الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
ثم هم مع هذه الأصول يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر
على ما توجبه الشريعة
ــ
فصل
في منهج أهل السنة والجماعة
في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغيرها من الخصال
أي: أهل السنة والجماعة.
" مع هذه الأصول ": السابقة التي ذكرها قبل هذا، وهو اتباع آثار الرسول عليه الصلاة والسلام، واتباع الخلفاء الراشدين وإيثارهم كلام الله وكلام رسوله على غيره واتباع إجماع المسلمين، مع هذه الأصول: يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر.
" المعروف ": كل ما أمر به الشرع، فهم يأمرون به.
" المنكر ": كل ما نهى عن الشرع، فهم ينهون عنه.
لأن هذا هو ما أمر الله به في قوله: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [آل عمران: 104] .
وكذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام: «لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، ولتأخذن على يد الظالم، ولتأطرنه على الحق أطرا» . (1)
فهم يأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، ولا يتأخرون عن ذلك.
ولكن يشترط للأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر أن يكونا على ما توجبه الشريعة وتقتضيه.
(1) رواه أبو داود (4336) ، وابن ماجه (4006) .
ولذلك شروط:
الشرط الأول: أن يكون عالما بحكم الشرع فيما يأمر به أو ينهى عنه، فلا يأمر إلا بما علم أن الشرع أمر به: ولا ينهى إلا عما علم أن الشرع نهى عنه، ولا يعتمد في ذلك على ذوق ولا عادة.
لقوله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم: {فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ} [المائدة: 48] .
وقوله: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [الإسراء: 36] .
وقوله: {وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ} [النحل: 116] .
فلو رأى شخصا يفعل شيئا الأصل فيه الحل، فإنه لا يحل له أن ينهاه عنه حتى يعلم أنه حرام أو منهي عنه.
- ولو رأى شخصا ترك شيئا يظنه الرائي عبادة، فإنه لا يحل له أن يأمره بالتعبد به حتى يعلم أن الشرع أمر به.
- الشرط الثاني: أن يعلم بحال المأمور: هل هو ممن يوجه إليه الأمر أو النهي أم لا؟ فلو رأى شخصا يشك هل هو مكلف أم لا، لم يأمره بما لا يؤمر به مثله حتى يستفصل.
الشرط الثالث: أن يكون عالما بحال المأمور حال تكليفه، هل قال بالفعل أم لا؟
- فلو رأى شخصا دخل المسجد ثم جلس، وشك هل صلى ركعتين، فلا ينكر عليه، ولا يأمره بهما، حتى يستفصل.
- ولقد نقل لي أنه بعض الناس يقول: يحرم أن يسجل القرآن بأشرطة، لأن ذلك إهانة للقرآن على زعمه! فينهى الناس أن يسجلوا القرآن على هذه الأشرطة، لظنه أنه منكر!!
فنقول له: إن المنكر أن تنهاهم عن شيء لم تعلم أنه منكر!! فلا بد أن تعلم أن هذا منكر في دين الله.
وهذا في غير العبادات، أما العبادات، فإننا لو رأينا رجلا يتعبد بعبادة، لم يعلم أنها مما أمر الله به، فإننا ننهاه، لأن الأصل في العبادات المنع.
الشرط الرابع: أن يكون قادرا على القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بلا ضرر يلحقه، فإن لحقه ضرر، لم يجب عليه، لكن إن صبر وقام به، فهو أفضل؛ لأن جميع الواجبات مشروطة بالقدرة والاستطاعة، لقوله تعالى:{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16]، وقوله:{لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] .
فإذا خاف إذا أمر شخصا بمعروف أن يقتله، فإنه لا يلزمه أن يأمره، لأنه
لا يستطيع ذلك، بل قد يحرم عليه حينئذ. وقال بعض العلماء: بل يجب عليه الأمر والصبر، وإن تضرر بذلك ما لم يصل إلى حد القتل. لكن القول الأول أولى، لأن هذا الأمر إذا لحقه الضرر بحبس ونحوه، فإن غيره قد يترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خوفا مما حصل، حتى في حال لا يخشى منها ذلك الضرر.
وهذا ما لم يصل الأمر إلى حد يكون الأمر حد يكون الأمر بالمعروف من جنس الجهاد، كما لو أمر بسنة ونهى عن بدعة، ولو سكت، لاستطال أهل البدعة على أهل السنة، ففي هذه الحال يجب إظهار السنة وبيان البدعة؛ لأنه من الجهاد في سبيل الله، ولا يعذر من تعين عليه بالخوف على نفسه.
الشرط الخامس: أن لا يترتب على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مفسدة أعظم من السكوت، فإن ترتب عليها ذلك، فإنه لا يلزمه، بل لا يجوز له أن يأمر بالمعروف أو ينهى عن المنكر.
ولهذا قال العلماء: إن إنكار المنكر ينتج منه إحدى أحوال أربعة: إما أن يزول المنكر، أو يتحول إلى أخف منه، أو إلى مثله، أو إلى أعظم منه.
- أما الحالة الأولى والثانية، فالإنكار واجب.
- أما في الثالثة، فهي في محل نظر.
- وأما في الرابعة، فلا يجوز الإنكار، لأن المقصود بإنكار المنكر إزالته أو تخفيفه.
- مثال ذلك: إذا أراد أن يأمر شخصا بفعل إحسان، لكن يستلزم فعل هذا الإحسان ألا يصلي مع الجماعة، فهنا لا يجوز الأمر بهذا المعروف،
لأنه يؤدي إلى ترك واجب من أجل فعل مستحب.
وكذلك في المنكر لو كان إذا نهى عن هذا المنكر، تحول الفاعل له إلى فعل منكر أعظم، فإنه في هذه الحال لا يجوز أن ينهى عن هذا المنكر دفعا لأعلى المفسدتين بأدناهما.
ويدل لهذا قوله تعالى: {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام: 108] فإن سب آلهة المشركين، لا شك أنه أمر مطلوب، لكن لما كان يترتب عليه أمر محظور أعظم من المصلحة التي تكون بسب آلهة المشركين، وهو سبهم لله تعالى عدوا بغير علم، نهى الله عن سب آلهة المشركين في هذه الحال.
ولو وجدنا رجلا يشرب الخمر، وشرب الخمر منكر، فلو نهيناه عن شربه، لذهب يسرق أموال الناس ويستحل أعراضهم، فهنا لا ننهاه عن شرب الخمر، لأنه يترتب عليه مفسدة أعظم.
الشرط السادس: أن يكون هذا الآمر أو الناهي قائما بما يأمر به منتهيا عما ينهى عنه، وهذا على رأي بعض العلماء، فإن كان غير قائم بذلك، فإنه لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر، لأن الله تعالى قال لبني إسرائيل:{أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} [البقرة: 44] ، فإذا كان هذا الرجل لا يصلي، فلا يأمر غيره بالصلاة، وإن كان يشرب الخمر، فلا ينهى غيره عنها، ولهذا قال الشاعر:
لا تنه عن خلق وتأتي مثله
…
عار عليك إذا فعلت عظيم
فهم استدلوا بالأثر والنظر.
ولكن الجمهور على خلاف ذلك، وقالوا: يجب أن يأمر بالمعروف، وإن كان لا يأتيه، وينهى عن المنكر، وإن كان يأتيه، وإنما وبخ الله تعالى بني إسرائيل، لا على أمرهم بالبر، ولكن على جمعهم بين الأمر بالبر ونسيان النفس.
وهذا القول هو الصحيح، فنقول: أنت الآن مأمور بأمرين: الأول: فعل البر، والثاني: الأمر بالبر. منهي عن أمرين: الأول: فعل المنكر، والثاني: ترك النهي عن فعله. فلا تجمع بين ترك المأمورين وفعل المنهيين، فإن ترك أحدهما لا يستلزم سقوط الآخر.
فهذه ستة شروط، منها أربعة للجواز، وهي الأول والثاني والثالث والخامس، على تفصيل فيه، واثنان للوجوب، وهما الرابع والسادس.
ولا يشترط أن لا يكون من أصول الآمر أو الناهي كأبيه أو أمه أو جده أو جدته، بل ربما نقول: إن هذا يتأكد أكثر، لأن من بر الوالدين أن ينهاهما عن فعل المعاصي ويأمرهما بفعل الطاعات قد يقول: أنا إذا نهيت أبي، غضب علي، وهجرني، فماذا أصنع؟
نقول: اصبر على هذا الذي ينالك بغضب أبيك وهجره، والعاقبة للمتقين، واتبع ملة إبراهيم عليه السلام، حيث عاتب أباه على الشرك، فقال:{يَاأَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا} إلى أن قال: {يَاأَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا يَاأَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا} قال، أي: أبوه: {أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَاإِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا} [مريم: 42 - 46] . وقال إبراهيم أيضا لأبيه آزر:
ويرون إقامة الحج، والجهاد، والجمع، والأعياد، مع الأمراء، أبرارا كانوا أو فجارا
ــ
{أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [الأنعام: 74] .
الأبرار: جمع بر، وهو كثير الطاعة، والفجار: جمع فاجر وهو العاصي كثير المعصية.
فأهل السنة رحمهم الله يخالفون أهل البدع تماما، فيرون إقامة الحج مع الأمير، وإن كان من أفسق عباد الله.
وكان الناس فيما سبق يجعلون على الحج أميرا، كما جعل النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر أميرا على الحج في العام التاسع من الهجرة، وما زال الناس على ذلك، يجعلون للحجة أميرا قائدا يدفعون ويقفون بوقوفه، وهذا هو المشروع، لأن المسلمين يحتاجون إلى إمام يقتدون به، أما كون كل إنسان على رأسه، فإنه يحصل به فوضى واختلاف.
فهم يرون إقامة الحج مع الأمراء، وإن كانوا فساقا، حتى وإن كانوا يشربون الخمر في الحج، لا يقولون: هذا إمام فاجر، لا نقبل إمامته؛ لأنهم يرون أن طاعة ولي الأمر واجبة، وإن كان فاسقا، بشرط أن لا يخرجه فسقه إلى الكفر البواح الذي عندنا فيه من الله برهان، فهذا لا طاعة له، ويجب أن يزال عن تولي أمور المسلمين، لكن الفجور الذي دون الكفر مهما بلغ، فإن الولاية لا تزال به، بل هي ثابتة، والطاعة لولي الأمر واجبة في غير المعصية.
- خلافا للخوارج، الذين يرون أنه لا طاعة للإمام والأمير إذا كان عاصيا، لأن من قاعدتهم: أن الكبيرة تخرج من الملة.
- وخلافا للرافضة الذين يقولون: إنه لا إمام إلا المعصوم، وإن الأمة
الإسلامية منذ غاب من يزعمون أنه الإمام المنتظر، ليست على إمام، ولا تبعا لإمام، بل هي تموت ميتة جاهلية من ذلك الوقت إلى اليوم، ويقولون: إنه لا إمام إلا الإمام المعصوم، ولا حج ولا جهاد مع أي أمير كان؛ لأن الإمام لم يأت بعد.
لكن أهل السنة والجماعة يقولون: نحن نرى إقامة الحج مع الأمراء سواء كانوا أبرارا أو فجارا، وكذلك إقامة الجهاد مع الأمير، ولو كان فساقا، ويقيمون الجهاد مع أمير لا يصلي معهم الجماعة، بل يصلي في رحله.
فأهل السنة والجماعة لديهم بعد نظر، لأن المخالفات في هذه الأمور معصية لله ورسوله، وتجر إلى فتن عظيمة.
فما الذي فتح باب الفتن والقتال بين المسلمين والاختلاف في الآراء إلا الخروج على الأئمة؟!
فيرى أهل السنة والجماعة وجوب إقامة الحج والجهاد مع الأمراء، وإن كانوا فجارا.
ولكن هذا لا يعني أن أهل السنة والجماعة لا يرون أن فعل الأمير منكر، بل يرون أنه منكر، وأن فعل الأمير للمنكر قد يكون أشد من فعل عامة الناس، لأن فعل الأمير للمنكر يلزم منه زيادة على إثمه محذوران عظيمان:
الأول: اقتداء الناس به وتهاونهم بهذا المنكر.
والثاني: أن الأمير إذا فعل المنكر سيقل في نفسه تغييره على الرعية أو
تغيير مثله أو مقاربه.
لكن أهل السنة والجماعة يقولون: حتى مع هذا الأمر المستلزم لهذين المحذورين أو لغيرهما، فإنه يجب علينا طاعة ولاة الأمور، وإن كانوا عصاة، فنقيم معهم الحج والجهاد، وكذلك الجمع، نقيمها مع الأمراء، ولو كانوا فجارا.
فالأمير إذا كان يشرب الخمر مثلا، ويظلم الناس بأموالهم، نصلي خلفه الجمعة، وتصح الصلاة، حتى إن أهل السنة والجماعة يرون صحة الجمعة خلف الأمير المبتدع إذا لم تصل بدعته إلى الكفر؛ لأنهم يرون أن الاختلاف عليه في مثل هذه الأمور شر، ولكن لا يليق بالأمير الذي له إمامة الجمعة أن يفعل هذه المنكرات.
وكذلك أيضا إقامة الأعياد مع الأمراء الذي يصلون بهم، أبرارا كانوا أو فجارا.
وبهذه الطريق الهادئة يتبين أن الدين الإسلامي وسط بين الغالي فيه والجافي عنه.
فقد يقول قائل: كيف نصلي خلف هؤلاء ونتابعهم في الحج والجهاد والجمع والأعياد؟!
فنقول: لأنهم أئمتنا، ندين لهم بالسمع والطاعة: امتثالا لأمر الله بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59] . ولأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «إنكم سترون بعدي أثرة وأمورا تنكرونها ". قالوا: فما تأمرنا يا رسول الله؟ قال: " أدوا إليهم حقهم،»
«وسلوا الله حقكم» . وحقهم: طاعتهم في غير معصية الله.
وفي حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه، قال:«بايعنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم على السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره، وأن لا ننازع الأمر أهله. قال: " إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم فيه من الله برهان» .
ولأننا لو تخلفنا عن متابعتهم، لشققنا عصا الطاعة الذي يترتب على شقه أمور عظيمة، ومصائب جسيمة.
والأمور التي فيها تأويل واختلاف بين العلماء إذا ارتكبها ولاة الأمور، لا يحل لنا منابذتهم ومخالفتهم، لكن يجب علينا مناصحتهم بقدر المستطاع فيما خالفوا فيه، مما لا يسوغ فيه الاجتهاد، وأما ما يسوغ فيه الاجتهاد، فنبحث معهم فيه بحث تقدير واحترام، لنبين لهم الحق، لا على سبيل الانتقاد لهم والانتصار للنفس، وأما منابذتهم وعدم طاعتهم،
ويحافظون على الجماعات
، ويدينون بالنصيحة للأمة
ــ
فليس من طريق أهل السنة والجماعة.
أي: يحافظ أهل السنة والجماعة على الجماعات، أي: على إقامة الجماعة في الصلوات الخمس، يحافظون عليها محافظة تامة، بحيث إذا سمعوا النداء، أجابوا وصلوا مع المسلمين، فمن لم يحافظ على الصلوات الخمس، فقد فاته من صفات أهل السنة والجماعة ما فاته من هذه الجماعات.
وربما يدخل في الجماعات الاجتماع على الرأي وعدم النزاع فيه، فإن هذا ما أوصى به النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم معاذ بن جبل وأبا موسى حين بعثهما إلى اليمن، فقال:«يسرا ولا تعسرا، وبشرا ولا تنفرا، وتطاوعا، ولا تختلفا» .
" يدينون "، أي: يتعبدون لله عز وجل بالنصيحة للأمة، ويعتقدون ذلك دينا.
والنصح للأمة قد يكون الحامل عليه غير التعبد لله، فقد يكون الحامل عليه الغيرة، وقد يكون الحامل عليه الخوف من العقوبات، وقد يكون الحامل عليه أن يتخلق بالأخلاق الفاضلة التي يريد بها نفع المسلمين
…
إلى غير ذلك من الأسباب.
لكن هؤلاء ينصحون للأمة طاعة لله تعالى وتدينا له، لقول الرسول عليه الصلاة والسلام في حديث تميم بن أوس الداري:«الدين النصيحة،»
«الدين النصيحة ". قالوا لمن يا رسول الله؟ قال: " لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم» .
- فالنصيحة لله صدق الطلب في الوصول إليه.
- والنصيحة للرسول عليه الصلاة والسلام صدق الاتباع له، ويستلزم ذلك الذود عن دين الله عز وجل، الذي جاء به رسول صلى الله عليه وسلم، ولهذا قال:" ولكتابه ".
- فينصح للقرآن ببيان أنه كلام الله، وأنه منزل غير مخلوق، وأنه يجب تصديق خبره وامتثال أحكامه، وهو كذلك يعتقده في نفسه.
- " وأئمة المسلمين " كل من ولاه الله أمرا من أمور المسلمين، فهو إمام في ذلك الأمر، فهناك إمام عام كرئيس الدولة، وهناك إمام خاص، كالأمير والوزير والمدير والرئيس وأئمة المساجد وغيرهم.
- وعامتهم، يعني: عامة المسلمين، وهم التابعون للأئمة.
- ومن أعظم أئمة المسلمين العلماء، والنصيحة لعلماء المسلمين هي نشر محاسنهم، والكف عن مساوئهم، والحرص على إصابتهم الصواب، بحيث يرشدهم إذا أخطئوا، ويبين لهم الخطأ على وجه لا يخدش كرامتهم، ولا يحط من قدرهم، لأن تخطئة العلماء على وجه يحط من قدرهم ضرر على عموم الإسلام، لأن العامة إذا رأوا العلماء يضلل بعضهم بعضا سقطوا من أعينهم وقالوا: كل هؤلاء راد ومردود عليه. فلا ندري من الصواب معه! فلا يأخذون بقول أي واحد منهم، لكن إذا احترم العلماء بعضهم بعضا، وصار كل واحد يرشد أخاه سرا إذا أخطأ، ويعلن
ويعتقدون معنى قوله صلى الله عليه وسلم: «المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص، يشد بعضه بعضا " وشبك بين أصابعه صلى الله عليه وسلم»
ــ
للناس القول الصحيح، فإن هذا من أعظم النصيحة لعلماء المسلمين.
وقول المؤلف: " للأمة ": يشمل الأئمة والعامة، فأهل السنة والجماعة يدينون بالنصيحة للأمة، أئمتهم وعامتهم.
وكان مما يبايع الرسول عليه الصلاة والسلام أصحابه: «والنصح لكل مسلم» .
فإذا قال قائل: ما هو ميزان النصيحة للأمة؟
فالميزان هو ما أشار إليه النبي عليه الصلاة والسلام بقوله: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه» ، فإذا عاملت الناس هذه المعاملة، فهذا هو تمام النصيحة.
فقبل أن تعامل صاحبك بنوع من المعاملة فكر، هل ترضى أن يعاملك شخص بها؟ فإن كنت لا ترضى، فلا تعامله!!
شبه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم المؤمن لأخيه المؤمن بالبنيان الذي يشد بعضه بعضا، حتى يكون بناء محكما متماسكا يشد بعضه بعضا ويقوى به، ثم قرب هذا وأكده، فشبك بين أصابعه.
فالأصابع المتفرقة فيها ضعف، فإذا اشتبكت، قوى بعضها بعضا، فالمؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا، فالبنيان يمسك بعضه بعضا، كذلك المؤمن مع أخيه إذا صار في أخيه نقص، فإن هذا يكمله، فهو مرآة أخيه إذا وجد فيه النقص كمله، إذا احتاج أخوه ساعده، إذا مرض أخوه
وقوله صلى الله عليه وسلم: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر» .
ــ
عاده
…
وهكذا في كل الأحوال. فأهل السنة والجماعة يعتقدون هذا المعنى ويطبقونه عملا.
" قوله ": هنا معطوف على " قوله " في الحديث السابق.
أي: مودة بعضهم بعضا.
أي: رحمة بعضهم بعضا.
أي: عطف بعضهم على بعض.
أي: أنهم يشتركون في الآمال والآلام، فيرحم بعضهم بعضا، فإذا احتاج، أزال حاجته، ويعطف بعضهم على بعض باللين والرفق وغير ذلك
…
ويود بعضهم بعضا، حتى إن الواحد منهم إذا رأى في قلبه بغضاء لأحد من إخوانه المسلمين، حاول أن يزيله وأن يذكر من محاسنه ما يوجب زوال هذه البغضاء.
فالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو، ولو من أصغر الأعضاء، تداعى له سائر الجسد، فإذا أوجعك أصبعك الخنصر الذي هو من أصغر الأعضاء، فإن الجسد كله يتألم، إذا أوجعتك الأذن، تألم الجسد كله، وإذا أوجعتك العين، تألم الجسد كله، وغير ذلك.
فهذا المثل الذي ضربه النبي عليه الصلاة والسلام مثل مصور للمعنى ومقرب له غاية التقريب.
"
ويأمرون بالصبر عند البلاء
ــ
يأمرون ": قد يقال: إن هذه الكلمة تشمل أمر نفوسهم، لقوله تعالى:{وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ} [يوسف: 53] ، فهم يأمرون حتى أنفسهم.
الصبر: هو تحمل البلاء، وحبس النفس عن التسخط بالقلب أو اللسان أو الجوارح.
والبلاء: المصيبة، قال الله تعالى:{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة 155- 156] .
فالصبر يكون عند البلاء، وأفضله وأعلاه الصبر عند الصدمة الأولى، وهذا عنوان الصبر الحقيقي، كما «قاله النبي صلى الله عليه وسلم للمرأة التي مر بها وهي تبكي عند قبر، فقال لها: " اتقي الله واصبري، قالت: إليك عني فإنك لم تصب بمصيبتي ولم تعرفه، فقيل لها: إنه النبي صلى الله عليه وسلم فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فلم تجد عنده بوابين، فقالت: لم أعرفك، فقال: " إنما الصبر عند الصدمة الأولى» ، أما بعد أن تبرد الصدمة، فإن الصبر يكون سهلا، ولا ينال به كمال الصبر.
فأهل السنة والجماعة يأمرون بالصبر عند البلاء، وما من إنسان إلا يبتلى إما في نفسه وإما في أهله، وإما في ماله، وإما في صحبه، وإما في بلده، وإما في المسلمين عامة. ويكون ذلك إما في الدنيا وإما في الدين، والمصيبة في الدين أعظم بكثير من المصيبة في الدنيا.
فأهل السنة والجماعة يأمرون بالصبر عند البلاء في الأمرين:
والشكر عند الرخاء
والرضا بمر القضاء
ــ
- فأما الصبر على بلاء الدنيا، فأن يتحمل المصيبة كما سبق.
- وأما الصبر على بلاء الدين، فأن يثبت على دينه، ولا يتزعزع عنه، ولا يكن كمن قال الله تعالى فيهم:{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ} [العنكبوت: 10] .
الرخاء: سعة في العيش، والأمن في الوطن، فيأمرون عند ذلك بالشكر.
وأيهما أشق الصبر على البلاء، أو الشكر عند الرخاء؟
اختلف العلماء في ذلك، فقال بعضهم: إن الصبر على البلاء أشق، وقال آخرون: الشكر عند الرخاء أشق.
والصواب: أن لكل واحد آفته ومشقته، لأن الله عز وجل قال:{وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ} [هود: 9 - 10] .
لكن كل منهما قد يهونه بعض التفكير: فالمصاب إذا فكر وقال إن جزعي لا يرد المصيبة ولا يرفعها، فإما أن أصبر صبر الكرام، وإما أن أسلو سلو البهائم، فهان عليه الصبر، وكذلك الذي في رخاء ورغد.
لكن أهل السنة والجماعة يأمرون بهذا وهذا، بالصبر عند البلاء والشكر عند الرخاء.
الرضى أعلى من الصبر ومر القضاء: هو ما يلائم طبيعة الإنسان، ولهذا عبر عنه بـ " المر ".
فإذا قضى الله قضاء لا يلائم طبيعة البشر، وتأذى به، سمي ذلك مر
القضاء، فهو ليس لذيذا ولا حلوا، بل هو مر، فهم يأمرون بالرضى بمر القضاء.
واعلم أن مر القضاء لنا فيه نظران:
النظر الأول: باعتباره فعلا واقعا من الله.
والنظر الثاني: باعتباره مفعولا له.
فباعتبار كونه فعلا من الله يجب علينا أن نرضى به، ألا نعترض على ربنا به، لأن هذا من تمام الرضى بالله ربا.
وأما باعتباره مفعولا له، فهذا يسن الرضى به، ويجب الصبر عليه.
فالمرض باعتبار كون الله قدره الرضى به واجب، وباعتبار المرض نفسه يسن الرضى به، وأما الصبر عليه، فهو واجب، والشكر عليه مستحب.
ولهذا نقول: المصابون لهم تجاه المصائب أربعة مقامات: المقام الأول: السخط، والثاني: الصبر، والثالث: الرضى، والرابع: الشكر.
فأما السخط، فحرام بل هو من كبائر الذنوب، مثل أن يلطم خده، أو ينتف شعره، أو يشق ثوبه، أو يقول: وا ثبوراه! أو يدعو على نفسه بالهلاك وغير ذلك مما يدل على السخط، قال النبي صلى الله عليه وسلم:«ليس منا من شق الجيوب ولطم الخدود ودعا بدعوى الجاهلية» .
الثاني: الصبر: بأن يحبس نفسه قلبا ولسانا وجوارح عن التسخط، فهذا واجب.
الثالث: الرضى: والفرق بينه وبين الصبر: أن الصابر يتجرع المر،
لكن لا يستطيع أن يتسخط، إلا أن هذا الشيء في نفسه. صعب ومر، ويتمثل بقول الشاعر:
والصبر مثل اسمه مر مذاقته
…
لكن عواقبه أحلى من العسل
لكن الراضي لا يذوق هذا مرا، بل هو مطمئن، وكان هذا الشيء الذي أصابه لا شيء.
وجمهور العلماء على أن الرضى بالمقضي مستحب، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، وهو الصحيح.
الرابع: الشكر: وهو أن يقول بلسانه وحاله: " الحمد لله "، ويرى أن هذه المصيبة نعمة، لكن، هذا المقام، قد يقول قائل: كيف يكون؟!
فنقول: يكون لمن وفقه الله تعالى:
فأولا: لأنه إذا علم أن هذه المصيبة كفارة للذنب، وأن العقوبة على الذنب في الدنيا أهون من تأخير العقوبة في الآخرة، صارت هذه المصيبة عنده نعمة يشكر الله عليها.
وثانيا: أن هذه المصيبة إذا صبر عليها، أثيب، لقوله تعالى:{إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر: 10] .
فيشكر الله على هذه المصيبة الموجبة للأجر.
وثالثا: أن الصبر من المقامات العالية عند أرباب السلوك، لا ينال إلا بوجود أسبابه، فيشكر الله على نيل هذا المقام.
ويذكر أن بعض العابدات أصيبت في أصبعها، فشكرت الله، فقيل لها في ذلك، فقالت: إن حلاوة أجرها أنستني مرارة صبرها.
فأهل السنة والجماعة رحمهم الله يأمرون بالصبر على
البلاء، والشكر عند الرخاء، والرضى بمر القضاء.
تتمة:
القضاء يطلق على معنيين:
أحدهما: حكم الله تعالى الذي هو قضاؤه ووصفه، فهذا يجب الرضى به بكل حال، سواء كان قضاء دينيا أم قضاء كونيا، لأنه حكم الله تعالى، ومن تمام الرضى بربوبيته.
فمثال القضاء الديني قضاؤه بالوجوب والتحريم والحل، ومنه قوله تعالى:{وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} [الإسراء: 23] .
ومثال القضاء الكوني: قضاؤه بالرخاء والشدة والغنى والفقر والصلاح والفساد والحياة والموت، ومنه قوله تعالى:{فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ} [سبأ: 14]، ومنه قوله تعالى:{وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا} [الإسراء: 4] .
المعنى الثاني: المقضي، وهو نوعان:
الأول: المقضي شرعا، فيجب الرضى به وقبوله، فيفعل المأمور به، ويترك المنهي عنه، ويتمتع بالحلال.
والنوع الثاني: المقضي كونا.
فإن كان من فعل الله، كالفقر والمرض والجدب والهلاك ونحو ذلك، فقد تقدم أن الرضى به سنة، لا واجب، على القول الصحيح.
- وإن كان من فعل العبد، جرت فيه الأحكام الخمسة، فالرضى بالواجب، وبالمندوب مندوب، وبالمباح مباح، وبالمكروه مكروه، وبالحرام حرام.
ويدعون إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال ويعتقدون معنى قوله صلى الله عليه وسلم: «أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا»
ــ
أي: أطايبها، والكرم من كل شيء هو الطيب منه بحسب ذلك الشيء، ومنه قول الرسول صلى الله عليه وسلم لمعاذ:«إياك وكرائم أموالهم» ، حين أمره بأخذ الزكاة من أهل اليمن.
والأخلاق: جمع خلق، وهو الصورة الباطنة في الإنسان، يعني: السجايا والطبائع، فهم يدعون إلى أن يكون الإنسان سريرته كريمة، فيجب الكرم والشجاعة والتحمل من الناس والصبر، وأن يلاقي الناس بوجه طلق وصدر منشرح ونفس مطمئنة، كل هذه من مكارم الأخلاق.
" محاسن الأعمال " هي مما يتعلق بالجوارح، ويشمل الأعمال التعبدية والأعمال غير التعبدية، مثل البيع والشراء والإجارة، حيث يدعون الناس إلى الصدق والنصح في الأعمال كلها، وإلى تجنب الكذب والخيانة، وإذا كانوا يدعون الناس إلى ذلك، فهم بفعله أولى.
هذا الحديث (1) ينبغي أن يكون دائما نصب عيني المؤمن، فأكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم من الله ومع عباد الله.
- أما حسن الخلق مع الله، فأن تتلقى أوامره بالقبول والإذعان والانشراح وعدم الملل والضجر، وأن تتلقى أحكامه الكونية بالصبر والرضى وما أشبه ذلك.
- أما حسن الخلق مع الخلق، فقيل: هو بذل الندى، وكف الأذى، وطلاقة الوجه.
(1) رواه أحمد / (2/ 250) ، والترمذي (2612) ، وأبو داود (4682) .
ويندبون إلى أن تصل من قطعك
ــ
بذل الندى، يعني: الكرم، وليس خاصا بالمال، بل بالمال والجاه والنفس، وكل هذا من بذل الندى.
وطلاقة الوجه ضده العبوس.
وكذلك كف الأذى بأن لا يؤذي أحدا لا بالقول ولا بالفعل.
أي: يدعون.
«أن تصل من قطعك» : من الأقارب ممن تجب صلتهم عليك، إذا قطعوك، فصلهم، لا تقل: من وصلني، وصلته! فإن هذا ليس بصلة، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام:«ليس الواصل بالمكافئ، إنما الواصل من إذا قطعت رحمه، وصلها» ، فالواصل هو الذي إذا قطعت رحمه، وصلها.
«تسفهم المل» ، أي: كأنما تضع التراب أو الرماد الحار في أفواههم.
فأهل السنة والجماعة يندبون إلى أن تصل من قطعك، وأن تصل من وصلك بالأولى، لأن من وصلك وهو قريب، صار له حقان: حق القرابة، وحق المكافأة، لقول النبي عليه الصلاة والسلام:«من صنع إليكم معروفا، فكافئوه» .
وتعطي من حرمك وتعفو عمن ظلمك
ــ
أي: من منعك، ولا تقل: منعني، فلا أعطيه.
أي: من انتقصك حقك: إما بالعدوان، وإما بعدم القيام بالواجب.
والظلم يدور على أمرين: اعتداء وجحود: إما أن يعتدي عليك بالضرب وأخذ المال وهتك العرض، وإما أن يجحدك فيمنعك حقك.
وكمال الإنسان أن يعفو عمن ظلمه.
ولكن العفو إنما يكون يكون عند القدرة على الانتقام، فأنت تعفو مع قدرتك على الانتقام.
أولا: رجاء لمغفرة الله عز وجل ورحمته، فإن من عفا وأصلح، فأجره على الله.
ثانيا: لإصلاح الود بينك وبين صاحبك، لأنك إذا قابلت إساءته بإساءة، استمرت الإساءة بينكما، وإذا قابلت إساءته بإحسان، عاد إلى الإحسان إليك، وخجل، قال الله تعالى:{وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فصلت: 34] .
فالعفو عند المقدرة من سمات أهل السنة والجماعة، لكن بشرط أن يكون العفو إصلاحا، فإن تضمن العفو إساءة، فإنهم لا يندبون إلى ذلك لأن الله اشترط فقال:{فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ} [الشورى: 40]، أي: كان في عفو إصلاح، أما من كان في عفوه إساءة، أو كان سببا للإساءة، فهنا
ويأمرون ببر الوالدين
ــ
نقول: لا تعف! مثل أن يعفو عن مجرم، ويكون عفوه هذا سببا لاستمرار هذا المجرم في إجرامه، فترك العفو هنا أفضل، وربما يجب ترك العفو حينئذ.
وذلك لعظم حقهما.
ولم يجعل الله لأحد حقا يلي حقه وحق رسوله إلا للوالدين، فقال:{وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [النساء: 36] .
وحق الرسول في ضمن الأمر بعبادة الله، لأنه لا تتحقق العبادة حتى يقوم بحق الرسول عليه الصلاة والسلام، بمحبته واتباع سبيله، ولهذا داخلا في قوله:{وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا} ، وكيف يعبد الله إلا من طريق الرسول صلى الله عليه وسلم، وإذا عبد الله على مقتضى شريعة الرسول، فقد أدى حقه.
ثم يلي حق الوالدين، فالوالدان تعبا على الولد، ولا سيما الأم الأم، قال الله تعالى:{وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا} [الأحقاف: 15]، وفي آية أخرى:{وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ} [لقمان: 14] ، والأم تتعب في الحمل، وعند الوضع، وبعد الوضع، وترحم صبيها أشد من رحمة الوالد له، ولهذا كانت أحق الناس بحسن الصحبة والبر، حتى من الأب.
والأب أيضا يتعب في أولاده، ويضجر بضجرهم، ويفرح لفرحهم، ويسعى بكل الأسباب التي فيها راحتهم وطمأنينتهم وحسن عيشتهم، يضرب الفيافي والقفار من أجل تحصيل العيش له ولأولاده.
فكل من الأم والأب له حق، مهما عملت من العمل، لن تقضي حقهما، ولهذا قال الله عز وجل:{وَقُلْ رَبِّي ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} [الإسراء: 24] ، فحقهم سابق، حيث ربياك صغيرا حين لا تملك لنفس لنفسك نفعا ولا ضرا، فواجبها البر.
والبر فرض عين بالإجماع على كل واحد من الناس، ولهذا قدمه النبي صلى الله عليه وسلم على الجهاد في سبيل الله، كما في حديث ابن مسعود، «قال: قلت: يا رسول الله! أي العمل أحب إلى الله؟ قال: " الصلاة على وقتها ". قلت: ثم أي؟ قال: " بر الوالدين ". قلت: ثم أي؟ قال: " الجهاد في سبيل الله» .
والوالدان هما الأب والأم، أما الجد والجدة، فلهما بر، لكنه لا يساوي بر الأم والأب، لأن الجد والجدة لم يحصل لهما ما حصل للأم والأب من التعب والرعاية والملاحظة، فكان برهما واجبا من باب الصلة لكن هما أحق الأقارب بالصلة، أما البر، فإنه للأم والأب.
لكن، ما معنى البر؟
البر: إيصال الخير بقدر ما تستطيع، وكف الشر.
إيصال الخير بالمال، إيصال الخير بالخدمة، إيصال الخير بإدخال السرور عليهما، من طلاقة الوجه، وحسن المقال والفعال، وبكل ما فيه راحتهما.
ولهذا كان القول الراجح وجوب خدمة الأب والأم على الأولاد، إذا لم يحصل على الولد ضرر، فإن كان عليه ضرر، لم يجب عليه خدمتهما، اللهم إلا عند الضرورة.
ولهذا نقول: إن طاعتهما واجبة فيما فيه نفع لهما ولا ضرر على الولد فيه، أما ما فيه ضرر عليه، سواء كان ضررا دينيا، كأن يأمراه بترك واجب أو فعل محرم، فإنه لا طاعة لهما في ذلك، أو كان ضررا بدنيا، فلا يجب عليه طاعتهما. أما المال، فيجب عليه أن يبرهما ببذله، ولو كثر إذا لم يكن عليه ضرر، ولم تتعلق به حاجته، والأب خاصة له أن يأخذ من مال ولده ما شاء، ما لم يضر.
وإذا تأملنا في أحوال الناس اليوم، وجدنا كثيرا منهم لا يبر بوالديه، بل هو عاق، تجده يحسن إلى أصحابه، ولا يمل الجلوس معهم، لكن لو يجلس إلى أبيه أو أمه ساعة من نهار، لوجدته متململا، كأنما هو على الجمر، فهذا ليس ببار، بل البار من ينشرح صدره لأمه وأبيه ويخدمهما على أهداب عينيه، ويحرص غاية الحرص على رضاهما بكل ما يستطيع.
وصلة الأرحام
ــ
وكما قالت العامة: " البر أسلاف "، فإن البر مع كونه يحصل به البار على ثواب عظيم في الآخرة، فإنه يجازى به في الدنيا. فالبر والعقوق كما يقول العوام:" أسلاف "، أقرض، تستوف، إن قدمت البر، برك أولادك، وإن قدمت العقوق، عقك أولادك..
وهنا حكايات كثيرة في أن من الناس من بر والديه فبر به أولاده، وكذلك العقوق فيه حكايات تدل على أن الإنسان عقه أولاده كما عق هو آباءه.
فأهل السنة والجماعة يأمرون ببر الوالدين.
وكذلك يأمرون بصلة الأرحام.
ففرق بين الوالدين والأقارب الآخرين، الأقارب لهم الصلة، والوالدان لهما البر، والبر أعلى من الصلة، لأن البر كثرة الخير والإحسان، لكن الصلة ألا يقطع، ولهذا يقال في تارك البر: إنه عاق، ويقال فيمن لم يصل: إنه قاطع، فصلة الأرحام واجبة، وقطعها سبب للعنة والحرمان من دخول الجنة، قال الله تعالى:{فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} [محمد: 22 - 23]، وقال النبي عليه الصلاة والسلام:«لا يدخل الجنة قاطع» ، أي: قاطع رحم.
وحسن الجوار
ــ
والصلة جاءت في القرآن والسنة مطلقة.
وكل ما أتى ولم يحدد
…
بالشرع كالحرز فبالعرف احدد
وعلى هذا، يرجع إلى العرف فيها، فما سماه الناس صلة، فهو صلة، وما سماه قطيعة، فهو قطيعة، وهذه تختلف باختلاف الأحوال والأزمان والأمكنة والأمم.
- إذا كان الناس في حالة فقر، وأنت غني، وأقاربك فقراء، فصلتهم أن تعطيهم بقدر حالك.
- وإذا كان الناس أغنياء، وكلهم في خير، فيمكن أن يعد الذهاب إليهم في الصباح أو المساء صلة.
وفي زماننا هذه الصلة بين الناس قليلة، وذلك لانشغال الناس في حوائجهم، وانشغال بعضهم عن بعض، والصلة التامة أن تبحث عن حالهم، وكيف أولادهم، وترى مشاكلهم، ولكن هذه من الأسف مفقودة، كما أن البر التام مفقود عند كثير من الناس.
أي: ويأمرون، يعني: أهل السنة والجماعة بحسن الجوار مع الجيران، والجيران هم الأقارب في المنزل، أدناهم أولاهم بالإحسان والإكرام: قال الله تعالى: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ} [النساء: 36] ، فأوصى الله بالإحسان إلى الجار القريب والجار البعيد.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليكرم جاره» . وقال: «إذا طبخت مرقة، فأكثر من مائها، وتعاهد جيرانك» .
وقال: «ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه» .
وقال: «والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، قيل: ومن يا رسول الله؟ قال: الذي لا يأمن جاره بوائقه» . إلى غير ذلك من النصوص الدالة على العناية بالجار والإحسان إليه وإكرامه.
والجار إن كان مسلما قريبا، كان له ثلاثة حقوق: حق الإسلام، وحق القرابة، وحق الجوار.
وإن كان قريبا جارا، فله حقان: حق القرابة، وحق الجوار.
وإن كان مسلما غير قريب وهو جار، فله حقان: حق الإسلام، وحق الجوار.
وإن كان جارا كافرا بعيدا، فله حق واحد، وهو حق الجوار.
فأهل السنة والجماعة يأمرون بحسن الجوار مطلقا، أيا كان الجار ومن كان أقرب، فهو أولى.
ومن المؤسف أن بعض الناس اليوم يسيئون إلى الجار أكثر مما يسيئون إلى غيره، فتجده يعتدي على جاره بالأخذ من ملكه وإزعاجه.
وقد ذكر الفقهاء رحمهم الله في آخر باب الصلح في الفقه شيئا من أحكام الجوار، فليرجع إليه.
والإحسان إلى اليتامى والمساكين
ــ
كذلك يأمرون، أي: أهل السنة والجماعة بالإحسان إلى هؤلاء الأصناف الثلاثة.
اليتامى: جمع يتيم، وهو الذي مات أبوه قبل بلوغه.
وقد أمر الله تعالى بالإحسان إلى اليتامى، وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم حث عليه في عدة أحاديث.
ووجه ذلك أن اليتيم قد انكسر قلبه بفقد أبيه، فهو في حاجة إلى العناية والرفق.
والإحسان إلى اليتامى يكون بحسب الحال.
والمساكين: هم الفقراء، وهو هنا شامل للمسكين والفقير.
فالإحسان إليهم مما أمر به الشرع في آيات متعددة من القرآن، وجعل لهم حقوقا خاصة في الفيء وغيره.
ووجه الإحسان إليهم أن الفقر أسكنهم وأضعفهم وكسر قلوبهم، فكان من محاسن الإسلام أن نحسن إليهم جبرا لما حصل لهم من النقص والانكسار.
والإحسان إلى المساكين يكون بحسب الحال: فإذا كان محتاجا إلى طعام، فالإحسان إليه بأن تطعمه، وإذا كان محتاجا إلى كسوة، فالإحسان إليه بأن تكسوه، وإلى اعتبار بأن توليه اعتبارا، فإذا دخل المجلس، ترحب به، وتقدمه لأجل، أن ترفع من معنويته.
فمن أجل هذا النقض الذي قدره الله عز وجل عليه بحكمته أمرنا عز وجل أن نحسن إليهم.
وابن السبيل والرفق بالمملوك
ــ
ابن السبيل، وهو المسافر، وهو هنا المسافر الذي انقطع به السفر، أو لم ينقطع، بخلاف الزكاة لأن المسافر غريب، والغريب مستوحش، فإذا آنسته بإكرامه والإحسان إليه، فإن هذا مما يأمر به الشرع.
فإذا نزل ابن سبيل بك ضيفا، فمن إكرامه أن تكرم ضيافته.
لكن قال بعض العلماء: إنه لا يجب إكرامه بضايفته إلا في القرى دون الأمصار!
ونحن نقول: بل هي واجبة في القرى والأمصار، إلا أن يكون هناك سبب، كضيق البيت مثلا، أو أسباب أخرى تمنع أن تضيف هذا الرجل، لكن على كل حال ينبغي إذا تعذر أن تحسن الرد.
يعني: أن أهل السنة والجماعة يأمرون بالرفق بالمملوك.
وهذا يشمل المملوك الآدمي والبهيم:
- فالرفق بالمملوك الآدمي أن تطعمه إذا طعمت، وتكسوه إذا اكتسيت، ولا تكلفه ما لا يطيق.
- والرفق بالمملوك من البهائم سواء كانت ما تركب أو تحلب أو تقتنى، يختلف بحسب ما تحتاج إليه، ففي الشتاء تجعلها في الأماكن الدافئة إذا كانت تتحمل البرد، وفي الصيف في الأماكن الباردة إذا كانت لا تتحمل الحر، ويؤتي لها بالطعام وبالشراب إن لم تحصل عليه بنفسها بالرعي، وإذا كانت مما تحمل، فلا تحمل ما لا تطيق.
- وهذا يدل على كمال الشرع، وأنه لم ينس حتى البهائم، وعلى شمولية طريقة أهل السنة والجماعة.
وينهون عن الفخر والخيلاء والبغي، والاستطالة على الخلق بحق أو بغير حق
ــ
الفخر بالقول، والخيلاء بالفعل، والبغي العدوان، والاستطالة الترفع والاستعلاء.
فينهون عن الفخر: أن يتفاخر الإنسان على غيره بقوله، فيقول: أنا العالم! أنا الغني! أنا الشجاع!
وإن زاد على ذلك أن يستطيل على الآخرين ويقول: ماذا أنتم عندي؟ فيكون هذا فيه بغي واستطالة على الخلق.
والخيلاء تكون بالأفعال، يتخايل في مشيته وفي وجهه وفي رفع رأسه ورقبته إذا مشى، كأنه وصل إلى السماء، والله عز وجل وبخ من كان هذا فعله، وقال:{وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا} [الإسراء: 37] .
فأهل السنة والجماعة ينهون عن هذا، ويقولون: كن متواضعا في القول وفي الفعل، حتى في القول، لا تثن على نفسك بصفاتك الحميدة، إلا حيث دعت الضرورة أو الحاجة إلى ذلك، كقول ابن مسعود رضي الله عنه:" لو أعلم أحدا هو أعلم مني بكتاب الله تبلغه الإبل، لركبت إليه "، فإنه رضي الله عنه قصد بذلك أمرين:
الأول: حث الناس على تعلم كتاب الله تعالى.
والثاني: دعوتهم للتلقي عنه.
والإنسان ذو الصفات الحميدة لا يظن أن الناس تخفى عليهم خصاله
أبدا، سواء ذكرها للناس أم لم يذكرها، بل إن الرجل إذا صار يعدد صفاته الحميدة أمام الناس، سقط من أعينهم، فاحذر هذا الأمر.
والبغي: العدوان على الغير، ومواقعه ثلاثة بينها الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله:«إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام» .
فالبغي على الخلق بالأموال والدماء والأعراض.
- في الأموال، مثل أن يدعى ما ليس له، أو ينكر ما كان عليه، أو يأخذ ما ليس له، فهذا بغي على الأموال.
- وفي الدماء: القتل فما دونه، يعتدي على الإنسان بالجرح والقتل.
- وفي الأعراض: يحتمل أن يراد بها الأعراض، يعني: السمعة، فيعتدي علىه بالغيبة التي يشوه بها سمعته، ويحتمل أن يراد بها الزنى وما دونه، والكل محرم، فأهل السنة والجماعة ينهون عن الاعتداء على الأموال والدماء والأعراض.
وكذلك الاستطالة على الخلق، يعني الاستعلاء عليهم بحق أو بغير حق.
فالاستعلاء على الخلق ينهى عنه أهل السنة والجماعة، سواء كان بحق أو بغير حق، والاستعلاء هو أن الإنسان يترفع على غيره.
وحقيقة الأمر أن من شكر نعمة الله عليك أن الله إذا من عليك بفضل على غيرك من مال أو جاه أو سيادة أو علم أو غير ذلك، فإنه ينبغي أن تزداد تواضعا، حتى تضيف إلى الحسن حسنى، لأن الذي يتواضع في موضع الرفعة هو المتواضع حقيقة.
ويأمرون بمعالي الأخلاق وينهون عن سفاسفها وكل ما يقولونه ويفعلونه من هذا وغيره فإنما هم فيه متبعون للكتاب والسنة. وطريقتهم هي دين الإسلام، الذي بعث الله به محمدا صلى الله عليه وسلم
ــ
ومعنى قوله: " بحق " أي: حتى لو كان له الحق في بيان أنه عال مترفع، فإن أهل السنة والجماعة ينهون عن الاستعلاء والترفع.
أو يقال: إن معنى قوله: " الاستطالة بحق ": أن يكون أصل استطالته حقا، بأن يكون قد اعتدى عليه إنسان، فيعتدي عليه أكثر.
فأهل السنة والجماعة رحمهم الله ينهون عن الاستطالة والاستعلاء على الخلق، سواء كان ذلك بحق أو بغير حق.
أي: ما كان عاليا منها، كالصدق والعفاف وأداء الأمانة ونحو ذلك.
أي: رديئها، كالكذب والخيانة والفواحش ونحو ذلك.
أي: أهل السنة والجماعة.
من هذا وغيره.
وهذه حال بنبغي أن يتتبه لها، وهو أننا كل ما نقوله وكل ما نفعله نشعر حال قوله أو فعله أننا نتبع فيه الرسول عليه الصلاة والسلام، مع الإخلاص لله، لتكون أقوالنا وأفعالنا كلها عبادات لله عز وجل، ولهذا يقال: إن عبادات الغافلين عادات، وعادات المنتبهين عبادات.
فالإنسان الموفق يمكن أن يحول العادات إلى عبادات، والإنسان الغافل يجعل عباداته عادات.
فليحرص المؤمن على أن يجعل أقواله وأفعاله كلها تبعا لكتاب الله
لكن لما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن أمته ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة
ــ
وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ينال بذلك الأجر، ويحصل به كمال الإيمان والإنابة إلى الله عز وجل.
" أن أمته "، يعني: أمة الإجابة، لا أمة الدعوة، لأن أمة الدعوة يدخل فيها اليهود والنصارى، وهم مفترقون، فاليهود إحدى وسبعون فرقة، والنصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وهذه الأمة على ثلاث وسبعين، كلها تنسب نفسها إلى الإسلام واتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قوله: «كلها في النار إلا واحدة» (1) : لا يلزم من ذلك الخلود في النار، وإنما المعنى أن عملها مما تستحق به دخول النار.
وهذه الثلاث والسبعون فرقة، هل وقعت الآن وتمت أو هي في المنظور؟
أكثر الذين تكلموا على هذا الحديث قالوا: إنها وقعت وانتهت، وصاروا يقسمون أهل البدع إلى خمسة أصول رئيسية، ثم هذه الخمسة الأصول يفرعون عنها فرقا، حتى أوصلوها إلى اثنتين وسبعين فرقة، وأبقوا فرقة واحدة، وهي أهل السنة والجماعة.
وقال بعض العلماء: إن الرسول عليه الصلاة والسلام أبهم هذه الفرق، ولا حاجة أن نتكلم فنقسم البدع الموجودة الآن إلى خمسة أصول، ثم نقسم هذه الأصول إلى فروع، حتى يتم العدد، حتى إننا نجعل الفرع أحيانا فرقة تامة من أجل مخالفتها في فرع واحد، فإن هذا لا يعد فرقة مستقلة.
(1) رواه الإمام أحمد جـ 4 ص 102، وأبو داود [4597] .
وهي الجماعة، وفي حديث عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:«هم من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي» صار المتمسكون بالإسلام المحض الخالص عن الشوب هم أهل السنة والجماعة
ــ
فالأولى: أن نقول: إن هذه الفرق غير معلومة لنا، ولكننا نقول: بلا شك أنها فرق خرجت عن الصراط المستقيم، منها ما خرج فأبعد، ومنها ما خرج خروجا متوسطا، ومنها ما خرج خروجا قريبا، ونلزم بحصرها، لأنه ربما يخرج فرق تنتسب للأمة الإسلامية غير التي عدها العلماء، كما هو الواقع، فقد خرج فرق تنتسب إلى الإسلام من غير الفرق التي كانت قد عدت في عهد العلماء السابقين.
وعلى كل حال، فالرسول عليه الصلاة والسلام أخبر أن أمته أمة الإجابة ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة، كلها ضالة، وفي النار، إلا واحدة، وهي:
" الجماعة "، يعني: التي اجتمعت على الحق ولم تتفرق فيه.
الذين كانوا على ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه هم الجماعة الذين اجتمعوا على شريعته، وهم الذين امتثلوا ما وصى الله به:{أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} [الشورى: 13] ، فهم لم يتفرقوا، بل كانوا جماعة واحدة.
جملة " صار " جواب الشرط قوله: " لكن لما ".
فإذا سئلنا: من أهل السنة والجماعة؟
فنقول: هم المتمسكون بالإسلام المحض الخالص عن الشوب.
وهذا التعريف من شيخ الإسلام ابن تيمية يقتضي أن الأشاعرة والماتريدية ونحوهم ليسوا من أهل السنة والجماعة، لأن تمسكهم مشوب بما
وفيهم الصديقون
ــ
أدخلوا فيه من البدع.
وهذا هو الصحيح، أنه لا يعد الأشاعرة والماتريدية فيما ذهبوا إليه في أسماء الله وصفاته من أهل السنة والجماعة.
وكيف يعدون من أهل السنة والجماعة في ذلك مع مخالفتهم لأهل السنة والجماعة؟!
لأنه يقال: إما إن يكون الحق فيما ذهب إليه هؤلاء الأشاعرة والماتريدية، أو الحق فيما ذهب إليه السلف. ومن المعلوم أن الحق فيما ذهب إليه السلف، لأن السلف هنا هم الصحابة والتابعون وأئمة الهدى من بعدهم، فإذا كان الحق فيما ذهب إليه السلف، وهؤلاء يخالفونهم، صاروا ليسوا من أهل السنة والجماعة في ذلك.
قوله: " وفيهم "، أي في أهل السنة.
" الصديقون ": جمع صديق، من الصدق، وهذه الصيغة للمبالغة، وهو الذي جاء بالصدق وصدق به، كما قال تعالى:{وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} [الزمر: 33] ، فهو صادق في قصده، وصادق في قوله، وصادق في فعله.
- أما صدقه في قصده، فعنده تمام الإخلاص لله عز وجل، وتمام المتابعة للرسول عليه الصلاة والسلام، قد جرد الإخلاص والمتابعة، فلم يجعل لغير الله تعالى شركا في العمل، ولم يجعل لغير سنة الرسول صلى الله عليه وسلم اتباعا في عمله، فلا شرك عنده ولا ابتداع.
- صادق في قوله، لا يقول إلا صدقا، وقد ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: " «عليكم بالصدق، فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر»
والشهداء
ــ
«يهدي إلى الجنة، ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا» .
- صادق في فعله، بمعنى: أن فعله لا يخالف قوله، فإذا قال، فعل، وبهذا يخرج عن مشابهة المنافقين الذين يقولون ما لا يفعلون ".
- وأيضا يصدق بما قامت البينة على صدقه، فليس عنده رد للحق، ولا احتقار للخلق.
ولهذا كان أبو بكر أول من سمي الصديق من هذه الأمة، لأنه لما أسري بالنبي عليه الصلاة والسلام، وجعل يتكلم أنه أسري به إلى بيت المقدس وعرج به إلى السماء، صار الكفار يضحكون به ويكذبونه ويقولون: كيف تذهب يا محمد في ليلة وتصل في ليلة إلى ما وصلت إليه في السماء ونحن إذا ذهبنا إلى الشام نبقى شهرا لم نصله وشهرا للرجوع؟! فاتخذوا من هذا سلما ليكذبوا الرسول عليه الصلاة والسلام، ولما وصلوا إلى أبي بكر، وقالوا: إن صاحبك يحدث ويقول كذا وكذا! قال: إن كان قال ذلك، فقد صدق. فمن ذلك اليوم سمي الصديق، وهو أفضل الصديقين من هذه الأمة وغيرها.
" الشهداء " جمع شهيد، بمعنى: شاهد.
فمن هم الشهداء؟
- قيل: هم العلماء، لأن العالم يشهد بشرع الله، ويشهد على عباد الله بأنها قامت عليهم الحجة، ولهذا يعد العالم مبلغا عن الله عز وجل
وفيهم الصالحون ومنهم أعلام الهدى ومصابيح الدجى أولو المناقب المأثورة والفضائل المذكورة
ــ
ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم، فيكون شاهدا بالحق على الخلق.
- وقيل: إن الشهيد من قتل في سبيل الله.
- والصحيح أن الآية عامة لهذا وهذا.
الصالح ضد الفاسد، وهو الذي قام بحق الله وحق عباده، وهو غير المصلح، فالإصلاح وصف زائد على الصلاح، فليس كل صالح مصلحا، فإن من الصالحين من همه هم نفسه، ولا يهتم بغيره، وتمام الصلاح بالإصلاح.
الأعلام: جمع علم، وهو في الأصل الجبل، قال الله تعالى:{وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِي فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ} [الشورى: 32]، يعني: الجبال، وسمي الجبل علما، لأنه يهتدى به ويستدل به.
" أعلام الهدى ": الذين يستدل الناس بهم ويهتدون بهديهم، وهم العلماء الربانيون، فإنهم هم الهداة، وهم مصابيح الدجى.
المصابيح: جمع مصباح، وهو يستصبح به للإضاءة.
الدجى: جمع دجية، وهي الظلمة، أي: هم مصابيح الظلم، يستضيء بهم الناس، ويمشون على نورهم.
" المناقب ": جمع منقبة، وهي المرتبة، أي: ما يبلغه الإنسان من الشرف والسؤدد.
" الفضائل "، جمع فضيلة، وهي الخصال الفاضلة، التي يتصف
وفيهم الأبدال وفيهم أئمة الدين الذين أجمع المسلمون على هدايتهم ودرايتهم
وهم الطائفة المنصورة
ــ
بها الإنسان من العلم والعبادة والزهد والكرم وغير ذلك، فالفضائل سلم للمناقب.
" الأبدال ": جمع بدل، وهم الذين تميزوا عن غيرهم بالعلم والعبادة، وسموا أبدالا: إما لأنهم كلما مات منهم واحد، خلفه بدله، أو أنهم كانوا يبدلون سيئاتهم حسنات، أو أنهم كانوا أسوة حسنة كانوا يبدلون أعمال الناس الخاطئة صابئة، أو لهذا كله وغيره.
الإمام: هو القدوة، وفي أهل السنة والجماعة أئمة الدين الذين أجمع المسلمون على هدايتهم، مثل: الإمام أحمد، والشافعي، ومالك، وأبي حنيفة، وسفيان الثوري، والأوزاعي، وغيرهم من الأئمة المشهورين المعروفين، كشيخ الإسلام ابن تيمية، وشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب.
وقوله: " أئمة الدين ": خرج به أئمة الضلال من أهل البدع، فهؤلاء ليسوا من أهل السنة والجماعة، بل هم على خلاف أهل السنة والجماعة، وهم، وإن سموا أئمة، فإن من الأئمة أئمة يدعون إلى النار، كما قال تعالى عن آل فرعون:{وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنْصَرُونَ} [القصص: 41] .
يعني: أهل السنة والجماعة هم الطائفة المنصورة التي نصرها الله عز وجل، لأنهم داخلون في قوله تعالى:{إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} [غافر: 51] ، فهم منصورون، والعاقبة لهم.
ولمن لا بد قبل النصر من معاناة وتعب وجهاد؛ لأن النصر يقتضي
الذين قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين؛ لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم، حتى تقوم الساعة»
ــ
منصورا ومنصورا عليه، إذا، فلا بد من مغالبة، ولا بد من محنة، ولكن، كما قال ابن القيم رحمه الله:
الحق منصور وممتحن فلا
…
تعجب فهذي سنة الرحمن
فلا يلحقك العجز والكسل إذا رأيت أن الأمور لم تتم لك بأول مرة، بل اصبر وكرر مرة بعد أخرى، واصبر على ما يقال فيك من استهزاء وسخرية، لأن أعداء الدين كثيرون.
لا يثني عزمك أن ترى نفسك وحيدا في الميدان، فأنت الجماعة وإن كنت واحدا، ما دمت على الحق، ولهذا ثق بأنك منصور إما في الدنيا وإما في الآخرة.
ثم إن النصر ليس نصر الإنسان بشخصه، بل النصر الحقيقي أن ينصر الله تعالى ما تدعو إليه من الحق، أما إذا أصيب الإنسان بذل في الدنيا، فإن ذلك لا ينافي النصر أبدا، فالنبي عليه الصلاة والسلام أوذي إيذاء عظيما، لكن في النهاية انتصر على من آذاه، ودخل منصورا مؤزرا ظافرا بعد أن خرج منها خائفا.
هذا الحديث أخرجه البخاري ومسلم بنحو ما ساقه المؤلف عن عدد من الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قوله: " لا تزال ": هذا من أفعال الاستمرار، وأفعال الاستمرار
أربعة، وهي: فتئ، وانفك، وبرح، وزال إذا دخل عليها النفي أو شبهه.
فقوله: «لا تزال طائفة من أمتي على الحق» ، يعني: تستمر على الحق.
وهذه الطائفة غير محصورة بعدد ولا بمكان ولا بزمان، يمكن أن تكون بمكان تنصر فيه في شيء من أمور الدين، وفي مكان آخر تنصر فيه طائفة أخرى، وبمجموع الطائفتين يكون الدين باقيا منصورا مظفرا.
وقوله: " لا يضرهم "، ولم يقل: لا يؤذيهم، لأن الأذية قد تحصل، لكن لا تضر، وفرق بين الضرر والأذى، ولهذا قال الله تعالى في الحديث القدسي:«يا عبادي! إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني» ، وقال سبحانه وتعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} [الأحزاب: 57]، وفي الحديث القدسي:«يؤذيني ابن آدم، يسب الدهر، وأنا الدهر» ، فأثبت الأذى ونفى الضرر، وهذا ممكن، ألا ترى الرجل يتأذى برائحة البصل ونحوه، ولا يتضرر بها.
وفي قوله: «حتى تقوم الساعة» : إشكال، لأنه قد ثبت في الصحيح أنها «لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض: الله، الله» ، أي: حتى يمحى الإسلام كله، ولا يبقى من يعبد الله أبدا، فكيف قال هنا:" حتى تقوم الساعة "؟!
وأجاب عنه العلماء بأحد جوابين:
فنسأل الله العظيم أن يجعلنا منهم، وأن لا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا، وأن يهب لنا من لدنه رحمة، إنه هو الوهاب، والله أعلم، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
ــ
1 -
إما أن يكون المراد حتى قرب قيام الساعة، والشيء قد يعبر به عما قرب منه إذا كان قريبا جدا، وكأن هؤلاء المنصورون إذا ماتوا، فإن الساعة تكون قريبة جدا.
2 -
أو يقال: إن المراد بالساعة ساعتهم.
ولكن القول الأول أصح، لأنه إذا قال:«حتى تقوم الساعة» ، فقد تقوم ساعاتهم قبل الساعة العامة بأزمنة طويلة، وظاهر الحديث أن هذا النصر سيمتد إلى آخر الدنيا، فالصواب أن المراد بذلك إلى قرب قيام الساعة. والله أعلم.
بهذا الدعاء الجليل ختم المؤلف رحمه الله هذه الرسالة القليلة اللفظ الكثيرة المعنى، وهي تعتبر خلاصة مذهب أهل السنة والجماعة وفيها فوائد عظيمة، ينبغي لطالب العلم أن يحفظها.
والحمد لله رب العالمين على الإتمام، ونسأل الله أن يتم ذلك بالقبول والثواب، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين.
قمت بمراجعة الكتاب وإضافة ما تدعو الضرورة إليه وحذف ما لا يحتاج إليه في يوم الجمعة السابع عشر من شعبان سنة 1414هـ
وقمت بمراجعته مع المضاف مساء يوم الخميس السابع والعشرين من صفر سنة 1415هـ