المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل السادساللجنة الأفريقية - محاضرات في تاريخ الجزائر الحديث

[أبو القاسم سعد الله]

الفصل: ‌الفصل السادساللجنة الأفريقية

‌الفصل السادس

اللجنة الأفريقية

هناك عدة أسباب جعلت الحكومة الفرنسية ترسل لجنة تحقيق إلى الجزائر لتعاين الوضع وتقدم تقريرا عنه يتضمن اقتراحات واضحة حول مستقبل البلاد. من ذلك: المناقشة الحادة التي جرت في البرلمان حول تخصيص ميزانية لمواصلة الحرب في الجزائر، والحملة التي قام بها بعض الجزائريين المنفيين، وخصوصا حمدان خوجة، ضد تصرفات الإدارة الفرنسية في الجزائر، وضغط الرأي العام الأوربي على فرنسا للإعلان عن موقفها الرسمي من الاحتفاظ أو التخلي عن الجزائر.

وافق ملك الفرنسيين، لويس فيليب، على هذه اللجنة، التي أصبحت تعرف باسم اللجنة الأفريقية، بتارخ 7 جويليه 1833، بناء على تقرير قدمه إليه وزير الحربية المارشال سولت soult وقد أعلن رسميا أن هدف اللجنة هو جمع المعلومات التي تنير الحكومة عن حالة الجزائر الحاضرة وعن مستقبلها. وفي نفس الوقت قضى الملك أن ينضم أعضاء اللجنة المذكورة إلى لجنة أخرى تتكون بعد عودة اللجنة الأولى إلى فرنسا.

والجدير بالذكر أن الحكومة قد أعطت إلى اللجنة (تعليمات) تتضمن النقاط التي تريد منها التعرف عليها وتطلب منها إيجاد حلول للمشاكل الهامة التي كانت تواجهها الجزائر. كما أعطتها (برنامج) عمل مفصل تسير على ضوئه. ومن السهل أن يستنتج المرء، من (التعليمات) و (البرنامج)، أن الحكومة الفرنسية كانت قد قررت مسبقا ماذا ستفعل بالجزائر وأن إرسال

ص: 97

اللجنة المذكورة ما هو إلا محاولة لإعطاء مرقفها صورة واسعة شعبية.

وكان من الممكن أن تعلن الحكومة عن موقفها نحو الجزائر دون إرسال اللجنة.

وصلت اللجنة إلى الجزائر بتاريخ 2 سبتمبر 1833. وكان رئيسها هو الجنرال بوني Bonnet وكاتبها هو السيد بيسكاتوري Piscatory النائب في البرلمان. وفي اليوم التالي استقبلت اللجنة ممثلي السلطات المدنية والعسكرية في الجزائر كما استقبلت أعضاء الغرفة التجارية ولجنة استعمار الأراضي.

ومن الذين استقبلتهم أيضا وفود عن المستوطنين الفرنسيين (الكولون)، وعن التجار الأوربيين، وعن أعيان العرب الحضريين (المور)، بالإضافة إلى وفد عن يهود الجزائر. والهدف من هذه الاستقبالات هو توضيح مهمة اللجنة وتهدئة الخواطر. والملاحظ أن اللجنة تفادت التصريح بأي شيء فيه التزام أو يعرقل حرية الرأي بالنسبة لأعضائها (1).

وفي 6 من الشهر المذكور عقدت اللجنة أول جلسة عمل قسمت خلالها الأعمال حسب اختصاصات الأعضاء. ونتيجة لذلك اختص الجنرال بوني بالمسائل العسكرية، والجنرال مونفور Montfort بالطرق والقناطر، والسيد دوفال دايي D. Dailly بالبحرية، والسيد لورانس Laurence بالإدارة والتشريع والقضاء، والسيد دوبير سار D. Auberssart بالمالية والضرائب والعقارات، والسيد رينار Reynard بالتجارة والصناعة والجمارك. والسيد دي لابينسورنيير de la pinsonniére بالزراعة واستغلال الأرض (الاستعمار). ويتضح من تقسيم الأعمال اهتمام اللجنة بالمسائل التي ستقدم تقارير عنها إلى الحكومة أثر عودتها إلى فرنسا.

كانت (التعليمات) التي سلمتها الحكومة إلى اللجنة تحتوي على 24 صفحة

(1) اللجنة الأفريقية، (باريس 1824)(محاضر)، ج 2، ص 1.

ص: 98

وفيها أسئلة كان على اللجنة أن تجيب عليها، ومنها: هل تحتفظ فرنسا بالجزائر أو تتخلى عنها، وفي كلا الحالتين ما فائدة فرنسا؟ ثم ما طريقة العمل إذا كان الاحتفاظ هو الحل المقترح، وما الوسائل التي على الحكومة استعمالها لتنفيذ الاقتراح؟ ومن جهة أخرى تقتضي التعليمات أن توضح اللجنة جميع أوجه الحالة الراهنة في الجزائر. وإلى جانب ذلك تحتوي (التعليمات) على وصف هام لحالة وطبقات السكان الجزائريين وحالة الأراضي. ونلاحظ أن (التعليمات) تميل إلى الرأي القائل بالاحتفاظ بالجرائر، وكأن مهمة اللجنة هي البحث عن وسائل الاحتفاظ بالجزائر في ضوء تجارب السنوات السابقة وليس الإجابة على ما إذا كان الاحتفاظ جائزا، أو ممكنا.

وقد تنقلت اللجنة في مدينة الجزائر وضواحيها فزارت المؤسسات العامة وسهل متيجة متنقلة من الحميز (وادي الخميس) إلى البليدة. وأثناء ذلك زارت المراكز العسكرية وتنقلت في الطرق الجديدة باحثة عن المنشآت الصناعية التي قيل لها أنها كانت موجودة. وفي 14 من الشهر المذكور رحلت اللجنة إلى عنابة وزارت أيضا بعض مناطقها التي أصبحت بيد الفرنسيين. وفي 4 أكتوبر ذهبت إلى مدينة وهران وتنقلت في ضواحيها، وزارت خليج أرزيو في 15 أكتوبر. وحاولت زيارة مستغانم ولكنها لم تنجح وفي 16 منه زار بعض أعضائها مدينة بجاية التي استولى عليها العفرنسيون حديثا. وأخيرا عادت اللجنة إلى مدينة الجزائر في 23 أكتوبر.

عقدت اللجنة بجميع أعضائها جلسة عمل في 24 أكتوبر بمدينة الجزائر وبلغ عدد الجلسات التي عقدتها حوالي 30 جلسة. وفي كل جلسة كانت تناقش عددا من المسائل وتستمع إلى تقارير الأعضاء الذين تولى كل منها دراسة قضية بعينها تدخل في اختصاصه. وهكذا كانت هناك تقارير عن استغلال الأراضي (الاستعمار)،وعن البحرية، وعن الحالة العسكرية وعن الأشغال العامة.

ص: 99

كانت (العلاقات مع العرب) هي موضوع جدول الأعمال في جلسة 28 أكتوبر. وقد افتتح أحد الأعضاء باقتراح مناقشة الموضوع من ثلاث زوايا:

(1)

اتباع سياسة اللين وحسن المعاملة نحو العرب إلى أن يندمجوا في السكان الأوربيين.

(2)

مواصلة الحرب ضدهم بلا هوادة إلى أن يفنوا أو يتقهقروا من المناطق التي احتلها أو سيحتلها الفرنسيون.

(3)

إحلال التشريعات الفرنسية محل التشريعات المحلية بهدف إبعاد العرب تدريجيا من المناطق التي تدخل تحت السيطرة الفرنسية.

ودارت المناقشة حول هذه النقاط فقال بعضهم باتباع سياسة عادلة نحو العرب لأن فرنسا قد التزمت لهم بذلك فاذا هاجروا بعد ذلك من المناطق التي تخضع للفرنسيين فذلك شأنهم. وطالب آخر باستعمال طرق تضطر العرب إلى الهجرة من المناطق المحتلة، وقال إن المعامدات التي تربطنا بالسكان يجب أن تكون (استراتيجية حرب وليست سلاما دائما) معهم (1). واعترف ثالث بجهله حالة العرب عندئذ قائلا إن المعلومات التي لدى اللجنة لا تكفي للإجابة على السؤال المطروح وهو (هل يمكن لفرنسا تكوين علاقات ودية مع العرب؟) وكان من رأي بعضهم استخدام القوة والشدة مع العرب وعزلهم عن الأسواق والمراكز الفرنسة، بينما رأى آخرون إمكانية كسب ود العرب عن طريق فتح مجال العمل في المنشآت الفرنسية.

طلبت (التعليمات) إلى اللجنة أيضا الإجابة على ما إذا كان يمكن لفرنسا أن تسلك نحو العرب نفس السياسة التي اتبعها الأتراك معهم. وأثناء المناقشة قال أحد أعضاء اللجنة بأنه يجب على فرنسا أن لا تتبع نظام الأتراك لأن هذا النظام لا يتناسب جملة وتفصيلا مع التقاليد والنظم الفرنسية، فالأتراك

(1) إشارة إلى اتفاق حسين - بورمون يوم 4 يوليو 1830، وإلى اتفاق الآغا محيي الدين - برتزين سنة 1831. الخ.

ص: 100

بناء على هذا الرأي، كانوا على دين وتقاليد وعادات ووجهات نظر شبيهة بالتي كانت لدى العرب، وليس كذلك الحال بالنسبة لفرنسا. وقال آخر إن نظام الأتراك القديم لا يتناسب مع ما تفكر فيه فرنسا حاليا وهو الاستعمار وإحلال جالية غربية محل السكان الأصليين. أما احتلال الأتراك للجزائر، بناء على هذا الرأي، فقد كان باسم القرصنة فقط، وليس باسم وضع نظام اجتماعي واقتصادي شأن فرنسا عندئذ. وميز بعضهم فقال إنه يمكن الاستفادة من النظام التركي في الجزائر من الوجهة العسكرية فقط، أي فرض السيطرة التركية بالقوة، وهو ما يجب في نظره، أن تستفيد منه فرنسا في علاقاتها الجديدة مع العرب.

ومن النقاط التي ناقشتها اللجنة قضية جنسية المستوطنين الذين سيسمح لهم بدخول الجزائر. وكان ذلك في جلسة 29 أكتوبر. وقد طرح السؤال بالكيفية الآتية: هل يسمح بدخول الجزائر للفرنسيين فقط أو يسمح لجميع الأجناس بلا تمييز؟ وإذا سمح للجميع فما الشروط التي يجب أن تتوفر في غير الفرنسيين الذين يرغبون في استيطان الجزائر؟ وبعد مناقشة طويلة قررت اللجنة حرية دخول جميع الأجناس إلى الجزائر دون تمييز الأصل، ولكن الأولوية أعطيت للمزارعين وأصحاب الحرف والمؤهلات الخاصة.

كذلك ناقشت اللجنة السلطة الفرنسية في الجزائر: هل تكون سلطة عسكرية ومدنيه أو إحداهما فقط؟ وفي جلسة أول نوفر قررت اللجنة تركيز جميع السلطات الفرنسية في الجزائر. سواء كانت عسكرية أو مدنية، في سلطة عليا واحدة، وهي سلطة (الحاكم العام)، الذي اقترحت خلق منصبه. ومن القضايا المتصلة بهذا الموضوع صلة كل وزارة فرنسية بالحاكم العام في الجزائر، ثم صلاحيات الحاكم العام نفسه وصلاحيات (المجلس الإداري) الذي يساعده في مهمته. ومن رأي اللجنة أن الحاكم العام يستمد سلطانه من مجلس الوزراء الفرنسي في جميع القضايا الكلية. أما القضايا الجزئية

ص: 101

فيتلقى سلطاته فيها من كل وزارة على حدة، أي على غرار ما كان جاريا به العمل في فرنسا نفسها.

وقد رأت اللجنة خلق مجلس إداري من قائد الجيش الفرنسي في الجزائر ومن المتصرف المدني والمتصرف العسكري والموظف القضائي السامي. ويترأس الحاكم العام هذا المجلس الذي لن تكون مهمته سوى استشارية بالدرجة الأولى. أما سلطات الحاكم العام فتمليها الظروف وطبقا للقضايا المطروحة. وعلى أية حال فان الحاكم العام يعمل بالتعاون مع المجلس الإداري وبالتنسيق مع الحكومة في باريس. ومن الجدير بالذكر أن اللجنة رأت تركيز السلطة الفرنسية في مدينة الجزائر بحيث تتصل جميع المناطق المحتلة بمدينة الجزائر قبل اتصالها بباريس (1).

أما بخصوص النظام البلدي فقد اقترحت اللجنة بشأن الجزائر تطبيق ما كان جاريا به العمل في فرنسا نفسها قبل 1831. ومن رأيها إشراك العرب في (المجلس البلدي) بشرط أن لا يتجاوز عددهم عدد الفرنسيين فيه. واقترحت أن تكون للبلديات ميزانية خاصة. وكان من رأيها الإسراع بتنظيم المجلس البلدي في مدينة الجزائر وتنظيم المناطق المحيطة بها في بلديات ريفية. ثم عالجت اللجنة قضايا الضرائب عامة. والضريبة الخاصة بالعرب، وشئون القضاء المدني والجنائي، وحالة التجارة والجمارك، ونظام الزراعة وخطة الاستعمار المطبقة عندئذ.

ومن الذين استمعت إليهم اللجنة من العرب وسجلت إجاباتهم في محضر الجلسات السيد مصطفى بن الكبابطي، الذي كان عندئذ متوليا شئون الإفتاء على المذهب المالكي. وقد استجوبه رئيس اللجنة في الجلسة الخاصة بمناقشة العدالة والقضاء. وإجابة ابن الكبابطي تناولت قضايا غير سياسية في ظاهرها كموقف التشريع الإسلامي من حقوق الرجل والمرأة ونظام الملكية، والزواج

(1) نفس المصدر ص 88، 99.

ص: 102

والطلاق، وإجراءات الأحكام القضائية (1).

عادت اللجنة الأفريقية إلى فرنسا في 9 نوفمبر، 1833، وقدمت تقاريرها إلى الحكومة الفرنسية مضيفة إليها اقتراحات واضحة حول مستقبل الجزائر ومستقبل فرنسا هناك. وأهم الاقتراحات هو أن اللجنة رأت ضرورة الاحتفاظ بالجزائر التي أطلقت عليها اسم (الممتلكات الفرنسية في أفريقية). وقد سبق أن لاحظنا أن ذلك هو هدف الحكومة منذ تكوين اللجنة بتزويدها (بتعليمات) و (برنامج) يحملان رغبة الحكومة في الانتهاء إلى هذه النتيجة. وفي الحال قامت الحكومة يتقديم تلك التقارير والاقتراحات إلى لجنة جديدة موسعة تشكلت بتاريخ 12 ديسمبر، 1833.

كانت اللجنة الجديدة تتألف من 19 شخصيا برئاسة الدوق ديكازيس Decazes الذي كان من أعضاء مجلس الشيوخ الفرنسي. ومن بين أعضائها كل أعضاء اللجنة الأولى والثمانية، واللجنة الثانية كالأولى تتكون من عسكريين ومدنيين مراعى فيهم الاهتمام والتخصص بالمشاكل المعروضة الناجمة عن احتلال الجزائر. وقد عقدت اللجنة جلستها الأولى في 22 ديسمبر 1833. وفي الجلسة الثانية (5 جانفي - يناير 1834) انتخبت كاتبها فكان السيد بيسكاتورى الذي سبقت إليه الإشارة والذي كان كاتب اللجنة الأولى. وفي جلسة 6 جانفي وافقت على طريقة العمل وهي الاستماع أولا إلى محاضر جلسات اللجنة الأولى والاستماع أيضا إلى قراءة مختلف التقارير الملحقة بالمحاضر المذكورة. وبعد ذلك يتحدث أعضاء اللجنة الأولى عن انطباعاتهم في الجزائر. والجدير بالذكر أن اللجنة الثانية طلبت من وزير الحربية أن يمدها بجدول مفصل عن الأعمال الإدارية التي قامت بها الحكومة الفرنسية في الجزائر منذ الاحتلال. والواقع أن تعاون الحكومة مع هذه

(1) انظر إجابته في نفس المصدر ص 140 - 143.

ص: 103

اللجنة لم يكن أقل وضوحا من تعاونها مع اللجنة الأولى. وسنرى أمثلة أخرى لهذا التعاون بين الطرفين.

وعلى أية حال فقد عقدت اللجنة الثانية حوالي 56 جلسة. وكانت مناقشات تطول وتحتد كلما كان الموضوع عن الاحتفاظ أو التخلي عن الجزائر، أو عن استغلال الأرض (الاستعمار)، أو عن الضرائب والجمارك والتجارة. والملاحظ أن اللجنة استمعت إلى أشخاص آخرين غير أعضائها، عسكريين ومدنيين، مؤيدين ومعارضين للاحتفاظ بالجزائر، ومن الذين استمعت إليهم اللجنة عدد من الجزائريين الذين كانوا عندئذ منفيين من بلادهم. وسنذكر إجابة بعضهم في مكان آخر من هذا العمل (1). وهناك عدد

من الأشخاص لم يحضروا أمام اللجنة واكتفوا بالاعتذار مثل الجنرال كلوزيل Clauzel.

وفي الجلسة 17 أعلن الرئيس مناقشة الموضوع الهام الذي كان على اللجنة أن تبت فيه. وهو (الاحتفاظ أو التخلي) عن الجزائر، ويمكننا أن نلاحظ أنه خلال جميع المناقشات، سواء في اللجنة الأولى أو الثانية، لم تكن الآراء فقط في صالح الاحتفاظ بالجرائر ولكن كانت أيضا في صالح الاستعمار، أي استغلال الأرض والسيطرة التامة على جميع ثروات البلاد. غير أنه يجب استثناء قلة نادرة من الأصوات التي كان أصحابها يرون ضرورة التخلي التام عن الجزائر أو الاحتفاظ بها جزئيا فقط كالاحتفاظ بالمناطق الساحلية. وفي الجلسة المذكورة لخص بعضهم رأي اللجنة الأولى بخصوص هذا الموضوع في العبارات الآتية:(من الفائدة الاحتفاظ بالجزائر. الاحتفاظ بها أمر مستحسن. من الضروري الاحتفاظ بها) إذن فرأي اللجنة الأولى هو الاحتفاظ بالجزائر، ولكن درجات ذلك تمتد من الفائدة إلى الاستحسان إلى الضرورة.

(1) أنظر الفصل السابع.

ص: 104

وأثناء الجلسة التالية (28 جانفي، 1834)، التي خصصت أيضا لمناقشة نفس الموضوع، حضر المناقشة وزير البحرية بنفسه وجلس على المنصة إلى جانب رئيس اللجنة. وقد تدخل الوزير وأجاب على عدة أسئلة تتعلق بحركة الجنود في الجزائر والميزانية الضرورية سواء اتبعت فرنسا الاحتلال الجزئي أو الكلي. ونلاحظ هنا أن احتمال التخلي عن الجزائر لم يكن واردا، وأن حضور الوزير لهذه الجلسة بالذات كان تدخلا مباشرا من الحكومة لتعزيز حجة المدافعين عن مبدأ الاحتفاظ بالجزائر. وبعبارة أخرى فاللجنة لم تكن محايدة ولكنها كانت وسيلة لتنفيذ برنامج الحكومة في الجزائر.

ومن الملاحظ أن اللجنة كانت تحت ضغط شديد من الخارج. فقد كانت تتصل برسائل شخصية من الذين شاركوا في الحملة ضد الجزائر، وبتقارير إضافية من وزارتي البحرية والحربية ومن السلطات الفرنسية في الجزائر، غير أننا نلاحظ غياب صوت العرب في هذا الصدد. ومن الممكن أن يكون قد كتمه (المكتب العربي) الذي أنشىء في الجزائر ليكون همزة الوصل بين العرب والسلطات الفرنسية. ومن الممكن أيضا أن تكون المطالب والعرائض العربية ما زالت في دار المحفوظات (الأرشيف) ضمن الوثائق التي لم تنشر بعد.

ويظهر من مناقشات أعضاء اللجنة أنهم كانوا يحاولون إيجاد طرق الاحتفاظ بالجزائر واحتلالها كاملة واستعمارها واستغلالها، ولم يكونوا يناقشون ما إذا كان ذلك ممكنا. ونحن نجدهم قد ناقشوا ووافقوا على احتلال وهران وعنابة وبجاية، وصوتوا على ميزانية الاحتلال وعلى عدد الجنود الضروريين للحفاظ على الاحتلال. ومما يلفت النظر أن رئيس اللجنة كان كثيرا ما يقرأ الوثائق والرسائل والتقارير التي يطالب أصحاب بضرورة احتلال الجزائر والاحتفاظ بها حتى قال أحد الأعضاء أثناء المنافثة (جلسة 7 فبراير 1834).

ص: 105

إنه يخشى أن تلك الوثائق ستؤثر تأثيرا كبيرا على حياد اللجنة وعلى قرارها النهائي (1).

ومن المطالب التي تقلها اللجنة وقرأها الرئيس على الأعضاء عريضة من مستوطني الجزائر (الكولون). والجدير بالذكر أن كلوزيل هو الذي وجهها إلى اللجنة (جلسة 48)، لعله كان يقصد بها التأثير على الأعضاء كعامل من عوامل الضغط. وقد استمع الأعضاء إلى هذه العريضة (باهتمام) كبير، ولاحظوا أن الأفكار التي احتوت عليها بخصوص تطبيق السياسة الفرنسية في الجزائر والسلطة المركزية المقترحة كانت تتشابه مع مقترحات اللجنة الأولى التي تقدمت بها إلى الحكومة عند عودتها. ومن جهة أخرى تقدم مجلس بلدية مرسيليا بمطالب مشابهة إلى وزير الحربية الذي أحالها بدوره إلى اللجنة. وقد استمع إليها الأعضاء (بنفس الاهتمام) أيضا (2). وهكذا كانت اللجنة أمام ضغوط مختلف المجموعات الفرنسية، سواء كانت في الجزائر أو في فرنسا، في الحكم أو خارجه.

في إحدى الجلسات ناقشت اللجنة قضية هامة عندئذ، وهي حالة ومصير الأملاك التي احتلها الفرنسيون وسكنوها أو استعملوها في المصالح العامة دون دفع الأجور المستحقة عليها. ولتوضيح الموقف قرأ الرئيس خلال الجلسة نص الاتفاق الجزائري - الفرنسي الذي وقعه حسين باشا والكونت دي بورمون. وزيادة في بلبلة الأعضاء قرأ أحدهم ترجمة أخرى للاتفاق المذكور تختلف في بعض تعابيرها عن الترجمة الأولى التي قرأها الرئيس.

ومما جاء في المناقشة أن أغلب الأتراك (الذين ضمن لهم الاتفاق حق الاحتفاظ بأملاكهم) قد بقوا في الجزائر بعد الاحتلال، ولكن بعد ستة أسابيع

(1) نفس المصدر، ج 1، ص 207

(2)

نفس المصدر، ص 337.

ص: 106

أمر القائد العام الفرنسي بطردهم بدعوى أنهم كانوا يتآمرون لاستعادة السلطة، وقد حملوا إلى أزمير أو الاسكندرية. وكان عددهم يبلغ 1500 شخص.

أما نساؤهم وأطفالهم فقد بقوا في الجزائر. ونشير إلى أن هذه الحادثة، أي تفريق الرجال عن نسائهم وأطفالهم، قد أثارت موجة سخط شديد ضد الفرنسيين في الجزائر واستنكرها الوطنيون، أمثال حمدان خوجة في كتابه (المرآة)(1).

أما بخصوص تنظيم السلطة الفرنسية في الجزائر فان اللجنة الثانية قد انتهت إلى نفس نتائج اللجنة الأولى تقريبا. فقد وافقت كالأولى على خلق منصب الحاكم العام. ودرست علاقة سلطاته بالحكومة المركزية في باريس، كما وافقت على إنشاء مجلس بلدي في مدينة الجزائر مكونا من رئيس وأربعة مساعدين، منهم يهودي ومسلم على الأقل. ومن جهة أخرى أعطت إلى الحاكم العام صلاحيات إدخال أعضاء من الجزائريين إلى المجلس البلدي المقترح متى رأى ذلك مناسبا. ومن رأي اللجنة أيضا تكوين مجلس بلدية في كل من وهران وعنابة. أما بجاية فلم تتخذ اللجنة حولها موقفا عندئذ لأن الوضع فيها كان ما يزال غير واضح ولأن السلطة الفرنسية هناك غير مستقرة (2).

ولعل موقف اللجنة من (معاهدة دي ميشال) التي وقعت بين الممثل الفرنسي والأمير عبد القادر يكشف عن نواياها الحقيقية نحو مصير الجزائر الذي كان من المفروض أن تخرج بتوصيات واضحة عنه. والجدير بالذكر أن رئيس الوزراء الفرنسي هو الذي أرسل نسخة من المعاهدة إلى اللجنة للاطلا عليها عبأ. وفي جلسة 51 (7 أفريل 1834) استمعت اللجنة إلى

(1)(المرآة) باريس، 1833، ص 220 - 222 وما يليها.

(2)

أما مدينة قسنطينة فما تزال تحث حكم الباي الحاج أحمد كما سنرى.

ص: 107

قراءة لتلك المعامدة (باهتمام عظيم) حسبما جاء في المحضر. وفي شكرها لرئيس الوزراء على إرسال النسخة لاحظت وتأسفت له على أن المعاهدة لا تحمل دلالات واضحة عن خضوع الأمير عبد القادر لفرنسا واعترافه الرسمي الصريح بسيادتها في الجزائر. وقالت اللجنة أنها لا ترى في المعاهدة التزام الأمير بدفع جزية سنوية إلى فرنسا، لأن الجزية، بناء على رأى اللجنة، هي علامة الخضوع عند العرب. وما دام العرب لم يلتزموا بذلك فان اللجنة تخشى أن تكون هذه المعامدة مجرد خطوة أولى سيتبعها الأمير بخطوات أخرى يطلب فيها تنازلات أكثر إيجابية من فرنسا (1).

أما بخصوص أملاك مكة والمدينة، التي هي مؤسسات دينية خيرية تحت إشراف وكلاء، فان اللجنة قد درستها أيضا ووافقت على بعض الاقتراحات حولها. وقد قدرت أنه من بين 5000 دار في مدينة الجزائر كان هناك 2،601 ترجع إلى أملاك مكة والمدينة. وكان منها في مدينة وهران 149 دارا. وفي مدينة عنابة 91 دارا. وما دامت اللجنة حريصة على الموارد الاقتصادية التي تجلب دخلا وافرا للخزينة الفرنسية فقد قدرت أن تدر أملاك مكة والمدينة دخلا قدره 400،000 فرنك سنويا إذا وضعت تحت إدارة حكيمة. ومن المعلوم أن السلطات الفرنسية قد وضعت يدها على هذه الأملاك منذ الأسابيع الأولى للاحتلال رغم مخالفة ذلك للاتفاق المشترك ورغم استنكار الجزائريين (2). وقد اقترحت اللجنة إبقاء نظام (بيت المال) على الأقل في الوقت الحاضر، وأوصت أن يعين الحاكم العام المسئول عن هذا النظام الذي يكون بدوره مسئولا عن كل مصاريف ومستندات (بيت المال) ولكن الإدارة الفرنسية في الجزائر هي التي تقرر كيفية وعلاقة أموال نظام (بيت المال) بالخزينة العامة.

(1) اللجنة الأفريقية، 12، ص 351. درسنا هذه النقطة بتفصيل في كتابنا (حياة الأميرعبد القادر)، ط، تونس، سنة 1974.

(2)

راجع حول أملاك مكة والمدينة كتاب (المرآة) لحمدان خوجة ص 246 وما يليها.

ص: 108

والواقع أن اللجنة لم توص باحتلال المدن والسهول فقط ولكنها أوصت بجعل الجزائركلها أملاكا فرنسية (دائما وثابتا) وقد أكدت هذا الرأي في التقرير النهائي الذي قدمته إلى الحكومة. فقد جاء في هذا التقرير أن على فرنسا أن تحتفظ بالجزائر وأن لا تبقى في المدن الساحلية فقط، بل الواجب عليها جعل تلك المدن مراكز أمامية لإمداد الجيش بضرورات حملات عسكرية توسعية في داخل البلاد لإخضاع كامل البلاد للسيطرة الفرنسية.

ولكن اللجنة سجلت في نفس الوقت بعض الاعترافات سواء في محاضر الجلسات أو في التقرير النهائي. فقالت إن عددا من الحضر (المور) واليهود الجزائريين قد اضطروا إلى مغادرة أملاكهم. وقد أعلنت السلطات الفرنسية عندئذ عن خلو تلك الأملاك التي عمرها بعدهم المالطيون وأسبان جزر البليار، والألمان والسويسريون الذين كانوا متجهين أولا إلى أمريكا. وبعد استقرار هؤلاء في أملاك الجزائريين (الخالية) بدأوا يشكون من الوضع الذي هم فيه وحلت الخيبة عندهم، حسب تعبير اللجنة، محل الأحلام (1). والملاحظ أن اللجنة لم تلق التبعة على السلطات الفرنسية في الجزائر التي أمرت بنفي الجزائريين وإخرجهم كرها من ديارهم، بل ألقتها على النهابين والمغامرين.

واعترفت اللجنة أيضا أن المحاولات الأولى لاستعمار الأرض حول مدينة الجزائر قد باءت بالفشل لأن الفاقة والأمراض أبعدت المستوطنين الجدد عن المستعمرات، وبالإضافة إلى ذلك هناك العنف والحرب المتواصلة التي كانت تشنها القبائل المجاورة (أي في سهل متيجة) ضد الفرنسيين (2). أما في وهران وعنابة فقدكان الأمر أسوأ. فأهل وهران قد غادروا مدينتهم منذ حل بها الفرنسيون. كما تعطلت هناك العلاقات التجارية بين العرب والفرنسيين (3).

(1) اللجنة الأفريقية، ص 292 (تقارير).

(2)

أنظر الفصل الخامس.

(3)

انظر كتابنا (حياة الأمير عبد القادر).

ص: 109

وإذا كانت العلاقة مع العرب أفضل نوعا ما في عنابة فان الجيش الفرنسي قد خسر هناك أكثر مما خسر في مدينة الجزائر نفسها. وقد لاحظ تقرير. اللجنة أن الأمل مفقود لدى أهل الجزائر، وأن طبقة الحضر قد بقيت ساخطة لأن الفرنسيين هناك لم يفوا بوعدهم. كما لاحظ أن وجود الجيش الفرنسي قد (جرح بالضرورة عادات ومصالح) الجزائريين (1).

وبعد أربعين جلسة قدمت اللجنة عملها إلى الحكومة في جزئين: يتضمن الجزء الأول محتوى المناقشات حول الموضوعات الرئيسية كالاحتفاظ أو التخلي عن الجزائر، ومدى التوسع في الاحتلال ثم نظام الإدارة الذي يجب اتباعه في الجزائر. أما الجزء الثاني فيتضمن تقارير عامة عن الإدارة المدنية، والقضاء والمالية، وأخيرا محضر المناقشات المختلفة حول جميع الموضوعات التي طرحت أمام اللجنة.

ورأي اللجنة في عرب الجزائر عندئذ لا يختلف عن رأي الفرنسيين في (الأهالي) عشية الثورة الجزائرية. فاللجنة حكمت أن العربي ما زال كعهده زمن ابراهيم الخليل، ومن رأيها أن عرب الجزائر لن يأخذوا عادات الأوربيين ولا تقاليدهم ولا حاجاتهم، ثم إنهم لن يختلطوا بهم أبدا.

ولعل المؤرخ يقف طويلا عند هذا الحكم من الناس كانوا يخططون لمستقبل الجزائر التي ستصبح عندهم (المستعمرة الفذة). فاللجنة كانت غير متفائلة بالعلاقات بين الجزائريين والفرنسيين. وقد اكتفت بتوصية إلى فرنسا في أن تتعامل فقط مع بعض الحضر الجزائريين الذين يرضون بالبقاء في المدن المحتلة. أما الجزائريون عامة فلا يجب أن تعتمد عليهم فرنسا كمستهلكين لحضارتها، ولا سيما إنتاجها الاقتصادي.

ولكن لماذا تصر فرنسا على الاحتفاظ بالجزائر؟ تجيب اللجنة عن

(1) اللجنة الأفريقية، ص 293. (تقارير).

ص: 110

ذلك بأن الحذر والحكمة يقتضيان أن تكتفي فرنسا بما حصلت عليه من نتائج حتى الآن من الحملة ضد الجزائر. وكأن اللجنة كانت تجيب على المعارضة وأصوات الوطنيين أمثال حمدان خوجة (1)، والناقدين الأجانب أمثال الانكليزي بانيستر الذي ألف كتابا في هذا الصدد (2) حين زعمت بأنه كان من الممكن أن تترك فرنسا حضر الجزائر يؤلفون حكومة جزائرية منها، ربما تحت حماية فرنسا أو تحت حماية إحدى الدول المجاورة للجزائر كتونس أو المغرب أو مصر. وأقرت اللجنة أنه من الحق أن الحكومة الفرنسية قد أعلنت منذ اليوم الأول للحملة أن الجيش الفرنسي سيغادر الجزائر بعد الانتقام لشرف فرنسا الوطني ومعاقبة الباشا على فعلته.

ولكن اللجنة قد اعترفت بأن جميع أعمال الحكومة الفرنسية في الجزائر، وكل أقوال ممثليها، بل حتى التصويت الذي جرى أخيرا لانتخاب البرلمان، كل ذلك قد أظهر لأوربا، بناء على اللجنة، أن فرنسا عازمة على الاحتفاظ بالجرائر، فالتخلي عن الجزائر يعتبر، في نظر اللجنة، إهانة جديدة لشرف فرنس (3). بل إن التخلي عن الجزائر سيكون صدمة لذاتية الأمة الفرنسية الشرعية وسيؤدي أيضا إلى التضحية بالتجارة وبالتوسع السياسي لفرنسا، وإلى تحطيم الآمال. وهكذا فحين جرى التصويت كانت الأصوات 17 لصالح الاحتفاظ بالجرائر و2 فقط لصالح التخلي عنها.

وفي التقرير النهائي للجنة بعض الإحصاءات الهامة التي لا تهم المؤرخ فقط. من ذلك أنه نص على أن سكان مدينة الجزائر قبل الاحتلال كانوا

(1) أنظر رسالته إلى اللجنة الأفريقية في كتاب (الحركة الوطنية الجزائرية) ملحق 3.

(2)

(نداء في صالح شمال أفريقية) باريس 1833.

(3)

اللجنة الأفريقية ج، أ، ص 402 (تقارير).

ص: 111

يتراوحون بين 35 و40 ألف نسمة، واعترف التقرير أن الأتراك طردوا من البلاد وأن الجيش الفرنسي قد سكن المنازل سواء تلك التي أرغم أصحابها على التخلي عنها أو التي ما زال أصحابها فيها، وهو عمل يتنافى، حسب رأي اللجنة، مع التقاليد الإسلامية (1). ومضايقه الجنود للسكان في منازلهم اضطرت كثيرا من العرب إلى الهجرة. ولذلك فان سكان مدينة الجزائر سنة 1834 كانوا لا يتجاوزون 25،000، منهم 4،000 أروبي حلوا بالجزائر بعد الاحتلال. ويذكر التقرير أيضا أن أغلب هؤلاء الأروبيين قد اشتروا الديار في مدينة الجزائر أما الباقون منهم فقد اشتروا لهم أملاكا في الضواحي. ويعترف التقرير أيضا أن المنازل الموجودة في الضواحي (وهي كثيرة لأن أغلب حضر الجزائر كانت لهم منازل خارج المدينة) قد عانت من شره الجنود الفرنسيين الذين اقتلعوا حتى الأبواب والنوافذ واستعملوها للتسخين، بل اقتلعوا الأشجار النادرة (2).

ونلاحظ أن اللجنة كانت صريحة في وصف ما ارتكبه الفرنسيون نحو الجزائريين. فقد قالت في تقريرها النهائي الذي قدم إلى الحكومة في 10 مارس 1834، أن عددا من المساجد قد حطم أو حول إلى كنائس دون تعويض، وأن الجيش الفرنسي قد احتل كثيرا من المنازل الخاصة دون تعويض أيضا، وأن عددا آخر من الأملاك الخاصة قد احتل أو حطم أو استعمل في المصالح العامة دون تعويض أيضا (3). ورغم صراحة الوصف وقساوته أحيانا فان اللجنة تغاضت عن شكاوى الجزائريين مما اعترفت هي نفسها به وأوصت بالاحتفاظ بالجزائر دون اقتراح خطة جديدة فعالة ومنصفة.

(1) أنظر حمدان خوجه، (المرآة) ص 233 وما يليها.

(2)

اللجنة الأفريقية، ح أص 410 (تقارير).

(3)

نفس المصدر، 445.

ص: 112

فنحن نجدها توصي بالدفاع عن سهل متيجة الخصيب، الذي قالت إنه يبلغ 25 فرسخا مربعا، لأنه مهم للدفاع عن المدينة من ناحية، وللفواكه والخضر والحبوب التي يدرها من ناحية أخرى، ولحماية المستوطنين الجدد الذين استقروا فيه من ناحية ثالثة. وبعد أن أقرت منصب الحاكم العام الذي سيكون مسئولا عن الشئون المدنية والعسكرية بمساعدة مجلس خاص أوصت بالاستعانة بحضر الجزائر واليهود، وبتدعيم الدرك المكون من الحضر ومنظمة الزواويين (الزواف) أما منصب أغا العرب فاللجنة قد تركت الباب مفتوحا. فالذي كان يعنيها هو الكفاءة سواء كان الآغا من حضر الجزائر أو من عرب البدو أو من الفرنسيين.

ومن جهة أخرى أوصت اللجنة بانشاء ميزانية خاصة للجزائر وتخفيض الجيش الفرنسي هناك إلى أن يصل إلى 21000 فقط. ولكنها لم تجعل هذا التخفيض أمرا واجبا واكتفت بترك الموضوع للظروف إذا سمحت. ولكن إذا تحقق ذلك يبقى 12000 للدفاع عن مدينة الجزائر. أما باقي الجيش فيستعمل في وهران وعنابة وبجاية.

والجدير بالذكر أن اللجنة أوصت باستخدام الجنود الجزائريين لمساعدة الجنود الفرنسيين (1).

(1) لاحظ رئيس اللجنة (ديكازيس) أن الهروب كان شائعا من منظمة الزواويين التي كونها الفرنسيون من الجزائريين. وقد قال إن المنظمة تكونت ب 1،144 جندي، وبعد الهروب منها لم يبق سوى 363 جندي. أنظر نفس المصدر، ص 47 (محاضر).

وللكاتب الفرنسي جورج إيفير دراسة عن (اللجنة الأفريقية) لا تحضرني تفاصيلها، لأنني) اطلعت عليها منذ مدة ولم أكتب ذلك.

ص: 113