الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
الصيام
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أفضل المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:
صيام رمضان هو أحد أركان الإسلام، وهو الركن الرابع من أركان الإسلام، وفرض صيامه في السنة الثانية من الهجرة، وكان أول ما فرض على التخيير، يخير الإنسان فيه بين أن يصوم أو يفدي، أي يطعم عن كل يوم مسكيناً، ثم تعين الصيام ولم يرخص لأحد في تركه إلا من عذره الله عز وجل، فيكون للصوم مرحلتان:
* المرحلة الأولى: التخيير بين الصيام والفدية.
* المرحلة الثانية: تعيين الصيام.
ثم إن الصيام ليس خاصًّا بهذه الأمة، بل هو عام لها
ولغيرها، كما قال تعالى:{ياأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} . وفي قوله: {كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} فائدتان:
الفائدة الأولى: تسلية هذه الأمة، حيث لم يكلفهم الله عز وجل هذا الصيام إلا لأن غيرهم كلفوا به.
الفائدة الثانية: بيان فضل هذه الأمة، حيث استكملت من الفضائل ما كمُل لغيرها.
ثم اعلم أن الصيام كف الإنسان عن المحبوب، والزكاة بذل الإنسان للمحبوب، والصلاة والحج تكليف بدني وعمل وجهد بدني.
فاستكملت هذه الأركان الخمسة جميع أنواع التكليف:
جهد بدني. وبذل للمحبوب. وكف عن المحبوب.
والحكمة من الصيام ليس أن يمنع الإنسان نفسه عن الطعام والشراب والنكاح، ولكن الحكمة منه ما أشار إلله إليه في قوله:{لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} وما أشار النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: «من لم يدع قول الزور، والعمل به، والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه» . فمن لم يصنه صومه عن محارم الله فإن صومه ناقص، وقد فاته الحكمة منه.
قال: «من لم يدع قول الزور» فما هو قول الزور؟
كل قول محرم. «والعمل به» أي: بالزور يعني كل فعل محرم. والجهل يعني العدوان على الناس وعدم الحلم، كما قال الشاعر:
ألا لا يجهلن أحدٌ علينا فنجهل فوق جهل الجاهلينا ثم اعلم أن صيام رمضان إنما يجب على الإنسان بشروط ستة:
1 الإسلام. 2 العقل. 3 البلوغ. 4 القدرة. 5 الإقامة.
6 الخلو من الموانع.
أولاً: الإسلام وضده الكفر: فإذا كان الإنسان كافراً فلا يلزمه الصوم بمعنى أننا لا نلزمه أن يصوم، لأنه ليس أهلاً للعبادات، فلو صام لم يقبل منه صومه، قال تعالى:{وَقَدِمْنَآ إِلَى مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَآءً مَّنثُوراً} . وقال تعالى: {وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاّ" أَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصلاةَ إِلَاّ وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنفِقُونَ إِلَاّ وَهُمْ كَارِهُونَ} الآية.
ومن ذلك إذا كان الرجل لا يصلي فإن صومه لا يصح، وهو غير مقبول منه، لأن من لا يصلي كافر، والكافر لا يقبل الله منه العبادة.
ثانياً: العقل: وضده الجنون، فالمجنون لا يجب عليه الصوم، لأن من شرط صحة الصوم النية، والمجنون ليس أهلاً للنية، لأنه لا يعقل، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصغير حتى يبلغ، وعن المجنون حتى يفيق» .
ومما يلحق بالجنون فقد العقل لكبر، فإن الإنسان إذا كبر ربما يفقد عقله حتى لا يميز بين الليل والنهار، والقريب والبعيد،
ويكون أدنى حالاً من الصبي، فإذا وصل الإنسان إلى هذه الحال فإنه لا يلزمه الصوم كما لا تلزمه الصلاة والطهارة.
الثالث: البلوغ: وضده الصغر: ويكون البلوغ بواحد من ثلاثة بالنسبة للذكر، وبواحد من أمور أربعة بالنسبة للأنثى:
الأول: تمام خمس عشرة سنة.
والثاني: إنبات شعر العانة.
والثالث: إنزال المني بشهوة باحتلام، أو يقظة.
فإذا وجد واحد من هذه الأمور الثلاثة صار الإنسان بالغاً، سواء كان ذكراً أم أنثى، وتزيد الأنثى أمراً رابعاً وهو الحيض، فإذا حاضت فهي بالغة حتى لو حاضت لعشر سنوات فإنها بالغة يلزمها الصوم.
وهنا أقف لأنبه على هذه المسألة التي تخفى على كثير من الناس. فإن بعض الناس إذا بلغت المرأة وهي صغيرة يظن أنها لا تلزمها العبادات، لأنها صغيرة السن، وهذا خطأ، فلو حاضت وعمرها عشر سنين لزمها ما يلزم المرأة التي لها ثلاثون سنة، وبعض النساء تبلغ وهي صغيرة وتخفي الأمر عن أهلها حياء أو خجلاً، وتدع الصوم، أو تصوم في أيام الحيض؟
فهذه المرأة يلزمها قضاء ما تركت من الصوم، وكذلك يلزمها إعادة ما صامته في أيام الحيض.
الرابع: القدرة: وضدها العجز، والعجز عن الصيام ينقسم إلى قسمين:
1 عجز طارىء يرجى زواله كالمرض العادي.
2 عجز دائم مستمر لا يرجى زواله: كالأمراض التي لا يرجى
زوالها كالسرطان، والكبر لأن الكبر لا يرجى زواله، هذا النوع من العجز لا يلزم العاجز فيه الصوم، لأنه غير قادر عليه، ولكن يطعم عن كل يوم مسكينا بعدد الأيام، فإذا كان الشهر تسعة وعشرين لزمه أن يطعم تسعة وعشرين مسكيناً، وإذا كان الشهر ثلاثين لزمه أن يطعم ثلاثين مسكيناً، وكيفية الإطعام على وجهين:
الوجه الأول: أن يدعو مساكين بعدد الأيام في آخر الشهر على الغداء إن كان بعد رمضان، أو على العشاء.
الوجه الثاني: أن يطعمهم حبًّا ولحماً يؤدم هذا الحب، ومقدار الحب الذي يجب أن يعطى كل مسكين ربع الصاع، لأن الصاع في عهد النبي صلى الله عليه وسلم أربعة أمداد. وقد حررت الصاع فبلغ «كيلوين وأربعين غراماً» . والصاع لأربعة سيكون مقدار إطعام كل مسكين «نصف كيلو وعشرة جرامات» وإذا زاد الإنسان احتياطاً فلا حرج عليه، لكن هذا هو المقدار الواجب.
أما النوع الثاني من العجز: فهو العجز الطارىء الذي يرجى زواله: كالمرض الطارىء كالزكام والحمى وما أشبهها، فالواجب على هذا المريض أن يقضي إذا أفطر ما أفطره، لقوله تعالى:{فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} فهذا المريض الذي يرجى زواله نقول له: أفطر إذا كان الصوم يشق عليك واقض ما أفطرت.
الخامس: أن يكون مقيماً: وضد المقيم المسافر فلا يلزمه الصوم للدليل السابق.
السادس: الخلو من الموانع: وهذا خاص بالأنثى بأن لا تكون حائضاً ولا نفساء، لأن الحيض والنفاس يمنع من صحة الصوم، قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحائض:«أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم» ، وأجمع المسلمون على أن الصوم لا يصح من الحائض ولا يلزمها، بل يحرم عليها وكذلك النفساء.
ووقت الصيام من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، أي من حين أن يتبين الفجر إلى غروب الشمس، لقوله تعالى:{فَالنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللهُ لَكُمْ وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذالِكَ يُبَيِّنُ اللهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} . ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: «كلوا واشربوا حتى تسمعوا أذان ابن أم مكتوم، فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر» ،ولقوله صلى الله عليه وسلم:«إذا أقبل الليل من هاهنا وأشار إلى المشرق وأدبر النهار من هاهنا وأشار إلى المغرب وغربت الشمس فقد أفطر الصائم» . ففي هذه الآية وهذين الحديثين تحديد لوقت الصيام، وأنه من طلوع الفجر إلى غروب الشمس.
والمفطرات هي: 1 الأكل. 2 الشرب. 3 الجماع.
ودليل هذه الثلاثة في قوله تعالى: {فَالنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللهُ لَكُمْ وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ
الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذالِكَ يُبَيِّنُ اللهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذالِكَ يُبَيِّنُ اللهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} .
والأكل والشرب لا فرق بين أن يكون المأكول نافعاً، أم غير نافع، حلالاً أم حراماً.
وعلى هذا فلو قدر أن رجلاً ابتلع خرزة عمداً فإنه يفطر، لأن هذا أكل، ولو أن أحداً شرب دخاناً فإنه يفطر لأن هذا شرب.
ولا فرق أيضاً أن يصل هذا الطعام عن طريق الفم، أو عن طريق الأنف، لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث لقيط بن صبرة رضي الله عنه:«بالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً» وهذا يدل على أن ما دخل من الأنف إلى الجوف كالذي دخل من الفم.
4 ما كان بمعنى الأكل والشرب.
مثل: الإبر المغذية التي يستغنى بها عن الأكل والشرب، فهذه مفطرة.
لكن قد يقول قائل: ما هو الدليل على أنها مفطرة، لأن كل إنسان يدعي أن هذا الشيء مفطر فإنه يلزم بالدليل، فإن أتى بدليل وإلا فقوله غير مقبول، لأن الأصل في العبادات الصحة حتى يقوم دليل على إفساده، وهذه قاعدة.
وأيضاً: كل ما ثبت بدليل فإنه لا يرتفع إلا بدليل، فقد ثبت هذا الصوم بمقتضى الدليل الشرعي، فلا يمكن أن يرتفع ويفسد إلا بدليل شرعي.
فبناءً على هذه القاعدة بل القاعدتين أين الدليل على أن الإبر التي يستغنى بها عن الأكل والشرب تكون مفطرة؟
ج: نقول: الدليل على ذلك أن الله تعالى قال في القرآن: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزْلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللهَ قَوِىٌّ عَزِيزٌ} . وقال تعالى: {اللهُ الَّذِى" أَنزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ} والميزان هو الذي توزن به الأشياء ويقارن بينها، ونحن إذا وازنا بين هذه الإبر التي يستغنى بها عن الأكل والشرب والأكل والشرب. تكون سواءً في الحكم.
فيكون القول بأنها مفطرة مبنيًّا على القياس، أي قياسها على الأكل والشرب.
فإن قال: هذا القياس غير تام، لأن بينها وبين الأكل والشرب فرقاً عظيماً. وهذا الفرق أن الأكل والشرب يحصل بهما من المنفعة أكثر مما يحصل بهذه الإبر المغذية.
ثانياً: أن الأكل والشرب يحصل به من التلذذ ما لا يحصل بهذه الإبر المغذية، ولهذا تجد الإنسان الذي يتغذى بهذه الإبر في أعظم ما يكون شوقاً إلى الأكل والشرب، أي ينتظر سماح الأطباء له بالأكل والشرب بفارغ الصبر. فما هو الجواب على هذه الشبهة؟
الجواب: أن قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث لقيط بن صبرة رضي الله عنه: «بالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً» يدل على أنه لا يشترط أن يتلذذ الإنسان بما يكون مفطراً، فإن ما يصل إلى الجوف عن طريق الأنف لا يحصل به من التلذذ ما يحصل بما
إذا وصل عن طريق الفم، وبهذا نعرف أن القياس تام، وأن الإبر التي يستغنى بها عن الطعام والشراب مفطرة، ولأن هذا من باب الاحتياط، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:«دع ما يريبك إلى ما لا يريبك» .
ولأن الغالب أن الإنسان لا يحتاج إلى هذه الإبر إلا وهو مريض مرضاً يبيح له الفطر.
5 إنزال المني بشهوة بفعل من الصائم:
فإذا أنزل الصائم المني بشهوة بفعل منه فقد فسد صومه، والدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم حين قال:«وفي بضع أحدكم صدقة» قالوا: يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له بها أجر؟ قال: «أرأيتم لو وضعها في الحرام أكان عليه وزر؟» قالوا: نعم، قال:«فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر» . والذي يوضع من الشهوة هو المني، وقد قال الله تعالى في الحديث القدسي في الصائم:«يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي» . هذا هو ما ظهر لي من الدليل على أن المني مفطر.
مسألة: لو أنزل الصائم مذي، كما لو قبَّل زوجته فأمذى فهل يفسد صومه؟
ج: لا يفسد صومه، لأن المذي لا يصح قياسه على المني، لأنه دونه، ولهذا المني يوجب الغسل، والمذي لا يوجب الغسل.
وبناء على ذلك نقول: إن المذي لا يفطر ولو بتعمد من الصائم.
قلنا عن المني بشهوة. فإن نزل بغير شهوة مثل أن يكون بالإنسان مرض ينزل معه المني فإنه لا يفطر.
وقلنا: بفعلٍ من الصائم أي باختيار منه. فإن لم يكن بفعل منه فإنه لا يفطر، كما لو فكَّر في الجماع فأنزل، فهذا الذي أنزل بالتفكير لكن ما حرك أي شيء لم يعبث بذكره، ولم يتمرغ على الأرض فقط فكر فأنزل فلا يفسد صومه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول:«إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل، أو تتكلم» . وهذا الرجل لم يعمل ولم يتكلم.
6 القيء عمداً:
فإذا تقيأ الإنسان عمداً بأن أخرج الطعام من معدته فإنه يفطر، وإن غلبه القيء بدون قصد فإنه لا يفطر، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«من ذرعه القيء فلا قضاء، ومن استقاء عمداً فليقض» .
«من ذرعه القيء» يعني غلبه، هذا هو الدليل الأثري، وهناك دليل نظري وهو أن التقيؤ يضعف البدن، لأنه يخرج الطعام والشراب الذي في المعدة، وإذا خلت المعدة من الطعام والشراب فإن البدن يضعف بالصوم، فكان من مقتضى حكمة الله عز وجل أن يكون القيء مفطراً. فنقول للصائم: لا تتقيأ في صيام الفرض،
فإن اضطررت إلى ذلك وصار لابد من التقيؤ فإنك في هذه الحال تفطر، ويجوز لك الأكل والشرب لتعيد للبدن ما فات من قوته.
7 الحجامة:
إذا احتجم الصائم وظهر منه الدم فإنه يفطر والدليل: حديث شداد بن أوس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أفطر الحاجم والمحجوم» . وهذا دليل أثري أي ثبت به الأثر عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهناك أيضاً دليل نظري وهو ضعف المحجوم بالحجامة، لأن المحجوم يخرج منه الدم بكثرة، وإذا خرج منه الدم بكثرة فإن بدنه يضعف، ويكون الصوم مؤثراً في هذا البدن الذي أصابه الضعف في نزول الدم الكثير منه.
ولهذا نقول: من كان صومه واجباً فإنه لا يجوز أن يحتجم، فإن هاج به الدم واحتاج إلى الحجامة احتجم وأفطر، وله الأكل والشرب لأجل أن يعيد القوة لبدنه.
هل يقاس على الحجامة ما كان بمعناها؟
ج: نعم. يقاس عليها ما كان بمعناها، ومنه أن يسحب من الصائم دم كثير، وهذا يقع أحياناً إذا احتيج إلى دم الصائم ليحقن في إنسان آخر، فإنه يسحب منه دم كثير، ولهذا يضعف البدن، ويعطيه الأطباء شيئاً من السوائل ليرد عليه هذا الضعف الذي حصل بسحب الدم منه، أما ما كان دون الحجامة كسحب الدم للتحليل فهذا لا يضر أي لا يفطر حتى وإن كان عمداً، وكذلك لو رعف أنف الصائم فإنه لا يفطر ولو كثر الدم، لأنه بغير اختياره.
8 خروج دم الحيض:
فإذا حاضت المرأة وهي صائمة فسد صومها.
مسألة: لو حاضت المرأة ولم يبق من النهار إلا خمس دقائق فإنه يفسد صومها.
مسألة: لو حاضت بعد غروب الشمس بخمس دقائق فإنه لا يفسد صومها.
والمعروف عند النساء أن المرأة إذا حاضت بعد الغروب وقبل صلاة المغرب فإن صومها يفسد، وهذا غير صحيح، ولهذا أنا أرجو أن تنبهوا النساء على هذه المسألة، فإن هذا يقع عنه السؤال كثيراً.
وبعضهن تقول: إذا حاضت قبل صلاة العشاء فإن صومها ذلك اليوم يكون فاسداً، وهذا خطأ وأشد خطأ من الأول.
مسألة: إذا انتقل وأحست بانتقاله ولكن لم يخرج إلا بعد غروب الشمس فهل صومها صحيح؟
ج: الصحيح أن صومها صحيح، وأنه لا عبرة بانتقاله حتى يخرج، ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل هل عليها من غسل؟ فقال:«نعم إذا هي رأت الماء» .
وهذا يدل على أن الموجبات للغسل، أو المفسدات للصوم فيما يخرج لابد أن يخرج ويرى، وعليه: فلو أحست بانتقال
الحيض قبل غروب الشمس بعشر دقائق، أو أقل ولكن لم يخرج الحيض إلا بعد غروب الشمس فإن صومها صحيح.
شروط المفطرات:
1 العلم. 2 الذكر. 3 الإرادة، أي الاختيار.
العلم ضده الجهل، فالجاهل لا يفطر ولو تناول هذه المفطرات، سواء كان جاهلاً بالحكم، أو جاهلاً بالحال.
الجاهل بالحكم أن يظن أن هذا الشيء لا يفطر، مثل أن يحتجم الصائم وهو لا يعلم أن الحجامة تفطر، فنقول: إن هذا الذي احتجم صيامه صحيح.
الجاهل بالحال أن يظن أن الوقت وقت أكل وشرب، فيأكل ويشرب ظانًّا أنه في وقت يباح له الأكل والشرب.
مثل أن يأكل يظن أن الفجر لم يطلع وقد طلع الفجر، فهذا جاهل بالحال «الوقت» .
وآخر سمع صوتاً في آخر النهار وهو لا يرى الشمس يقول: الله أكبر، فظنه المؤذن، فأفطر ظانًّا أن الشمس قد غربت، ثم تبين له أن النهار باقٍ وأن الشمس لم تغرب فلا يفسد صومه.
الذكر ضده النسيان: فلو أن الإنسان أكل، أو شرب، أو جامع زوجته ناسياً أنه صائم فصومه صحيح، والدليل على اشتراط العلم والذكر، وأن من كان جاهلاً أو ناسياً لم يفسد صومه نوعان:
عام وخاص، فالعام كقوله تعالى:{رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَآ إِن نَّسِينَآ أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَآ إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} والخطأ هو الجهل. وهذه الآية عامة في الصوم
وغيره، وقوله تعالى:{وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَآ أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَاكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللهُ غَفُوراً رَّحِيماً} وهذه الآية عامة.
والخاص في النسيان قال صلى الله عليه وسلم فيما صح عنه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: «من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه» . متفق عليه. وهذا نص صريح بأن الصوم لا يفسد. وذَكر الأكل والشرب لا ينافي ما عداهما، لأنهما ذكرا على سبيل التمثيل.
ودليل الجهل بالحكم حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه حينما أراد أن يصوم، وكان في القرآن الكريم:{وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذالِكَ يُبَيِّنُ اللهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} فأخذ عقالين: أحدهما أبيض والآخر أسود، وجعلهما تحت وسادته، وجعل يأكل ويشرب وينظر إلى العقالين حتى تبين الأبيض من الأسود فأمسك، فلما أصبح أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«إن وسادك لعريض أن وسع الخيط الأبيض والأسود» ثم قال: «إنما ذلك بياض النهار وسواد الليل» . ومعنى قوله وسادك لعريض: أي يسع الأفق، لأن الخيط الأبيض والأسود، يكون مائلاً للأفق، لأن الخيط الأبيض الذي يحرم به الأكل والشرب على الصائم هو الفجر الصادق الذي يكون مستطيلاً من الشمال إلى الجنوب، ولم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالقضاء، لأنه كان جاهلاً بالحكم، يظن أن هذا هو معنى الآية الكريمة وليس كذلك.
وأما الجهل بالحال:
فالدليل الخاص فيه حديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما الذي أخرجه البخاري، قالت:«أفطرنا في يوم غيم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ثم طلعت الشمس» ، فيكون الصحابة رضي الله عنهم أفطروا قبل غروب الشمس لقولها:«ثم طلعت الشمس» وهذا الجهل بالحال لأنهم لم يعلموا أن الشمس باقية، ولم يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالقضاء، لأنه لو أمرهم بالقضاء لنقل إلينا، إذ أنه أي القضاء يكون من الشريعة، والشريعة لابد أن تنقل وتحفظ فلما لم ينقل أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمرهم بالقضاء علم أنه لم يأمرهم به، وإذا لم يأمرهم به فليس بواجب، لأنه لو وجب لأمرهم به.
إذا حصلت هذه المفطرات بغير اختيار من الإنسان فإن صومه صحيح، لو أنه احتلم وهو صائم ونزل منه المني فإن صومه صحيح، لأن ذلك بغير اختياره، ولو توضأ الإنسان وتمضمض ثم نزل شيء من الماء إلى جوفه فصومه صحيح، لأنه لم يتعمد ذلك، ولو مرَّ الصائم بشارع فيه غبار وتطاير شيء من الغبار إلى أنفه فصومه صحيح، لأنه بغير اختياره.
والدليل على هذا الشرط الثالث قوله تعالى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَآ أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَاكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللهُ غَفُوراً رَّحِيماً} ، وهذا لم يتعمد، وقوله تعالى:{مَن كَفَرَ بِاللهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلَاّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَاكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} . ووجه الدلالة من هذه الآية أنه إذا عذر الإنسان بالإكراه في الكفر فما دونه من باب أولى.
هذه المفطرات إذا فعلها الإنسان وقد تمت الشروط الثلاثة، كما لو أكل عالماً، ذاكراً، مختاراً ترتب عليه:
أولاً: الإثم إذا كان الصوم واجباً.
ثانياً: فساد الصوم.
ثالثاً: وجوب الإمساك إن كان في رمضان.
رابعاً: القضاء، هذا إذا كان صومه واجباً.
أما إذا كان الصوم تطوعاً وأفسده فإنه لا يترتب عليه إلا شيء واحد وهو فساد الصوم، وليس عليه إثم ولا قضاء، لأنه تطوع.
ينفرد الجماع بأمر خامس وهو الكفارة، وعلى هذا فمن جامع في نهار رمضان والصوم واجب عليه ترتب على جماعه خمسة أمور:
1 الإثم. 2 فساد الصوم. 3 لزوم الإمساك. 4 وجوب القضاء. 5 وجوب الكفارة.
والكفارة: كفارة مغلظة وهي عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً.
الأدلة على ذلك:
أولاً: الإثم. الدليل فيه ظاهر، لأن هذا صوم واجب أفسده، وكل إنسان يفسد ما وجب فهو آثم.
ثانياً: لزوم الإمساك عقوبة له، لأن نهار رمضان لا يستباح فيه المفطرات إلا بعذر شرعي.
ثالثاً: أما القضاء فواضح، لأنه واجب، والواجب يجب قضاؤه.
رابعاً: أما الكفارة بالنسبة لمن جامع في نهار رمضان والصوم واجب عليه فدليله حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، هلكت، فقال:«ما أهلكك؟» قال: وقعت على امرأتي وأنا صائم، فقال:«هل تجد ما تعتق رقبة؟» قال: لا. قال: «فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟» قال: لا. قال: «فهل تجد ما تطعم ستين مسكيناً؟» قال: لا. فكل خصاص الكفارة تعذرت في حقه، ثم جلس الرجل فأتي النبي صلى الله عليه وسلم بعرق فيه تمر، فقال صلى الله عليه وسلم:«تصدق بهذا» فقال: أعلى أفقر مني، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه ثم قال:«اذهب فأطعمه أهلك» .
مسألة: لو جامع الإنسان أهله في غير رمضان ولو في قضاء رمضان فهل عليه كفارة؟
ج: لا، ليس عليه كفارة.
مسألة: لو جامعها في نهار رمضان والصوم غير واجب عليه، مثل أن يكون هو وزوجته مسافرين وصائمين في السفر ثم جامعها في رمضان فليس عليه كفارة، لماذا؟
ج: لأنه يباح له الفطر.
مسألة: هل الكحل يفطر؟
ج: لا، لأنه ليس من المفطرات فالمفطرات، محصورة.
مسألة: هل التقطير في الأذن يفطر؟
ج: لا، لأنه ليس من المفطرات.
مسألة: هل استنشاق الفيكس يفطر؟
ج: لا يفطر، لأن ليس فيه أجزاء تتصاعد حتى تنزل إلى الجوف، لكن فيه رائحة قوية لا تضر.
قطرة العين كذلك لا تفطر، استنشقاق البخور يفطر إذا وصل إلى الجوف، أما إذا لم يصل إلى الجوف، فإنه لا يفطر، لكن لا شك أن البُعد عنه أولى، لأن الإنسان لا يأمن أن يصل إلى جوفه، ولهذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم:«بالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً» .
مسألة: هل السعوط يفطر أم لا؟
ج: نعم، يفطر إذا وصل إلى الجوف، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال للقيط بن صبرة:«بالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً» .
واعلم يا أخي أنك إذا قلت هذا مفطر، والله لم يجعله مفطراً فكما لو قلت عن الشيء الذي جعله الله مفطراً: إن هذا غير مفطر؛ لأن تحليل الحرام كتحريم الحلال، وإيجاب ما لم يجب كإسقاط ما وجب، فالحكم واحد، لأن الشريعة إنما تتلقى من الكتاب والسنة، فالواجب أن نقتصر على ما دل عليه الكتاب والسنة.
والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.