الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الثاني والتسعون: ضربه لولده على شرب الخمر
…
الباب الثاني والتسعون: في ذكر ضربه لولده على شرب الخمر
عن أسامة [بن زيد] 1 بن أسلم عن أبيه عن جده قال: "سمعت عمرو بن العاص يوماً2 ذكر عمر رضي الله عنه فترَحَّم عليه، ثم قال: "ما رأيتُ أحداً بعد نبيّ الله وأبي بكر أخوفَ لله من عمر، لا يبالي على من وقع الحقّ على ولدٍ أو والدٍ، ثم قال: والله إني لفي منزلي ضحى بمصرَ إذ أتاني آتٍ فقال: "قدِمَ عبد الله وعبد الرحمن3 ابنا عمر غازيين "فقلت للذي أخبرني: أين نزلا؟ قال: "في موضع كذا وكذا"، - لأقصى مصر - وقد كتبَ إلي عمر إياك أن يقدم عليك أحد من أهل بيتي، فتحبوه بأمرٍ لا تصنعُه لغيره، فأفعلُ بكَ ما أنتَ أهلُه، وأنا لا أستطيعُ أن أهديَ لهما، ولا آتيَهما في منْزلهما للخوف من أبيهم، فوالله إني لعلى ما أنا عليه، إلى أن قال قائل:"هذا عبد الرحمن بن عمر، وأبو سِرْوَعَة4 على الباب يستأذنان"، فقلت: يدخلان، فدخلا وهما منكسران، فقالا:"أقم علينا حدّ الله، فإنا قد أصبنا البارحة شراباً فسكرنا". قال: "فزبرتُهما5 وطردتهما، فقال عبد الرحمن: "إن لم تفعل أخبرتُ أبي إذا قدمت". قال: فحضرني رأي، وعلمتُ أني إن لم أُقِم عليهما الحدّ غضب عليَّ عمر في ذلك، وعزلني، وخالفَه ما صعنتُ، فنحن على ما نحن عليه إذ
1 سقط من الأصل.
2 في الأصل: (يقول يوماً) .
3 عبد الرحمن الأوسط أبو شحمة. (أسد الغابة 3/374) .
4 عقبة بن الحارث النوفلي، المكي، صحابي، من مسلمة الفتح، بقي إلى بعد الخمسين. (التقريب ص 394) .
5 زبره: أي: نهره وأغلظ له في القول والرد. (النهاية 2/293) .
دخل عبد الله بن عمر، فقمت إليه ورحبت به، وأردت أن أجلسه في صدر مجلسي فأبى عليّ، وقال:"أبي نهاني أن أدخل عليك إلا أن أجد من ذلك بدّاً، إن أخي لا يحلق على رؤوس الناس أبداً، فأما الضرب فاصنع ما بدا لك". - قال: وكانوا يحلقون مع الحدّ - قال: فأخرجتهما إلى صحن الدار فضربتهما الحدّ، ودخل ابن عمر بأخيه إلى بيتٍ من الدار فحلق رأسه ورأس أبي سروعة، فوالله ما كتبتُ إلى عمر بحرف، مما كان، حتى إذا تحنيتُ كتابه إذا هو نظم فيه:"بسم الله الرحمن الرحيم. من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى العاصي بن العاصي، عجبت لك يا ابن العاصي ولجرأتك عليّ وخلاف عهدي، أما إني قد خالفتُ فيك أصحاب بدر ممن هو خيرٌ منك واخترتك1؛ لجرأتك عني، وإنفاذ عهدي، وأراك تلوثت بما تلوثت، فما أراني إلا عازلك، فمسيء2 عزلك، تضرب عبد الرحمن في بيتك وتحلق رأسه في بيتك، وقد عرفت أن هذا يخالفني، إنما عبد الرحمن رجلٌ من رعيتك تصنع به ما تصنع بغيره من المسلمين، ولكن قلت: هو ولد أمير المؤمنين، وقد عرفتَ أن لا هوادة لأحدٍ من الناس عندي في حقٍّ يجب لله عليه، فإذا جاءك كتابي هذا فابعث به في عباءةٍ على قتبٍ حتى يعرف سوءَ ما صنع". فبعثتُ به كما قال أبوه، وأقرأت ابن عمر كتاب أبيه، وكتبتُ إلى عمر كتاباً أَعْتَذر فيه، وأُخبره أني ضربته في صحن داري، وبالله الذي لا يُحلَف بأعظم منه إني أقيم الحدّ في صحن داري على الذمي والمسلم، وبعثت بالكتاب مع عبد الله بن عمر". /
1 في الأصل: (وأخير لك) ، والتصويب من الكنز.
2 في الكنْز: (ومُنشي) .
[131 / ب] .
قال أسلم: فقدم بعبد الرحمن على أبيه، فدخل عليه وعليه عباءةٌ ولا يستطيع المشي من مركبِهِ، فقال:" [يا] 1 عبد الرحمن فعلتَ وفعلتَ السياطُ". وكلمه عبد الرحمن بن عوف وقال: "يا أمير المؤمنين، قد أقمتم عليه الحدّ مرّةً"، فلم يلتفت إلى هذا عمر وزبَرَه، فجعل عبد الرحمن يصيح:"أنا مريضٌ وأنت قاتلي"، فضربه وحبَسَه، ثم مرِضَ فمات"2
وعن عبد الله بن عمر قال: "شرب عبد الرحمن بن عمر، وشرب معه أبو سِرْوَعَة عقبة بن الحارث، ونحن بمصر في خلافة عمر رضي الله عنه فسكرا، فلما أصبحا انطلقا إلى عمرو بن العاص وهو أمير مصر، فقالا: "طهِّرْنا فإنا قد سكرنا من شراب شربناه". قال عبد الله بن عمر: "ولم أشعر أنهما قد أتيا عمرو بن العاص، فذكر لي أخي أنه قد سكر، فقلت: أدخل الدار أطهرك، فآذنني أنه قد حدّث الأمير، قال عبد الله بن عمر، فقلت: والله لا تحلق اليوم على رؤوس الناس، أدخل3 أحلقك وكانوا إذ ذاك يحلقون مع الحدّ - فدخل معي الدار - قال عبد الله:"فحلقت أخي بيدي، ثم جلدهم عمرو بن العاص، فسمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه فكتب إلى عمرو: "أن ابعث إليّ بعبد الرحمن بن عمر على قتَبٍ"، ففعل ذلك عمرو، فلما قدم عبد الرحمن
1 سقط من الأصل.
2 ابن الجوزي: مناقب ص 240-242، المحب الطبري: الرياض النضرة 1/354، والمتقي الهندي: كنْز العمال 12/662-664، وعزاه لابن سعد. وهو ضعيف لأجل أسامة بن زيد بن أسلم. قال الحافظ:"ضعيف من قبل حفظه". (التقريب رقم: 315) .
3 مطموس في الأصل، سوى (ادخـ) .
على عمر جلده وعاقبه من أجل مكانه منه، ثم أرسله فلبث شهراً صحيحاً ثم أصابه قدره، فيحسب عامة الناس أنه مات من جلد عمر، ولم يمت من جلد عمر"1.
قال ابن الجوزي: "ينبغي أن لا نظن بِعَبْدِ الرحمن بن عمر أنه شرب الخمر، وإنما شرب النبيذ متأولاً، يظن أن ما شرب منه لا يسكر، وكذلك أبو سروعة، وأبو سروعة من أهل بدر2، فلما خرج بهما الأمر إلى السكر طلبا التطهير بالحدّ، وقد كان يكفيهما مجرد الندم على التفريط، غير أنهما غضبا لله سبحانه على أنفسهما المفرطة، فأسلمهما إلى إقامة الحدّ، وأما كون عمر أعاد الحدّ على ولده فليس ذلك حدّاً، وإنما ضربه غضباً وتأديباً، وإلاّ فالحدّ لا يكرر، قال: وقد أخذ هذا الحديث قوم من القصاص فأبدلوا فيه، وأعادوا، فتارة يجعلون هذا الولد مضروباً على شرب الخمر، وتارة على الزنا،
1 وعبد الرزاق: المصنف 9/232-233، وإسناده صحيح. وابن شبه: تاريخ المدينة 3/841، والبيهقي: السنن: 8/312-313، وقال:"والذي يشبه أنه جلده جلد تعزير، فإن الحدّ لا يعاد. الله أعلم". وابن عساكر: تاريخ دمشق جـ 13/ ق 118، ابن الجوزي: مناقب ص 242، والمتقي الهندي: كنْز العمال 12/664، وعزاه لعبد الرزاق والبيهقي. وقال:"وسنده صحيح".
قال ابن الجوزي: "وليس بعجيب أن يكون شرب النبيذ متأولاً، فسكر من غير اختيار، وإنما لما قدم على عمر ضربه ضرب تأديب لا ضرب حدًّ، ومرض بعد ذلك لا من الضرب، ومات". (الموضوعات 3/275) .
وقال ابن الأثير: "وعبد الرحمن بن عمر الأوسط، أبو شحمة هو الذي ضربه عمرو ابن العاص بمصر في الخمر، ثم حمله إلى المدينة، فضربه أبوه عمر بن الخطاب أدبَ الوالد، ثم مرض، فمات بعد شهر". (أسد الغابة 3/274) .
2 قوله: "من أهل بدر"، وهم، والصواب أنه من مسلمة الفتح. (أسد الغابة 3/547، الإصابة 4/249) .
ويذكرون كلاماً مرقّقاً1 ليبكي العوام2، لا يجوز أن يصدر عن مثل عمر.
وقال: وقد ذكرت الحديث بطرقه في كتاب "الموضوعات3، ونزهت هذا الكتاب عنه"4.
وعن ابن عمر قال: "بلغ عمر أن ابناً له ستر حيطانه، فقال: "والله لئن كان كذلك5 لأحرقنَّ بيته"6.
وقال أبو عبد الله بن سلامة7 في كتابه: (عيون المعارف) : "أبو شحمة8 عبد الرحمن، وكان قد شرب بمصر، هو ورجل يعرف بعقبة بن الحارث فسكرا، وجلدهما9 عمرو بن العاص، وسمع عمر بذلك، فكتب إلى عمرو بن العاص: أن ابعث إليّ عبد الرحمن على قتَبٍ، ففعل، فلما قدم عليه جلده، وعاقبه لمكانه منه، ومات بعد شهر، فيحسب عامة الناس أنه مات من جلده، ولم يمت من ذلك". وروى هذا يحيى بن معين بإسناده عن عبد الله بن عمر"10.
قال: ويقال: إنه قال له وهو يحدّه: "قتلتني يا أبتاه"، فقال: "يا بني إذا
1 في مناقب عمر: (ملفقاً) .
2 مطموس في الأصل، سوى (العوا) .
3 ابن الجوزي: الموضوعات ص 3/269-275.
4 ابن الجوزي: مناقب ص 242-243.
5 في المصنف: (ذلك) .
6 ابن أبي شيبة: المصنف 8/496، وإسناده صحيح. ابن الجوزي: مناقب ص 243.
7 في الأصل: (أسامة) ، وهو تحريف.
8 في الأصل " أبو شمحة " وهو تحريف.
9 مطموس في الأصل، سوى (وجلد) .
10 لم أجده في نسخة عيون المعارف التي بين يدي، وقد مرّ بنحوه.
لقيت ربّك، فأعلمه أنه أباك يقيم الحدود"1. / [132 / أ] .
وفي صحيح البخاري، وقال عمر رضي الله عنه:"وجدت من عبيد الله ريحَ شرب، وأنا سائلٌ عنه، فإن كان يُسكرُ جَلَدْتُهُ"2.
فصول
الأوّل
إذا أقيم الحدّ مرّة فإن كان من أقامه ليس له إقامة الحدود لم يسقط، وللإمام إقامته مرة أخرى، وإن تلف المحدود في ضرب ما ليس له إقامته ضمنه، وإن كان من أقامه في المرّة الأولى له إقامة الحدود، فليس لغيره إقامته مرّة أخرى. وإن كان من أقامه هو من تحت يده أو دونه. وأما قصّة عمر فإنه ولده، وله التصرف فيه بما أراد وذلك على وجه التأديب لا على وجه الحدّ.
الفصل الثّاني
هل يحدّ بمجرد الريح في السّكر من غير بينة، أو مشاهدته على سكره؟
على روايتين عن الإمام أحمد:
إحداهما: يُحَدُّ3.
1 محمّد بن سلامة: عيون المعارف ق 55 / ب، ابن شبه: تاريخ المدينة 3/841، وهو منقطع بين الشعبي وعمر، البلاذري: أنساب الأشراف (الشيخان: أبو بكر وعمر) ص 290، وفيه الكلبي. ابن الجوزي: مناقب ص 3/269، وقال:"هذا موضوع. وضعه القصاص، وقد أبدوا فيه وأعادوا، وقد شرحوا وأطالوا".
2 البخاري: الصحيح، كتاب الأشربة 5/2125، تعلقاً، ووصله مالك: الموطّأ (رواية أبي مصعب الزهري) 2/45، وإسناده صحيح. والنسائي 8/326، وسعيد بن منصور: السنن كما في تغليق التعليق 5/26، وفتح الباري 10/65.
3 انظر: ابن قدامة: المغني 12/501، المرداوي: الإنصاف 10/233.
والثّانية: لا يُحَدُّ بمجرد الريح من غير بينة1. والله أعلم.
الفصل الثّالث
لا يجب في الحدّ إلا الضرب فقط، ولا يجب حلق ولا غيره. وأما ما ذكر من الحلق فإنه ترك، ولم يعمل به أحدٌ بعد ذلك2.
الفصل الرّابع
قولهم: إن عبد الرحمن إنما شرب النبيذ متأولاً، يظن أن ما شرب منه لا يسكر لو كان كذلك لم يجب عليه الحدّ، فإن الحدّ لا يجب إلاّ على من شرب الخمر مختاراً عالماً أنه خمر وأن كثيره يسكر، فإن شربه مكرهاً أو ناسياً، أو لا يعلم أنه يسكر فلا حدّ عليه. فلو شربه على هذا الوجه لم يجب عليه الحدّ3.
الفصل الخامس
كلّ ما أسكر كثيره فقليله حرام من أي شيء كان، من عنب، أو تمر، أو شعير أو عسل ونحو ذلك ويسمى خمراً، ولا يحلّ شربه مطلقاً، لا للذّة، ولا لتداوي، ولا لعطش، ولا غيره، إلا أن يضطرّ إليه لدفع لقمة غصَّ بها فيجوز، فإن وجده ووجد ماءَ الغير، فالماء مقدم عليه، وإن
1 انظر: ابن قدامة: المغني 12/501، المرداوي: الإنصاف 10/233، الحجاوي: الإقناع 4/267، ابن النجار الفتوحي: منتهى الإرادات 2/476.
2 انظر: ابن تيمية: مجموع الفتاوى 28/337، 24/216.
3 انظر: ابن قدامة: المغني 12/499، 501، المرداوي: الإنصاف 10/229، 231، الحجاوي: الإقناع 4/267.
وجد بولاً فإن كان بول حيوان مأكول اللحم فهو مقدم1، وإلاّ فخلاف هل يقدم الخمر أم البول؟ 2. والله أعلم.
1 انظر: ابن قدامة: المغني 12/495، 500، المرداوي: الإنصاف 10/229، الحجاوي: الإقناع 4/216، ابن تيمية: مجموع الفتاوى 28/337.
2 انظر: المرداوي: الإنصاف 10/229، الحجاوي: الإقناع 4/266، ابن النجار الفتوحي: منتهى الإرادات 2/475، 476، وقالوا:"ويقَدَّم عليه بول".