الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
وتؤمن الفرقة الناجية أهل السنة والجماعة بالقدر
ــ
فصل
في الإيمان بالقدر
" الفرقة الناجية أهل السنة والجماعة ": سبق تعريفها. .
والكلام عنها في أول الكتاب.
- القدر في اللغة؛ بمعنى: التقدير؛ قال تعالى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر: 49]، وقال تعالى:{فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ} [المرسلات: 23] .
وأما القضاء؛ فهو في اللغة: الحكم.
ولهذا نقول: إن القضاء والقدر متباينان إن اجتمعا، ومترادفان إن تفرقا؛ على حد قول العلماء: هما كلمتان: إن اجتمعتا افترقتا، وإن افترقتا اجتمعتا.
فإذا قيل: هذا قدر الله؛ فهو شامل للقضاء، أما إذا ذكرا جميعا؛ فلكل واحد منهما معنى.
فالتقدير: هو ما قدره الله تعالى في الأول أن يكون في خلقه.
وأما القضاء؛ فهو ما قضى به الله سبحانه وتعالى في خلقه من إيجاد أو إعدام أو تغيير، وعلى هذا يكون التقدير سابقا.
* فإن قال قائل: متى؟ قلنا: إن القضاء هو ما يقضيه الله سبحانه وتعالى في خلقه من إيجاد أو إعدام أو تغيير، وإن القدر سابق عليه إذا
اجتمعا؛ فإن هذا يعارض قوله تعالى: {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا} [الفرقان:2] ؛ فإن هذه الآية ظاهرها أن التقدير بعد الخلق؟
فالجواب على ذلك من أحد وجهين:
إما نقول: إن هذا من باب الترتيب الذكري لا المعنوي، وإنما قدم الخلق على التقدير لتتناسب رؤوس الآيات.
ألم تر أن موسى أفضل من هارون، لكن قدم هارون عليه في سورة طه في قوله تعالى عن السحرة:{فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى} [طه: 70] ؛ لتتناسب رؤوس الآيات.
وهذا لا يدل على أن المتأخر في اللفظ متأخر في الرتبة.
-أو نقول: إن التقدير هنا بمعنى التسوية؛ أي خلقه على قدر معين؛ كقوله تعالى: {الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى} [الأعلى: 2] ؛ فيكون التقدير بمعنى التسوية.
وهذا المعنى أقرب من الأول؛ لأنه يطابق تماما لقوله تعالى: {الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى} ؛ فلا إشكال.
* والإيمان بالقدر واجب، ومرتبته في الدين أنه أحد أركان الإيمان الستة؛ كما قال النبي عليه الصلاة والسلام لجبريل حين قال: ما الإيمان؟ قال: «أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره» .
* وللإيمان بالقدر فوائد؛ منها:
أولا: أنه من تمام الإيمان، ولا يتم الإيمان إلا بذلك.
ثانيا: أنه من تمام الإيمان بالربوبية؛ لأن قدر الله من أفعاله.
ثالثا: رد الإنسان أموره إلى ربه؛ لأنه إذا علم أن كل شيء بقضائه وقدره؛ فإنه سيرجع إلى الله في دفع الضراء ورفعها، ويضيف السراء إلى الله، ويعرف أنها من فضل الله عليه.
رابعا: أن الإنسان يعرف قدر نفسه، ولا يفخر إذا فعل الخير.
خامسا: هون المصائب على العبد؛ لأن الإنسان إذا علم أنها من عند الله؛ هانت عليه المصيبة؛ كما قال تعالى: {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} [التغابن:11] ؛ قال علقمة رحمه الله: " هو الرجل تصيبه المصيبة، فيعلم أنها من عند الله، فيرضى ويسلم ".
سادسا: إضافة النعم إلى مسديها؛ لأنك إذا لم تؤمن بالقدر؛ أضفت النعم إلى من باشر الإنعام، وهذا يوجد كثيرا في الذين يتزلفون إلى الملوك والأمراء والوزراء؛ فإذا أصابوا منهم ما يريدون؛ جعلوا الفضل إليهم، ونسوا فضل الخالق سبحانه.
صحيح أنه يجب على الإنسان أن يشكر الناس؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام: «من صنع إليكم معروفا؛ فكافئوه» ، ولكن يعلم أن الأصل كل الأصل هو فضل الله عز وجل جعله على يد هذا الرجل.
سابعا: أن الإنسان يعرف به حكمة الله عز وجل؛ لأنه إذا نظر في هذا الكون وما يحدث فيه من تغييرات باهرة؛ عرف بهذا حكمة الله عز وجل؛
خيره وشره
ــ
بخلاف من نسي القضاء والقدر؛ فإنه لا يستفيد هذه الفائدة.
الخير: ما يلائم طبيعة الإنسان؛ بحيث يحصل له به خير أو ارتياح وسرور، وكل ذلك من الله عز وجل.
والشر في القدر: ما لا يلائم طبيعة الإنسان؛ بحيث يحصل له به أذية أو ضرر.
* ولكن؛ إن قيل: كيف يقال: إن في قدر الله شرا؛ وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الشر ليس إليه» ؟
فالجواب على ذلك أن يقال: الشر في القدر ليس باعتبار تقدير الله له، لكنه باعتبار المقدور له؛ لأن لدينا قدرا هو التقدير ومقدورا؛ كما أن هناك خلقا ومخلوقا وإرادة ومرادا؛ فباعتبار تقدير الله له ليس بشر، بل هو خير، حتى وإن كان لا يلائم الإنسان ويؤذيه ويضره، لكن باعتبار المقدور؛ فنقول: المقدور إما خير وإما شر؛ فالقدر خيره وشره يراد به المقدور خيره وشره.
ونضرب لهذا مثلا في قوله تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا} [الروم:41] .
ففي هذه الآية بين الله عز وجل ما حدث من الفساد وسببه والغاية منه؛ فالفساد شر، وسببه عمل الإنسان السيئ، والغاية منه:{لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} .
فكون الفساد يظهر في البر والبحر فيه حكمة؛ فهو نفسه شر، لكن
لحكمة عظيمة، بها يكون تقديره خيرا.
كذلك المعاصي والكفر شر، وهو من تقدير الله، لكن لحكمة عظيمة، لولا ذلك لبطلت الشرائع، ولولا ذلك لكان خلق الناس عبثا.
* والإيمان بالقدر خيره وشره لا يتضمن الإيمان بكل مقدور، بل المقدور ينقسم إلى كوني وإلى شرعي:
فالمقدور الكوني؛ إذا قدر الله عليك مكروها؛ فلا بد أن يقع؛ رضيت أم أبيت.
والمقدور الشرعي: قد يفعله الإنسان وقد لا يفعله، ولكن باعتبار الرضى به فيه تفصيل:
إن كان طاعة لله؛ وجب الرضى به، وإن كان معصية؛ وجب سخطه وكراهته والقضاء عليه؛ كما قال الله عز وجل:{وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران: 104] .
وعلى هذا؛ يجب علينا الإيمان بالمقضي كله؛ من حيث كونه قضاء لله عز وجل، أما من حيث كونه مقضيا؛ فقد نرضى به وقد لا نرضى؛ فلو وقع الكفر من شخص فلا نرضى بالكفر منه، لكن نرضى بكون الله أوقعه.