الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل السابع
الجزائريون أمام اللجنة الأفريقية
ليس في محاضر جلسات اللجنة الأفريقية الأولى المطبوعة سوى إشارة واحدة إلى جزائري هو المفتي ابن الكبابطي الذي سبق الحديث عنه. ولم يكن حديث ابن الكبابطي عن الإدارة الضرورية في الجزائر أو علاقة مواطنيه بفرنسا وإنما كان حديثا عن الأحوال الشخصية الإسلامية التي أراد الفرنسيون الذين استجوبوه عنها أن يتأكدوا منها قبل وضع خطة جديدة لاستقرار فرنسا في الجزائر. ولعل اللجنة الأولى التي استجوبت ابن الكبابطي قد مثل أمامها غيره أيضا، ولكننا على أية حال لا نجد في محضر الجلسات المطبوع غيره. ومن الممكن أن يكون أرشيف اللجنة المخزون محتويا على أسماء أخرى من الجزائريين. وقد يساعد على هذا الاعتقاد ما نجده من أن اللجنة قد استمعت إلى (الأهالي) إلى جانب استماعها إلى العناصر الأخرى من السكان في الجزائر (1).
أما اللجنة الثانية التي كان مقرها باريس فقد استمعت على الأقل إلى ثلاثة من الجزائريين صادف أن كانوا موجودين في باريس عندئذ، هم أحمد بوضربة، وحمدان بن أمين السكة، وحمدان بن عثمان خوجة (2). وكانوا جميعا قد نفتهم السلطات الفرنسية في الجزائر. ولعل أرشيف اللجنة يحتوي على أسماء جزائرية أخرى لم تظهر في المحضر المطبوع والذي اعتمدنا عليه
(1) سنذكر في نهاية هذا البحث مذكرة حمدان خوجة إلى اللجنة الأفريقية.
(2)
أنظر فيما يتعلق بحياة وشخصية ونشاط كل منهم الفصل الرابع من هذا الكتاب.
في هذا البحث. وعلى أية حال فان هؤلاء الجزائريين قد عبروا أمام اللجنة عن آراء واضحة حول الوجود الفرنسي في الجزائر وحول العلاقات الجديدة بين مواطنيهم والفرنسيين. والملاحظ أن بوضربة كان أكثر ميلا إلى الفرنسيين، بينما كان ابن أمين السكة معتدلا. أما خوجة فان مشاعره المعادية للفرنسيين كانت واضحة رغم أنه قد عبر عنها في مناسبات أخرى أكثر صراحة مما عبر عنها أمام اللجنة فهل كان الموقف يقتضي منه الحذر؟
أحمد بوضربة شخص غريب الأطوار مغامر أكثر منه سياسيا. وهناك بعض التعريفات القصيرة به، وبمواقفه وآرائه عامة في بعض المصادر الفرنسية. ولكن الذي يعنينا هنا ليس الترجمة له بل معرفة الآراء التي عبر عنها حين مثل أمام اللجنة الثانية (1). ويجب أن نذكر أنه قد قدم، مثل خوجة، مذكرة خاصة إلى هذه اللجنة ضمنها اقتراحات واضحة عن مستقبل الجزائر، ولا سيما التنظيم الإداري. وتجدر الإشارة إلى أن أحمد بوضربة قد سبق أن فاوض الفرنسيين (دي بورمون بالذات) عن كيفية تسليم مدينة الجزائر إليهم عند نجاح الحملة، كما أنه كان حاضرا حين صيغت بنود الاتفاق الجزائري الفرنسي سنة 1830.
نصح بوضربة بأن تتبع فرنسا في الجزائر سياسة العدل الصارم نحو الجزائريين ولكن مع اللين والاعتدال، لأن ذلك هو الوسيلة الوحيدة التي تؤدي إلى نتائج طيبة. ونصح كذلك بأن تتفادى فرنسا نظام الأتراك في حكم الجزائريين الذي قال عنه إنه لا يتلاءم مع نظام الإدارة المتبع في فرنسا. ومن آرائه الجدلية حول هذا الموضوع اقتراحه بأن تعين فرنسا
(1) انظر إيفير (المجلة الأفريقية 1913) فقد تناول هناك حياة أحمد بوضربة، كما نشر مذكرته.
أغا فرنسا على القبائل الجزائرية وليس أغا عربيا. (1) وبرر اقتراحه بأن الجزائريين يشكون في الآغا الذي هو منهم إذا دافع عنهم أمام الفرنسيين أما إذا كان رنسيا فانهم لا يشكون في إخلاصه إذا دافع عنهم، فهم مثلا لن يتهموه بأنه كان عميلا لبلاده بخلاف العربي.
وانتقد بوضربة طريقة الاحتلال الفرنسي وقال إن أسوأ ما تميز به هو عدم اتباعه لنظام ثابت. ولا ننسى أن بوضربة كان يعبر عن هذا الرأي بعد أن نفته السلطات الفرنسية وبعد أن فشل في الوصول إلى الهدف الذي كان يعمل من أجله وهو إعادة الاعتبار إن لم يكن الحكم، إلى حضر الجزائر باعتبارهم خلفاء الأتراك في حكم الجزائر. لذلك قال بأن الاحتلال لم يحم أحدا، أي حتى الذين ساندوه أمثاله هو. فكانت النتيجة، بناء على رأيه أن الذين كانوا مع الاحتلال قد تخلوا عنه، وأن الذين كانوا سيرحبون به لم يجرؤوا على الإعلان عن شعورهم. وقد طلب بوضربة من فرنسا أن تعلن صراحة عن موقفها من القبائل التي خضعت لها، ومن تلك التي تريد الخضوع لها، ثم من تلك التي تقاوم الاحتلال. فالتردد والغموض لا يزيدان الأمور إلا تعقيدا وطلب من فرنسا أيضا أن لا تعفى الأهالي من الضرائب ولكن تفرضها عليهم بعدل، وأن تعاقب المذنبين منهم بحكمة.
ولكي يسهل اندماج العرب في البيئة الفرنسية الجديدة اقترح بوضربة أيضا بعض الحلول. فطالب ببناء القرى والضيعات التي يستوطنها الفرنسيون عل أن يسمح للعرب بالاستقرار في هذه المستعمرات لأن ذلك وسيلة للتعارف بين المجموعتين ووسيلة أيضا لتعرف العرب على حضارة الفرنسيين بالإضافة إلى أن هذه الطريقة تنهي شيئا فشيئا مقاومة العرب لفرنسا.
(1) اللجنة الأفريقية، ج، ص 40 (محاضر).
وقد عرفنا أن الفرنسيين قد جربوا الاثنين فعينوا ابن أمين السكة والحاج محيي الدين من العرب وعينوا الضابط مانديري من الفرنسيين. وكان ذلك قبل اللجنة الأفريقية.
ومن جهة أخرى اقترح إنشاء جريدة لبث الأفكار وتنوير الرأي المحلي، لأن العربي، حسب رأي بوضربة، فضولي بطبعه، وسوف يقرأ هذه الجريدة بشغف كبير. ولكنه نصح أن لا تحتوي الجريدة على مناقشات أو قضايا دينية لأن العرب عندئذ سينفرون منها. وبدلا من الدين يجب أن تناقش الجريدة وتقدم معلومات عن الصناعة والفلاحة والمواضيع العلمية. وقال بوضربة في هذا الصدد إن كل جزائري تقريبا يعرف القراءة والكتابة، لذلك فان إنشاء هذه الجريدة سيفتح آفاقا جديدة أمام الجزائريين والفرنسيين معا. وقال أيضا إن في كل قرية جزائرية مدرستين، باستثناء منطقة جرجرة التي لاحظ أن التعليم فيها منحصر في طبقة خاصة، وهي طبقة الشيوخ والرؤساء (1).
وكان بوضربة يبدو متفائلا حين وقف متحمسا ينادي بأحداث تغييرات على النظام الفرنسي القائم عندئذ في الجزائر، فقد طالب بإنهاء نظام العنف القائم حاليا والذي دام ثلاث سنوات، واستبداله بآخر قائم على اللين وحماية الأشخاص والممتلكات. وعندئذ، بناء على رأيه، سيرى الفرنسيون أن النتائج ستختلف، إذ سوف لا يجدون مقاومين وخطرين ولكن متعاونين راضين.
وأعلن بوضربة أنه يقف في صالح عدة قضايا. من ذلك إقامة فرقة الزواويين (الزواف) على شرط أن تؤدي الدور الإيجابي المنتظر منها، وأن تتوفر لها شروط العمل الضرورية (2). أما بخصوص دمج اليهود في حياة الجزائريين العامة فلم يمانع بوضربة فيه ولكنه ألح في أن ذلك يجب أن لا يكون
(1) نفس المصدر، ص 41 - 42. وقد أكد رأي بوضربة في انتشار التعليم توماس كامبل في كتابه (رسائل من الجنوب) المكتوب في نفس الفترة.
(2)
أسس الفرنسيون هذه الفرقة من الجزائريين ولكن أفرادها كانوا يفرون منها بشكل جعل رئيس اللجنة الثانية (ديكازيس) يقول أن من بين 1144 شخصا لم يبق سوى 263. انظر نفس المصدر، ص 47.
على حساب العرب. وقال بأن على فرنسا أن تعطي إلى العرب الضمانات الكافية على أن الطائفة اليهودية في الجزائر لن تنال شيئا من مراكز النفوذ الكبيرة في البلاد. ويمكن الإعلان عن هذه الضمانات بناء على رأيه، بواسطة بيان عام يوقع عليه علماء البلاد ومسئولو الشئون الدينية.
أما عن القوات التي كانت لدى الجزائر القديمة فان بوضربة لم يذكر جميع التفاصيل حولها واكتفى بتهدئة روع الفرنسيين الذين كانوا يخشون تجمع تلك القوات للانقلاب عليهم. فقد قال إنه كان في مركز اسطاويلي 16،000 رجل مسلح و 4،000 من القبائل الراجلين (1) ولاحظ أن هذه القوات لا يمكنها أن تجتمع الآن من جديد، وإذن فلا خوف على الفرنسيين من وقوع ثورة ضدهم. ولاحظ أنه لا في وهران ولا في قسنطينة شخص يتمتع بنفوذ واسع يستطيع أن يؤلف حكومة جزائرية تخشى منها فرنسا (2)
وادعى أن تصرفات الحاج أحمد باي قسنطين كانت سيئة إلى درجة أنه لا يستطيع أن يكسب ثقة أي أحد، فما بالك بتهديد الوجود الفرنسي.
ويبدى بوضربة بعض الآراء الهامة حول أملاك الدولة في سهل متيجة فهو يقول إن دار السلطان (مدينة الجزائر وضواحيها بما في ذلك متيجة) كانت تملك بين 12 و 13 مزرعة في السهل المذكور، بعض هذه المزارع كان مملوكا عن طريق الإيجار. وكانت هناك وزارة خاصة (لعله يقصد خوجة الخيل) تقوم بإدارة المزارع وتعهدها. وكانت كل مزرعة تحتوي على 60 أو 80 زوجا من البقر. وكانت حدود ملكية كل قبيلة في السهل منظمة
(1) وقعت معركة اسطاويلي في 19 جوان (يونيو) 1830 بين الجيش الجزائري بقيادة الآغا ابراهيم والجيش الفرنسي المهاجم بقيادة دي بورمون، وقد لاحظ بوضربة أن أهل جرجرة لا يحاربون أبدا على الخيل.
(2)
لم يكن الأمير قد ذاع صيته بعد (1834، أما الحاج أحمد باي قسنطينة فيبدو أن بوضربة لم يكن يرى فيه خطرا على الفرنسيين. وقد عرفنا أن بوضربة أصبح ممثل الأمير عبد القادر في مدينة الجزائر حسب بعض الروايات. انظر أيضا الفصل الرابع.
تنظيما دقيقا وثابتا، ولذلك فليس هناك نزاعات بين القبائل على الحدود.
وقال بوضربة إن معظم سهل متيجة يعود إلى سكان مدية الجزائر، ولا سيما طبقة الحضر منهم. أما الأراضي المشاعة خلا توجد إلا في داخل الوطن، التي هي منطقة قبلية تخضع لإدارة الشيخ محليا وإدارة الدولة التي يمثلها القائد.
وادعى بوضربة أن سهل متيجة غير صحي، وهو في هذا يتفق مع رأي حمدان خوجة. وقال إن عمال الأراضي في متيجة يعطون للمالك أربعة أخماس المحصول (1) ، ولكنه لاحظ أن السهول المحيطة بمدينة وهران صحية خلافا لمتيجة، واقترح على فرنسا أن تتبع في وهران نفس النظام المقترح في الجزائر. ومن رأيه أن الذي جعل منطقة وهران خطيرة على الفرنسيين هو وجود شخصية ذات نفوذ كبير (2).
وهناك آراء أخرى غريبة عبر عنها بوضربة حول الوجود الفرنسي في الجزائر. فقد لاحظ على الفرنسيين بأنهم إذا أرادوا الاكتفاء باحتلال السواحل والمدن فانهم لن يحصلوا على نتيجة في الجزائر. لذلك نصحهم بأن يعزموا على البقاء الدائم في البلاد وأن يكونوا لهم خلفاء من أهلها حتى تتوفر لهم شروط الإقامة. ونصحهم بأنهم إذا احتلوا قسنطينة (وكان حديثه سنة 1834. أي قبل ثلاث سنوات من احتلال قسنطينة فعلا).
فيجب عليهم تعيين حاكم (فرنسي) عليها. وقال إن عدد سكان قسنطينة عندئذ يتراوحون بين 25 و 30 ألف نسمة وإن عادات هؤلاء السكان تختلف اختلافا واضحا عن عادات سكان الأرياف في الإقليم. ونصح الفرنسيين بأن يتعرفوا، قبل القيام بأي توسع، على إخلاص حلفائهم الجزائريين، وبذلك يتفادون تعريض جندهم للخطر المحقق. غير أنه أشار
(1) هو النظام المعروف بالخماسة وصاحبه بالخماس (بتشديد الميم).
(2)
يبدو بوضربة متناقضا مع ما قاله سابقا من أنه لا وجود لشخصية ذات نفوذ تشكل خطرا على الفرنسيين في وهران. والظاهر أنه هنا يقصد الأمير الذى ظهر على المسرح بعد معاهدة ديميشال سنة 1824، أثناء انعقاد اللجنة.
عليهم بضرورة إعادة المساجد، التي (استعارها) الجيش الفرنسي أو التي استعملتها السلطات الفرنسية لمصالح عامة، إلى ما كانت عليه. ذلك أن هذه الحركة من فرنسا سيكون لها وقع كبير على نفوس العرب.
أما بخصوص التجارة المحلية فقد قدم بوضربة حولها أيضا بعض الاقتراحات. فمن رأيه أن كل قبيلة خضعت لفرنسا يجب أن تتعهد بحماية طرق القوافل التي تدخل في نطاقها. وطالب بحرية التجارة في بعض المواد الهامة مثل الزيت والحرير لفائدة البلاد. ونادى باقامة حرس وطني فرنسي في مدينة الجزائر مكون من الجزائريين. والجدير بالذكر أن هذا الحرس كان موجودا أيضا على عهد العثمانيين وكان مكونا من عرب الحضر أو المور. فبوضربة إذن نصح باستمرار هذا النظام ولكن تحت ظل الفرنسيين (1).
ونلاحظ من آراء بوضربة أنه كان يدعو بالدرجة الأولى إلى تغيير السياسة الفرنسية المطبقة عندئذ في الجزائر. وقد أوضح للفرنسيين طريق هذا التغيير. فمن رأيه أن على فرنسا أن تقوم برسالة تمدين فتعامل الناس بالعدل والإحسان، وتنشر بينهم حضارتها ومبادئها 0 وتدمج الجزائريين تدريجيا في مجتمعها. وهناك فرص كثيرة يراها أمام الفرنسيين في الجزائر إذا ما سلكوا طريق الاعتدال، ولم يتهوروا في تطبيق الاحتلال. ورغم أن هذا ليس موضع الحديث عن بوضربة من جميع جوانبه فانه يمكننا أن نعتبره من أوائل المبشرين بدعوة الاندماج التي آمن بها بعض الجزائريين خلال القرن الحالي، كما أنه كان من أوائل الجزائريين المعجبين بفرنسا المضحين في سبيل ذلك بحرية الجزائر وبالفكرة القومية على الإطلاق. وهناك متحدث آخر من الجزائريين أمام اللجنة، وهو السيد حمدان
(1) يقع حديث بوضربة في اللجنة الأفريقية، ج 1، (محاضر)، ص 39 - 43.
ابن أمين السكة. وليس هذا مقام الترجمة لهذا الشخص الذي لعب دورا بارزا في الفترة الأولى للاحتلال ثم غضب عليه الفرنسيون ونفوه مثل بقية زملائه. ونكتقي بالقول هنا بأنه كان من حضر مدينة الجزائز وأنه تولى منصب أغا العرب في بداية الحكم الفرنسي، وأن المصادر الفرنسية تذكر أنه لم يقم بواجبه على أحسن وجه، وأنه كان رجلا يخشى منه. لذلك نفته السلطات الفرنسية من الجزائر حتى لا يفكر في التآمر ضدها. وقبل أن يعود إلى الجزائر أقام مدة في باريس وتزوج هناك من فرنسية (1).
وأثناء إقامته في فرنسا أدلى بالآراء التالية أمام اللجنة الأفريقية (اللجنة الثانية).
ونود أن نلاحظ، قبل إيراد آرائه، أن كلامه قد جاء في محضر اللجنة بضمير الغائب، أي أن كاتب اللجنة هو الذي صاغ كلامه، خلافا لزميليه بوضربة وحمدان خوجة الذي سيأتي ذكره. ونلاحظ ثانيا أن ابن أمين السكة قد تحدث في نفس الجلسة (رقم 13) التي تحدث فيها بوضربة.
وأخيرا نلاحظ أن كاتب المحضر قد ذكر أن آراء ابن أمين السكة وبوضربة كانت متشابهة ولم تختلف إلا في جزئية واحدة سنذكرها. والواقع غير ذلك. فرغم أن المحضر لم يسجل له (بضمير الغائب) سوى حوالي عشرة أسطر، فان النغمة التي تسود آراء ابن أمين السكة كانت تشوبها المرارة، كما أن أفكاره كانت نافدة للفرنسيين أكثر منها ناصحة لهم أو مقترحة عليهم الحلول الصالحة، شأن أفكار بوضربة. فاذا أخذنا في الحسبان هذه الاعتبارات نستطيع أن ننظر في الحديث القصير الذي سجل له في محضر جلسات اللجنة.
ذكر ابن أمين السكة الفرنسيين بأنهم جاءوا إلى الجزائر، كما أعلنوا، محررين لا منتصرين. ولذلك فقد كان من المفروض أن يكونوا أصدقاء
(1) انظر عنه الفصل الرابع. وقد لاحظنا هناك أنه توفي سنة 1834 وهو ما يزال شابا، حسب الروايات المعاصرة.
للجزائريين وأن يتنقلوا بينهم بكل حرية، ولكن الواقع غير هذا. فقد جعل الفرنسيون من أنفسهم أعداء للجزائريين، وهكذا أصبحوا لا يستطيعون التنقل من مكان إلى آخر إلا بالحرب. وابن أمين السكة الذي كان سابقا أغا العرب لم يتردد في التصريح أمام اللجنة بأنه كان الأولى للسلطات الفرنسية في الجزائر أن تعتمد على الجنود الجزائريين لكي تنجح في مهمتها.
ومن النقاط البارزة التي اختلف فيها رأي بوضربة عن رأي ابن أمين السكة أن هذا الأخير يقول بضرورة أن يكون أغا العرب مسلما جزائريا، بينما يقترح بوضربة، كما سبقت الإشارة، أن يكون الآغا فرنسيا، أما بشأن إدارة البلاد ووسائل الحكم فان رأي ابن أمين السكة لم يختلف كثيرا، حيب محضر الجلسة، عن رأي زميله بوضربة. ولكننا نلاحظ
أن ابن أمين السكة قد أشار إلى أنه عندما كان أغا العرب يستطيع في الآيام الأولى للاحتلال أن يتنقل على رأس فرقة من الخيالة الجزائرية بكل حرية حتى في الاماكن النائية والمنعزلة التي لم يكن الأتراك قد وصلوها من قبل. وقال إنه خلال ذلك لم يلق إلا قليلا من المعارضة المحلية (1).
وانتقد ابن أمين السكة بعض تصرفات الفرنسيين في الجزائر بشدة.
ومن الذين ذكرهم بالاسم قائد الجيش الفرنسي العام في الجزائر بيرتزين وخليفته الدوق دي روفيغو (2) واللذين اتهمهما بعدم الإيفاء بوعد إعلان العفو العام. وأشار إلى أن حادثة مذبحة قبيلة العوفية (التي وقعت في عهد روفيغو) قد شوهت سمعة فرنسا في الجزائر. بالإضافة إلى أنه ذكر أمام اللجنة دون تردد أن مندوبين جزائرين قدموا من البليدة إلى مدينة الجزائر قد أوقفوا وحوكموا وأعدموا، خلافا للقوانين العامة، رغم
(1) انظر الفصل الخاص بمحضر مدينة الجزائر.
(2)
توفي خلال سنة 1833. أما بيرتزين فلا ندري إن كان ما يزال حيا عندما أدلى ابن أمين السكة بحديثه.
أنهم كانوا يحملون عهد الأمان رسميا من الدوق دي روفيغو نفسه. وقال ابن أمين السكة إن هذا الحادث قد حطم ثقة الجزائريين في الفرنسيين (1).
وهكذا، رغم قصر الكلام المنسوب إلى حمدان بن أمين السكة، فان عبارته كانت شديدة اللهجة، ناقدة للأوضاع، معرضة بالسياسة الفرنسية. ولعل ذلك هو السبب الذي جعل كاتب اللجنة يورد كلامه بصيغة الغائب بطريقة التلخيص دون ذكر عباراته هو. وعسى أن تكون معرفة كل ما قال تساعد الباحث على فهم آرائه وحقيقة شخصيته وصلة تفكيره عندئذ بمستقبل الجزائر. أما الآن فحسبنا أن نقول أن ابن أمين السكة كان بين بوضربة وخوجة. فلا هو مائل إلى الفرنسيين كبوضربة ولا هو ناقم عليهم كخوجة. فابن أمين السكة كان معتدلا، جامعا بين الميل الظاهر إليهم والنقمة المكتومة عليهم (2).
يعتبر حمدان بن عثمان خوجة من الشخصيات البارزة التي لعبت دورا هاما خلال السنوات الأولى للاحتلال. فقد كان من تجار العاصمة وأغنيائها الكبار، كما كان من النشطين في شئون السياسة والدولة، والمطلعين المتتبعين لأحوال العالم آنذاك سواء المشرق أو أوربا. وله كتب نذكر منها (المرآة) الذي اشتهر به والذي ما يزال في نصه الفرنسي فقط (3).
وله (المذكرة) التي بعث بها إلى اللجنة الأفريقية موضع حديثنا (4). وله رسالة (إتحاف المنصفين والأدباء في الاحتراز من الوباء) التي ألفها بينما كان في اسطانبول منفيا ونشرها عندئذ بالعربية والتركية وأهداها
(1) يشير بالحادثة إلى مقتل قائدي بني خليل والسبت غدرا. أنظر الفصل الخامس.
(2)
يقع حديث ابن أمين السكة في اللجنة الأفرقية، ج 1، ص 43 - 44 (محاضر).
(3)
طبع في باريس: 1833، وهو مترجم عن العربية ولكن الأصل العربي ما يزال مفقودا، ترجم إلى العربية أخيرا كما سبق أن قلنا.
(4)
نشرها جورج إيفير G. yver في (المجلة الأفريقية)(1913). وترجمها إلى العربية كل من العربي الزبيري ومحمد بن عبد الكريم. انظر نهاية الفصل الرابع.
إلى السلطان محمود الثاني. وله رسالة وجهها أيضا إلى اللجنة الأفريقية بالفرنسية (1). ولعل له كتبا أخرى لم نعرفها بعد، ولحمدان خوجة مواقف من الاحتلال الفرنسي، ومن الفكرة القومية، ومن حرية الجزائر بالذات. وإذا كان بعض هذه المواقف ما يزال غامضا فإن بعضها الآخر واضح كل الوضوح عبر عنه صراحة في عدة مناسبات، أهمها ساعة مثوله أمام اللجنة الأفريقية الثانية (2).
مثل حمدان خوجة أمام اللجنة في جلستها الرابعة عشرة وكان مصحوبا بمترجمه (3)، وقد قال له الرئيس إن اللجنة تعلم عن الكتاب الذي أخرجه عن الجزائر (4)، وأن الكتاب يحتوي على قضايا ليس من شأن اللجنة أن تتدخل فيها، وعلى شكاوى شخصية ستنال حقها من العدالة وطلب منه أن يجيب على الأمور العامة وعلى ما أراد أن يطلع عليه الرأي العام واتهمه بأن أكثر ما جاء في الكتاب خال من الراهين، ودعاه إلى تقديم البراهين إذا كانت لديه. وبناء على محضر الجلسة فإن خوجة قد أجاب أن ليس لديه لا حقائق ولا براهين جديدة.
وقد طمأن الرئيس خوجة على أن الأمور التي اشتكى منها ستنال حظها من العناية. فالمساجد التي احتلتها السلطات الفرنسية ستعاد إلى ما كانت عليه
(1) مترجمة إلى العربية في ملحق كتابي (الحركة الوطنية الجزائرية). دار الآداب بيروت، 1969).ملحق 3.
(2)
لزيادة الاطلاع على حياه حمدان خوجة انظر نفس المصدر، ص 37 - 44 وانظر، أيضا الفصل الخاص بحضر مدينة الجزائر من هذا البحث.
(3)
هكذا جاء في محضر الجلسات والذي نعرفه من مصادر أخرى أن خوجة كان يحسن الفرنسية.
(4)
يعني كتاب (المرآة)(باريس 1833) وهو الذي هاجم فيه بشدة النظام الفرنسي في الجزائر.
وأن الأملاك ستحترم في المستقبل، وأن الإيجارات ستدفع، لأن هدف الحكومة الفرنسية هو تطبيق نفس العدالة المطبقة في فرنسا على الجزائر. ثم سأل خوجة رأيه فيما إذا كان يعتقد أن تطبيق مبدأ إعادة الأملاك سيحقق الازدهار للمناطق التي احتلتها فرنسا في الجزائر، كما سيؤدي إلى استعماله الجزائريين الذين عارضوا حتى الآن الوجود الفرنسي والذين هم بلا شك قد أقاموا معارضتهم نتيجة للشكاوى التي نشرها (أي خوجة) في كتابه والتي بالغ فيها. ورغم أن محضر اللجنة قد اختصر إجابته على هذا الموضوع فإنه قد عبر عن اعتقاده بأن النتيجة التي توقعها رئيس اللجنة لن تتحقق بسرعة لأن نظام العدالة المشار إليه قد يفيد، بناء على رأي خوجة، أهل المدن، أما بالنسبة لسكان الأرياف فلن يكون له سوى مفعول ضئيل.
ومن رأي خوجة أن زنا لن تجني شيئا من محاولتها إغراء الجزائريين بوضع نظام فرنسي مكان النظام التركي أو بالتظاهر باحترام الدين والمعتقدات المحلية. فقد سأله الرئيس عما إذا كان يعتقد أن احترام الدين وحماية السكان وعدل الحكومة الفرنسية الصارم قد وفرت لمواطنيه فرصا مغرية لم تكن متوفرة لهم زمن الأتراك. وكان الرئيس يعتقد، خلافا لخوجة، أن هذه الإجراءات ستسهل الطريق أمام السلطات الفرنسية في الجزائر. فمثلا، فتح سوق مدينة الجزائر أمام الجزائريين لبيع بضائعهم بأسعار عالية سيضمن خضوعهم لفرنسا حرصا على مصلحتهم الاقتصادية. ولكن خوجة أجاب باختصار، على الأقل بناء على محضر الجلسة، بأن ذلك الاستنتاج صعب إن لم يكن مستحيلا.
ونفس الجواب رد به خوجة على سؤال طرحه الرئيس حول علاقة فرنسا بسكان منطقه متيجة. فالرئيس قد لاحظ أن أهالي متيجة يبيعون بضائعهم في الأسواق الخاضعة للفرنسيين وأنهم قد أصبحوا على علاقات طيبة معهم. ولكن الفرنسيين يريدون إقامة نظام يضمن هذه
العلاقات ويمتنها. وهناك عدة إمكانيات لذلك، منها تعيين أغا يأتي إليه عرب متيجة بمطالبهم ويكون واسطة بينهم وبين السلطات الفرنسية، كما كان واسطة بينهم وبين حكومة الوجق التركي من قبل ، وسيكون هذا الآغا مكلفا بالأمن عن طريق شرطة (الصبائحية) المكونة من العرب أنفسهم. وكان الفرنسيون، على لسان رئيس اللجنة، يرون أن إقامة هذا النظام واحترام الدين وعرض الفرص سيجعل العرب يخضعون لهم. ولكن جواب خوجة على هذه النقطة كان متشائما ومختصرا أيضا، غير أنه كان واضحا.
فقد رأى استحالة خضوع العرب للفرنيين لأن العرب (عرب سهل متيجة خاصة) كانوا معزولين أيام الأتراك، أما اليوم فهم متضامنون ضد العدو المشترك (1). ولذلك فان جميع المغريات المذكورة لن تحقق طاعتهم لفرنسا.
وقد قدم خوجة معلومات هامة عن الحالة العسكرية في الجزائر عند نزول الفرنسيين. فقد كان آنذاك في مدينة الجزائر. وكان حسين باشا قد أرسله لإقناع الآغا إبراهيم، صهر الباشا، باستئناف قيادة الجيش بعد هزيمة أسطاويلي (19 جوان 1830). وقد نجح خوجة في مهمته رغم صعوبتها. وكان محل ثقة الباشا. ولذلك فان معلوماته أكثر صحة من معلومات غيره، وقذ ذكر خوجة أمام اللجنة بأنه كان في إمكان حسين باشا أن يجند 60،000 محارب ولكنه لم يستعمل كل قواته ثقة بقدرته من ناحية، ومن ناحية أخرى فانه لم يكن يتوقع ذلك الهجوم من الفرنسيين وقد اكتفى الباشا، بناء على خوجة، بتجنيد جيش من 30،000 محارب فقط. أما رحلته الغامضة إلى قسنطينة فقد أجاب خوجة عنها إجابة غامضة
(1) قضية التضامن هنا هي التي عبر عنها خوجة في مناسبات أخرى وخصوصا في (المذكرة) بالقومية. لأن من رأيه أن التعايش بين الجزائريين والفرنسيين مستحيل لاختلافهم في كل شيء. انظر كتابي (الحركة الوطنية الجزائرية)، ص 37 - 44.
أيضا. ورغم أن تفاصيل هذه الرحلة ما تزال غير معروفة فان بعض خيوطها يمكن جمعها من المصادر القليلة الموجودة عنها (1). ويذكر خوجة أن الدوق دي روفيغو قد أرسله باقتراحات معينة للتفاوض مع الحاج أحمد، باي قسنطينة، وأنه قد تعرض من أجل ذلك إلى أخطار كبيرة وأنه دفع ثمن الرحلة من جيبه. وقد طلب منه رئيس الجلسة أن يقص على أعضاء اللجنة قصة هذه الرحلة مع ذكر الصعوبات والتسهيلات التي وجدها في الطريق ووصف القوة العسكرية والمادية التي يملكها الحاج أحمد.
قال خوجة إن الرحلة قد دامت عشرين يوما وأنها كانت عن طريق البر، وأنه كان مصحوبا بابنه (2). ويذكر محضر الجلسة أن خوجة (وهو الذي طالما اشتكى من الأخطار التي تعرض لها وطالب بدفع تعويضات عن الأموال التي صرفها) قد قال بأنه كان في استطاعته المرور بحرية بفضل وصية أحد المرابطين (الذي لم يذكر اسمه)(3)، وبفضل هدايا صغيرة. ولكن خوجة رفض بناء على محضر الجلسة، أن يجيب على محتوى الاقتراحات التي كان من المفروض أن يكون مكلفا بتقديمها إلى الحاج أحمد، مدعيا أن ذلك سر بينه وبين الحكومة الفرنسية. وعندما نبهه الرئيس بأن اللجنة تسأله باسم الحكومة وأنه ليس هناك سر لدى اللجنة اضطرب خوجة، حسب محضر الجلسة، ولم يستطع تبرير مهمته. وقد ذكر بأنه تعرض إلى
(1) من هذه المصادر كتاب ابنه علي خوجة انظر فصل حضر مدينة الجزائر و (أخبار الجزائر) لبيلي دي رينو، 3 ج (باريس، 1854) و (المرآة) لخوجة نفسه. و (مذكرات الحاج أحمد باي قسنطينة) التي نشرها م. إيميري Emerit في (المجلة الأفريقية)1949.
(2)
وهو الذي كتب وصف الرحلة المذكورة.
(3)
لا شك في أنه يقصد الشيخ علي بن عيسى الذي كان عمره مائة سنة، وهو سرابط قرومة (الأخضرية حاليا) والزعيم الروحي لقبيلة فلية. انظر الفصل الخامس.
أخطار من قبل الحاج أحمد نفسه (1).
ولكن خوجة أجاب بالإيجاب عندما تحداه الرئيس بأنه كان يمثل في المفاوضات لا الدوق دي روفيغو ولكن الحاج أحمد. فالحاج أحمد، بناء على رئيس الجلسة، قد أعطى خوجة تفويضا كتابيا لكي يفاوض فرنسا باسمه (أي الحاج أحمد). وإذا كان هذا هو الصحيح فإن خوجة قد ذهب إلى قسنطينة على حسابه الخاص للقيام بمهمة سياسية لا دخل للسلطات الفرنسية فيها. ولذلك فإن خوجة في نظرها كان متآمرا، ثم إن النقود التي كان يطبها من فرنسا مقابل الرحلة ليس له حق فيها.
والواقع أننا إذا أخذنا رأي خوجة من (المرآة) فإنه يبدي هناك إعجابا كبيرا بالحاج أحمد ويخصه بالثناء. وهذه الروح لم تختف عندها مثل أمام اللجنة. فهو يرى أن خضوع الحاج أحمد لفرنسا عن طريق التفاوض أمر صعب لأن باي قسنطينة كان يشعر أن له كثيرا من الأنصار في الصحراء، ثم إن له 10،000 محارب يدفع لهم الرواتب. بخلاف جنود حلفائه الكثيرين، فرأى خوجة في الحاج أحمد إلى هذه الساعة كان رأيا عاليا إذا صح التعبير.
ثم عادت المناقشة بين خوجة وأعضاء اللجنة إلى سهل متيجة، فما أملاك الدولة قديما في هذا السهل؟ وما حق ملكية أهل السهل فيه؟ وقد أجاب
(1) ليس هناك ما يدل على سوء التفاهم بين خوجة والحاج أحمد. ويذكر الأخير في مذكراته أن خوجة قد أخذ منه مالا ليذهب إلى فرنسا ليفاوض باسمه (أي الحاج أحمد) ولكنه لم يسمع منه إلا عندما كان (أي خوجة) في اسطانبول دون أن يعيد المال الذي وعد بإعادته. وعلى أية حال فإن خوجة قد ظل يترجم رسائل الحاج أحمد إلى السلطان محمود الثاني. ويبدو أن العلاقة بين الرجلين قد استمرت إلى نهاية حكم الحاج أحمد. أما عن مبدأ المفاوضات فالحاج أحمد يذكر أن خوجة قد جاء يفاوضه باسم الدوق دي روفيغو. ولكنه خلافا لخوجة، يذكر أن الرحلة كانت عن طريق (عنابة). انظر الفصل الخاص بالحاج أحمد.
خوجة لأنه لا يعرف بالضبط حدود أملاك الدولة القديمة في متيجة، وكل ما يعرفه بالتأكيد هو أن أفضل المزارع كانت للدولة. وأنه كانت هناك حوالي ست عشرة مزرعة. يعمل في معظمها عرب منطقة متيجة. وقد أحال خوجة اللجنة إلى أرشيف الحكومة القديمة الذي قال عنه إن فيه جميع التفاصيل. وأما عن حق ملكية العاملين في هذه المزارع فإن خوجة قد أجاب بأن حوالي ثلثي السهل لعرب المنطقة. ويملك أهل مدينة الجزائر الثلث الباقي الذي يتركونه لعرب المنطقة. يعملون فيه مقابل نصف المحصول. وتوجد أملاك الدولة، بناء على رأيه. في هذا الثلث.
وكان خوجة غامضا في جوابه عن سؤال يخص تجارة الجزائر القديمة مع السودان أو إمكانية إعادة تلك التجارة إلى ما كانت عليه. فقد أوضح بأن هذه التجارة كانت تتم عن طريق قوافل الإبل. ويقوم بها عربان معروفون، من بينهم بنو عزول الذين قال عنهم إنهم يوجدون في الصحراء على مسافة خمسة عشر يوما من مدينة الجزائر. وحذر خوجة من الأخطار التي تعترض إحياء هذا الخط التجاري مع أفريقية. ويبدو أنه لم يرد أن يساعد الفرنسيين في هذه النقطة، كما كان مقتضيا حولها في إجابته عليها وعلى أمثالها مما يتصل بتمكين فرنسا من تدعيم سلطانها في الجزائر. وعلى أية حال فقد أحال اللجنة، في النهاية، على كتابه الذي قال إنه يحتوي على تفاصيل حول نقطة التجارة المذكروة (1).
هذا كل ما عثرنا عليه في محضر جلسة اللجنة من آراء الجزائريين حول أوضاع بلادهم خلال السنوات الأول من الاحتلال. ولا شك في أن هناك وثائق أخرى حول هذا الموضوع لم تنشر بعد لعلها أهم مما نشر حتى الآن. وعلى أية حال فإن فيما لدينا من آراء كفاية للدلالة على وجهات النظر
(1) يجد القارىء كلام خوجة في اللجنة الأفريقية، ج 1، ص 56 - 59. (محاضر).
المختلفة. ويمكننا اعتبار أن الآراء في جملتها تمثل معظم الاتجاهات الموجودة في الجزائر آنذاك. فهناك اتجاه يميل إلى التعاون مع الفرنسيين يمثله هنا أحمد بوضربة، وهناك اتجاه ثان كان أصحابه مستعدين للتعاون على شرط توفير ظروف معينة ويمثله هنا حمدان بن أمين السكة، وأخيرا هناك اتجاه يرفض التعاون تماما لاختلاف الشعبين والحضارتين الإسلامية العربية والأوربية ويمثله هنا حمدان بن عثمان خوجة.
***