الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الأعمال بالخواتيم]
والأعمال بالخواتيم (1) ، والسعيد من سعد بقضاء الله والشقي من شقي بقضاء الله (2) .
[الإيمان بالقضاء والقدر]
45-
وأصل القدر سر الله تعالى في خلقه (3)
(1)
…
هذا طرف من حديث لسهل بن سعد الساعدي، أخرجه أحمد والبخاري، وهو مخرج في المصدر السابق (216) . (ن)
(2)
…
أ) قال الحافظ ابن رجب والإيمان بالقدر على درجتين؛ إحداهما: الإيمان بأن الله سبق في علمه ما يعمله العباد من خير وشر وطاعة ومعصية قبل خلقهم وإيجادهم ومن هو منهم من أهل الجنة ومن هو منهم من أهل النار وأعد لهم الثواب والعقاب جزاء لأعمالهم قبل خلقهم وتكوينهم، وأنه كتب ذلك عنده وأحصاه وأن أعمال العباد تجرى على ما سبق في علمه وكتابه، والدرجة الثانية: أن الله خلق أفعال العباد كلها من الكفر والإيمان والطاعة والعصيان وشاءها منهم فهذه الدرجة يثبتها أهل السنة والجماعة وتنكرها القدرية والدرجة الأولى أثبتها كثير من القدرية ونفاها غلاتهم كمعبد الجهني، وقد قال كثير من أهل السلف؛ ناظروا القدرية بالعلم فإن أقروا به خصموا وإن جحدوا كفروا وما أحسن قول الإمام الشافعي؛
فما شئت كان وإن لم أشأ
وما شئت إن لم تشأ لم يكن
خلقت العباد على ما علمت
ففي العلم يجري الفتى والمسن
على ذا مننت وهذا خذلت
وهذا أعنت وذا لم تعن
فمنهم شقي ومنهم سعيد
ومنهم قبيح ومنهم حسن (م)
ب) هذا معنى حديث أخرجه البزار وغيره من حديث أبي هريرة مرفوعاً بلفظ: ((الشقي من شقي في بطن أمه، والسعيد من سعد في بطن أمه)) . وسنده صحيح كما بينته في ((الروض النضير)) (1098) و ((تخريج السنة)) (188) . (ن)
(3)
…
قال الشارح، أصل القدر سر الله في خلقه وهو كونه أوجد وأفنى وأفقر وأغنى وأمات وأحيا وأضل وهدى والذي عليه أهل السنة والجماعة أن كل شيء بقضاء الله وقدره، وأن الله تعالى خالق أفعال العباد قال تعالى {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} وأن الله تعالى
=
…
يريد الكفر من الكافر ويشاؤه ولا يرضاه ولا يحبه فيشاؤه كوناً ولا يرضاه ديناً قلت وهذه الإرادة هي الإرادة الكونية القدرية وأما إرادة الإيمان من المؤمن وسائر الأعمال الصالحة فهي إرادة كونية قدرية شرعية وكل أفعال العباد من طاعة ومعصية وكفر وإيمان وقع ذلك منهم بمشيئة الله تعالى وهذا معنى ما شاء الله كان وما لم يشأن لم يكن (م)
، لم يطلع على ذلك ملك مقرب ولا نبي مرسل. والتعمق والنظر في ذلك ذريعة للخذلان وسلم الحرمان ودرجة الطغيان. فالحذر كل الحذر من ذلك نظرا وفكرا ووسوسة (1) . فإن الله تعالى طوى علم القدر عن أنامه ونهاهم عن مرامه كما قال تعالى في كتابه:{لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} (2)
(1)
…
قلت: وهذا التعمق هو المراد-والله أعلم-بقوله صلى الله عليه وسلم:.. وإذا ذكر القدرفأمسكوا)) . وهو حديث صحيح، روي عن جمع من الصحابة، وقد خرجته في ((الصحيحة)) (34) . (ن)
(2)
…
أي لكمال حكمته ورحمته وعدله، لا لمجرد قهره وقدرته كما يقول جهم وأتباعه. كذا في ((الشرح)) وراجع فيه تحقيق أن مبنى العبودية والإيمان على التسليم وعدم الأسئلة عن تفاصيل الحكمة في الأوامر والنواهي والشرائع، فإنه مهم جداً لولا ضيق المجال لنقلته برمته لنفاسته وعزته. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في ((مجموع الفتاوى)) (1/148-150) باختصار بعض الفقرات:
((والإيمان بالقدر على درجتين، كل درجة تتضمن شيئين:
فالدرجة الأولى: الإيمان بأن الله تعالى علم ما الخلق عاملون بعلمه القديم الذي هو موصوف به أزلاً، وعلم جميع أحوالهم من الطاعات والمعاصي، والأرزاق والآجال.
ثم كتب الله في اللوح المحفوظ مقادير الخلق، ((فأول ما خلق الله القلم، قال له (*) :
=
(*) كذا وقع هنا، وهو بمعنى رواية ((فقال له)) لكن الراجح عندي الرواية الأخرى بلفظ:((ثم قال له)) كما كنت حققته في ((تخريج شرح الطحاوية)) . وله شاهد عن ابن عباس خرجته في الصحيحة (133) . (ن)
…
أكتب، قال: ما أكتب؟ قال: أكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة فما أصاب الإنسان لم يكن ليخطئه، وما أخطأه، لم يكن ليصيبه. جفت الأقلام وطويت الصحف، كما قال تعالى:{أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [الحج: 70] .
…
وهذا التقدير التابع لعلمه سبحانه يكون في مواضع جملة وتفصيلاً، فقد كتب في اللوح المحفوظ ما شاء، وإذا خلق جسد الجنين قبل نفخ الروح فيه بعث إليه ملكاً، فيؤمر بأربع كلمات.
اكتب رزقه، وأجله، وعمله وشقي أو سعيد ونحو ذلك. فهذا القدر ينكره غلاة القدرية قديماً، ومنكره اليوم قليل.
وأما الدرجة الثانية: فهو مشيئة الله النافذة، وقدرته الشاملة، وهو الإيمان بأن ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، وأنه ما في السماوات والأرض من حركة ولا سكون إلا بمشيئة الله سبحانه، ولا يكون في ملكه إلا ما يريد، وأنه سبحانه وتعالى على كل شيء قدير من الموجودات والمعدومات.
ومع ذلك فقد أمر العباد بطاعته وطاعة رسله، ونهاهم عن معصيته. وهو سبحانه يحب المتقين، والمحسنين والمقسطين، ويرضى عن الذين آمنوا وعملوا الصالحات، ولا يحب الكافرين، ولا يرضى عن القوم الفاسقين، ولا يأمر بالفحشاء، ولا يرضى لعباده الكفر، ولا يحب الفساد. والعباد فاعلون حقيقة، والله خالق أفعالهم، والعبد هو المؤمن والكافر، والبر والفاجر، والمصلي والصائم، وللعباد قدرة على أعمالهم، ولهم إرادة، والله خالقهم وخالق قدرتهم وإرادتهم، كما قال تعالى:{لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ * وَمَا تَشَاءُونَ إِلَاّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [التكوير: 28، 29] وهذه الدرجة من القدر يكذب بها عامة القدرية، الذين سماهم النبي صلى الله عليه وسلم مجوس هذه الأمة، ويغلو فيها قوم من أهل الإثبات حتى سلبوا العبد قدرته واختياره، ويخرجون عن أفعال الله وأحكامه حكمها ومصالحها.
قلت: ويشير بكلامه الأخير إلى الأشاعرة، فإنهم هم الذين غلوا وأنكروا الحكمة على مافصله ابن القيم في ((شفاء العليل في القضاء والقدر والحكمة والتعليل)) . فراجعه فإنه هام جداً. (ن)
[الانبياء: 23]، فمن سأل: لم فعل؟ فقد رد حكم الكتاب، ومن رد حكم الكتاب كان من الكافرين.
46-
فهذا جملة (1) ما يحتاج إليه من هو منور قلبه من أولياء الله تعالى، وهي درجة الراسخين في العلم، لأن العلم علمان: علم في الخلق موجود، وعلم في الخلق مفقود (2)
(1)
…
المشار إليه بقوله: فهذا هو ما تقدم ذكره مما يجب اعتقاده والعمل بما جاءت به الشريعة وقوله: وهي درجة الراسخين في العلم أي علم ما جاء به الرسول جملة وتفصيلاً نفياً وإثباتاً ويعني بالعلم المفقود علم القدر الذي طواه الله عن أنامه ونهاهم عن مرامه ويعني بالعلم الموجود علم الشريعة أصولها وفروعها فمن أنكر شيئاً مما جاء به الرسول كان من الكافرين، ومن ادعى علم الغيب كان من الكافرين (انتهى من الشرح) وقد ذكر أدلة هذه الأحكام فليراجع. (م)(ن)
(2)
…
مراده رحمه الله بالعلم المفقود هو علم الغيب وهو مختص بالله عز وجل ومن ادعاه من الناس كفر لقول الله سبحانه: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَاّ هُوَ} [الأنعام: 59]{قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَاّ اللَّه} [النمل: 65] وقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((مفاتح الغيب خمس لا يعلمهن إلا الله ثم تلا قوله سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ} [لقمان: 34] . ولأحاديث صحيحة كثيرة وردت في الباب تدل على أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يعلم الغيب مع أنه أفضل الخلق وسيد الرسل فغيره من باب أولى وهو صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يعلم من ذلك إلا ما علمه إياه سبحانه ولما تكلم أهل الإفك في عائشة رضي الله عنها لم يعلم براءتها إلا بنزول الوحي ولما ضاع عقدها في بعض أسفاره صلى الله عليه وعلى آله وسلم بعث جماعة في طلبه ولم يعلم مكانه حتى أقاموا البعير فوجدوه تحته والأدلة من الكتاب والسنة في هذا كثيرة والحمد لله. (ز)