغان نذكرهما بنصهما، ثم تعلق على
الموضوع كله بما نراه من النصيحة لهذه الجماعة وللأمة الإسلامية كافة.
***
البلاغ الأول
حزب الله
عقد الإسلام
بسم الله الرحمن الرحيم
إن المؤمنين من جماعة المسلمين التي تزيد على ثلاثمائة مليون مسلم
يتعاقدون على ما يأتي ويقسمون أن لا يسكنوا قبل أن تتحقق نقاط هذا العقد، فهم
يطلبون واثقين من حقهم الثابت:
أولاً: استقلال جماعة المسلمين التام بتحرير جميع البلاد التي كلها أو
أكثريتها مسلمون من النفوذ الأجنبي.
ثانيًا: تشكيل حكومات إسلامية في عموم البلاد الإسلامية.
ثالثًا: جمع كافة تلك الحكومات الإسلامية ضمن وحدة إسلامية بإمامة الخليفة
المنتخب شرعًا.
ويجب الوصول إلى الغاية المعينة في عقد الإسلام المتقدم، ولكيلا تسقط
الخلافة في الهوة التي سقطت فيها من قبل عصورًا عديدة فسببت سقوط المسلمين
وتشتيت جماعتهم:
أولاً: أن تتحد كافة جمعيات الاستقلال لإسلامية ضمن حزب الله (العامة
الإسلامية الخضراء) الذي يوحد مساعي تلك الجمعيات المنفردة إلى حركة عامة
مشتركة.
ثانيًا: ريثما تتمكن جماعة المسلمين المحررة المتحدة من انتخاب خليفة
لرسول الله انتخابًا شرعيًّا يتولى إمارة حزب الله باسم ممهد الخلافة رجل ينتخب في
مؤتمر إسلامي عام ويدعو المسلمين إلى إقامة الخلافة الحقة.
…
...
…
...
…
...
…
...
…
... حزب الله
(طبع هذا النداء بالألمانية ووزع في حفلة المأتم الكبرى التي أقامتها الجماعة
الإسلامية في برلين في 14 - 9 - 1296- 1925 لشهداء بلاد الشام والمغرب
الأقصى) .
***
البلاغ الثاني
حزب الله
بلاغ اليوم
المولد
بمناسبة المولد النبوي والحفلة التي أقامتها الجماعة الإسلامية في برلين
في 12 ربيع الأول سنة 1344 - 1296
إن حزب الله يناديكم أيها المسلمون بذكرى يوم 12 ربيع الأول سنة 1344هـ
(أشهر القبلة سنة 1296 من فتح مكة) ذلك اليوم المقدس الذي عمت الرحمة
فيه العالم بمولد محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويدعوكم أن تبذلوا جهدكم
لتعميم هذه الرحمة مرة ثانية في العالم أجمع؛ لأن الله تعالى يقول:] وَجَاهِدُوا فِي
اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ [1 {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ
هُوَ سَمَّاكُمُ المُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ
عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ المَوْلَى وَنِعْمَ
النَّصِيرُ} (الحج: 78) .
ويجب على كل مسلم لتنفيذ أمر الله هذا أن ينضم إلى جماعة المسلمين المحلية،
ويدفع زكاته إلى بيت المال فيها بانتظام لتتمكن من القيام بأمور المسلمين كما يجب.
ويجب على جماعات المسلمين المحلية أن تتحد إلى أقضية وولايات وأقطار
ويجب على جماعات الأقطار أخيرًا الانضمام إلى جماعة المسلمين المركزية
العالمية ليتم بناء الخلافة الحقة وتعم رحمة الله العالم وتعيش الأمة وترقى بسلام.
إن من لا يتبع هذا البلاغ لا يخلص لله ولرسوله
أيها الإخوان اعقلوا وأدوا ما عليكم كما أمر الله
اللهم إياك نعبد وإياك نستعين اهدنا الصراط المستقيم
***
نصيحة المنار
إنه ليحزننا أن يخيب في هذه الجماعة أملنا الذي أملناه عندما سمعنا خبر
تأسيسها بما ثبت لنا من هذا النداء والبلاغات من غرورها وتغريرها بالمسلمين
لأجل جمع المال الكثير لتنفيذ هذه الدعوى الخادعة دعوى إعلان الجهاد المقدس
على الدول المستعمرة لبلاد المسلمين في الشرق والغرب، وتحرير هذه البلاد،
وإقامة خلافة النبوة على وجهها الشرعي وحكم الإسلام كما أنزله الله تعالى.
أهذا العمل العظيم، تقوم به جمعية في برلين، تؤلف من شذاذ المسلمين؟ ما
هذا الغرور والتغرير؟
أمثل هذا العمل العظيم - ولا مثل له في عظمته - يكون جهريًّا ويعلن في
أوربا ثم في بلاد المشرق قبل أن تعد له عدته من تسليح الشعوب الإسلامية التي
يدعوها محمد عبد الجبار الهندي لقتال بريطانيا العظمى وفرنسا وإيطاليا وهولندا
في وقت واحد (؟ ؟)
قد سبق لي الاجتماع بالأخوين الهنديين محمد عبد الجبار مؤسس هذه الجمعية
في برلين وأخيه عبد الستار في بيروت سنة 1326هـ الموافق لسنة 1908م
وجرى بيني وبين الأول مذاكرات في الإسلام والمسلمين كانت باعثًا لإعجابي
باستقلال فكره وكبر همته وبعد آماله، ولاستغراب شذوذه في بعض المسائل
الدينية وفهم بعض آيات القرآن، وللتفكر في عاقبة هذا الشذوذ، وما يلازمه من
طموح وغرور، وهو ما نرى عاقبته في هذه الجمعية.
عبد الجبار الهندي الخطيب الجدل الطماح الجريء، يؤلف جمعية في برلين
من وسط أوربا لإقامة دين الإسلام، كما أنزله الله أو كما يفهمه هو بتحرير جميع
بلاد المسلمين المستعمرة! ! وبتأليف حكومات إسلامية مستقلة في جميع البلاد
الإسلامية ثم جمع هذه الحكومات وتوحيدها بإعادة منصب الخلافة العظمى سيرتها
الأولى، ويطالب مسلمي الأرض بأن يرسلوا إليه زكاة أموالهم المفروضة عليهم
لتمكن جمعيته بها من القيام بما انتدبت له من العمل العظيم.
ولكن إرسال المسلمين زكاة أموالهم إلى بلاد بعيدة غير إسلامية وإعطاءها
لجمعية سياسية فيها مخالف لنص القرآن، وما أجمع عليه المسلمون من أحكام
الزكاة، فكيف تتوسل جمعية الأستاذ عبد الجبار الهندي إلى إقامة الإسلام بهدم
أركان الإسلام؟
قال الله تعالى في محكم كتابه العزيز {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ
وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا} (التوبة: 60) الآية، فمصارف الصدقات الشرعية هي
الثمانية المنصوصة في الآية الكريمة، والأصل فيما كان منها للفقراء والمساكين أن
تؤخذ من أغنياء كل بلد فتصرف إلى فقرائه كما نص في حديث معاذ في
الصحيحين وغيره، وقد خرج بعض الأئمة بعدم جواز نقل الزكاة من بلد إلى آخر،
وقيده بعضهم بمسافة القصر.
وما كان في سبيل الله وسائر المصارف العامة، فالأمر فيه إلى الإمام الأعظم
خليفة الرسول صلى الله عليه وسلم فبأي حق شرعي تطالب جمعية برلين
المسلمين بأن يرسلوا إليها زكاة أموالهم؟
وكيف فات الأستاذ وأركان جمعيته أن طلب الأموال الكثيرة لعمل مجهول
متعذر على مدعيه مظِنة للظِّنة، ومجلبة للتهمة؟ ولو كان من التبرع الذي يجوز
لصاحبه أن يضعه حيث شاء ما لم يكن في معصية فكيف يطلب الملايين بوجه
مخالف للشرع؟
إنه ليحزننا أن نرى هؤلاء الذين يدعون الدعاوى الكبيرة في سبيل الإصلاح
الإسلامي لا يتقيدون بشرع ولا عقل كأنهم يعتمدون في نجاح أعمالهم على العوام
الذين تستهوي أفئدتهم الدعاوى العريضة والمبالغات بل الإغراق والغلو الذي يسخر
منه العقلاء، كدعوى غلام أحمد القادياني الهندي أنه هو المسيح الذي ينتظره
السواد الأعظم من اليهود والنصارى والمسلمين وأنه يوحى إليه، وادعاء خلفائه أن
الوحي متسلسل فيهم، والنبوة موروثة عندهم، كادعاء بهاء الله البابي الفارسي
للألوهية، وادعاء عبد الجبار الهندي الآن أنه سيقيم الخلافة الإسلامية وأنه سيقاتل
الدول الاستعمارية الكبرى، ويخرجهم من أرض سوريا والعراق ومصر وتونس
والجزائر ومراكش وجاوه والهند والصين، ولا يتصور ذو عقل ورشد دخول
هذه الدعوى في قدرة هذه الجمعية البرلينية، أو أية جمعية سياسية، وإنما الذي
يتبادر إلى الذهن أن غرض الجمعية جمع المال وابتغاء الثروة الواسعة.
فإن كنا مخطئين في رأينا هذا وكان لزعماء هذه الجمعية برنامج معقول،
وخطة ممكنة الحصول، فليبينوها لنا، وإننا قبل ذلك ننصح لهم بالكف عن مطالبة
المسلمين بإرسال زكاة أموالهم إليهم وننصح للمسلمين بأن لا يرسلوا إليهم شيئًا من
الزكاة المفروضة ونعلمهم بأن الفريضة لا تسقط بإرسالها إلى هذه الجمعية.
_________
(1)
في البلاغ اصطفاكم وهو غلط.
الكاتب: محمد رشيد رضا
استدراك
على شروط عمر رضي الله عنه على أهل الذمة
نشرت إدارة المنار في الجزء الثالث الذي قبل هذا الجزء ما كتبه شيخ
الإسلام ابن تيمية في مسألة شروط أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه
على أهل الذمة في الشام، وكنت في إبان طبع هذا الجزء في مكة، ولم تكن هذه
الشروط مما أريد نشره في المنار من آثار شيخ الإسلام رحمه الله تعالى، وإنما
أتحرى نشر رسائله وفتاواه التي يحتاج إليها المسلمون في هذا العصر للاهتداء بها،
والعمل بما يحققه من أحكام الشرع في النوازل والأحوال الواقعة التي جاء فيها بما
لم يأت به غيره من الشرح والدلائل، وليست مسألة معاملة أهل الذمة في أثناء
الفتح والسياسة الحربية منها في شيء لأننا لسنا فاتحين، وإنما يفتح خصومنا بلادنا،
ويعاملوننا بالظلم والقسوة اللذين لم يكن عمر رضي الله عنه ليرضى بمثلهما،
وناهيك بما هو واقع في سوريا الآن من التخريب والتدمير، وتقتيل غير المقاتلين
من النساء والأطفال والشيوخ.
وقد استغربت من هذه الآثار عن شيخ الإسلام قوله: وأما ما يرويه بعض
العامة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من آذى ذميًّا فقد آذاني) فهذا كذب
على رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يروه أحد من أهل العلم.
استغربت هذا لأن الحديث مروي بلفظ قريب من هذا اللفظ وهو ما أخرجه
الخطيب البغدادي من حديث ابن مسعود مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم:
(من آذى ذميًّا فأنا خصمه، ومن كنت خصمه خصمته يوم القيامة) وقد أورده
السيوطي في الجامع الصغير وأشار إلى حسنه، ولولا ميل شيخ الإسلام إلى التشديد
على المخالفين في أصل الدين أو في المذاهب المخالفة لما كان عليه السلف الصالح
لما اقتصر على إنكار الحديث باللفظ الذي ذكر، وسكت عن اللفظ الآخر المروي
بمعناه، على أنه يجوز أن يكون قد نسيه عندما كتب هذه المسألة وهو أقرب من
عدم اطلاعه عليه.
وأما إنكاره إطلاق تحريم الإيذاء، بأن منه ما يكون بحق كالقصاص فهو يرد
على مثله في حديث (من آذى مسلمًا فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله) رواه
الطبراني في الأوسط من حديث أنس. والجواب عنهما وعن أمثالهما تقييد الإيذاء
بما علم من ضرورات الشرع وهو كونه بغير حق.
هذا وإن بعض العلماء لا يعدون عمل عمر في مثل هذا رضي الله عنه حجة
شرعية كما هو الأصل في عمل الصحابي، ولا يوجبون اتباعه، وبعض ما روي
عنه من تلك الأعمال مروي بأسانيد ضعيفة. قال الشوكاني في بحث ما ضربه من
العشور على أهل الكتاب وغيرهم:
وفعل عمر وإن لم يكن حجة لكنه قد عمل الناس به قاطبة فهو إجماع
سكوتي، ويمكن أن يقال: لا يسلم الإجماع على ذلك والأصل تحريم أموال أهل الذمة
حتى يقوم دليل والحديث محتمل. والمراد حديث العشور على أهل الكتاب.
ومما ضعفوه من تلك الروايات ما أخرجه البيهقي من طريق حزام بن معاوية
قال كتب إلينا عمر: أدبوا الخيل ولا يرفع بين ظهرانيكم الصليب، ولا تجاوركم
الخنازير، ومثله ما رواه البيهقي عن ابن عباس: كل مصرٍ مَصَّرَه المسلمون لا
تُبنى فيه بيعة، ولا كنيسة، ولا يضرب فيه ناقوس، ولا يباع فيه لحم خنزير.
وفي إسناده حنش وهو ضعيف.
وجملة القول: إن سياسة عمر العسكرية والمالية والإدارية كانت سياسة فتح
عسكري وعدل ديني، واجتهاد مبني على أساس المصلحة العامة، وهي تختلف
باختلاف الأزمنة والأحوال، وليست من أمور العبادات التي يوقف فيها عند
نصوص الشارع بقدر الاستطاعة، ولا يجب على ولاة الأمور التقيد بها في كل
زمان، بل يتبع في كل عصر وفي كل حال ما فيه المصلحة مع مراعاة النصوص
القطعية العامة من وجوب الوفاء بعهود المعاهدين، ما وفوا بعهودهم معنا، وتحريم
الظلم، والخيانة والغدر، ونحو ذلك من فضائل السياسة الإسلامية التي تجردت
منها السياسة الأوروبية المبنية على الغدر، والإفك، والخيانة، واستحلال جميع
الرذائل في سبيل المنافع السياسية والاستعمارية.
_________