المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فاتحة كتاب محاورات المصلح والمقلد - مجلة المنار - جـ ٩

[محمد رشيد رضا]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد رقم (9)

- ‌غرة المحرم - 1324ه

- ‌فاتحة السنة التاسعة

- ‌مباحث المنار الدينية ودعوته إلى الانتقاد عليه

- ‌مسائل الاختيار والعلة والحكمة والحسن والقبح

- ‌الأسئلة الجاوية في سماع آلات اللهو

- ‌الحق والباطل والقوة

- ‌ نقد شرح ديوان أبي تَمَّام

- ‌التقريظ

- ‌الأخبار والآراء

- ‌غرة صفر - 1324ه

- ‌مسألة القدر وفعل العبد بقدرته

- ‌الناسخ والمنسوخ

- ‌تطور الأمم وانتقالها من حال إلى حال

- ‌أسئلة من سنغافورهورأي عالم في المنار والمسلمين

- ‌تتمة أجوبة الأسئلة الجاوية في السماع

- ‌نقد شرح ديوان أبي تمام

- ‌سماع لبعض كبار التابعين من باب الأدبيات

- ‌الأخبار والآراء

- ‌سلطان الشياطين على عالم أزهريومخادعة دجال غوي

- ‌غرة ربيع الأول - 1324ه

- ‌العقل والقلب والدين

- ‌الإيمان يزيد وينقص

- ‌الأسئلة والأجوبة

- ‌وصف الأسد

- ‌نقد شرح ديوان أبي تمام

- ‌التقريظ

- ‌الأخبار والآراء

- ‌السلام على آل البيت

- ‌غرة ربيع الثاني - 1324ه

- ‌مقالتان للأستاذ الإمام [

- ‌الشيخ محمد عبده

- ‌فتاوى المنار

- ‌إصلاح التعليم والمدارس الإسلامية في روسيا

- ‌التقريظ

- ‌الأخبار والآراء

- ‌غرة جمادة الأول - 1324ه

- ‌حال المسلمين في العالمينودعوة العلماء إلى نصيحة الأمراء والسلاطين

- ‌دفاع الشيخ محمد بخيت عن رسالتيهوالرد عليه

- ‌الاختلاف في عد آي القرآن

- ‌اشتراط القبول في الوقف عقب الإيجابوعدم جواز بيعه

- ‌التقريظ

- ‌الأخبار والآراء

- ‌البرهان القويمفي الحاجة إلى عد آي القرآن الكريم

- ‌المدرسة المحمدية بقزان(روسيا)

- ‌غرة جمادىالآخر - 1324ه

- ‌سيرة السلف الصالحين في نصيحة السلاطين(1)

- ‌التعصب وأوربا والإسلام

- ‌الرد على الشيخ بخيت

- ‌رأي في اللغة العربية

- ‌حال المسلمين في تونس والإصلاح

- ‌حال المسلمين في حضرموت والإصلاح

- ‌رسائل سنغافوره

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌لامية أبي طالب في الشِّعْب

- ‌الأخبار والآراء

- ‌غرة رجب - 1324ه

- ‌المعارف في مصر قبل الثورة العُرابية

- ‌الإسلام هو القرآن وحده

- ‌الرد على الشيخ بخيت

- ‌رأي في اللغة العربيةوأغلاط الكُتَّاب

- ‌فتاوى المنار

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌التقريظ

- ‌الأخبار والآراء

- ‌غرة شعبان - 1324ه

- ‌خطأ العقلاء

- ‌الدين كل ما جاء به الرسول

- ‌تعليم الدين للأحداث

- ‌رأي واقتراح في مقالة التعصب

- ‌فتاوى المنار

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌آثار علمية أدبية

- ‌الأخبار والآراء

- ‌غرة رمضان - 1324ه

- ‌ماضي الأمة وحاضرها وعلاج عللها

- ‌الجامع الأزهرمشيخته وإدارته

- ‌الرد على الشيخ بخيت

- ‌أصول الإسلام

- ‌المكتوب العاشر - من أراسم إلى ولده

- ‌آثار علمية أدبية

- ‌غرة شوال - 1324ه

- ‌أدلة الشرعوتقديم المصلحة في المعاملات على النص

- ‌الدين والعقل

- ‌خاتمة كتاب أميل القرن التاسع عشر

- ‌الدعوة إلى المدرسة الجامعة

- ‌كيف يكون النقد

- ‌ديوان الرافعي

- ‌سقوط نابليون الثالث

- ‌الأخبار والآراء

- ‌غرة ذو القعدة - 1324ه

- ‌فاتحة كتاب محاورات المصلح والمقلد

- ‌الأمل وطلب المجد [*]

- ‌انحطاط المسلمين وسكونهم وسبب ذلك [*]

- ‌الرد على الشيخ بخيت

- ‌رسالة في تقاليد أهل الطرق

- ‌فتاوى المنار

- ‌تتمة نقد كتاب التعليم والإرشاد

- ‌عمر بن الخطابرضي الله تعالى عنه

- ‌آثار علمية أدبية

- ‌الأخبار والآراء

- ‌فصل المقال في توسّل الجهال

- ‌غرة ذو الحجة - 1324ه

- ‌لائحة التعليم الديني للمملكة العثمانية

- ‌الأمة وسُلطة الحاكم المستبد [

- ‌الإسلام هو القرآن وحده

- ‌رسالة من طهران بحروفها

- ‌خطبة الدكتور ضياء الدين أحمد

- ‌آثار علمية أدبية

- ‌التقريظ

- ‌الأخبار والآراء

- ‌خاتمة السنة التاسعة

الفصل: ‌فاتحة كتاب محاورات المصلح والمقلد

الكاتب: محمد رشيد رضا

‌فاتحة كتاب محاورات المصلح والمقلد

بسم الله الرحمن الرحيم

] فَبِشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ القَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ

وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الأَلْبَابِ [[1] .

اللهم اجعلنا من عبادك الهادين المهديين، واجعلنا من الأئمة الوارثين، الذين

أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين، وصل وسلم اللهم على سيدنا

محمد وآله وصحبه والتابعين، ومن تبعهم بهديهم إلى يوم الدين، وبعد:

فإن الله تعالى جلَّت حكمته، وعلت كلمته، ووسعت كل شيء رحمته - قد

أرسل الرسل وأنزل الكتب لهداية الناس وإصلاح شأنهم في معاشهم، وإعدادهم

للسعادة في معادهم، وقد مضت سُنته في البشر أن يرتقي نوعهم بالتدريج كما

يرتقي أفرادهم من طفولية إلى تمييز إلى رشد وعقل. لذلك جعل خطاب الرسل لهم

في كل طور على حسب استعدادهم فخاطبهم طورًا بما يناسب مدركات الحس

وطورًا بما يناسب وجدان النفس، وحملهم أولاً على الطاعة بالقهر والإلزام وجذبهم

إليها ثانيًا بالإقناع، وضرب الأمثال، حتى إذا ما ارتقت عقولهم بتقلب الزمان

واستعدوا لتحكيم العقل في مدركات الحس والوجدان، بعث فيهم خاتم النبيين

والمرسلين، الذي جعل الفكر والنظر أساس الدين، نبي جاء بالبينات والهدى

وكتاب نهى عن التقليد واتباع الهوى، وعظّم شأن العقل وجعله هو المخاطَب بفهم

النقل، فامتاز دينه على سائر الأديان بأنه دين الحجة والبرهان الناعي على متبعي

الأوهام والظنون، بأنهم لا يعقلون شيئًا ولا يهتدون، بل وصفهم بمثل قوله: {صُمٌّ

بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ} (البقرة: 18)، وقوله:{إِنْ هُمْ إِلَاّ كَالأَنْعَامِ} (الفرقان: 44){بَلْ هُمْ أضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الغَافِلُونَ} (الأعراف: 179) .

كتاب احتج على صحة العقائد بآيات الله في الأنفس والآفاق، وبيّن فوائد ما

دعا إليه من العبادة ومكارم الأخلاق، وأشار إلى مصالح الناس فيما شرعه من

الأحكام والسنن، ونبه على مفاسد ما حرمه عليهم من المنكرات والفواحش ما ظهر

منها وما بطن، فهدى الناس بذلك وبدعوتهم إلى أن يكونوا على بصيرة في دينهم

وعلى بينة منه، وبجعله دين الفطرة وبنفي الحرج والإعنات عنهم فيه، وبجعله

يسرًا لا عسرًا، وبالاكتفاء منهم بما يستطيعون منه وبتقرير غناه سبحانه عن

العالمين، هداهم بذلك كله إلى أنه ينبغي لهم، بل يجب عليهم أن يفقهوا حكمة

جميع ما خوطبوا به ووجه كونه مصلحة لهم ووسيلة لسعادتهم وتركه مدرجة

لفسادهم وشِقوتهم: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} (يوسف: 108) ووصف من اتبعه بقوله: {وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ

يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًًا وَعُمْيَانًا} (الفرقان: 73) .

إن دينًا هذا شأنه يعلو عن أن يكون مهبًّا للأهواء، أو مثارًا لاختلاف الآراء،

أو مجالاً لتحزب العلماء، أو آلة لسلطان الرؤساء، فهو الحنيفية السمحة ليلها

كنهارها كما ورد عمن جاء به صلى الله عليه وسلم {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا

فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (الأنعام: 153)، ثم قال في هذه السورة: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا

لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} (الأنعام:

159) وقال في سورة آل عمران: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} (آل عمران: 103)

الآية ثم قال بعد آية أخرى منها: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ

تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ البَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (آل عمران:

105) ، وقال عز وجل: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَتِي فَطَرَ النَّاسَ

عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ * مُنِيبِينَ إِلَيْهِ

وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ المُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُم وَكَانُوا

شِيَعًا كُلُّّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} (الروم: 30-32) ، وثَمَّ آيات أخرى في

التنفير عن التفرق والخلاف.

ماذا كان من أمر الذين ينتسبون إلى هذا الدين؟ هل ظلوا على البصيرة في

دينهم أم تركوها إلى التقليد واتباع الآراء وخروا عليها صمًّا وعميانًا؟ هل استقاموا

على الصراط المستقيم سبيل الله أم اتبعوا السبل الكثيرة فتفرقت بهم عن سبيله؟

هل ظلوا أمة واحدة محافظة على أخوة الدين أم فرقوا دينهم وصاروا شيعًا كل شيعة

تعادي الأخرى لمخالفتها إياها في المذهب، ومباينتها فيما أحدثت من المشرب؟

إذا كان الخلاف طبيعيًّا في البشر، وكان أقوى سائق لهلاك الأمم إذا تمادت

شيع الأمة فيه ولم تعالجه بعلاجه، فلماذا لا يرجع المسلمون في كل خلاف يقع إلى

علاجه الذي بيَّنه الله تعالى في قوله: {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ

وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} (النساء: 59)

تمزق شمل المسلمين بتنازعهم السياسي الذي تبعه التنازع الديني فتفرقوا شيعًا

كل شيعة تنتحل مذهبًا تتخذه حجة لنفسها على سائر المسلمين، فكان ذلك حجابًا

دون رد ما تنازعوا فيه إلى الله ورسوله بتحكيم الكتاب والسنة فيه؛ إذ جعلوا

مذاهبهم أصولاً يُرجِعون إليها آيات الكتاب وأخبار السنة بالتأويل وغير التأويل

(كدعوى النسخ) فعلوا ذلك لتقوية السياسة بالدين، فأضاعوا السياسة والدين،

وردوا الأمة أسفل سافلين، فخسروا الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين.

أما خسرانهم للدنيا بسوء السياسة فبما أضاعوا من سيادتهم وسلطانهم، فإن

معظم شعوبهم وبلادهم قد استولى عليها الأجانب، وما بقي منها في أيديهم قد

أوغلت السلطة الأجنبية في أحشائه، وهي تهدده بسلب دمائه، وأما خسرانهم

الآخرة فبما ابتدع جماهيرهم في الدين، واتبعوا غير سبيل المؤمنين الأولين، وهي

سبيل الله التي من اتبعها كان على بصيرة من الله وبرهان، وما هي إلا هداية هذا

القرآن، الذي وصفهم بما لا ينطبق على جماهير المتأخرين المختلفين، ووعدهم

فآتاهم بطاعتهم ما سلبه من الخالفين المخالفين.

اقرأ في التاريخ حوادث الفتن بين أهل السنة والشيعة والخوارج، بل بين

المنتسبين إلى السُّنَّة بعضهم مع بعض، بين الأشاعرة والحنابلة، بين الحنفية

والشافعية، بين الشافعية والحنبلية

إنك إن تقرأ تجد الجواب عما سألتك عنه، ومن أغرب ما تجد أن العدوان

بين الشافعية والحنفية كان من أسباب حملة التتار على المسلمين وحمْلهم على تدمير

بلادهم، تلك الحملة التي كانت أول صدمة صدعت بناء قوة المسلمين صدعًا لم

يلتئم من بعده ويعُد كما كان، تلك الحملة التي يتأول بها بعض الناس خروج يأجوج

ومأجوج ويقول إنهم هم التتار.

ما لك ولمعرفة حال تفرق المسلمين من كتب التاريخ أو من كتب المذاهب،

أدرْ طرفك في بلادهم اليوم وانظر حال أهل هذه المذاهب على ضعف الدين في

نفوس الجماهير تجد بأسهم بينهم شديدًا، تحسبهم جميعًا وقلوبهم شتى، كما قال الله

تعالى في وصف من لا إيمان لهم ولا أيمان - إلا من حفظ الله من أفراد متفرقين

يتحملون الأذى في سبيل جمع الكلمة وإزالة الخلاف وإعادة الأخوة الدينية إلى ما

كانت عليه في أول نشأة الدين أو إلى قريب من ذلك. بل تجد الحنفي في كثير من

البلاد لا يصلي مع الشافعي، بل تجد من أسباب الخلاف والعداء الشديد كون

بعضهم يجهر بـ (آمين) وراء الإمام، وبعضهم لا يجهر بها أو لا يقولها،

وكون بعضهم يرفع أصبعه عند الاستثناء في شهادة التوحيد وبعضهم لا يرفعه. مثل

هذا الخلاف مما يُجعل في بعض بلاد الهند فارقًا بين الحق والباطل وبين الهدى

والضلال، ولا غرو فهم عيال على الكتب التي تبحث في كفر مَن قال: أنا

مؤمن إن شاء الله. كالسلفية والأشاعرة وتقول: يجوز نكاح بنت الشافعي قياسًا

على الذمية! {أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا القَوْلَ أَمْ جَاءَهُم مَّا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الأَوَّلِينَ} (المؤمنون: 68) ألم يعدهم الله بأن يستخلفهم في الأرض كما استخلف الذين من

قبلهم، وأن يُمكن لهم دينهم الذي ارتضى لهم، وأن يبدل خوفهم بالأمن، وأن

لا يجعل للكافرين عليهم سبيلاً؟ بلى، ولن يخلف الله وعده وإنما هم المخلفون

{وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ} (هود: 117) .

نعم إنه لم يزل ولا يزال في هذه الأمة قوم ظاهرون على الحق كما ورد

الوعد في الحديث، ولكن هؤلاء لقِلَّتهم أمسوا غرباء كما جاء في حديث آخر، وأي

غربة أشد من غربة من يوصفون بالكفر والزندقة؛ لأنهم يقولون بوجوب اهتداء

المسلمين بكتاب ربهم وسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم؟ ! ألم يكن في بني

إسرائيل أمة يهدون بالحق وبه يعدلون؛ إذ وصفهم بما وصفهم به من الإعراض

عن كتابهم وتحريفه وإذ أحل بهم ما أحل من عذاب السبي والإذلال، وإزالة

الاستقلال؟ بلى ولكن كان هؤلاء المحقون قليلين، فليس لهم أمر يُطاع، ولا هدْي

يُتبع، فلا أثر لهم في الأمة، فكأنهم ليسوا منها.

أتى على الأمة الإسلامية حين من الدهر لم ينبغ فيها عالم إلا وكان في طور

كماله أو خاتمة أعماله يأمرها بالاهتداء بالقرآن واتباع سيرة السلف الصالح،

وناهيك بالإمامين الجليلين حجة الإسلام الغَزَّالي وشيخ الإسلام ابن تيمية ومن كان

على شاكلتهما، ولكن السلطان كان مؤيدًا لعلماء الرسوم وأهل التقليد؛ لأنهم آلة

السياسة، وأعوان الرياسة فكان صوت المصلحين بينهم خافتًا، ومقامهم خافيًا،

حتى إذا اشتهر لهم كتاب أُحرق، كما أحرق كتاب إحياء علوم الدين، أو رفع

شجاع صوته بالدعوة ألقي في غيابة السجن كما فعلوا بشيخ الإسلام تقي الدين.

ثم اشتد ضغط السياسة في هذا القرن على أهل العلم والدين في كل بلاد

يحكمها المسلمون، فاستيقظ لشدة وطأتها أهل الاستعداد منهم وشعروا بشدة الحاجة

إلى الإصلاح قبل أن تجهز على الأمة السياسة الفاسدة، وطفقوا يتنسمون ريح

الحرية فوجدوها في مثل مصر والهند فأنشأوا يدعون إلى الإصلاح، والموفَّق -

إن شاء الله تعالى - من بدأ بالدعوة إلى الإصلاح الديني؛ إذ عليه يتوقف كل

إصلاح، وهو مفتاح النجاح والفلاح.

لا إصلاح إلا بدعوة، ولا دعوة إلا بحجة، ولا حجة مع بقاء التقليد،

فإغلاق باب التقليد الأعمى وفتح باب النظر والاستدلال هو مبدأ كل إصلاح، وقد

كتبنا في مجلة (المنار) التي أنشأناها في مصر في أواخر سنة 1315 مقالات

كثيرة في بيان بطلان التقليد، منها ما هو من إنشائنا ومنها ما نقلناه عن الإمام

العلامة ابن قيم الجوزية، رحمه الله تعالى. من ذلك مقالات (محاورات

المصلح والمقلد) التي نشرناها في المجلد الثالث والمجلد الرابع من المجلة، وبينا

فيها طرق الاستدلال الصحيح، وبطلان التقليد، ووجوب البصيرة في الدين،

واتباع سبيل السلف الصالحين، وطريق الوحدة الإسلامية في المسائل الدينية

والسياسية والقضائية.

كان لهذه المقالات أثر حسن في نفوس أهل البصيرة والفهم حتى كان بعض

أساتذة المدارس يقرأ المقالة منها ست مرات، وقد اقترح علينا غير واحد من محبي

العلم والدين أن نطبع هذه المحاورات في كتاب مستقل، فأجبنا طلبهم وأضفنا إلى

المحاورات أسئلة في موضوعها وردت علينا من باريس مع أجوبة المنار عليها

زيادة في الفائدة فنسأل الله تعالى أن يجعلها خدمة نافعة للمستعدين، وعملاً خالصًا

لوجهه الكريم.

...

...

...

محمد رشيد رضا الحُسيني

_________

(1)

(الزمر: 17-18) .

ص: 817

الكاتب: أبو بكر خوقير الكتبي

‌فصل المقال في توسّل الجهال

ألَّف الشيخ أبو بكر خوقير الكتبي أحد علماء مكة المكرمة كتابًا جديدًا سمَّاه (فصل المقال وإرشاد الضال في توسل الجهال) واسمه يدل على مسمّاه،

وقد أحسن فيه ونصر السنة وخذل البدعة، وقد طبع في هذه الأيام بمطبعة المنار على حساب الحاج عبد القادر التلمساني الفاضل السلفي، وإننا نورد خاتمته على

سبيل النموذج، وهي:

(ولنختم هذه العجالة بكلام صديقنا العلامة الشيخ محمد طيب المكي في

رسالته في التوحيد، فإنه خلاصة ما كتبناه فيها، قال - حرسه الله ووفقه -: الأمر

أنه ينبغي أن يعتقد أنه لا تصرف لغير الله سواء كان ذلك التصرف ابتداءً أو مترتبًا

على تصرف آخر كأن يخلق شيئًا ويخلق بذلك شيئًا آخر، وهذا هو القول بالأسباب

ولكن مع الاعتراف بأن الله قادر على خلقه مع قطع النظر عن السبب أخذًا بعموم

قوله تعالى: {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ} (النحل: 40)

الآية، وأيضًا فقد

نفى الله معاونة غيره له، حيث قال: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ لَا

يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلَا فِي الأَرْضِ} (سبأ: 22) لا هبة كما

تزعمه كفار قريش حيث يقولون: لا شريك لك إلا شريكًا هو لك تملكه وما ملك!

ولا كما تزعمه المعتزلة من أن العبد أُعطي قدرة يخلق بها أفعاله، ولا كما تزعمه

غلاة المنهمكين في الأولياء من أن لهم التصرف، وأن الله أعطاهم تصرفًا في العالم

وأنهم يولون ويعزون ويذلون.. ولا أصالة ولا قائل به، {وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ} (سبأ: 22) بخلق شيء من أجزاء العالم. وفيه رد أيضًا على المعتزلة؛ إذ العبد

لو خلق فعله لكان له في العالم شرك في الجملة {.. وَمَا لَهُ مِنْهُم مِّن ظَهِيرٍ} (سبأ: 22) رد على الفلاسفة القائلين بتوسط العقول وعلى كل من يرى مثل ذلك

الرأي {وَلَا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلَاّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} (سبأ: 23) رد على الذين

يقولون ما نعبدهم إلا ليقربونا عنده زلفى، وعلى القائلين إن الصالحين الذين

نذهب إلى قبورهم ونستجير بهم ونستغيث - وإن لم يكونوا ملاكًا ولا ظهراء

ولا شركاء - فهم أصحاب رتب ومقامات عند الله فهم شفعاء فقال: {وَلَا تَنفَعُ

الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلَاّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} (سبأ: 23) ، فكيف لنا معرفة من أذن له؟ فإن نهاية

ما ثبت من ذلك شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم، والأنبياء والملائكة والصالحين

يوم القيامة بعد الإذن، وبعد أقوال الأنبياء: نفسي نفسي ما عدا النبي صلى الله

عليه وسلم، ولم يثبت أنهم يشفعون في كل منهم، بل الخلاف واقع في سماعهم

النداء وعدمه ، وأيضًا من أخبرنا بأنهم أحباب الله على أن الاستشفاع ليس ممن

تشافهه ويجيبك بأني أشفع لك، ومع ذلك لو قال: أشفع، لا ندري هل تقبل

شفاعته أم لا؟ والدعاء مقبول قطعًا إما في الدنيا أو تعوض عنه في الآخرة. على

أنه من القواعد الشرعية أن من أطاع شيئًا أو عظّمه بغير أمر الله ذمَّه الله وغضب

عليه كما سنقرره، وأيضًا من التوحيد الذي يحتاج فيه إلى الرسل تخصيصه بالعبادة

والدعاء قال الله تعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا} (النساء: 36) ،

{أَمَرَ أَلَاّ تَعْبُدُوا إِلَاّ إِيَّاهُ} (يوسف: 40) ، {قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ

أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَوَاتِ ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِّن قَبْلِ

هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ} (الأحقاف: 4)، {فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} (الجن:

18) ، {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ} (الأعراف: 194) ،

وعن ابن عباس- رضي الله عنه قال: كنت خلف النبي صلى الله عليه

وسلم يومًا فقال: ياغلام، احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك إذا سألت

فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله. رواه الترمذي وقال: حسن صحيح،

ورواه الحافظ ابن كثير بأطول من ذلك، فمن دعا غير الله مستعينًا به أو طالبًا منه

كمن قال: يا شيخ فلان أغثني، على سبيل الاستمداد منه - فقد دعا غير الله وهذا

الدعاء منع عنه الشارع؛ إذ لا يُستعان إلا بالله {إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (الفاتحة: 5) .

واعلم أن مَن أطاع مَن لم يأمر الله بطاعته أو من أمر بطاعته من وجه دون

وجه فأطاعه مطلقًا، فإن الله سمَّى ذلك المطيع عابدًا لذلك المطاع ومتخذه ربًّا، قال

الله تعالى: {لَاّ تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ} (يس: 60){يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ} (مريم: 44)، {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا} (التوبة: 31) ، {أَرَأَيْتَ

مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} (الفرقان: 43) ، فإذن ليس لأحد أن يعبد غير الله ولا أن

يدعوه، وليس العبادة إلا نهاية الخضوع، والدعاء مخ العبادة، وأما من قال:

أتوسل، أو: بحق. فالعلماء منهم من يحرم ذلك مطلقًا ومنهم من يجعله مكروهًا كما

نص عليه في الهداية، ومنهم من يجيز التوسل بالأحياء دون الأموات كما فعله

عمر رضى الله عنه، ومنهم من يخصه بالنبي صلي الله عليه وسلم، ومنهم من

يجيزه، وعلى كلٍ فهو لم يطلبه الشارع منا وقد وقع فيه شبهة فتركه أولى من هذه

الحيثية وسدًّا للذرائع؛ لأن الجهلة لا يفرقون بين التوسل والاستشفاع والطلب من

المتوسل به مع أن الاستشفاع لا يكون إلا في يوم مخصوص، والطلب من غير الله لا

يجوز، ولو تأملت الأدلة الواردة بالتجويز مع ضعفها فإنها لا تفيد إلا جوازه بالنبي

صلى الله عليه وسلم، فهو الوسيلة المقطوع بقربه من الله تعالى وأما غيره فما يدرينا

به، ومن العجب أن يترك التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم ويتوسل بغيره. جعلنا

الله وإياكم من المتبعين لا من المبتدعين) انتهى.

وله رسالة مطبوعة في الهند في قول العامة: يا شيخ عبد القادر شيء لله،

ولكثير من علماء بغداد ومصر والشام واليمن والهند أبحاث شريفة في هذا المقام

لا نقدر علي إيرادها في هذه العجالة، أما أهل نجد فلهم في ذلك المؤلفات الكثيرة

وهم أول من نبَّه الناس لذلك في القرن الماضي، ولقد قال بعض السادة من أهل

حضرموت: لو لم يقيِّض الله أولئك القوم لتلك النهضة لعكف الناس على القبور

كافة ولم يحصل من العلماء إنكار ولا أخذ ورد ولم تتحرك لذلك الأفكار، وأما ما

دار بينهم وبين الناس من القتال فقد كان سببه مَن منعهم الحج وتحرش بهم ووصل

إلى ديارهم فجرَّأهم حتى حصل ما حصل فلا حول ولا قوة إلا بالله. ومن نظر في

كتبهم عرف ما يفتريه الناس في حقهم، وأن مرجعهم في الأحكام والاعتقاد إلى

كتب السنة والتفسير ومذهب الإمام أحمد وطريقة الشيخين ابن تيمية وتلميذه ابن

القيم، فلهما الفضل على جميع الناس في هذا الباب كما يعترف بذلك أولو الألباب

وهذه كتبهما قد نشرها الطبع، فنطقت بالحق وقبلها الطبع، فمَن أراد الاحتياط

ورام التحري والوقوف على الحقيقة فلينظر فيها وفي كلام من انتقد عليهما من

المعاصرين لهما وليحاكم بينهم بما وصل إليه من الدليل المحسوس والبرهان، وما

صدقه الضمير والوجدان، فإن الزمان قد ارتقى بالإنسان كما يقتضيه الرقي

الطبيعي فمزق عنه حجب الاستبداد، وفك عنه قيود الاستعباد، ورجع به إلى

الحكم بما في الصدر الأول والطبع العربي، ولقد تنازل في المحاكمة من يحاكم بين

غير الأقران والمعاصرين في الزمان، قال العلامة ابن القيم رحمه الله في أعلام

الموقعين: (فإذا ظفرت برجل واحد من أولي العلم طالب للدليل محكّم له متبع

للحق حيث كان وأين كان ومع مَن كان - زالت الوحشة وحصلت الألفة ولو خالفك

فإنه يخالفك ويعذرك، والجاهل الظالم يخالفك بلا حجة ويكفّرك أو يبدعك بلا حجة

وذنبك رغبتك عن طريقته الوخيمة وسيرته الذميمة، فلا تغتر بكثرة هذا الضرب فإن

الآلاف المؤلفة منهم لا يعدلون بشخص واحد من أهل العلم، والواحد من أهل العلم

يعدل بملء الأرض منهم.

واعلم أن الإجماع والحجة والسواد الأعظم هو العالم صاحب الحق وإن كان

وحده، وإن خالفه أهل الأرض، قال عمرو بن ميمون الأودي: صحبت معاذًا

باليمن فما فارقته حتى واريته في التراب بالشام، ثم صحبت بعده أفقه الناس عبد

الله بن مسعود فسمعته يقول: عليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة، ثم سمعته

يومًا من الأيام وهو يقول: سيلي عليكم ولاة يؤخرون الصلاة عن مواقيتها فصلّوا

الصلاة لميقاتها فهي الفريضة وصلوا معهم فإنها لكم نافلة، قال قلت: أصحاب

محمد ما أدري ما تحدثونه؟ قال: وما ذاك؟ قلت: تأمرني بالجماعة وتحضني عليها

ثم تقول لي: صل الصلاة وحدك وهي الفريضة، وصل مع الجماعة وهي نافلة.

قال: يا عمرو بن ميمون قد كنت أظنك من أفقه أهل هذه القرية، تدري ما

الجماعة؟ قلت: لا، قال: إن جمهور الجماعة هم الذين فارقوا الجماعة، الجماعة

ما وافق الحق وإن كنت وحدك، وفي لفظ آخر: فضرب على فخذي وقال: ويحك،

إن جمهور الناس فارقوا الجماعة، وإن الجماعة ما وافق طاعة الله تعالى، وقال

نعيم بن حماد: إذا فسدت الجماعة فعليك بما كانت عليه الجماعة قبل أن يفسدوا

وإن كنت وحدك فإنك أنت الجماعة حينئذ، ذكرهما البيهقي وغيره، وقال بعض

أئمة الحديث: وقد ذكر له السواد الأعظم فقال: أتدري من السواد الأعظم؟ هو محمد

ابن أسلم الطوسي وأصحابه، فمسخ المتخلفون الدين وجعلوا السواد الأعظم والحجة

والجماعة هم الجمهور وجعلوهم عيارًا على السنة وجعلوا السنة بدعة والمعروف

منكرًا لقلة أهله وتفردهم في الأعصار والأمصار وقالوا: من شذ شذ الله به في النار

وما عرف المتخلفون أن الشاذ ما خالف الحق وإن كان عليه الناس كلهم إلا واحدًا

منهم فهم الشاذون، وقد شذ الناس كلهم زمن أحمد بن حنبل إلا نفرًا يسيرًا فكانوا هم

الجماعة وكانت القضاة حينئذ والمفتون والخليفة وأتباعه كلهم على الباطل وأحمد

وحده على الحق فلم يتسع علمه لذلك فأخذه بالسياط والعقوبة بعد الحبس الطويل،

فلا إله إلا الله ما أشبه الليلة بالبارحة وهي السبيل المهيع لأهل السنة والجماعة حتي

يلقوا ربهم، مضى عليها سلفهم وينتظرها خلفهم منن المؤمنين {رِجَالٌ صَدَقُوا مَا

عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً} (الأحزاب: 23) انتهى.

ومثل ذلك في كتب الشافعية منهم أبو شامة قال في كتاب البدع والحوادث:

وحيث جاء الأمر بلزوم الجماعة فالمراد به لزوم الحق واتباعه وإن كان المتمسك

بالحق قليلاً والمخالف كثيرًا لأن الحق الذي كانت عليه الجماعة الأولى من عهد

النبي صلى الله عليه وسلم. ثم نقل عن عمرو بن ميمون عن البيهقي في كتاب

المدخل. ومنهم الشعراني قال في كتاب الميزان: قال سفيان الثوري: المراد

بالسواد الأعظم هو مَن كان من أهل السنة والجماعة ولو واحدًا، وفي رواية عنه:

لو أن فقيهًا واحدًا على رأس الجبل لكان هو الجماعة اهـ.

وحسبنا قوله تعالى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً} (النحل: 120) أي قام بما

قامت به الأمة، وكان ابن مسعود رضي الله عنه يقول: إن معاذًا كان أمة قانتًا لله

حنيفًا ولم يكُ من المشركين تشبيهًا له بإبراهيم، كما قال الشاعر:

ليس على الله بمستنكر

أن يجمع العالم في واحد

فليجتهد طالب الحق أن يعتصم في كل باب من أبواب العلم بأصل مأثور عن

النبي صلى الله عليه وسلم، وإذا اشتبه عليه مما قد اختلف فيه الناس فليدعُ بما

رواه مسلم في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه

وسلم كان يقول إذا قام يصلي من الليل: (اللهم ربَّ جبريل وميكائيل وإسرافيل

فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه

يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط

مستقيم) اهـ.

_________

ص: 824