الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الكاتب: محمد رشيد رضا
لامية أبي طالب في الشِّعْب
لمّا أظهر النبي صلى الله عليه وسلم دعوة الإسلام عظم ذلك على قريش
فقصدته ومَن آمن به بالإيذاء بل ائتمروا به وأزمعوا على قتله فمنعه قومه بنو هاشم
وبنو المطلب فنابذتهم قريش وأخرجوهم من مكة إلى الشِّعب (وهو بالكسر:
الوادي) شِعب أبي يوسف فأمر النبي مَن كان بمكة من المؤمنين أن يهاجروا إلى
الحبشة وكان يثني على النجاشي بأنه لا يُظلم عنده أحد ودخل هو وقومه الشعب
فقطعت قريش عنهم الأسواق ومنعتهم الرزق وأجمعت على أن لا تناكحهم ولا تقبل
منهم صلحًا ولا تأخذها بهم رأفة حتى يسلموه للقتل وكتبوا بذلك صحيفة وعلقوها في
الكعبة وتمادَوْا على ذلك ثلاث سنين فاشتد البلاء على بني هاشم في الشعب وأخبر
النبي صلى الله عليه وسلم عمه أبا طالب أن الأَرَضَة لحست صحيفة قريش إلا ما
كان اسمًا لله قال: أربُّك أخبرك بهذا؟ قال: نعم. قال: فوالله ما يدخل عليك أحد ثم
خرج إلى قريش فقال: يا معشر قريش إن ابن أخي أخبرني ولم يكذبني قط أن هذه
الصحيفة التي في أيديكم قد سلط الله عليها دابة فلحست ما فيها فإن كان كما يقول
فأفيقوا فوالله لا نُسْلِمه حتى نموت، وإن كان يقول باطلاً رفعناه إليكم. فقالوا:
رضينا ففتحوا الصحيفة فوجدوها كما أخبر فما زادهم إلا بغيًا وقالوا: هذا سحر ابن
أخيك. فقال: يا معشر قريش علامَ نُحبس ونحصر، وقد بان الأمر وتبين أنكم
أهل الظلم والقطيعة، ثم دخل وأصحابه بين أستار الكعبة، وقال: اللهم انصرنا
على مَن ظلمنا وقطَّع أرحامنا واستحلّ ما يَحْرم عليه منا ثم انصرف إلى الشعب،
وقال هذه القصيدة. قال البغدادي في الخزانة: قال ابن كثير هي قصيدة بليغة جدًّا
لا يستطيع أن يقولها إلا مَن نُسبت إليه وهى أفحل من المعلقات السبع وأبلغ في
تأدية المعنى. اهـ.
ونحن نذكر منها ما ذكر في الخزانة وقيل هي أكثر من ذلك، وهو:
خليليَّ ما أُُذني لأول عاذل
…
بصغواء في حق ولا عند باطل [1]
خليليَّ إن الرأي ليس بشركة
…
ولا نَهْنَه عند الأمور البلابل [2]
ولما رأيت القوم لا وُدّ عندهم
…
وقد قطعوا كل العُرَى والوسائل [3]
وقد صارحونا بالعداوة والأذى
…
وقد طاوعوا أمر العدو المزايل [4]
وقد حالفوا قومًا علينا أظنة
…
يعضون غيظًا حلفنا بالأنامل [5]
صبرَتْ لهم نفسي بسمراء سَمْحَة وأبيض عضب من تراث المقاول [6]
وأحضرت عند البيت رَهْطي وإخوتي
…
وأمسكت من أثوابه بالوصائل [7]
قيامًا معًا مستقبلين رِتاجه
…
لدى حيث يقضي خَلْفه كل نافل [8]
أعوذ برب الناس من كل طاعن
…
علينا بسوء أو ملحّ بباطل [9]
ومن كاشح يسعى لنا بعيبة
…
ومن ملحق في الدين ما لم نحاول [10]
وثور ومن أرسى ثبيرًا مكانه
…
وراقٍ لبرّ في حراء ونازل [11]
وبالبيت حق البيت من بطن مكة
…
وبالله إن الله ليس بغافل [12]
وبالحجر الأسود إذ يمسحونه
…
إذا كنفوه بالضحى والأصائل [13]
وموطئ إبراهيم في الصخر رطبة
…
على قدميه حافيًا غير ناعل [14]
وأشواط بين المروتين إلى الصفا
…
وما فيهما من صورة وتماثل [15]
ومن حجّ بيت الله من كل راكب
…
ومن كل ذي نذر ومن كل راجل [16]
فهل بعد هذا من معاذ لعائذ
…
وهل من معيذ يتقي الله عادل [17]
يطاع بنا العِدَى وودّوا لو أننا
…
تسد بنا أبواب تُرك وكابُل [18]
كذبتم وبيت الله نترك مكة
…
ونَظْعَن إلا أمركم في بلابل [19]
كذبتم وبيت الله نُبْزَى محمدًا
…
ولمّا نطاعن دونه ونناضل [20]
ونسلمه حتى نُصرّع حوله
…
ونذهل عن أبنائنا والحلائل [21]
وينهض قوم في الحديد إليكم
…
نهوض الرَّوَايا تحت ذات الصلاصل [22]
وحتى نرى ذا الضِّغْن يركب ردعه من الطعن فعل الأنكب المتحامل [23]
وإنا لعمر الله إنْ جدّ ما أرى
…
لتلتبسن أسيافنا بالأماثل [24]
بكفي فتى مثل الشهاب سَمَيْدَع
…
أخي ثقة حامي الحقيقة باسل [25]
وما ترك قوم لا أبا لك سيدًا
…
يحوط الذِّمار غير ذَرْب موكل [26]
وأبيض يُستسقى الغمام بوجهه
…
ثِمال اليتامى عصمة للأرامل [27]
يلوذ به الهلاّك من آل هاشم
…
فهم عنده في رحمة وفواضل [28]
جزى الله عنا عبد شمس ونوفلاً
…
عقوبة شر عاجلاً غير آجل [29]
بميزان قسط لا يخسّ شَعْرة
…
له شاهد من نفسه غير عائل [30]
ونحن الصميم من ذؤابة هاشم
…
وآل قُصَيّ في الخطوب الأوائل [31]
وكل صديق وابن أخت نعدّه
…
لعَمْري وجدنا غِبَّه غير طائل [32]
سوى أن رهطًا من كلاب بن مرة
…
براء إلينا من معقة خاذل [33]
ونِعم ابن أخت القوم غير مكذب
…
زهير حسامًا مفردًا من حمائل [34]
أشمّ من الشمّ البهاليل ينتمي
…
إلى حسب في حَوْمَة المجد فاضل [35]
لعمري لقد كُلّفت وَجْدًا بأحمد
…
وإخوته دأب المحب المواصل [36]
فلا زال في الدنيا جمالاً لأهلها
…
وزينا لمن ولاه ذبَّ المشاكل [37]
فمن مثله في الناس أي مؤمل
…
إذا قاسه الحكام عند التفاضل [38]
حليم رشيد عادل غير طائش
…
يوالي إلهًا ليس عنه بغافل [39]
فأيده رب العباد بنصره
…
وأظهر دينًا حقه غير ناصل [40]
فوالله لولا أن أجيء بسُبّة
…
تجر على أشياخنا في القبائل [41]
لكنا اتبعناه على كل حالة
…
من الدهر جِدًّا غير قول التهازل [42]
لقد علموا أن ابننا لا مكذب
…
لدينا ولا يعنى بقول الأباطل [43]
فأصبح فينا أحمد في أَرُومة
…
يقصر عنها سورة المتطاول [44]
حدبتُ بنفسي دونه وحميته
…
ودافعتُ عنه بالذرى والكلاكل [45]
_________
(1)
الصغواء كالحمراء، وصف من الصغو وهو الميل، يقال: صغوت إليه وأصغيت، يقول: إن أذنه ليست بذات صغو إلى حديث أول عاذل أي لا تسمع قوله سماع قبول وإذا كان لرصانته ورويته لا يقبل قول اللائم الأول وهو الذي من شأنه أن يسترعي السمع ويستخف النفس للمفاجأة بما يلقي من القول فهو أجدر بأن لا يصغو للتعاذل الثاني ومن بعده.
(2)
النهْنه كجعفر، الثوب الرقيق يشفّ عما وراءه فاستعاره للرأي المنير الذي يُظهر ما وراء الأمور من العواقب والبلابل - كالزلازل - الهموم والوساوس جمع: بلبلة أو بِلبال كزلزلة وزلزال ولعله يعني بالرأي رأي قريش الذي يشرحه في الأبيات التالية، يقول إنه ليس بالرأي الجيد الذي أثمره اشتراك العقلاء فيه ولا بالمنير الذي يكشف خبايا الأمور المهمة وعواقبها أو يريد أن الرأي الصواب في نفسه لا يكون عند الشدائد مشتركًا مقسمًا ولا رقيقًا يدرك الخصم مغبته ويجوز أن يريد بالنهنه: الضعيف والمراد أن الرأي عندئذ يجب أن يستقلّ به العاقل ويكتمه أو ينهض به.
(3)
العُرَى بالضم جمع عُرْوة وهى كل ما يُتمسَّك به، الوسائل جمع وسيلة وهي كل ما يتقرب به يريد أنهم قطعوا الروابط التي كانت تربطهم في الماضي والوسائل التي يمكن أن تقرب بعضهم من بعض ليرتبطوا بها في المستقبل.
(4)
صارحونا بالعداوة: جاهرونا بها حتى صارت صريحة خالصة من شوائب التأويل والمزايل المفارق المباين، والعدو المزايل تصعب مصالحته وموادته ولقاء الأعداء قد يذهب بالعداء.
(5)
التحالف: التعاهد والتعاقد بين فريقين على النصرة والحماية وأظنّه جمع سماعي لظنِّين وهو المتهم من الظِّنة وهى بالكسر: التهمة.
(6)
صبر نفسه: حبسها، والسمراء السمحة القناة اللدنة تسمح لحاملها بالهز والطعن والأبيض العضب: السيف القاطع والتراث: الإرث، والمقاول جمع مِقول كمنبر وهو الرئيس دون الملك ومثله القيل، وقيل يطلق على الملك وهو حينئذ مستعار لم يكن من آبائهم ملك.
(7)
رهط الرجل: قومه، والوصائل: ثياب مخططة يمانية كانت الكعبة تكسى بها.
(8)
الرتاج: الباب العظيم ويطلق أيضًا على الباب الصغير فيه والنافل: مؤدي النافلة وهى التطوع بالعبادة ويعني بحيث يقضي إلخ مقام إبراهيم.
(9)
المُلحّ بالشيء: المواظب عليه وأصل معنى المادة اللصوق.
(10)
الكاشح: العدو الباطن العداوة كأنه يطوي كشحه عليها في قلبه، وقالوا حاول الأمر: أراده وهو تفسير بالأعم، وقال في الأساس: طلبه بحيلة وهو الصواب.
(11)
ثور وثبير وحراء جبال بمكة والراقي في حراء لأجل البر والنازل هو من يصعد فيه للتعبد زمنًا ثم ينزل وثور معطوف على رب الناس مُقْسَم به.
(12)
البيت: الكعبة وقد يطلق ويراد به بلده كما في قوله تعالى: [هَدْياً بَالِغَ الكَعْبَةِ](المائدة: 95) فقوله: حق البيت يزيل هذا التجوز ويعين أن مراده الكعبة نفسها وقوى ذلك بقوله: من بطن مكة.
(13)
اكتنفوه: أحاطوا به والأصائل: جمع أصيلة لغة في الأصيل وهو ما بعد العصر إلى الغروب وجمع أصيل: آصال وفى قوله: الأسود زحاف يعيب مثله المولدون.
(14)
موطئ إبراهيم في الصخر: مكان معروف فيه أثر قدم تناقلت العرب أن إبراهيم وطئ هناك حافيًا فأثرت قدمه فيه، والناعل لابس النعل ورطبة: حال من الصخر ولا يريد أنها كانت رطبة بطبعها بل كرامة له.
(15)
أشواط بين المروتين هي مرات السعي بينهما واحدها: شوط وهو الجري إلى الغاية ويطلق لغة على الغاية والمراد بالمروتين الصفا والمروة على التغليب وهما عَلَمان بمكة يُسعى بينهما تنسكًا وقوله: إلى الصفا معناه منتهية هذه الأشواط إلى الصفا إذ به يختم السعي وتماثل: أصله تماثيل جمع تمثال فحذف الياء ليستقيم الوزن.
(16)
ليس فيه قول غريب.
(17)
الإشارة راجعة إلى ما عاذ به وهو رب الناس وتلك الأماكن المقدسة والأعمال الشريفة والعاملون: الناسكون وهم الحجاج فهو يقول: ليس بعد هذه الأشياء ما يعوذ ويلجأ إليه العائذ فهل يوجد معيذ عادل ومجير منصف يعيذني تعظيمًا لما عذت به؟ ! .
(18)
العِدى: بالكسر والضم اسم جمع للعدوّ وفي رواية الأعداء وهو بالمد جمع عدو وقُصر للوزن وفي (التاج) بالمد وحذف حرف العطف من ودوا والتُّرْك وكابُل (بضم الباء) صنفان من العجم كذا في الخزانة وفي القاموس: (وكابل كآمل من ثغور صخارستان) أقول: كابُل عاصمة أفغانستان وهي ليست ثغرًا والمراد بسد أبواب ترك وكابل بهم أن لا يقبلهم العجم إن قصدوا إليهم فضلاً عن العرب أو أن ينفوا إليها فلا يعودوا.
(19)
قوله: نترك مكة ونظعن جواب القسم بتقدير (لا) النافية أي لا نتركها ولا نظعن لكن أمركم بلابل ووساوس ورُوي (تلاتل) وهو جمع تلتلة بمعنى الاضطراب.
(20)
يقال: أبزى فلان بفلان إذا غلبه وقهره فقوله: نُبْزى محمدًا: بُني الفعل فيه للمفعول ونزعت الباء من لفظ محمد، والأصل نبزى بمحمد وهو جواب للقسم بتقدير النفي كالذي قبله قاله في الخزانة وذكر البيضاوي في تفسير:[تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُف](يوسف: 85) أن القسم إذا لم يكن معه علامة للإثبات كان على النفي واستشهد قبل ذلك على تقدير النفي في الآية بقوله:
فقلت يمين الله أبرح قاعدًا
…
ولو قطعوا رأسي إليك وأوصالي
ومعنى بيت أبي طالب: والله لا نغلب ونقهر بمحمد، والحال أننا لما نطاعن أمامه بالرماح ونناضل خصومه بالسهام.
(21)
نسلمه معطوف على نبزى أي: ولا نسلمه حتى نصرع حوله أي حتى نُطرح حوله مقتولين، والتصريع: الصَّرْع الشديد يقال: صرعه إذا ألقاه على الأرض، والذهول: النسيان العارض والحلائل: جمع حليلة وهن الأزواج.
(22)
الروايا: جمع راوية وهو ما يستقى عليه من بعير وغيره، وذات الصلاصل القرب فيها بقايا الماء واحدتها صُلصُلة: بضم الصادين وهى بقية الماء في الإداوة والقربة يعني وحتى ينهض قوم إليكم مثقلين بالحديد تسمع له قعقعة كصلصلة الماء في المزادات والقرب.
(23)
الضِّغْن بالكسر: الحقد والردع بالفتح: اللطخ والأثر من الدم وركب ردعه خرّ لوجهه على دمه، والأنكب: المائل إلى جهة، والمتحامل اسم فاعل من تحامل عليه: إذا ثقل عليه وجار يعني وحتى يخر الحقود على محمد مطعونًا يركب ردعه يفعل فعل الأنكب أي ذي النكب: وهو بالفتح داء يأخذ الإبل في مناكبها وتمشى منحرفة.
(24)
جدّ الأمر: اشتد وعظم والتبس الشيء بالشيء: اختلط به في ملابسته إياه والأماثل: الأشراف، يقسم أنه إن اشتد أمر قريش الذي رآه منها ولم ترجع عن غيها فإن أسيافهم ستخالط رقاب أشرافها.
(25)
الشهاب: شعلة النار والسَّميدَع بفتح السين والدال المهملتين: السيد الموطَّأ الأكناف: أي الممهد الجوانب التي تأوي إليها العفاة والقصاد، والحقيقة: ما يحق للرجل أن يحميه، والباسل: الشجاع الشديد يعني بصاحب الصفات النبي صلى الله عليه وسلم.
(26)
يحوط: يرعى ويحمي، الذِّمار: ما يُتذمر له إذا نِيل، ويقولون: حامي الذمار وحامي الحقيقة لمن يمنع حرمه وقومه وكل ما يجب عليه أن يحميه والذِّرِب بفتح فكسر: الفاحش البذيء اللسان وسكن الراء هنا للضرورة، والمواكل: من يكل أمره إلى غيره عجزًا: أي كيف يترك قوم كرام يعرفون قيم الرجال مثل هذا الفتى الكامل ولا يتفانون في نصره.
(27)
وأبيض معطوف على (سيدًا) في البيت قبله وفسروه هنا بالكريم ففي الخزانة قال السمين في عمدة الحفاظ: عبر عن الكرم بالبياض فيقال له: عندي يد بيضاء أي معروف وأورد هذا البيت والغمام: السحاب والثِّمال بالكسر: الغياث والملجأ يغيث قومه ويطعمهم عند الحاجة، والعصمة: ما يُعتصم به ويستمسك، والأرامل: جمع أرملة وهي من مات زوجها وهي فقيرة ويطلق على كل محتاجة لا تجد عائلاً وقال ابن السِّكِّيت: الأرامل المساكين رجالاً ونساءً، وقيل إطلاق الأرامل على الرجل غير قياسي وأصله من أرمل القوم: إذا نفد زادهم وانتفروا وهو مشتق من الرمل كأنه لم يعد له ملجأ سواه، كما يقال: ترب فلان وأترب إذا افتقر، وكما يقال: فقر مُدْقع من الدقْعاء وهي الأرض لا نبات فيها والتراب. حمل قوله يستسقَى الغمام بوجهه على الحقيقة، وقالوا: إنه لما تتابعت على قريش السنون استسقى عبد المطلب بالنبي صلى الله عليه وسلم وكان غلامًا فسُقوا رواه الطبراني وابن سعد ولولا الرواية لكان المتبادر أن الكلام كناية عن كونه صلى الله عليه وسلم مصدر الخير والبركة، وهذا المعنى شائع في الناس وكثيرًا ما سمعت العامة يقولون في ذي الوجه الحسن لا سيما إذا كان مهذبًا: إن رؤيته تكثر الرزق وفى ذي الوجه القبيح: إن رؤيته تقطع الرزق وربما قالوا وجهه فيهما.
(28)
الهُلَاّك بالتشديد: جمع هالك وهو المعوز، والصعلوك: السيئ الحال يطلب فضل ذوي المال والفواضل: النعم العظيمة تغدق على الناس واحدتها فاضلة.
(29)
عبد شمس شقيق جَدّ النبي صلى الله عليه وسلم، ويقال: إنهما ولدا توأمين وكان ولده أعداء بني هاشم في الجاهلية والإسلام ونوفل هو ابن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي قال في الخزانة: وكان من شياطين قريش قتله علي بن أبي طالب يوم بدر.
(30)
القسط: العدل، ويخسّ: ينقص، والعائل: المائل أي جزى الله آل عبد شمس ونوفلاً الذين يعادوننا ويؤذوننا بميزان العدل الذي لا ينقص حبة شعير، ووصف هذا الميزان بأنه يشهد لنفسه بالقسط أو أن القسط نفسه يشهد له وأن هذا الشاهد لا يميل ولا يجور وما طلب أبو طالب جزاء القسط لأعدائه إلا وهو يعلم أنهم ظالمون.
(31)
الصميم: الخالص من كل شيء، والذؤابة: الأشراف مستعارة من ذؤابة الشعر وهي الخصلة من شعر الرأس.
(32)
الغِبّ بالكسر: العاقبة أي خاب أملنا في هؤلاء فليس لنا فيهم غناء.
(33)
المعقة: العقوق،؛ وبراء بالكسر: جمع بريء ككريم وكرام وبالفتح مصدر يستوي فيه القليل والكثير، تقول: إنني براء من كذا وهم براء منه وبالضم مخفف من برآء ككرماء ووزنه فِعاء.
(34)
زهير هو ابن أبي أمية المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم وأمه عاتكة بنت عبد المطلب أخت أبي طالب والحسام: السيف الساطع، والحمائل: ما يحمل به السيف جمع حمالة وهي العِلاقة، وقيل: لا جمع له من لفظه والمفرد المجرد وقوله غير مكذوب حال ابن أخت القوم أي لا يكذب في صدقه وولائه وحسامًا منصوب على المدح.
(35)
الأشم: ذو الشمم والسيد الكريم ذو الأَنَفَة وكانوا يتمدحون بشمم الأنف وهو ارتفاع في قصبته مع استواء أعلاه، والبهاليل: جمع بُهلول بالضم: وهو السيد الجامع للخير والضحَّاك، وقال ابن عباد: هو الحَيِيّ الكريم، وحومة الشيء: معظمه وجُلّه.
(36)
كلفت بالتشديد والبناء للمفعول مبالغة كلفت بالشيء (كفرحت) : إذا أحببته وأولعت به وقوله: وجدًا معناه كلف وَجْد، وفسروا الوجد بالحزن وهو أعم؛ لأنه يشمل كل ما تجده في قلبك من التأثر الباطن ويفسر في كل مقام بما يناسبه ويعني بإخوة أحمد أولاده الذين ضمه إليهم بكفالته إياه وهم جعفر وعقيل وعلي عليهم الرضوان والسلام وقالوا: إن العم أب فأولاده إخوة وقوله: دأب المحب المواصل يعني به أنه دأب في ذلك أي جدّ فيه واستمر عليه كما يفعل المحب المواصل لرسوخه في الحب وتمكّنه في الوفاء.
(37)
ذبّ المشاكل: دفعها والمشكل: ما يلتبس وجه الصواب فيه أو طريق تلافيه.
(38)
قوله: أي مؤمل معناه: هو مؤمل عظيم فأي هذه هي الدالة على الكمال، والتفاضل: التغالب في الفضل وبه يظهر الأفضل.
(39)
الطيش: النّزَق والخفة وهو ضد الحِلْم، وموالاة الإله اتخاذه وليًّا ناصرًا.
(40)
قوله: حقه غير ناصل: معناه غير خارج من مقره ولا زائل ولا متغير يقال: نصلت اللحية من الخضاب: إذا زال وعادت بيضاء ويقال: سهم ناصل إذا خرج منه نصله أي حديدته.
(41)
السُّبة: بالضم العار الذي يُسب به صاحبه، وتجر من الجريرة وهى: الجريمة والجناية.
(42)
التهازل بمعنى الهزل فإن تفاعل قد يأتى بمعنى فعل كتوانيت بمعنى ونيت لكنه أبلغ من المجرد، كذا قال صاحب الخزانة، وأقول: إن التفاعل هنا على أصله فإنه يريد أنه لا يخاطب قريشًا بالهزل ليقابلوه بمثله أي ليس ممازحًا لهم ومتهازلاً معهم في قوله: وإنما يقول ذلك على سبيل الجد وهذا البيت هو جواب القسم في الذي قبله.
(43)
قوله يُعنى بالبناء للمفعول يقال: عُني به إذا اشتغل به مهتمًّا معتنيًا واستعمل قليلاً بالبناء للفاعل فقالوا عَنِيَ كرضي، والأباطل: جمع الباطل وأصلها الأباطيل.
(44)
نوّن أحمد لضرورة الشعر، والأرومة: بفتح فضم الأصل المتطاول في الأصل: هو الذي يتحدد ويطيل قامته لينظر إلى شيء بعيد أو مرتفع، واستُعمل بمعنى الترفع والتكبر وبمعنى الاعتداء؛ لأن المترفع والمعتدي على غيره يحاول أن يزيد في طَوْله (بالفتح) كما يحاول الذي يمد قامته وينصبها أن يزيد في في طُوله (بالضم) وسَوْرَة الشيء بالفتح: الزيادة فيه بحبسه فقالوا: سورة الخمر بمعنى حِّدتها وسورة المجد بمعنى ارتفاعه وأثره وعلامته وسورة السلطان بمعنى سطوته، والسورة بالضم: المنزلة والرفعة والشرف والفضل، وأصله ما طال وحسن من البناء وكل هذه المعاني للضبطين تظهر هنا، فالنبي صلى الله عليه وسلم هو الذي تقصر عن رفعة أرومته وشرف أصله ما للمترفعين والمعتدين من رفعة وشرف وسطوة وحِدّة.
(45)
حدبت بنفسي دونه: أي حنيت نفسي أمامه كالأحدب لأمنع عنه الأذى يقال حدب عليه وتحدب بمعنى عطف وتعطف وأصله ما ذكرنا والذرى: أعلى الشيء جمع ذروة، والكلاكل: الصدور، أي دافعت بأشرف الأشياء وأعظمها ولقد صدق أبو طالب في قوله وكان مؤمنًا بالله تعالى وبنبيه ولكنه لم يذعن له بالفعل ولم يلتزم شريعته بالعمل ولكن فضله في حماية الإسلام ومَن جاء به لا تدانيها خدمة أحد في ذلك الوقت وقت العجز والضعف فجزاه الله خير الجزاء.
الكاتب: محمد رشيد رضا
تقاريظ
(هدية الابن)
رسالة كتبها بشارة أفندي إلياس عيد الحاج بطرس التاجر السوري ببلدة
(إفارة) بالبرازيل وطبعها وجعلها هدية باسم والده المقيم في (بكفيا) بلبنان. وهي
تعريف ببلدة إفارة خاصة وببلاد البرازيل عامة وبحال المهاجرين السوريين في تلك
المملكة. ومن فوائد الرسالة أنه كان فيمن أرسلت حكومة البرتغال لاستعمار
البرازيل عيال كثيرة من بقايا السلالة العربية لكي تنظف بلادها من النسل العربي.
إذًا قد كان العرب من المستعمرين الأولين لهذا البلاد وجرى السوريون على آثارهم
فهم من خيرة المهاجرين إلى تلك البلاد.
***
(تربية النفس بالنفيس)
خطاب ألقاه الدكتور محمود بك لبيب محرم في نادي المدارس العليا بالقاهرة.
أما موضوع الخطاب فيعرف من عنوانه وأما أسلوبه فيمثل لك أسلوب بعض
المتصوفة الذين كتبوا الأجفار والمصنفات في علوم الأسرار في مزجهم اصطلاحات
العلوم الكونية بما يضعونه من الاصطلاحات الغيبية الملكوتية بل هو أغرب مفرداته
وجمله، ومثاله، ومثله وإليك مثالاً منه:
(إن الحقيقة فردية لا تتجزأ، وإن الكون جوهر لا يتداعم، هؤلاء لا
يفتشون عن بواطن الأشياء، ويكتفون بعلم ظواهرها العاملة، هؤلاء لا يعرفون
للكون في الكون إلا نقطا (ضبطت في الأصل كقفل) واحدًا فسمه المركز لأهل
الكرة الأرضية، ودعه مركز السماء لأهل السموات العلية، وأطلق عليه قلب الفلك
للسموات والأرضين السمية والدنية، وسمه الطبيعة إن كنت ممن يصيح بأن
(المادة لا تتجدد ولا تنعدم) وقل عنه الروح (بالفتح) إن سألك أحد طلبة (تناسخ
الأرواح) ! وصِفه بالجريثمة (الميكروب) إن تَجْهورت في نظرك الذرات؟
وعرفها بالتخلق إن درست علوم النشوء وتابعت (داروين) ، وسمها الصوت إن
كان لك ميل في تعرف النغمات الموسيقية وفنونها، ونادها صورًا متحركة وثابتة
إن كنت تهوى الأحسن والأجمل من الفنون والأفنان، وقُلْ عنها الروح إن سُئلت
من آل مذهب (تناسخ الأشباح) وصفها بالذرة إن كنت ممن يستعين على رؤية
دقائق الأشياء بالمناظر المُجَهْوَرة (الميكروسكوب) واصطلح عليها سياسة الاقتصاد
للجامعة الإنسانية إن وددت تسيير الأمم إلى طريق الهدى والسلام، وعمار الكون
بمن تَخَلّق ونشأ فيه، وألفتها (الكرية) إن درست معلومات هارفي ومن اتبعه،
واقرأها الحرف في كلم اللغويين. وسمها الصوت إن كان لك شوق إلى (سفينة
الشيخ شهاب) ، أو تحب استماع مناغات الطيور على أوكارها. أو تميل إلى تفنن
الضاربين على الأوتار والمطربين بأصواتهم الرخيمة، وارسمها أشكالاً متحركة
وثابتة إن كانت جِبِلّتك تهوى الجميل من الفنون والأحسن من الأشكال والألوان
المصورة وغير المصورة. وسيرها سفينة تجري في الفلك بأمر مدير دفتها.
ومبخر مائها ومحرق قلبها إن تطلبت العلم ولو في الصين وأَجْرها سيارة بإرادة
قائدها وقوة جاذبيتها ورافقها إن كنت تبغي حرية الحركة والسكون المطلق فادعها
كما شئت بما شئت وفى أي مكان وزمان شئت. لا سماع بين التصويت والتسكيت لا
رؤية بين الظلمات والنور. لا نمو بين الجوع والشبع. لا انتقال بين الحركة
والسكون لا مفرق بين الأبيض والأسود لا تجزئة بين الكل والفرد. لا هيولة بين
الجوهر والعَرَض. لا شفاء بين العرض والمرض ولا تعليل بين البيت واللحد. ولا
روح بين القلب والجسد. ولا شك بين القاتم والعاتم. لا صوم بين الشك والرؤية.
لا دفء بين الماء والنار. ولا تيمم بين البطلان والرجحان) . اهـ المثال بنصه
وضبطه.
حَسْب القارئ هذا فقد ملّ أو كاد إذ لم يقرأ في حياته كلامًا كهذا الكلام ألفاظ
من اصطلاحات العلوم الطبيعية والدينية والصوفية والجغرافية تشبه خرزًا من أنواع
شتى وُضع في علبة وخضخض حتى اختلط بعضه ببعض ثم استخرج فنظم نظمًا
غير مألوف ولا معروف. فيا ليت شِعْري ماذا كان من أمر أعضاء النادي عندما
ألقاه عليهم الدكتور؟ ماذا فهموا منه؟ هل قابلوه بتصفيق الاستحسان، أم بصفير
الاستهجان؟ .
***
(الرزنامة التونسية لسنة 1324)
كتاب كبير يصدر في كل عام تزيد صفحاته على أربع مئة صفحة كبيرة فيها
من الفوائد الفلكية والتاريخية والأدبية والسياسية والإدارية والتجارية ما لا يستغني
عنه قراء العربية في تونس وغيرها ومؤلفها سيدي محمد بن الخوجة من أفضل
الكُتاب في تونس وأوسعهم علمًا واطلاعًا على الكتب العربية والإفرنجية ومن فوائد
القسم التاريخي في رزنامة هذا العام كلام مسهب لأحد علماء جامع الزيتونة الأعلام
في بيان اختلاق ما كان نُشر في جريدة اللواء المصرية منسوبًا إلى أمير المؤمنين
علي بن أبي طالب كرم الله وجهه وهو كتاب عهد كتبه للأرمن بزعمهم ولم أَرَ هذا
العهد إلا في الرزنامة ولم أسمع بذكره أيام نشرته جريدة اللواء ومنها تاريخ صيد
المرجان بمياه تونس وتاريخ شركات الأخبار التلغرافية وتاريخ خسائر الحرب بين
روسيا واليابان وتاريخ الحمامات المعدنية بتونس. ومن فوائد القسم الأدبي معجم
لأسماء الأعلام الإسرائيلية ومقابر الكلاب بباريس ومعدة التمساح. وأما القسم
السياسي فهو خاص بحكومة تونس والحماية الفرنسية فيها وكذلك القسم الإداري وفيها
كل ما تهم معرفته عن ذلك القطر. وفي هذا الجزء رسوم وصور كثيرة منها
رسوم بعض المعاهد الحجازية الشريفة وقبر حواء أم البشر وصورة للرئيس ابن سينا
مع ترجمته. وغير ذلك. وثمن النسخة من هذا الكتاب 15 فرنكًا وهو يطلب من
إدارة جريدة المنبر ومن محل الحشاب في القاهرة.
***
(طوالع الملوك)
(مجلة فلكية جغرافية برزخية علمية تصدر في كل شهر عربي مرة لمنشئها
السيد محمود العالم قيمة الاشتراك في مصر 50 قرشًا أميريًّا) وكنا كتبنا تقريظًا
مطولاً لهذه المجلة الغربية في هذا العصر، فضاق عنه الجزء الماضي ولما لم يرد
إلينا بعد الجزء الأول منها شيء وقد مضت أشهر اكتفينا بهذه الإشارة.
***
(المنهل الصافي)
مجلة علمية أدبية تهذيبية تصدر مرة في الشهر لصاحبها ومحررها محمد
أفندي نجيب الخازني وكنا كتبنا لها تقريظًا جمع ولم يُنشر ثم فُقد وهي لا تزال
تصدر بانتظام فنتمنى لها طول البقاء والرواج بالتوفيق للخدمة النافعة.
***
(المِنبر)
جريدة يومية أنشأها في القاهرة محمد أفندي مسعود وحافظ أفندي عوض
الغَنيَّان عن الوصف والتعريف لشهرتهما بتحريرهما في المؤيد السنين الطوال
وباشتغال الأول منهما بالصحافة مستقلاًّ (وتقويم المؤيد) وبهذا كانا جديرين بأن
تكون بدايتهما كنهاية غيرهما في هذا العمل الجليل وأن يكونا مستقلين خيرًا منهما
مقيدين برأي غيرهما ومما يقوي الرجاء في نجاح المنبر رغبة كثير من الكاتبين في
أن يكونوا من خطبائه. فنسأل الله تحقيق الأمل مع التوفيق لخير العمل.
***
(أبو الهول)
جريدة عربية أنشأها شكري أفندي الخوري في سان باولو (البرازيل) تصدر
كل 15 يومًا مرة. وشكري أفندي الخوري جدير بأن يفيد السوريين بجريدته
ويستفيد من إقبالهم حتى تكون أسبوعية فيومية؛ لأن أسلوبه الفكِه في الكتابة يشوق
القارئ لا سيما إذا كان سوريًّا فإنه يمزج الهزل بالجد فيجمع للقارئ بين اللذة
والفائدة وعنايته بالمسائل الصحية والأدبية أنفع للناس من عناية غيره بالمسائل
السياسية والمذهبية.
_________