الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فإنكار العلم الموجود كفر، وادعاء العلم المفقود كفر. ولا يثبت الإيمان إلا بقبول العلم الموجود وترك طلب العلم المفقود.
[الإيمان باللوح والقلم]
47-
ونؤمن باللوح (1)
(1)
…
أ) قوله ونؤمن باللوح والقلم
…
إلخ قال الله تعالى {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ * فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ} فالقرآن الكريم مكتوب في اللوح المحفوظ، كما أخبر الله سبحانه بذلك وجبريل عليه السلام سمعه من الله وبلغه نبينا محمداً عليه الصلاة والسلام منزل من ربك بالحق، ولم يقل من اللوح المحفوظ ولا منافاة بين كونه في اللوح المحفوظ وبين إنزاله من الله كما حققه شيخ الإسلام ابن تيمية، وقال شيخ الإسلام واللوح المحفوظ فوق السموات وقد جاء في الحديث أنه لا ينظر فيه غيرالله عزوجل قلت ومن هذا يتبين لنا ضلال من قال إن روح العبد تطلع على اللوح المحفوظ، فإن هذا قول الفلاسفة وهو من خرافات عباد الصالحين أو الطالحين كما هو راسخ بينهم فاحذروه فإنه كذب.
وأما القلم المذكور فهو الذي خلقه الله وكتب به في اللوح المحفوظ المقادير، كما في حديث عبادة بن الصامت الذي رواه أبو داود مرفوعاً ((أول ما خلق الله القلم فقال له: اكتب قال رب وما أكتب قال أكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة)) .
واختلف العلماء: هل القلم أول المخلوقات أو العرش على قولين حكاهما ابن القيم في النونية، واختار أن القلم خلق بعد خلق العرش ولهذا قال:
والناس يختلفون في الذي
كتب القضاء به من الديان
هل كان قبل العرش أو هو بعده
قولان عند أبي العلا الهمذاني
والحق أن العرش قبل لأنه
وقت الكتابة كان ذا أركان
وكتابة القلم الشريف تعقبت
إيجاده من غير فصل زمان (م)
ب) قلت: وهو المذكور في قوله تعالى: {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ * فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ} [البروج: 22] وهو من الغيب الذي يجب الإيمان به ولا يعرف حقيقته إلا الله، واعتقاد أن بعض الصالحين يطلعون على ما فيه كفر بالآيات والأحاديث المصرحة بأنه لا يعلم الغيب إلا الله تعالى. (ن)
والقلم (1) ، وبجميع ما فيه قد رقم. فلو اجتمع الخلق كلهم على شيء كتبه الله تعالى فيه أنه كائن ليجعلوه غير كائن -لم يقدروا عليه. ولو اجتمعوا كلهم على شيء لم يكتبه الله تعالى فيه ليجعلوه كائنا -لم يقدروا عليه جف القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة (2) ، وما أخطأ العبد لم يكن ليصيبه وما أصابه لم يكن ليخطئه (3) .
(1)
…
قلت ذكر الشارح هنا أن العلماء اختلفوا هل القلم أول المخلوقات، أو العرش؟ على قولين لا ثالث لهما، وأنا وإن كان الراجح عندي الأول، كما كنت صرحت به في
=
…
تعليقي عليه (ص295) فإني أقول الآن: سواء كان الراجح هذا أم ذاك، فالاختلاف المذكور يدل بمفهومه على أن العلماء اتفقوا على أن هناك أول مخلوق، والقائلون بحوادث لا أول لها، مخالفون لهذا الاتفاق، لأنهم يصرحون بأن ما من مخلوق إلا وقبله مخلوق، وهكذا إلى ما لا أول له، كما صرح بذلك ابن تيمية في بعض كتبه، فإن قالوا: العرش أول مخلوق، كما هو ظاهر كلام الشارح، نقضوا قولهم بحوادث لا أول لها. وإن لم يقولوا بذلك خالفوا الاتفاق! فتأمل هذا فإنه مهم. والله الموفق. (ن)
(2)
…
هذا طرف من حديث ابن عباس المشهور بلفظ: ((احفظ الله يحفظك
…
)) الحديث. وهو حديث صحيح كما ذكرت في ((التخريج)) (ص274) . (ن)
(3)
…
هذا من تمام حديث ابن عباس المشار إليه آنفاً في رواية عنه. (ن)
48-
وعلى العبد أن يعلم أن الله قد سبق علمه في كل كائن من خلقه (1) ، فقدر ذلك تقديراً محكماً مبرماً ليس فيه ناقض ولا معقب، ولا مزيل ولا مغير، ولا ناقص ولا زائد من خلقه في سماواته وأرضه، وذلك (2) من عقد الإيمان، وأصول المعرفة، والاعتراف بتوحيد الله تعالى وربوبيته (3)، كما قال تعالى في كتابه:{وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً} [الفرقان: 2] وقال تعالى: {وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً} [الأحزاب: 38] .
فويل لمن صار لله تعالى في القدر خصيماً، وأحضر للنظر فيه قلباً سقيماً، لقد التمس (4) بوهمه في فحص الغيب سراً كتيماً. وعاد بما قال فيه أفاكاً أثيماً.
(1)
…
هذا فيه رد لما ذهب إليه غلاة المعتزلة الذين أنكروا كون الله تعالى عالماً في الأزل وقالوا إن الله تعالى لا يعلم أفعال العباد، حتى يفعلوها، تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً، قال الله تعالى {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك: 14] . (م)
(2)
…
الإشارة إلى ما تقدم من الإيمان بالقدر، وسبق علم الله تعالى بالكائنات قبل خلقها. (م)
(3)
…
قوله والاعتراف بتوحيد الله وربوبيته، أي لا يتم التوحيد والاعتراف بالربوبية إلا بالإيمان بصفات الله تعالى. فإن من زعم خالقاً غير الله فقد أشرك فكيف بمن زعم أن كل أحد يخلق فعله، ولهذا كانت القدرية مجوس هذه الأمة. (م)
(4)
…
وقوله لقد التمس بوهمه في فحص الغيب سراً كتيماً أي بوهمه في البحث عن البعث سراً مكتوماً؛ إذ القدر سر الله في خلقه؛ فهو يروم ببحثه الاطلاع على الغيب. وقد قال تعالى: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً} وقوله وعاد بما قال فيه أي في القدر أفاكاً أثيماً أي مأثوماً. اهـ شرح. (م)