المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الكاتب: محمد رشيد رضا - مجلة المنار - جـ ٢٧

[محمد رشيد رضا]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد رقم (27)

- ‌رمضان - 1344ه

- ‌فاتحة المجلد السابع والعشرين

- ‌نموذج من آراء أساتذة المدارس المصرية

- ‌حكم الشرع الشريف في لبس القبعة

- ‌مكان الإسلام من مسلمي الزمانوالحكم عليهم بنصوص القرآن

- ‌مسألة صفات الله تعالىوعلوه على خلقه بين النفي والإثبات

- ‌الصحة

- ‌حديث عن الجامعة الأحمديةالمشهورة - في بلادنا - باسم القاديانية [*]

- ‌سوانح وبوارح [*]

- ‌فتنة ملاحدة الترك في سورية ومصر

- ‌تقريظ المطبوعات الجديدة

- ‌شوال - 1344ه

- ‌مسألة صفات الله تعالىوعلوه على خلقه بين النفي والإثبات

- ‌فتاوى لابن تيمية

- ‌دعاية الإلحاد في مصر

- ‌الإلحاد في الجامعة المصرية

- ‌بلاغ عام

- ‌مذكرةمقدمة إلى مؤتمر الخلافة العامفي مصر القاهرة

- ‌الصحة

- ‌رجال الدين في أمريكايعارضون عقد معاهدة مع أمة غير مسيحية

- ‌ذو القعدة - 1344ه

- ‌علماء مصر يؤيدون مذهب السلف الصالح

- ‌علاقة الأحياء بالأموات [*]

- ‌مقدمة مجموعة مقالاتالوهابيون والحجاز

- ‌مسألة صفات الله تعالىوعلوه على خلقه بين النفي والإثبات

- ‌الصحة

- ‌أفحكم الجاهلية يبغون

- ‌رأي في الجديد ومدعي التجديد

- ‌محاربة البغاء

- ‌جواب الأستاذ الإمامعن كتاب لبعض علماء الشام

- ‌أمر القادياني قد فصّل

- ‌ماضي الأزهر وحاضره ومستقبله(5)

- ‌ذو الحجة - 1344ه

- ‌الإرشاد

- ‌الصحة

- ‌ساعة مع جلالة الملك عبد العزيز بن السعود

- ‌الوهابية والعقيدة الدينية للنجديين

- ‌الألفة والاتحاد أساس مجد الإسلام

- ‌الجماعة الإسلامية في برلينونداؤها العام وبلاغاتها

- ‌استدراك آخرعلى إهداء العبادات أو ثوابها إلى الموتى

- ‌تقريظ المطبوعات الحديثة

- ‌المحرم - 1345ه

- ‌فتاوى المنار

- ‌قاعدة جليلة فيما يتعلق بأحكام السفر والإقامة

- ‌الصحة

- ‌جمعية تجديد الإلحاد والزندقةوالإباحة المطلقة

- ‌البابية البهائية في بلاد العرب

- ‌عودتنا من الحجاز

- ‌صفر - 1345ه

- ‌فتاوى المنار

- ‌قاعدة جليلة فيما يتعلق بأحكام السفر والإقامة

- ‌جمعية الإلحاد والزندقةالعلم والدين [*]

- ‌الصحة

- ‌مبحث في الجرح والتعديل(2)

- ‌ذات بين مصر والحجاز

- ‌نموذج من كتابالقول الوثيق في الرد على أدعياء الطريق

- ‌أنباء العالم الإسلامي

- ‌تقريظ المطبوعات الحديثة

- ‌ربيع الأول - 1345ه

- ‌فتاوى المنار

- ‌قاعدة جليلة فيما يتعلق بأحكام السفر والإقامة

- ‌العلم والدين(2)

- ‌الصحة

- ‌كعب الأحبار ووهب بن منبه

- ‌الزعيمانشوكت علي ومحمد علي

- ‌نموذج من كتابالقول الوثيق في الرد على أدعياء الطريق

- ‌تقريظ المطبوعات الحديثة

- ‌ربيع الآخر - 1345ه

- ‌ما يباح للرجل من محارمهوشراء السلعة بأكثر من ثمن المثل لأجَل

- ‌الإيمان والكفر والنفاق والظلم والفسق(2)

- ‌قاعدة جليلةفيما يتعلق بأحكام السفر والإقامة

- ‌القرآن والعلم الحديث

- ‌الصحة

- ‌بطلان الدفاع عنجرح كعب الأحبار ووهب بن منبه

- ‌جهل زعماء المسلمين

- ‌الحجاز والمؤتمرات الإسلاميةفي الهند وجاوة

- ‌جمادى الأولى - 1345ه

- ‌البدعة اللغوية والبدعة الشرعية

- ‌طلاق الغضبانوالتزوج بالنصرانية

- ‌قاعدة جليلة فيما يتعلقبأحكام السفر والإقامة

- ‌إعجاز القرآن

- ‌كتاب في الشعر الجاهليدعاية إلى الإلحاد والزندقةوطعن في الإسلام

- ‌الصحة

- ‌مذكرة مرفوعة

- ‌نموذج من كتابالقول الوثيقفي الرد على أدعياء الطريق

- ‌أنباء العالم الإسلامي

- ‌مطبوعات المكتبة الأهلية

- ‌جمادى الآخرة - 1345ه

- ‌أسئلة عن الأبدال والأوتادوالقطب الغوث

- ‌قاعدة جليلة فيما يتعلقبأحكام السفر والإقامة

- ‌منهج الدكتور طه حسين العلمي في البحث

- ‌الصحة

- ‌الطحال والكبد.. هل هما دمان

- ‌وجوب الحج

- ‌تتمة القول في مسألة الجسدالذي ألقي على كرسي سليمان عليه السلام

- ‌أثر المقتطف في نهضةاللغة العربية بالعلم

- ‌العرب وجزيرتهم بين الإمامينيحيى بن حميد الدين وعبد العزيز آل سعود

- ‌خاتمة المجلد السابع والعشرين

الفصل: الكاتب: محمد رشيد رضا

الكاتب: محمد رشيد رضا

‌فتاوى المنار

أسئلة من جدة - الحجاز

(س 11 - 14) من صاحبي الإمضاء بجدة

1-

هل كاتب النبي صلى الله عليه وسلم كل ملوك الأرض العظماء

الموجودين في أيامه أو أكبرهم شكيمة كملك الصين وملك الترك وإمبراطور روما

الغربية، وإذا كان لم يكاتب هؤلاء - كما هو المتبادر من التاريخ - فلماذا؟

2 -

فيما نرى عرفنا أن أشهر الأنبياء كلهم كانوا آسيويين ولم نسمع بنبي

أرسل في أوربا مع أنها من الدنيا القديمة المعمورة فما هي الحكمة؟

3 -

يقول علماء الدين -ولا سيما العصريين منهم- إن الإسلام هو الدين الصالح

لكل الأمم وفي كل الأرض، فما هي تلك الأفكار الخالدة الموافقة لعناصر جميع

الأمم التي أتى بها الإسلام؟

4 -

لماذا فرض الإسلام الجزية على اليهود والنصارى فقط ولم يقبل من

العرب سوى الإسلام أو السيف؟

حضرة صاحب الفضيلة الأستاذ رشيد رضا دام نفعه.

نؤمل إجابتنا تحريريًّا على هذه الأسئلة وإذا تكرمتم بنشرها في المنار نكون

شاكرين تفضلكم.

...

...

حسن أبو الحمايل. محمد حسن عواد

(ج) نجيب عن هذه الأسئلة بالترتيب وإن كان قد سبق لنا فيها تحقيق من

قبل فنقول:

***

(حكمة مكاتبة النبي (ص) لبعض الملوك دون بعض)

كتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى ملوك العرب في جزيرتهم وإلى

ملوك البلاد المجاورة لها وهي مصر وسوريا والعراق وفارس يدعوهم إلى

الإسلام؛ لأن الدعوة إنما تفيد من عقلها وأهل البلاد التي يمكن نشر الإسلام وتنفيذ

أحكامه فيها بمجرد دخول أهله فيه، أو خضوعهم لسلطانه بالصلح وإعطاء الجزية،

ولو تيسر للنبي صلى الله عليه وسلم في زمنه مكاتبة فغفور الصين وخان

الترك وقيصر رومية بإرسال رسل إليهم يحملون كتبه العربية، وأمكن لهؤلاء

الرسل الوصول إلى بلادهم وأمكن لهؤلاء الملوك فهم هذه الكتب وإجابة الدعوة،

لكان من المتعذر في ذلك الوقت نشر الإسلام وتنفيذ أحكامه في تلك الأقطار النائية،

التي يحول بينها وبين مهده - جزيرة العرب - شعوب معادية، فالدعوة العامة ما

كان يمكن نشرها إلا بالتدريج والانتقال من محلها إلى الأقرب فالقريب، فالبعيد

فالأبعد من البلاد والأقطار.

ومن المعلوم في التاريخ أن بلاد سوريا عربية الأصل، وكذلك العراق وإن لم

تكن اللغة المضرية عامة فيهما في زمن البعثة، وإن مصر استعمرها العرب زمنًا

طويلاً وكانت مدينتها الأولى عربية المنشأ ولغتها الهيروغليفية ممزوجة بالعربية

مزجًا، وهي لمجاورتها لجزيرة العرب قد سهل تعريب أهلها في زمن غير طويل.

كذلك المجاورة بين عرب العراق وعجم إيران كانت مسهلة لنشر الإسلام ولغته

العربية ببلاد فارس في مدة قريبة. وما كان يمكن مثل هذا في الصين لو أمكن

إيصال الدعوة إليهم وقبولهم إياها.

***

بعثة الرسل في جميع الأمم

وبطلان ادعاء أنهم كلهم أسيويون

إن بني إسرائيل لم يكونوا يعرفون غير أنبيائهم فزعموا أن النبوة محصورة

فيهم، وحرفوا آيات التوراة المبشرة برسول يبعثه الله من بني إخوتهم - أي أبناء

إسماعيل عليه السلام ولما بعث الله خاتم النبيين وأتم على لسانه الدين بين لنا في

الكتاب المنزل عليه أنه أرسل في جميع الأمم رسلاً يدعون إلى مثل ما دعا إليه في

أصوله وجوهره كما قال {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا

الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ} (النحل: 36) .

وقد قص الله تعالى عليه في كتابه قصص أشهر الرسل والنبيين الذين عرفت

العرب والمجاورون لهم من أهل الكتاب شيئًا من تاريخهم لأجل العبرة بسيرتهم كما

قال: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُم مَّن لَّمْ نَقْصُصْ

عَلَيْكَ} (غافر: 78) ولو قص عليه خبر نبي أرسل في الصين لا يعرف أحد

من المخاطبين الأولين بالقرآن ولا من يجاورهم من أهل الكتاب عنه شيئًا لكان

قصصه فتنة لا عبرة، ولقالوا: إنه يفتري علينا ما لا سبيل لنا إلى معرفته، والمثل

العامي يقول: (إذا أردت أن تكذب فبعد شهودك) ، والله تعالى يقول في حكمة

أخبار الرسل: من آخر سورة يوسف بعد ذكر الرسل إجمالاً: {لَقَدْ كَانَ فِي

قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ} (يوسف: 111) الآية وقال {وَكُلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ

وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ} (هود: 120) فهذه الحكم التي

ذكرها الله تعالى لبيان قصص الرسل لا تحق إلا بمن يعرف عنهم شيئًا في الجملة،

ويفصل الوحي ما لم يعرف منها.

نعم، لو أخبرنا الله تعالى في كتابه أن برهما أو بوذا من دعاة التوحيد

والفضيلة في الهند وكونفشيوس من دعاتهما في الصين وبعض حكماء مصر

واليونان من دعاتهما في أوربا وأفريقيا كانوا من رسل الله تعالى مثلاً وأنه لما

طال الأمد على اتباعهم أشركوا بالله وفسقوا عن أمره، كما قال في أهل الكتاب

المعروفين عند العرب {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ

مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَاّ لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لَاّ إِلَهَ إِلَاّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} (التوبة:

31) وقال في وعظ المؤمنين: {وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ

عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ} (الحديد: 16) لو أخبرَنا الله

تعالى بما ذكر لكان آية لأهل القرون الأخيرة على أخبار القرآن بالغيب ولكن بعد

أن يكون فتنة لأهل القرون الأولى - ودرء المفاسد مقدم على جلب المصالح.

روي عن علي رضي الله عنه وكرم وجهه أن المجوس كانوا أهل كتاب كما

سيذكر في بحث الجزية من هذه الفتاوى.

وثبت في تاريخ غيرهم من الشعوب التي عرف تاريخها أنه ظهر فيها

حكماء ربانيون دعوا الناس إلى توحيد الخالق وعبادته وحدة والإيمان بالبعث

والجزاء، والأمر بالعمل الصالح، وهذه الأصول الثلاث هي التي دعا إليها جميع

الرسل وعليها مدار سعادة الدنيا والآخرة. قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ

هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ

عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} (البقرة: 62) فالظاهر أن أولئك

الدعاة إلى الأصول الثلاثة كانوا رسلاً يوحى إليهم فإن نقل عنهم ما ينافي الرسالة

فلا يعد حجة نفي صحيحة؛ لأننا قد عرفنا ما حل بكتب المتأخرين عنهم الذين حفظت

كتبهم في الجملة فكيف بهؤلاء الذين طمس جل تاريخهم؟ بل نرى المسلمين الذين

كفل الله تعالى حفظ كتابهم في الصدور والسطور فلم يفقد ولم يحرف منه حرف

واحد، وضبطت سنه رسولهم صلى الله عليه وسلم ضبطًا لم يضبط مثله

كتاب في تاريخ البشر - نراهم قد سرت إلى كثير منهم عقائد الوثنية وعباداتها

المخالفة لنصوص القرآن والسنة القطعية ولعمل الصدر الأول المنقول بالتواتر -

ونسمع الآن شيعة إيران ودعاة الفتنة في الهند يصيحون ويولولون نادبين هدم

هياكل الوثنية التي بنيت على القبور المعبودة من دون الله تعالى في الحجاز وهي

التي لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم بناة أمثالها إذ لعن كل من يبني

مسجدًا على قبر ومن يضع عليه سراجًا.. .إلخ.

***

أصول الإسلام الصالحة

المصلحة لكل الأمم في كل زمان

إن الجواب عن هذا السؤال لا يمكن بيانه التفصيلي إلا في سِفْر مستقل

وموضوع هذه الفتاوى الاختصار، فنشير إلى مهمات هذه الأصول بالإيجاز فنقول:

(الأصل الأول) كون الإسلام دين الفطرة فليس فيه شيء غير معقول

كالتثليث ولا غير ممكن طبعًا كحب الأعداء، وأساسه تجريد التوحيد الذي يعتق

البشر من رق الخرافات والأوهام وقد شرحنا هذا الأصل مرارًا كثيرة.

(الأصل الثاني) ختم الرسالة والنبوة المقتضي أن لا يوجد بعد محمد

صلوات الله وسلامه عليه نبي معصوم يبلغ الناس شيئًا عن وحي الله أو يشرع لهم

شيئًا من الدين أو يحرم عليها شيئًا تحريمًا دينيًّا.

وهذا من إتمام عتق البشر من الأدعياء الذين يتحكمون في أفكار الناس

وإرادتهم يدعون أنهم نواب فيهم عن ربهم، أو أنهم آلهة بالفعل كما يدعي البهائيون

في زعيمهم أو أنبياء كما يدعي الأحمدية القاديانيون في مسيحهم الدجال.

(الأصل الثالث) أن حكومة الإسلام مقيدة بالنصوص وبالشورى ورئيسها

مقيد باختيار أهل الحل والعقد الذين يمثلون الأمة فلا يكون سلطانًا لها إلا باختيارهم

إياه للخلافة ومبايعتهم له، وهو مساو لسائر المسلمين في الحقوق فيُقتل قصاصًا

يقتل أضعف السوقة وأفقرهم، ولا يطاع في معصية الله تعالى وإنما الطاعة في

المعروف.

(الأصل الرابع) استقلال الفكر في فهم الدين، والعلم، وجميع شؤون

الحياة، فليس في الإسلام سلطة دينية روحانية تلزم المسلمين اتباع مذهب لمجتهد

وآراءه في العقائد، والعبادات الدينية، والحلال والحرام الدينيين، وإنما هنالك

نصوص قطعية وأصول وفروع إجماعية يشترك جميع المسلمين في التزامها ولا

يعد أحد متبعًا لأحد غير الرسول وجماعة الأمة فيها، ويقرب من الإجماع ما جرى

عليه جمهور سلف الأمة الصالح من أمر الدين ولم يشذ عنهم إلا أفراد لا يعتد بهم،

وماعدا ذلك من المسائل فهو اجتهادي ويجب على كل مسلم أن يعمل باجتهاد نفسه،

فإن عجز فله أن يأخذ بعلم من يثق بعلمه ودينه.

والراجح المختار في العبادات أنه لا اجتهاد في التشريع فيها بل في التنفيذ،

والأحكام الدينية منوطة بنصوص الكتاب والسنة، والقضائية يعتبر فيها مراعاة

المصالح وعليها مدارها، وهو مذهب مالك إمام دار الهجرة.

(الأصل الخامس) المساواة بين المسلمين في جميع أحكام الشرع، وهو

أصل مستقل ذكر استطرادًا في بعض الأصول قبله.

وهذه حرية دينية لا توجد في دين آخر، ومقتضاها أن البشر صاروا أحرارًا

أعزة وإخوانًا لا يفضل أحد منهم أحدًا بتفضيل إلهي محتوم، ولا بمنصب موروث

كالقديسين في بعض الملل، وإنما يتفاضلون بكسبهم العلمي والعملي حتى يجوز أن

يكون ابن أفقر الناس وأضعفهم أعلم علماء عصره وأتقاهم فيكون أفضلهم.

(الأصل السادس) تقييد المسلمين بعقائد، وأحكام وآداب وفضائل دينية

بالوازع النفسي لا تتغير، ولا تنقض وهي تؤمنهم من فوضى الحرية المسرفة التي

أوقعت شعوب أوربا في أسر النظام المالي وسلطان أهله من جهة وفي البلشفية من

جهة أخرى، وفي المفاسد الأدبية التي هتكت الأعراض وأضاعت الأنساب وبددت

الأموال من جهة ثالثة

إلخ إلخ.

(الأصل السابع) بناء الأحكام السياسية والمدنية على أساس درء المفاسد

وحفظ المصالح - والأحكام القضائية على العدل المطلق والمساواة - ووجوب حفظ

الدين، والنفس، والعقل، والمال، والعرض، ولازمه النسب من الاعتداء عليهن.

(الأصل الثامن) مساواة النساء للرجال في جميع الحقوق بالمعروف إلا

الولاية بقسميها العام، وهو منصب الإمامة العظمى، والخاص كرياسة الأسرة،

لقوله تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} (البقرة:

228) وبين هذه الدرجة بقوله {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} (النساء: 34) .

(الأصل التاسع) بناء ضرورات الاجتماع السابقة كالحرب والرق

والضرورات الفردية على قاعدة التوقيت فيها وتقديرها بقدرها وتخفيف شرها

والسعي الممكن لإزالتها والاستغناء عنها.

(الأصل العاشر) فرضه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهي الفريضة

التي تحفظ على الأمة فضائلها وآدابها ما أقامتها.

(الأصل الحادي عشر) تكافل المسلمين وتضامنهم حكومة وأفرادًا فبهذا

وبفريضة الزكاة والترغيب في الصدقات، والواجب من الكفارات يكون جماعة

المسلمين دائمًا في كفاية قلما تنال الضرورة إلا من بعض الأفراد المجهولين منهم،

وبذلك يقل التحاسد والعدوان بينهم، ولا تجد الجماعات منهم دافعًا إلى العدوان ولا

مشكلاً كبيرًا من مشاكل الاجتماع كالبلشفية وما يقرب منها.

هذا ما أمكنت الإشارة إليه بالإيجاز، وسنفصله في أول فرصة تسنح لنا إن شاء

الله تعالى ومن يراجع كتابنا (الخلافة أو الإمامة العظمى) يجد فيه شيئًا من هذا

التفصيل.

***

فرض الجزية على أهل الكتاب

وإلزام العرب الإسلام

التحقيق أن الجزية تؤخذ من أهل الكتاب وإن كانوا عربًا، وقد أخذها النبي -

صلى الله عليه وسلم من أكيدر دومة وكان هو وقومه عربًا من غسان وكذا من

نصارى نجران في صلحه لهم وتؤخذ أيضًا من المجوس؛ لأن النبي - صلى الله

عليه وسلم - قال: (سنوا بهم سنة أهل الكتاب) رواه الشافعي، وعن عليّ كرم الله

وجهه أنهم كانوا أهل كتاب ففقد أو رفع رواه عنه عبد الرزاق والشافعي، ويمكن

الجمع بينه وبين الحديث المرفوع بأن لقب: أهل الكتاب، صار علمًا لليهود

والنصارى وسببه معروف بيناه من قبل.

وأما مشركو العرب فسياسة الإسلام فيهم أن يكونوا مسلمين وأن تبقى جزيرة

العرب خالصة لهم، ولمن ساكنهم فيها من المسلمين، والحكمة في ذلك أن يبقى

للإسلام دولة مستقلة في مهده تقيم شرائعه، وقد فصلنا هذا من قبل مرارًا، ومع

هذا لم يكرههم على الإسلام إكراهًا، وقبل من بعضهم الجزية، وقد ظهر ولا يزال

يظهر من حكمة سياسته ما نراه من إزالة الأعاجم لملك العرب، ثم شرع الإسلام من

جميع بلاد الأعاجم إلا بقية قليلة أقواها في بلاد أفغانستان، وهم يتواطئون

ويتعاونون على التعدي على جزيرة العرب وحدها، وإزالة حكم الإسلام وسيادة

العرب منها، فالإيرانيون الآن يتعاونون مع بعض الهنود من الشيعة وخرافي

أدعياء السنة على سلب الحجاز نفسه من دولة السنة الحاضرة، وإن وقع في أيدي

الأجانب، ولم نر أحدًا منهم احتج ولا أنكر إعطاء الشريف علي بن حسين قسمًا

عظيمًا من أرض الحجاز للإنكليز حتى إن شوكت علي ومحمد علي الزعيمين

السياسيين في الهند يريدان أن تكون حكومة الحجاز جمهورية والحق الأعظم في

إدارتها للأعاجم ولهذا عادَيا ملك الحجاز وإمام السنة العربي ابن السعود؛ لأنه لم يقبل

هذا.

وقد كتب إلي بعض علماء الهنود الأحرار مرة أن ما كتبته في الخلافة وحق

قريش فيها وكون الإسلام عربي اللغة هو الحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه

ولا من خلفه قال: (ولكن هؤلاء الأعاجم من الهنود لا يرونه إلا لهذا الجيل من

الترك) يعني أنهم ينسخون قاعدة الصديق الأكبر والخليفة الأول رضي الله عنه

في قوله: إن العرب لا ترى هذا الحق إلا لهذا الجيل من قريش.

وسيظهر للمسلمين من عصبية الأعاجم من الغرائب ما لم يكن يخطر لهم ببال

ونكتفي الآن بهذا الإجمال، الذي كتبناه بمنتهى الاستعجال، وما زالوا يؤيدون

خلافة الترك الباطلة الصورية على فسادهم التي نبذوها هي والإسلام وراء ظهورهم

واستبدلوا بشرعها شرائع الإفرنج، ومع هذا كله لا يزال الزعيمان شوكت علي

ومحمد علي مستمسكين بها، ويضعون شارتها على صدرهم ورؤوسهم! .

***

بدعة المحمل

وتناصر المسلمين على المستعمرين

(س 15، 16) من أيوب أفندي صبري صاحب جريدة الوطنية بمصر.

مولاي الجليل:

ألتمس من سماحتكم أن تكشفوا النقاب للمسلمين عن النقطتين الآتيتين وهما:

أولاً - ما هي علاقة المحمل بالدين الإسلامي حتى ينظر إليه كبدعة تجب

مقاومتها والقضاء عليها؟

وإذا أثبتم هذه العلاقة وأن المحمل بدعة. فما هي الأسباب التي حملت كبار

علماء المسلمين من شيوخ الأزهر الشريف والمفتيين والقضاة الشرعيين على إقرار

هذه البدعة منذ وجودها إلى الآن - وهذا الإقرار ظاهر من اشتراكهم مع الحكومة

في الاحتفال بالمحمل عند سفره وعند عودته وتقبيلهم مقوده - ثم من عدم تقدمهم

للحكومة بحكم الشرع الشريف حتى تقضي على هذه البدعة ومن عدم إصدارهم

الفتاوى الدينية وإذاعتها بين المسلمين بكل طرق الإذاعة وأهمها الصحف التي

ترحب بتلك الفتاوى وتنشرها بكل سرور؟

ومن المعلوم أنه ليس للحكومة غرض سياسي أو مالي من هذه البدعة يحول

بين العلماء وبين التقدم لها (الحكومة) بحكم الشرع الشريف في أمرها (البدعة)

وعلى فرض أن يكون للحكومة غرض فإن واجب العلماء أن يبينوا حكم الشرع

سواء رضيت عنهم الحكومة أم غضبت وبين العلماء عدد كبير غير مرتبط مع

الحكومة بشيء ما.

النقطة الثانية - تعلمون سماحتكم أن الثورة السورية - والحركة الفلسطينية

ضد الصهيونية - والثورة الريفية - إنما قامت لمقاومة الحرب الصليبية الثانية التي

أرادت أوربا بها استعباد المسلمين، والأمم الإسلامية تحت أسماء شفافة وأغراض

مزوقة لم تخف عنا بل إن المظالم التي نرزح تحت كلكلها تدل على نية أوربا

السيئة - وتعلمون أن دول أوربا - رغم ما بينها من عداوات تتناصر على إذلال

المسلمين، وامتلاك بلادهم أفلا ترون واجبًا على المسلمين أن يتناصروا على دفع

بلاء الاستعباد عنهم وعن بلادهم.

وإذا كان الريفيون لم يجدوا حولهم أمة مسلمة حرة من الاستعباد الأوروبي

تناصرهم بجيشها أو بالمال أو بالسلاح - فإن السوريين والفلسطينيين على الحدود

النجدية الحجازية، ونجد والحجاز تحت حكم ملك واحد حر من قيود الاستعمار،

فلماذا لا يناصر جلالته إخوانه المسلمين المجاورين له بجيشه، أو بسلاحه، أو

بماله، أو بنفوذه كأن يحتج ويستنكر تلك الجرائم بصفة علنية للدول التي ترتكبها

ولجمعية الأمم وللدول الأخرى؟ وأية وسيلة ترونها كفيلة بتناصر المسلمين على

تحرير أنفسهم، وبلادهم من قيود الاستعمار، واشتراك الأحرار مع المجاهدين

لفكها واشتراك المستعبدين بالتطوع بأنفسهم وأموالهم مع المجاهدين أو بإيقاد نار

الثورات في بلادهم إلى أن يهلكوا أو يتحرروا من هذا الاستعباد الجهنمي.

نلتمس الجواب على هاتين النقطتين على أن تأذنوا بنشره وإذاعته أدامكم الله

منارًا للإسلام وأهله، ونفع المسلمين، وبلادهم بمواهبكم وعلومكم على الدوام.

...

...

...

...

... المخلص

...

...

...

...

... أيوب صبري

***

الجواب على بدعة المحمل وإقرار العلماء لها

قد بينا في إحدى مقالاتنا التي ننشرها بجريدة الأهرام الوجه الشرعي في عد

المحمل المصري المعروف بدعة دينية، وإنه لم يكن كذلك منذ أحدثته شجرة الدر

ملكة مصر بل أصله على ما قال بعضهم: إنها اتخذت هودجًا حجت فيه حين حجت

وحملت معها من الأموال للحرمين الشريفين ما حملت، ثم صارت ترسل ذلك الهودج

في كل سنة مع ركب الحج المصري الذي يحمل الأموال إلى الحرمين.

وهذا يعد من العادات المباحة التي لا علاقة لها بالدين فيعد المحدث منها بدعة

دينية محرمة.

ثم حدث من زمن لا نعرف ابتداءه أن هذا الهودج أو الهيكل الخشبي المكسو

بالديباج، المضون بالذهب صار يطاف به في الكعبة كما يطوف الناس، وينقل في

مشاعر النسك كعرفات ومنى كأنه من الحجاج، ويوضع في الحرم فيتبرك به

الجهال، ثم يدخل المسجد النبوي مع الزائرين ويوضع في حجرة هنالك كما يوضع

في المسجد الحرام قبله أيامًا، ثم صار الناس في مصر نفسها يتبركون به تبركًا

دينيًّا يرجون نفعه حتى في ذراريهم، وصار يعد من شعائر الإسلام فتحتفل به

الحكومة احتفالاً دينيًّا، ويقبل ملوكها وأمراؤها وكبار علمائها مقود جمله - فبهذه

الأشياء صار يعد من البدع الدينية؛ لأن كل هذه الأمور منكرات شرعية تشبه

المشروعة - وما هي بمشروعة - وهذا تحقيق معنى البدعة كما حققه الإمام

الشاطبي في الاعتصام الذي طبع في مصر من قبل وزارة المعارف.

وأما إقرار العلماء له فكان مجاراة للحكومة في عملها قبل أن يتحقق فيه معنى

البدعة واستمروا على ذلك بعده، وليس هذا بالمنكر الوحيد الذي أتته الحكومات

المستبدة في بلاد الإسلام وسكت عليه العلماء الضعفاء، بل هنالك بدع ومنكرات

كثيرة ومعاص من الكبائر المعلومة من الدين بالضرورة.

ومن تلك المنكرات التي صارت تعد بعدم مقاومة العلماء للحكومات من

الإسلام أو شعائره بناء المساجد على قبور الصالحين وغيرهم وتشريفها

وتجصيصها ووضع الستور وإضاءة السرج والشموع عليها وتتخذ أعيادًا ومواسم

يسمونها الموالد. وكل هذه من الأمور المحرمة التي كانت ذريعة للشرك أو الفسق

وهم يقرؤون في صحاح الأحاديث لعن النبي صلى الله عليه وسلم حتى في

مرض موته من يفعلها.

على أن كثيرًا من كبار العلماء أنكروا أكثر هذه البدع والمعاصي فلم تبال

الحكومات بإنكارهم؛ ولذلك يعذر بعض العلماء المتأخرين أنفسهم بسكوتهم على

منكرات الحكومات بأن الإنكار لا يفيد على كونهم لا يسلمون من ضرر يصيبهم

بسببه، ونحن لا نزال منذ أنشأنا المنار ننعي عليهم مخالفتهم لعلماء السلف بهذا

السكوت على المنكرات، والمعاصي حتى انتدب أستاذنا الشيخ المرحوم حسين

الجسر للرد علينا في جريدة طرابلس منذ تسع وعشرين سنة واضطرنا إلى الرد

عليه في المجلد الثاني من المنار.

هذا وإن سكوت العلماء مهما يكن من سببه لا يعد حجة شرعية على حكم

شرعي باتفاق علماء الأصول والفقهاء. وقد فصل الإمام محمد بن إسماعيل الوزير

هذه المسألة في رسالته (تطهير الاعتقاد) وذكر بعض المنكرات والمعاصي الفاشية

في المساجد المبتدعة على القبور التي منها ما هو شرك بالله تعالى، وكذا في مكة

أم القرى أيضًا ولا ينكرها أحد، وذكر منها المقامات الأربعة للمذاهب الأربعة التي

أحدثها (بعض ملوك الشراكسة الجهلة الضلال)(كما قال) في حرم الله تعالى

(ففرقت بها عبادات المسلمين وصيرتهم كالملل المختلفة في الدين) إلخ وذكر سكوت

علماء الآفاق عليها، ثم قال: (أفهذا السكوت دليل على جوازها؟ هذا لا يقوله من له

إلمام بشيء من المعارف، كذلك سكوتهم على هذه الأشياء الصادرة من القبوريين) .

ثم ذكر في موضع آخر احتجاج بعضهم على جواز بناء المساجد على القبور

بالقبة المبنية على قبر النبي صلى الله عليه وسلم مع أنه ولله الحمد لم يتخذ

مسجدًا - وأجاب عنه بأن هذه القبة ليست من بنائه صلى الله عليه وسلم ولا

بناء أصحابه ولا التابعين ولا من علماء أمته وأئمة ملته بل هي من أبنية قلاوون

الصالحي المعروف بالملك المنصور في سنة 678هـ، ثم قال: (فهذه أمور دولية

لا دليلية يتبع فيها الآخر الأول) .

وإننا بعد كتابة ما ذكر وجمع حروفه في المطبعة وقبل طبعه قد اطلعنا على

كتاب في البدع لبعض علماء الأزهر المدرسين فيه لقسم التخصص العالي صرح

فيه بالإنكار على العلماء للسكوت على المنكرات، والبدع الفاشية بعد أن عد كثيرًا

ًمنها كابن الوزير.

***

الجواب

عن مسألة تعاون المسلمين على دول الاستعمار

لا شك أن هذا التعاون واجب شرعًا، ولكن تفرق المسلمين وسوء حالهم

المانعة من ذلك معلومة للسائل ولغيره كما يعلم اتفاق دول الاستعمار وتعاونهم المنظم

على سلب بلادنا واستعباد شعوبنا فلو أن ابن السعود أراد مساعدة السوريين بالحرب

على كونهم يقولون إنهم يحاربون حربًا مدنية وطنية لا دينية لحاربته إنكلترا

وإيطاليا مع فرنسا، ولساعدهن على ذلك ملك العراق، وأمير شرق الأردن وشاه

إيران قطعًا، وربما شايعهم آخرون من الشعوب الإسلامية، وقد سمعنا الملك عبد

العزيز يقول غير مرة بمكة أمام الناس: (إن عداوة الإفرنج لنا أمر معقول لا

يعقل غيره وإننا والله لا نخاف من عداوتهم كما نخاف من عداوتنا نحن المسلمين

بعضنا لبعض، فنحن على شدتنا في مقاومة الاستعمار قولاً وعملاً لا نشير عليه بما

ذكره السائل؛ لأننا نعلم علمًا قطعيًّا، أنه يقضي بذلك على دولة في أول نشأتها وهو

إلى الآن لم يسلم من شر المسلمين أنفسهم.

وأما ما دون ذلك من مساعدة فلا يصح للسائل ولا لغيره أن يجزم بنفيها ولا

أن يسأل عنها، كما أنه لا يصح له أن يجعل ما يجب أن يعمله المسلمون للدفاع

عن أنفسهم من المباحث التي تنشر في الجرائد، وليس من المصلحة أن نقول أكثر

من هذا في هذه المسألة الكبرى.

ــ

ص: 494

الكاتب: عبد اللطيف بن الشيخ عبد الرحمن بن الشيخ حسن ابن شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب

الإيمان والكفر والنفاق والظلم والفسق

من رسائل إمام نجد في عصره العلامة الشيخ

عبد اللطيف بن الشيخ عبد الرحمن بن حسن شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب

رحمهم الله تعالى

ويعلم منها ما عليه علماء نجد في مسألة تكفير المخالفين واحتياطهم فيها

أكثر من سائر علماء المذاهب الأخرى

بسم الله الرحمن الرحيم

من عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن إلى عبد العزيز الخطيب، سلام

على عباد الله الصالحين. وبعد فقرأت رسالتك وعرفت مضمونها وما قصدته من

الاعتذار، ولكن أسأت في قولك، إن ما أنكره شيخنا الوالد من تكفيركم أهل الحق

واعتقاد إصابتكم أنه لم يصدر منكم، وتذكر أن إخوانك من أهل البقيع يجادلونك

وينازعونك في شأننا، وأنهم ينسبوننا إلى السكوت عن بعض الأمور، وأنت

تعرف أنهم يذكرون هذا غالبًا على سبيل القدح في العقيدة، والطعن في الطريقة،

وإن لم يصرحوا بالتكفير فقد حاموا حول الحمى، فنعوذ بالله من الضلال بعد الهدي،

ومن الغَي عن سبيل الرشد والعمى، وقد رأيت سنة أربع وستين رجلين من

أشباهكم المارقين بالإحساء قد اعتزلا الجمعة والجماعة، وكفرَّا من في تلك البلاد

من المسلمين، وحجتهم من جنس حجتكم، يقولون: أهل الإحساء يجالسون ابن

فيروز، ويخالطونه هو وأمثاله ممن لم يكفر بالطاغوت، ولم يصرح بتكفير جده

الذي رد دعوة الشيخ محمد ولم يقبلها وعاداها، قالا: ومن لم يصرح بكفره فهو

كافر بالله لم يكفر بالطاغوت [1] ومن جالسه فهو مثله، ورتبوا على هاتين

المقدمتين الكاذبتين الضالتين ما يترتب على الردة الصريحة من الأحكام، حتى

تركوا رد السلام، فرفع إليّ أمرهم، فأحضرتهم وهددتهم، وأغلظت لهم القول،

فزعموا أولاً أنهم على عقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وأن رسائله عندهم،

فكشفت شبهتهم وأدحضت ضلالتهم بما حضرني في المجلس، وأخبرتهم ببراءة

الشيخ من هذا المعتقد والمذهب، فإنه لا يكفر إلا بما أجمع المسلمون على تكفير

فاعله من الشرك الأكبر، والكفر بآيات الله ورسوله أو بشيء منها، بعد قيام الحجة

وبلوغها المعتبر، كتفكير مَنْ عَبَدَ الصالحين ودعاهم مع الله، وجعلهم أندادًا يستحقه

على خلقه من العبادات والألهية، وهذا مجمع عليه عند أهل العلم والإيمان، وكل

طائفة من أهل المذاهب المقلدة يفردون هذه المسألة بباب عظيم يذكرون فيه حكمها

وما يوجب الردة ويقتضيها، وينصون على الشرك الأكبر، وقد أفرد ابن حجر [2]

هذه المسألة بكتاب سماه (الإعلام بقواطع الإسلام) .

وقد أظهر الفارسيان المذكوران التوبة والندم وزعما أن الحق ظهر لهما ثم لحقا

بالساحل وعادا إلى تلك المقالة، وبلغنا عنهم تكفير أئمة المسلمين، بمكاتبة الملوك

المصريين، بل كفروا من خالط من كاتبهم من مشايخ المسلمين، ونعوذ بالله من

الضلال بعد الهدى والحور بعد الكور [3] .

وقد بلغنا عنكم نحو من هذا، وخضتم في مسائل من هذا الباب، كالكلام في

الموالاة والمعاداة، والمصالحة والمكاتبات، وبذل الأموال والهدايا ونحو ذلك من

مقالة أهل الشرك بالله والضلالات، والحكم بغير ما أنزل الله عند البوادي ونحوهم

من الجفاة، ولا يتكلم فيها إلا العلماء من ذوي الألباب، ومن رزق الفهم عن الله

وأوتي الحكمة وفصل الخطاب، والكلام في هذا يتوقف على معرفة ما قدمناه،

ومعرفة أصول عامة كلية لا يجوز الكلام في هذا الباب وفي غيره لمن جهلها،

وأعرض عنها وعن تفاصيلها، فإن الإجمال والإطلاق، وعدم العلم بمعرفة مواقع

الخطاب وتفاصيله، يحصل به من اللبس والخطأ وعدم الفقه عن الله ما يفسد

الأديان، ويشتت الأذهان، ويحول بينها وبين فهم القرآن.

قال ابن القيم في كافيته رحمه الله تعالى:

فعليك بالتفصيل والتبيين فالـ

إطلاق والإجمال دون بيان

قد أفسدا هذا الوجود وخبطا الـ أذهان والآراء كل زمان

وأما التكفير بهذه الأمور التي ظننتموها من مكفرات أهل الإسلام فهذا مذهب

الحرورية المارقين الخارجين على علي بن أبي طالب أمير المؤمنين ومن معه من

الصحابة، فإنهم أنكروا عليهم تحكيم أبي موسى الأشعري وعمرو بن العاص في

الفتنة التي وقعت بينه وبين معاوية وأهل الشام، فأنكرت الخوارج عليه ذلك وهم

في الأصل من أصحابه من قراء الكوفة والبصرة، وقالوا حكمت الرجال في دين الله،

وواليت معاوية وعمرًا وتوليتهما وقد قال تعالى: {إِنِ الحُكْمُ إِلَاّ لِلَّهِ} (الأنعام:

57) وضربت المدة بينكم وبينهم وقد قطع الله هذه الموادعة والمهادنة منذ أنزلت

براءة، وطال بينهما النزاع والخصام، حتى أغاروا على سرح المسلمين وقتلوا من

ظفروا به من أصحاب علي، فحينئذ شمر رضي الله عنه لقتالهم، وقتلهم دون

النهروان بعد الإعذار والإنذار، والتمس المخدج المنعوت في الحديث الصحيح الذي

رواه مسلم وغيره من أهل السنن فوجده علي فسر بذلك وسجد لله شكرًا على توفيقه،

وقال: لو يعلم الذين يقاتلونهم ماذا لهم على لسان محمد صلى الله عليه وسلم

لنكلوا عن العمل، هذا وهم أكثر الناس عبادة وصلاة وصومًا.

***

فصل

ولفظ الظلم والمعصية والفسوق والفجور والموالاة والمعاداة والركون،

والشرك، ونحو ذلك من الألفاظ الواردة في الكتاب والسنة قد يراد بها مسماها المطلق

وحقيقتها المطلقة، وقد يراد بها مطلق الحقيقة، والأول هو الأصل عند الأصوليين،

والثاني لا يحمل الكلام عليه إلا بقرينة لفظية أو معنوية، وإنما يعرف ذلك بالبيان

النبوي وتفسير السنة، قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَاّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ

لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} (إبراهيم: 4) الآية وقال: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلَاّ رِجَالاً نُّوحِي

إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ * بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ

لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} (النحل: 43- 44) ، وكذلك اسم

المؤمن والبر والتقي يراد بها عند الإطلاق والثناء غير المعنى المراد في مقام الأمر

والنهي، ألا ترى أن الزاني والسارق والشارب يدخلون في عموم قوله تعالى {يَا

أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} (المائدة: 6) وقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا

لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى} (الأحزاب: 69) الآية وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا

الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ} (المائدة: 106) ولا يدخلون في مثل قوله: {إِنَّمَا

المُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا} (الحجرات: 15) وقوله تعالى:

{وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ} (الحديد: 19) الآية وهذا هو

الذي أوجب للسلف ترك تسمية الفاسق باسم الإيمان والبر.

وفي الحديث (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر

حين يشربها وهو مؤمن، ولا ينتهب نهبة يرفع الناس إليه أبصارهم فيها وهو

مؤمن) وقوله: (لا يؤمن من لا يأمن جاره بوائقه)[4] لكن تقي الإيمان هذا لا يدل

على كفره، بل يطلق عليه اسم الإسلام، ولا يكون كمن كفر بالله ورسله، وهذا

هو الذي فهمه السلف وقرروه في باب الرد على الخوارج والمرجئة ونحوهم من

أهل الأهواء، فافهم هذا فإنه مضلة أفهام، ومزلة أقدام.

وأما إلحاق الوعيد المرتب على بعض الذنوب والكبائر فقد يمنع منه مانع في

حق المعين كحب الله ورسوله والجهاد في سبيله ورجحان الحسنات ومغفرة الله

ورحمته وشفاعة المؤمنين والمصائب المكفرة في الدور الثلاثة، وكذلك لا يشهدون

لمعين من أهل القبلة بجنة ولا نار، وإن أطلقوا الوعيد كما أطلقه القرآن والسنة فهم

يفرقون بين العام المطلق، والخاص المقيد، وكان عبد الله (حمار)[5] يشرب

الخمر فأتي به رسول الله صلى الله عليه وسلم فلعنه رجل وقال: ما أكثر

ما يؤتى به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال النبي - صلى الله عليه

وسلم - (لا تلعنه فإنه يحب الله ورسوله)[6] مع أنه لعن الخمر وشاربها وبائعها

وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه [7] .

وتأمل قصة حاطب بن أبي بلتعة وما فيها من الفوائد فإنه هاجر إلى الله

ورسوله وجاهد في سبيله، لكن حدث منه أنه كتب بسر رسول الله - صلى الله عليه

وسلم - إلى المشركين من أهل مكة يخبرهم بشأن رسول الله - صلى الله عليه

وسلم - ومسيره لجهادهم ليتخذ بذلك يدًا عندهم يحمي بها أهله وماله بمكة فنزل

الوحي يخبره، وكان قد أعطى الكتاب ظعينة جعلته في شعرها فأرسل رسول الله -

صلى الله عليه وسلم عليًّا والزبير في طلب الظعينة، وأخبر أنهما يجدانها في

روضة خاخ فكان ذلك، فتهدداها حتى أخرجت الكتاب من ضفائرها فأتي به رسول

الله صلى الله عليه وسلم فدعا حاطب بن أبي بلتعة فقال له: ما هذا؟ فقال: يا

رسول الله إني لم أكفر بعد إيمان، ولم أفعل هذا رغبة عن الإسلام، وإنما أردت

أن تكون لي عند القوم يد أحمى بها أهلي ومالي، فقال صلى الله عليه وسلم

(صدقكم خلوا سبيله) واستأذن عمر في قتله، فقال: دعني أضرب عنق هذا

المنافق، فقال: (وما يدريك أن الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد

غفرت لكم وأنزل الله في ذلك صدر سورة الممتحنة فقال {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا

تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ} (الممتحنة: 1) الآيات فدخل حاطب في

المخاطبة باسم الإيمان، ووصفه به، وتناوله النهي بعمومه وله خصوص

السبب الدال على إراداته مع أن في الآية الكريمة ما يشعر أن فعل حاطب نوع

موالاة، وأنه أبلغ إليهم بالمودة، وأن فاعل ذلك قد ضل سواء السبيل، لكن

قوله: (صدقكم خلوا سبيله) ظاهر في أنه لا يكفر بذلك إذا كان مؤمنًا بالله ورسوله

غير شاك ولا مرتاب وإنما فعل ذلك لغرض دنيوي، ولو كفر لما قيل (خلوا سبيله)

لا يقال قوله صلى الله عليه وسلم لعمر (وما يدريك لعل الله اطلع على

أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم) هو المانع من تكفيره؛ لأنا نقول لو

كفر لما بقي من حسناته ما يمنعه من لحاق الكفر وأحكامه فإن الكفر يهدم ما قبله لقوله

تعالى {وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ} (المائدة: 5) وقوله تعالى:

{وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (الأنعام: 88) والكفر محبط لحسنات

والإيمان بالإجماع فلا يظن هذا.

وأما قوله: {وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} (المائدة: 51) وقوله: {لَا تَجِدُ

قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} (المجادلة: 22)

وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِّنَ الَّذِينَ

أُوتُوا الكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} (المائدة: 57)

فقد فسرته السنة، وقيدته، وخصته بالموالاة المطلقة العامة.

وأصل الموالاة هو الحب والنصرة والصداقة، ودون ذلك مراتب متعددة

ولكل ذنب حظه وقسطه من الوعيد والذم، وهذا عند السلف الراسخين في العلم من

الصحابة والتابعين معروف في هذا الباب وغيره، وإنما أشكل الأمر، وخفيت

المعاني والتبست الأحكام على خلوف من العجم والمولدين الذين لا دراية لهم بهذا

الشأن، ولا ممارسة لهم بمعاني السنة والقرآن، ولهذا قال الحسن رضي الله عنه:

من العجمة أتوا. وقال عمرو بن العلاء لعمرو بن عبيد لما ناظره في مسألة خلود

أهل الكبائر في النار، واحتج ابن عبيد أن هذا وعد، والله لا يخلف وعده -

يشير إلى ما في القرآن من الوعيد على بعض الكبائر والذنوب بالنار والخلود -

فقال له ابن العلاء: من العجمة أتيت، هذا عيد لا عد، وأنشد قول الشاعر:

وإني وإن أوعدته أو وعدته

لمخلف إيعادي ومنجز موعدي

وقال بعض الأئمة فيما نقل البخاري أو غيره: إن من سعادة الأعجمي

والأعرابي إذا أسلما أن يوفقا لصاحب سنة، وإن من شقاوتهما أن يمتحنا وييسرا

لصاحب هوى وبدعة.

ونضرب لك مثلاً هو أن رجلين تنازعا في آيات من كتاب الله أحدهما

خارجي والآخر مرجئ، وقال الخارجي: إن قوله: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ المُتَّقِينَ} (المائدة: 27) دليل على حبوط أعمال العصاة والفجار وبطلانها إذ لا قائل إنهم من

عباد الله المتقين، قال المرجئ: هي في الشرك فكل من اتقى الشرك يقبل عمله

لقوله تعالى: {مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} (الأنعام: 160) قال الخارجي:

قوله تعالى: {وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً} (الجن:

23) يرد ما ذهبت إليه، قال المرجئ: المعصية هنا الشرك بالله واتخاذ الأنداد

معه لقوله: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ} (النساء:

48) قال الخارجي: {أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً} (السجدة: 18) دليل

على أن الفساق من أهل النار الخالدين فيها، قال له المرجئ في آخر الآية:

{وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ} (السجدة: 20) دليل على أن

المراد من كذب الله ورسوله والفاسق من أهل القبلة مؤمن كامل الإيمان.

ومن وقف على هذه المناظرة من جهال الطلبة والأعاجم ظن أنها الغاية

المقصودة وعض عليها بالنواجذ، مع أن كلا القولين لا يرتضى، ولا يحكم

بإصابته أهل العلم والهدى، وما عند السلف والراسخين في العلم خلاف هذا كله؛

لأن الرجوع إلى السنة المبينة للناس ما أنزل إليهم، وأما أهل البدع والأهواء

فيستغنون عنها بآرائهم وأهوائهم وأذواقهم.

(للكلام بقية)

((يتبع بمقال تالٍ))

_________

(1)

قوله: لم يكفر بالطاغوت، إما تعليل لكفره بالله على طريقة الاستئناف البياني، فالكفر بالطاغوت شرط لصحة الإيمان بالله وإما خبر بعد خبر.

(2)

هو العلامة أحمد بن حجر الهيتمي الفقيه الشافعي.

(3)

الحور بعد الكور ومعناه النقصان بعد الزيادة كالعصيان بعد الطاعة والجهل بعد الحلم.

(4)

الحديث الأول رواه الشيخان وغيرهما والثاني رواه البخاري بلفظ (والله لا يؤمن والله لا يؤمن - قيل من يا رسول الله؟ قال الذي لا يأمن جاره بوائقه) ورواه أحمد أيضًا ولا أذكر لفظه.

(5)

صحابي معروف وحمار لقب له.

(6)

الحديث من أفراد البخاري ولفظه عند جمهور رواته (تلعنوه) فوالله ما علمت أنه يحب الله ورسوله) أي أن الذي علمته أنه يحب الله ورسوله وفي إعراب الجملة أقوال وفي رواية (ما علمت إلا أنه يحب) إلخ وما ذكره المصنف، رواية الواقدي.

(7)

رواه أبو داود وكذا الترمذي وابن ماجه بزيادة فيه.

ص: 505