الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الثامن والثمانون: كلام علي فيه
…
الباب الثامن والثمانون: في ذكر كلام عليّ فيه
في الصحيحين عن ابن عباس قال: "وضع عمر على سريره فتكنفه الناس يدعون ويصلون، قبل أن يرفع، وأنا فيهم، فلم يَرُعني إلا رجلٌ آخذٌ منكبي، فإذا عليّ بن أبي طالب، فترحم على عمر وقال: "ما خلفت أحداً أحبّ إليّ أن ألقى الله بمثل عمله منك، وأيم الله إن كنتُ لأظن أن يجعلك الله مع صاحبيك، وحسبت أني كنت كثيراً أسمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول:"ذهبت أنا وأبو بكر / [124 / أ] وعمر، ودخلت أنا وأبو بكر، وعمر، وخرجت أنا وأبو بكر وعمر". هذا لفظ البخاري1.
وفي رواية أخرى له قال: "إني لواقف في قوم فدعوا لعمر بن الخطاب، وقد وضع على سريره، إذا رجلٌ من خلفي قد وضع مَرفقه على منكبي يقول: "رحمك الله، إن كنتُ لأرجو أن يجعلك الله مع صاحبيك، لأني كثيراً مما كنتُ أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"كنت أنا وأبو بكر وعمر، وفعلتُ وأبو بكر وعمر، وانطلقت وأبو بكر وعمر" فإن كنت لأرجو أن يجعلك الله معهما". فالتفت فإذا هو عليّ بن أبي طالب"2.
ولفظ مسلم كالأوّل إلا أن فيه: "إن كنت لأظن أن يجعلك الله مع صاحبيك، وذلك أني كنت كثيراً أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "جئت أنا وأبو بكر وعمر، ودخلت أنا وأبو بكر وعمر، وخرجت أنا وأبو بكر وعمر" فإن
1 البخاري: الصحيح، كتاب فضائل الصحابة 3/1348، رقم:3482.
2 البخاري: الصحيح، كتاب فضائل الصحابة 3/1345، رقم:3474.
كنت لأرجو أو لأظن أن يجعلك الله معهما"1.
وعن جعفر بن محمّد عن أبيه قال: قال رجل من قريش لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه: "يا أمير المؤمنين نسمعك تقول في الخطبة آنفاً: "اللهم أصلحنا بما أصلحت به الخلفاء الراشدين المهديين فمن هم؟ "، فاغرورقت عنياه ثم أهملهما، فقال: "هم حبيباي وعماك أبو بكر وعمر؛ إماما الهدى وشيخا الإسلام، ورجلا قريش، والمقتدى بهما بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم من اقتدى بهما عُصم، ومن اتبع آثارهما هدي الصراط المستقيم، ومن تمسك بهما هو من حزب الله، وحزب الله هم المفلحون"23.
وعن عبد خير4 قال: "سمعت عليّاً رضي الله عنه يقول: "إن الله جعل أبا بكر وعمر رضي الله عنهما حجة على من بعدهما من الولاة إلى يوم القيامة، سبقاً والله سبقاً بعيداً، وأتعبا بعدهما إتعاباً شديداً"5.
وعن زيد بن وهب أن سويد بن غَفَلة دخل على عليّ رضي الله عنه في إمارته فقال: "يا أمير المؤمنين، إني مررت بنفر يذكرون أبا بكر وعمر بغير الذي هما أهل له من الإسلام، فنهض إلى المنبر، وهو قابض على يدي،
1 مسلم: الصّحيح، كتاب فضائل الصحابة 4/1858، رقم:2389.
2 العشاري: فضائل أبي بكر ص 4، وهو ضعيف لانقطاعه بين محمّد الباقري وعليّ. والمتقي الهندي: كنْز العمال 13/11، وعزاه للالكائي وأبي طالب العشاري ونصر في الحجة.
3 منتصف ق 126 / ب، وردت في مكانها الصحيح، وقد أوردت الترتيب الصحيح كما بدا لي من سياق الكلام.
4 في الأصل: (عبد الله بن خير) ، وهو تحريف.
5 ابن الأثير: أسد الغابة3/664، وفي إسنادهما إسماعيل بن عبد الرحمن الهاشمي لم أجد له ترجمة.
فقال: "والذي فلق الحبة، وبرأ النسمة لا يحبهما إلا مؤمن [تقي] 1 ولا يبغضهما ويخالفهما إلا شقي مارق، فحبهما قربة، وبغضهما مروق، ما بال أقوام يذكرون أخوي رسول الله صلى الله عليه وسلم ووزيريه وصاحبيه، وسيدي قريش وأبوي الإسلام2، فإني بريءٌ ممن يذكرهما، وعليه3 معاقب"4، 5.
وعن [أبي] 6 جعفر قال: قال عليّ رضي الله عنه وهو عند رأس عمر رضي الله عنه وهو طعين: "هذا أحبّ الأمة إليّ أن ألقى الله بمثل صحيفته"7.
وعن جعفر بن محمّد عن أبيه قال: "لما غُسل عمر وكفن وحمل على سريره، وقف عليه عليّ فقال: "والله ما على وجه الأرض رجل أحبّ إليّ أن ألقى الله بصحيفته مثل هذا المسجى بالثوب"8.
وعن عون بن أبي جحيفة عن أبيه قال: "كنت عند عمر وهو مسجى بثوبه، قد قضى نحبه، فجاء عليّ فكشف الثوب عن وجهه، ثم قال: "رحمة الله عليك
1 غير واضح في الأصل.
2 مطموس في الأصل، سوى (الإسلا) .
3 مطموس في الأصل، سوى (وعلـ) .
4 ما بين النجمتين في هامش ق 124 / أ.
5 ابن الأثير: أسد الغابة 3/663، 664، وفي إسناده هاشم بن مرثد، قال فيه ابن حبان:"ليس بشيء". (ميزان الاعتدال 4/290) .
6 سقط من الأصل.
7 ابن سعد: الطبقات 3/370، وعبد الله بن أحمد في زوائده على فضائل الصحابة 1/264، 265، وهو ضعيف لانقطاعه، وابن عساكر: تاريخ دمشق جـ 13/ ق 187، والمتن صحيح فقد ورد موصولاً من رواية ابن سعد: الطبقات 3/370، والحاكم: المستدرك 3/94، وإسنادهما صحيح، وابن شبه: تاريخ المدينة 3/937، والفسوي: المعرفة والتاريخ 2/945.
8 ابن سعد: الطبقات 3/370، وهو ضعيف لانقطاعه.
أبا حفص، فوالله ما بقي بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد أحبّ إليّ أن ألقى الله عزوجل بصحيفته مثلك"1.
وعن نافع عن ابن عمر قال: "وضع عمر بين المنبر والقبر فجاء عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه حتى وقف بين الصّفوف، فقال: "هو هذا ثلاثاً، ثم قال:"رحمة الله عليك، ما من خلق الله أحدٌ أحبّ إليّ من أن ألقاه بصحيفته، بعد صحيفة النبي صلى الله عليه وسلم من هذا المسجى عليه ثوبه"2.
وعن أبي مجلز، قال: قال عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه: "ما مات النبيّ صلى الله عليه وسلم حتى عرفنا أن أفضلنا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر، وما مات أبو بكر حتى عرفنا أن أفضلنا بعد أبي بكر عمر - رضي الله تعالى عنهما -"3.
وعن الشعبي قال: قال عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه: "كنا نتحدث أن السكينة تنطق على لسان عمر وقلبه"4
وعن زر بن حبيش عن عليّ قال: "ما كنا نُبعد أن السكينة تنطق على
1 ابن سعد: الطبقات 3/370، وابن شبه: تاريخ المدينة 3/937، وإسنادهما حسن، لغيره فيه يونس بن أبي يعفور، وهو صدوق، يخطئ كثيراً. (التقريب رقم: 9720) ، وعبد الله بن أحمد زوائد على المسند 1/109، وإسناده ضعيف فيه سويد بن سعيد الهروي.
2 ابن شبه: تاريخ المدينة 3/938، عبد الله بن أحمد في زوائده على المسند 2/60، وإسنادهما ضعيف لأجل أبي معشر نجيح المدني، وضعّفه أحمد شاكر في تخريجه لأحاديث المسند، رقم:866.
3 ابن الجوزي: مناقب ص 245، بدون إسناد.
4 عبد الله بن أحمد في زوائده على المسند 1/147، وفضائل الصحابة 1/330، وإسناده صحيح. والفسوي: المعرفة والتاريخ 1/461، 462، وأبو نعيم: الحلية 1/42، ومسدد وأحمد بن منيع من طريق مجالد بن سعيد، وهو ضعيف عن الشعبي كما في المطالب العالية 3/40، وصحّحه أحمد شاكر في تخريجه لأحاديث المسند، رقم:834.
لسان عمر"1.
وعن عمرو بن ميمون عن عليّ رضي الله عنه قال: "ما كنا ننكر ونحن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم متوافرون أن السكينة تنطق على لسان عمر رضي الله عنه"2.
وعن طارق بن شهاب قال: قال عليّ رضي الله عنه: "كنا نتحدث أن ملكاً ينطق على لسان عمر"3.
وعن الشعبي عن عليّ قال: "كان أبو بكر أوَّاها4 حليماً، وكان عمر مخلصاً ناصحاً لله فنصحه، وكنا5 أصحاب محمّد صلى الله عليه وسلم ونحن متوافرون، والله إن كنا لنرى السكينة تنطق على لسان عمر، وإن كنا لنرى أن شيطان عمر يهابه، أن يأمره بالخطيئة"6.
1 عبد الرزاق: المصنف 11/222، ومن طريقه القطيعي في زوائده على فضائل الصحابة 1/358، وإسنادهم حسن فيه عاصم بن أبي النجود.
2 ابن الجوزي: مناقب ص 245.
3 أحمد: فضائل الصحابة 1/263، 264، وإسناده صحيح. والفسوي: المعرفة والتاريخ 1/456، والطبراني: المعجم الكبير 8/384، وابن الجوزي: مناقب ص 245، وابن كثير: البداية والنهاية 6/201، والهيثمي: مجمع الزوائد 9/67، وقال:"رواه الطبراني ورجاله ثقات".
4 الأوّاه: الموقن أو الدّعاء أو الرحيم الرقيق. (القاموس ص 1604) .
5 في الأصل: (وكان) ، وهو تحريف.
6 القطيعي في زيادته على فضائل الصحابة 1/444، وفي إسناده أبو عقيل المدني وكثير النواء، وهما ضعيفان. (التقريب رقم: 7633، 5605) ، والعشاري: فضائل أبي بكر ص 6، مختصراً، وإسناده ضعيف لضعف أسيد بن زيد الهاشمي مولاهم، أفرط ابن معين في تكذيبه. (التقريب رقم512) . وأبو البختري: الأمالي ق231/ ب، والمتقي الهندي: كنْز العمال 13/24، وعزاه لأبي القاسم بن بشران في أماليه.
وعن الأسود بن قيس1، عن رجل عن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه قال:"استخلف عمر عليّاً فأقام واستقام حتى ضرب الدين بجرانه"2.
وعن عبد خير قال: قام عليّ رضي الله عنه على المنبر فذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "قُبِضَ رسول الله صلى الله عليه وسلم واستُخْلِفَ أبو بكر، فعمل بعمله، وسار بسيرته، حتى قبضه الله عزوجل على ذلك، ثم استخلف عمر، فعمل بعملهما وسار بسيرتهما حتى قبضه الله عزوجل على ذلك"3.
وعن أبي سَرِيحة4 قال: سمعت عليّاً يقول على المنبر: "ألا إن عمر ناصح الله فنصحه"5.
وعن أبي إسحاق6 قال: جاء أهل نجران إلى عليّ فقالوا: "يا أمير المؤمنين / [124 / ب] 7 شفاعتك بلسانك وكتابك بيدك، أخرجنا عمر من أرضنا فردنا إليها قال: "ويلكم8 إن كان عمر رشيد الأمر، فلا أغير شيئاً صنعه"9.
1 الأسود بن قيس العبدي، الكوفين ثقة من الرابعة. (التقريب ص 111) .
2 أحمد: المسند 2/181، وفضائل الصحابة 1/331، 332، وإسناده ضعيف لإبهام الرجل الراوية عن عليّ، وعبد الله بن أحمد: السنة 2/569، وابن أبي عاصم: السنة 2/575، عن الأسود بن قيس عن سعيد بن عمرو عن أبيه قال: قال عليّ. . . . وإسناده صحيح.
3 عبد الله بن أحمد في زوائده على المسند2/233، 234، وإسناده صحيح. وصحّحه أحمد شاكر في تخريجه لأحاديث المسند، رقم: 1055، وابن الجوزي: مناقب ص246.
4 أبو سريحة - بفتح السين المهملة، وكسر الراء ثم حاء مهملة - حذيفة بن أسيد ويقال ابن أمية بن أسيد الغفاري صحابي، شهد الحديبية، توفي سنة ثنتين وأربعين. (الإصابة 1/332، التقريب ص 154) .
5 ابن سعد: الطبقات 3/171، عبد الله بن أحمد في زوائده على فضائل الصحابة 1/138، وإسنادهما ضعيف في كثير النواء، ضعيف. (التقريب رقم: 5605) .
6 الهمداني.
7 ق 124/ب وردت في مكانها الصحيح، وقد أوردت الترتيب الصحيح كما بدا لي.
8 في الأصل: (ويكم) ، وهو تحريف.
9 الدارقطني: فضائل الصحابة ق 35 / أ – ب، وإسناده ضعيف لانقطاعه. والقطيعي: زوائده على فضائل الصحابة 1/537، عن أبي إسحاق عن الشعبي عن رجل عن عليّ. وإسناده ضعيف لإبهام شيخ الشعبي. وأبو يوسف: الخراج ص 80، بنحوه قال: حدّثني الأعمش عن سالم بن أبي الجعد الأثر، وإسناده صحيح. وابن عساكر: تاريخ دمشق جـ 13/ ق 139، عن الأعمش، وابن الجوزي: مناقب ص 246.
وروى أبو القاسم الأصفهاني عن أوفى بن حكيم1 قال: "لما كان اليوم2 الذي توفي فيه عمر خرج علينا عليّ رضي الله عنه قال: "لله درّ باكيةِ عمرَ واعمراهُ قوَّم الأود3، وأبرأ العمدَ4، واعمراه مات نقي الجيب، قليل العيب، واعمراه ذهبَ بالسنة وأبقى الفتنة"5.
وعن سويد بن غفلة قال: "مررت بنفر من الشيعة، وهم يتناولون أبا بكر وعمر رضي الله عنهما وينتقصونهما، فدخلت على عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه فقلت له: يا أمير المؤمنين، إني مررت آنفاً بنفر من أصحابك وهم يذكرون أبا بكر وعمر بغير الذي هما له من الأمر أهل، ولولا أنهم يرون أنك تضمر لهما بمثل ما أعلنوا، ما اجترأوا على ذلك، فقال: عليّ: "أعوذ بالله أن أضمر لهما، لعن الله من أضمر لهما إلا الحسن الجميل، أخَوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحباه،
1 لعله ابن أمية السلمي، زوج عزة بنت أبي لهب. (الإصابة 8/143) .
2 في الأصل: (للذي) ، وهو تحريف.
3 في: قوم الاعوجاج. (لسان العرب 3/75) .
4 العمد - بالتحريك - ورَمٌ دبرٌ يكون في الظهر، أرادت أنه حسن السياسة. (النهاية 3/297، لسان العرب 3/305) .
5 أبو القاسم الأصفهاني: سير السلف ص 159، وأبو نعيم: الحلية 1/222، وابن عساكر: تاريخ دمشق جـ 13/ ق 189، وفي إسناده أوفى بن حكيم لم أجد له ترجمة. وابن شبه: تاريخ المدينة 3/941، وابن عساكر: تاريخ دمشق جـ 13/ ق 189، عن عبد الله بن مالك الأزدي. وإسناده ضعيف لانقطاعه بين غسان بن عبد الحميد وعبد الله بن مالك.
ووزيراه رحمة الله عليهما".
ثم نهض دامعاً عيناه يبكي قابضاً على يدي حتى دخل المسجد، وصعد المنبر وجلس عليه متمكناً، قابضاً على لحيته، ينظر فيها، وهي بيضاء، حتى اجتمع له الناس، ثم قام فتشهد بخطبة بليغة موجزة، ثم قال: "ما بال أقوام يذكرون سيدي قريش، وأبوي المسلمين، بما أنا عنه متنَزّه، وعما يقولون بريءٌ، وعلى ما يقولون معاقبٌ، أما والذي فلق الحبة، وبرأ النسمة، إنه لا يحبهما إلا مؤمن تقي، ولا يبغضهما إلا فاجرٌ رديءٌ، صحبا رسول الله على الوفاء والصدق، يأمران، وينهيان، ويقضيان، ويعاقبان، ولا يجاوزان أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم [ولا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم] 1 يرى مثل رأيهما [رأياً] 2 ولا يحبّ كحبهما أحداً، ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهما راضٍ، ومضيا والمؤمنون عنهما راضون، أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر على صلاة المؤمنين، فصلى بهم تسعة أيام، في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قبض الله نبيّه صلى الله عليه وسلم واختار له عنده، ولاه المؤمنون ذلك، وأعطوه البيعة طائعين غير كارهين، أنا أوّل من سنَّ ذلك من بني عبد المطلب، وهو لذلك كاره، يودّ لو أن أحدنا كفاه ذلك، وكان والله خير من بقي، أرحمه رحمةً وأرأفه رافة، وأكيسه3 ورعاً، وأقدمه سناً وإسلاماً، شبهه رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكيائيل رحمةً، وبإبراهيم عفواً ووقاراً، فسارَ بنا سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى مضى [على] 4 ذلك رحمة الله عليه.
ثم ولي الأمر بعد عمرُ بن الخطاب،
1 سقط من الأصل.
2 سقط من الأصل.
3 في الأصل، ومنهاج القاصدين:(أبيسه) . والتصويب من كنز العمال.
4 سقط من الأصل.
واستأمر المسلمين في ذلك فمنهم من رضي ومنهم من كره، فكنت فيمن رضي، فلم يفارق الدنيا حتى رضي عنه من كان كره، وأقام الأمر على منهاج النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه يتبع آثارهما كاتباع الفصيل1 أثر أمه، وكان والله رقيقاً رحيماً بالضعفاء والمؤمنين، عوناً وناصراً للمظلومين على الظالمين، لا تأخذه في الله لومة لائم، ضرب الله بالحقّ على لسانه، وجعل الصدق من شأنه، حتى إن كنا لنظن ملكاً ينطق على لسانه، أعزّ الله بإسلامه2 الإسلام، وجعل هجرته للدين قِواماً3، ألقى الله له في قلوب المنافقين الرهبة، وفي قلوب المؤمنين المحبة، شبهه رسول الله صلى الله عليه وسلم بجبريل، فظاً غليظاً على الأعداء، وبنوح حنقاً مغتاظاً على الكفار، الضراء في طاعة الله آثر عنده من السراء في معصية الله / [125 / أ] ، من لكم بمثلهما؟ رحمة الله عليهما. ورزقنا المضي على سبيلهما، فإنه لا يبلغ مبلغهما إلا اتّباع آثارهما، والحبّ لهما، فيمن أحبني فليحبهما ومن لم يحبهما فقد أبغضني وأنا منه برئ، ولو كنت تقدمت إليكم في أمرهما لعاقبت على هذا أشدّ العقوبة، إنه لا ينبغي أن أعاقب قبل التقدم، ألا فمن أوتيت به يقول هذا بعد اليوم فإن عليه ما على المفتري، ألا وخير هذه الأمة بعد نبيّها أبو بكر الصديق، وعمر الفاروق، ثم الله أعلم بالخير أين هو، أقول هذا ويغفر الله لي ولكم"4.
1 الفصيل: ولد الناقة إذ فصل عن أمه. (القاموس ص 1347) .
2 في الأصل: (بإسلامه في الإسلام) .
3 قواماً: قوام الشيء: عماده الذي يقوم به. يقال: فلان قوام أهل بيته. (النهاية4/124) .
4 العشاري: فضائل أبي بكر ص 7، موفق الدين ابن قدامة: منهاج القاصدين ق 24 / ب، عن أحمد بن بديل نا محمّد البكري كن المنهال بن عمر، وأحمد بن بديل، صدوق له أوهام. (التقريب رقم: 12) . والبكري لم أجد له ترجمة. وخيثمة بن سليمان: من حديث خيثمة ص 122-124، وابن عدي: الكامل 2/709، واللالكائي: شرح أصول اعتقاد أهل السنة 7/1295-1296، وابن الأثير: أسد الغابة 3/661، والضياء المقدسي: النهي عن سبّ الأصحاب ص 71-73، وابن عساكر: تاريخ دمشق جـ 13/ ق 142، 143، ومداره على عليّ بن الحسن بن عمارة عن المنهال بن عمرو. والحسن بن عمارة متروك. (التقريب رقم: 1264) ، وأبو القاسم الأصفهاني: سير السلف ص 164، 165، والمتقي الهندي: كنْز العمال 13/22، 23، بدون إسناد.
وفي مسند الإمام أحمد عن عليّ قال: "أعطي كل نبيّ سبعة نجباء، وأعطي نبيكم أربعة عشر نجيباً منهم: أبو بكر، وعمر، وعبد الله بن مسعود، وعمار بن ياسر"1.
وفيه عن عبد خير قال: "قام عليّ بن أبي طالب على المنبر وذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "قُبض رسول الله واستخلف أبو بكر فعمل بعمله وسار بسيرته حتى قبضه الله على ذلك، ثم استخلف عمر، فعمل بعملهما، وسار بسيرتهما حتى قبضه الله على ذلك"2.
وفي مجلس ابن بشران3 عن الحسن قال: "لما قدم عليّ رضي الله عنه
1 أحمد: المسند2/315، وإسناده ضعيف لانقطاعه بين سالم بن أبي حفصة وبين عبد الله ابن مليل. وعبد الله بن مليل لم يوثّقه غير ابن حبان. وضعّفه أحمد شاكر في تخريجه لأحاديث المسند، رقم: 1273، وأحمد: المسند2/73، والترمذي: السنن5/662، عن عليّ مرفوعاً. قال الترمذي:"هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه، وقد روي هذا الحديث عن عليّ موقوفاً".
قلت: الحديث مداره على كثير النواء، وهو ضعيف. (التقريب رقم: 5605) ، وضعّفه الألباني في ضعيف سنن الترمذي ص509، وضعيف الجامع الصغير2/169.
2 سبق تخريجه ص 1017.
3 عليّ بن محمّد بن عبد الله بن بشران الأموي البغدادي قال الخطيب: "وكان صدوقاً ثبتاً، حسن الأخلاق ظاهر الديانة". توفي سنة خمس عشرة وأربع مئة. (تاريخ بغداد 12/98، سير أعلام النبلاء 17/311) .
البصرة قام إليه ابن الكواء1، وقيس بن عُباد2، فقالا له:"ألا تخبرنا عن مسير كهذا الذي سرت فيه تتولى على الأمة؟ تضرب بعضهم ببعض، أعهدٌ من رسول الله صلى الله عليه وسلم فحدّثنا فأنت الموثوق والمأمون على ما سقت". فقال: "أما أن3 يكون عندي من النبي صلى الله عليه وسلم عهدٌ في ذلك فلا والله، إن كنت أوّل من صدق به، فلا أكون أوّل من كذب عليه، ولو كان عندي من النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك عهد ما تركت أخا بني تيم بن مرة4، وعمر بن الخطاب يقومان على منبره، ولقاتلتهما بيدي، ولو لم أجد إلا بردي هذا، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يُقتل قتلاً، ولم يمت فجاءة، مكث في مرضه أياماً وليالي، وهو يرى المؤذن فيؤذنه بالصلاة، فيأمر أبا بكر فيصلّي بالناس، وهو يرى مكاني، ولقد أرادت امرأة من نسائه أن تصرفه عن أبي بكر فأبى5 وغضب، وقال: "أنتن صواحب يوسف، مروا أبا بكر يصلي بالناس".
فلما قبض الله نبيّه نظرنا في أمورنا، فاخترنا لدنيانا من رضيه النبي صلى الله عليه وسلم لديننا، وكانت الصلاة أصل الإسلام وقوام / [125 / ب] الدين، فبايعنا أبا بكر فكان لذلك أهلاً، لم يختلف عليه منا اثنان، ولم يشهد بعضنا على بعض، ولم نقطع منه البراءة، فأديت إلى أبي بكر حقّه وعرفت له طاعته، وغزوت معه في جنوده، وكنت آخُذُ إذا أعطاني، وأغزو إذا أغزاني،
1 عبد الله بن الكواء، من رؤوس الخوارج، وقال الحافظ ابن حجر: "إنه قد رجع عن مذهب الخوارج وعاودصحبة عليّ. (ميزان الاعتدال2/474، لسان الميزان3/329) .
2 قيس بن عباد الضّبَعِي البصري، ثقة من الثانية مخضرم، توفي بعد الثمانين، ووهم من عدّه في الصحابة. (التقريب ص 457) .
3 في الأصل: (ما أن) .
4 يعني: أبا بكر الصديق رضي الله عنه.
5 مطموس في الأصل، سوى (بى) .
وأضرب بين يديه الحدود بسوطي، فلما قُبض رضي الله عنه ولاّها عمر فأخذها بسنة صاحبه وما يعرف من أمره، فبايعنا عمر لم يختلف عليه منا اثنان، ولم يشهد بعضنا على بعض، ولم نقطع منه البراءة، فأدّيت إلى عمر حقّه، وعرفت طاعته، وغزوت معه في جيوشه، فكنت آخذ إذا أعطاني، وأغزو إذا أغزاني، وأضرب بين يديه الحدود بسوطي، فلما قبض تذكرت في نفسي قرابتي، وسابقتي وفضلي، وأنا أظن أن لا يعدل بيَ، ولكن خشي1 أن لا يعمل الخليفة بعده ذنباً إلاّ لحقه في قبره". ثم ذكر خلافة عثمان2.
1 في الأصل: (أخشى) ، وهو تحريف.
2 موفق الدين ابن قدامة: منهاج القاصدين ق 71 / 72 / أ، من طريق ابن بشران ومن طريقه الذهبي: تاريخ الإسلام (عهد الخلفاء الراشدين) ص: 639، 640، وهو ضعيف جداً. فيه أبو بكر الهذلي، قال فيه الذهبي:"واه". وقال الحافظ ابن حجر: "إخباري متروك". (ميزان الاعتدال 2/194) . التقريب رقم: 8002، ثم إن الحسن مدلس، ولم يصرح بالسماع، ومما يدل على عدم صحة هذا الخبر، بهذا السياق، أن عليّاً دخل البصرة سنة 36هـ بعد وقعة الجمل، وكيف يقول هذا الكلام ولم ينازعه أحد في الخلافة إلى هذا الوقت.
نعم. نازعه معاوية، ولكن بعد ذلك. حين بايعه أهل الشام في ذي القعدة سنة سبع وثلاثين، وقيل: سنة ثمان وثلاثين، بعد تحكيم الحكمين بينه وبين وعليّ رضي الله عنهما. أما قبلها فلم يطلب الخلافة. وإنما كان امتنع من البيعة لعليّ حتى يمكنه من القصاص من قتلة عثمان رضي الله عنه. ولم تتم لمعاوية البيعة إلا بعد تنازل الحسن بن عليّ سنة أربعين للهجرة. (انظر: تاريخ: خليفة ص 192، تاريخ الإسلام (عهد الخلفاء الراشدين ص 552) .