المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌أمر الحديبية . - محمد صلى الله عليه وسلم - جـ ١

[محمد رضا]

فهرس الكتاب

- ‌إهداء الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌[متن الكتاب]

- ‌نسبه صلى الله عليه وسلم

- ‌مناقب أجداده صلى الله عليه وسلم

- ‌أولاد عبد المطلب: أعمام رسول الله وعماته

- ‌نذر عبد المطلب جد النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌زواج عبد الله

- ‌قصة الفيل

- ‌مولده صلى الله عليه وسلم

- ‌الاحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم

- ‌مرضعاته صلى الله عليه وسلم

- ‌شق الصدر

- ‌الحض على قتله صغيراً

- ‌وفاة آمنة

- ‌عبد المطلب يهنئ سيف بن ذي يزن

- ‌وفاة جده عبد المطلب وكفالة عمه أبي طالب

- ‌السفر إلى الشام

- ‌من هو بحيرا

- ‌رعية رسول الله الغنم بمكة (1)

- ‌حرب الفجار (1) (580 - 590 م)

- ‌حِلف الفضول

- ‌هل سافر النبي إلى اليمن

- ‌الرحلة الثانية إلى الشام 595 م

- ‌تزويج رسول الله خديجة رضي الله عنها

- ‌تجديد بناء الكعبة سنة 605 م

- ‌تسميته بالأمين صلى الله عليه وسلم

- ‌رسالة محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌انذار يهود برسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌سلمان الفارسي وقصة إسلامه

- ‌من تسمى في الجاهلية بمحمد

- ‌كنية النبي وأسماؤه

- ‌عبادة الأصنام والأوثان

- ‌الأربعة الباحثون عن دين إبراهيم

- ‌زيد بن عمرو (1)

- ‌بدء الوحي

- ‌النبي المنتظر

- ‌النبي الأمي

- ‌فترة الوحي (1)

- ‌أبو بكر الصديق واسلامه

- ‌علي بن أبي طالب وإسلامه

- ‌قتله رضي الله عنه

- ‌زيد بن حارثة واسلامه

- ‌الدعوة إلى الاسلام خفية

- ‌ايذاء المشركين لأبي بكر الصديق

- ‌اظهار الاسلام

- ‌القرآن يحيّر ألباب العرب

- ‌قريش تفاوض أبا طالب في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌تعذيب المسلمين

- ‌ما عرضته قريش على رسول الله

- ‌حماقة أبي جهل

- ‌قريش تمتحن رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌اسلام جابر بن عبد الله

- ‌الهجرة الأولى إلى الحبشة

- ‌شفاعة الغرانيق (1) افتراء الزنادقة على رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌اسلام حمزة

- ‌عمر بن الخطاب وسبب اسلامه

- ‌الهجرة الثانية إلى الحبشة

- ‌الطفيل بن عمرو الدَّوسي شاعر يحكم عقله ويسلم

- ‌وفاة أبي طالب سنة 620 م

- ‌وفاة خديجة سنة 620 م

- ‌الإسراء والمعراج سنة 621 م

- ‌تأثير خبر الإسراء في قريش

- ‌المعراج (1)

- ‌فريضة الصلاة

- ‌عرض الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه على قبائل العرب

- ‌بدء اسلام الأنصار بيعة العقبة الأولى - اسلام سعد بن معاذ

- ‌مؤامرة قريش على قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌ما نزل من القرآن بمكة

- ‌الهجرة إلى المدينة

- ‌وصوله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة

- ‌خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم في أول جمعة صلاها بالمدينة

- ‌معاهدة رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهود

- ‌الخزرج والأوس وما كان بينهما وبين اليهود

- ‌العداوة بين الأوس والخزرج

- ‌الخلاصة

- ‌مدينة يثرب

- ‌مرض المهاجرين بحمى المدينة

- ‌مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌تزويج النبي صلى الله عليه وسلم بعائشة رضي الله عنها

- ‌صرف القبلة عن بيت المقدس إلى الكعبة

- ‌ذكر الأذان

- ‌فرض صيام شهر رمضان وزكاة الفطر

- ‌المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار

- ‌إسلام عبد الله بن سلام بن الحارث

- ‌عداء اليهود ومناقشاتهم

- ‌بعث حمزة

- ‌سرية عبيدة بن الحارث

- ‌سرية سعد بن أبي وقاص

- ‌غزوة وَدَّان أو غزوة الأبواء

- ‌غزوة بُواط

- ‌غزوة بدر الأولى

- ‌غزوة العُشيرة

- ‌سرية عبد الله بن حجش الأسدي

- ‌غزوة بدر الثانية أو غزوة بدر الكبرى

- ‌قوة قريش

- ‌قوة المسلمين

- ‌رسول الله صلى الله عليه وسلم يستشير أصحابه

- ‌الخلاف بين أبي سفيان وأبو جهل

- ‌مسير الجيشين ونزول المطر

- ‌بناء حوض على القليب

- ‌بناء العريش

- ‌عتبة بن ربيعة ينصح قريشا بالرجوع

- ‌اقتحام الحوض

- ‌المبارزة

- ‌تعديل صفوف المسلمين والحث على الجهاد

- ‌ألوية المسلمين والمشركين

- ‌تزاحف الناس والتحام القتال

- ‌امداد المسلمين بالملائكة يوم بدر

- ‌سيما الملائكة يوم بدر

- ‌القاء القتلى في القليب

- ‌الأسرى وفداؤهم

- ‌رأي أبي بكر رضي الله عنه في الأسرى

- ‌رأي عمر بن الخطاب رضي الله عنه

- ‌تأثير الإنتصار في المدينة

- ‌رجوعه صلى الله عليه وسلم إلى المدينة

- ‌وقع خبر الإنتصار على قريش

- ‌أسباب انتصار المسلمين في موقعة بدر

- ‌زواج فاطمة

- ‌غزوة بني سليم

- ‌غزوة بني قينقاع

- ‌غزوة السَّويق

- ‌غزوة ذي امَرّ وهي غزوة غَطَفان

- ‌زواج أم كلثوم

- ‌زواج حفصة

- ‌سرية زيد بن حارثة

- ‌قتل كعب بن الأشرف

- ‌قتل ابن سُنَيْنَةَ

- ‌غزوة أحد

- ‌الكرة على المسلمين

- ‌المثلة بحمزة

- ‌إحدى معجزات رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه

- ‌المنهزمون من المسلمين

- ‌شجاعة امرأة وثباتها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌أسباب انهزام المسلمين في موقعة أحد

- ‌نداء أبي سفيان

- ‌استشهاد سعد بن الربيع الأنصاري

- ‌قتل مخيريق

- ‌انتحار قُزمان

- ‌دفن قتلى أحد

- ‌رجوع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة

- ‌ذكر عزوة أحد في القرآن

- ‌غزوة حمراء الأسد

- ‌بعث الرَّجيع

- ‌سرية بئر معونة (1)

- ‌غزوة بني النضير

- ‌تحرم الخمر. (الاصلاح الأجتماعي العظيم)

- ‌غزوة ذات الرقاع

- ‌غزوة بدر الأخيرة

- ‌غزوة دومة الجندل وهي أول غزوات الشام

- ‌تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش

- ‌غزوة المريسيع أو غزوة بني المصطلق

- ‌قتل هشام بن صبابة

- ‌آية التيمم

- ‌عائشة وحديث الأفك

- ‌غزوة الخندق وهي الأحزاب

- ‌تحزب الأحزاب

- ‌خروج الأحزاب وقوادهم

- ‌حفر الخندق

- ‌سلمان منا أهل البيت

- ‌اعتراض صخرة بيضاء ومعجزة الرسول

- ‌عدد الجيشين

- ‌نقض العهد

- ‌اشتداد الحصار

- ‌اقتحام الخندق

- ‌حسان بن ثابت يخشى القتال

- ‌استمرار القتال وفوات الصلاة

- ‌إن الحرب خَدعة

- ‌حرب الطبيعة

- ‌خطبة أبي سفيان

- ‌خسائر المسلمين

- ‌خسائر المشركين

- ‌غزوة بني قريظة

- ‌حكم سعد بن معاذ

- ‌غنائم المسلمين

- ‌دفن القتلى

- ‌وفاة سعد

- ‌خسائر المسلمين في غزوة بني قريظة

- ‌ما نزل من القرآن في أمر الخندق وبني قريظة

- ‌يهود المدينة وما آل إليه أمرهم

- ‌سرية القُرْطا (1) واسلام ثمامة بن أُثال الحنفي

- ‌غزوة بني لحيان

- ‌اغارة عُيَيْنَة بن حصن

- ‌غزوة ذي قَرد وهي غزوة الغابة

- ‌سرية الغَمر أو سرية عكاشة بن محصن الأسدي

- ‌سرية محمد بن مسلمة الأنصاري إلى ذي القَصّة (1)

- ‌سرية زيد بن حارثة

- ‌سرية أخرى لزيد بن حارثة

- ‌سرية عبد الرحمن بن عوف إلى دُممة الجَندَل

- ‌سرية علي بن أبي طالب إلى بني سعد بن بكر

- ‌سرية زيد بن حارثة إلى أم قِرْفَة

- ‌سرية عبد الله بن عتيك لقتل سلام بن أبي الحُقيق

- ‌سرية عبد الله بن رواحة إلى أُسير بن رِزَام

- ‌سرية كُرزبن جابر الفهري

- ‌أمر الحديبية

- ‌بيعة الرضوان

- ‌الصلح

- ‌مزايا هذا الصلح

- ‌تنفيذ المعاهدة

- ‌رسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى الملوك والأمراء

- ‌خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌مارية القبطية

- ‌إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي أصحمة

- ‌زواج أم حبيبة بنت أبي سفيان برسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌نتيجة ارسال الرسل إلى الملوك والأمراء

- ‌غزوة خيبر (1)

- ‌صلح أهل فدَكَ

- ‌غزوة وادي القرى

- ‌خمس سرايا في خريف وشتاء السنة السابعة الهجرية (سنة 628 م)

- ‌عمرة القضاء

- ‌زواج رسول الله صلى الله عليه وسلم بميمونة رضي الله عنها

- ‌ما قبل سرية مؤتة من الحوادث

- ‌اسلام عمرو بن العاص

- ‌خالد بن الوليد وإسلامه

- ‌سرية مؤتة

- ‌مواساة رسول الله صلى الله عليه وسلم لآل جعفر

- ‌إسلام فروة بن عامر الجذامي

- ‌سرية عمرو بن العاص أو سرية ذات السلاسل (1)

- ‌سرية أبي عبيدة بن الجراح

- ‌غزوة فتح مكة

- ‌كتاب حاطب إلى مكة

- ‌عقد الألوية والرايات

- ‌نيران جيش المسلمين

- ‌المحكوم عليهم بالقتل

- ‌دخول الكعبة

- ‌البيعة

- ‌هدم الأصنام

- ‌أذان بلال على ظهر الكعبة

- ‌إسلام أبي قحافة (عثمان بن عامر التيمي)

- ‌سرية خالد بن الوليد إلى العزى (1)

- ‌سرية عمرو بن العاص إلى سواع

الفصل: ‌ ‌أمر الحديبية .

‌أمر الحديبية

.

ص: 413

-الحديبية هي بئر سمي المكان باسمها وقيل قرية أكثرها في الحرم على تسعة أميال من مكة.

وسببها أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى في منامه أنه دخل البيت هو وأصحابه آمنين محلقين رءوسهم ومقصرين.

فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة في ذي القعدة من السنة السادسة (فبراير سنة 628 م) معتمراً "زائر البيت" لا يريد حربا بعد أن مضى عليه صلى الله عليه وسلم ست سنوات بعد الهجرة في المدينة لم يزر فيها مكة ولم يعتمر ولم يحج. فخرج في هذه السنة معتمراً واستنفر العرب من البوادي ومن حوله من الأعراب ليخرجوا معه وهو يخشى من قريش أن يتعرضوا له بحرب أو يصدوه عن البيت فأبطأ عليه كثير من الأعراب. فخرج بمن معه من المهاجرين والأنصار ومن لحق من العرب وساق معه الهدى (ما يهدي إلى الحرم من النعم) وأحرم بالعمرة ليأمن الناس حربه وليعلموا أنه إنما خرج زائراً للبيت ومعظماً له وأخرج معه زوجته أم سلمة رضي الله عنها واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم رضي الله عنه وجملة أصحابه الذين خرجوا معه 1400 إلى 1600.

أما ما رواه ابن اسحاق من أنه صلى الله عليه وسلم ساق معه الهدي 70 بدنة (1) وكان الناس 700 رجل فكانت كل بدنة من عشرة نفر، فلا بد أن يكون هذا العدد في بدء خروجهم قبل أن ينضم إليه صلى الله عليه وسلم من دعاهم من الاعراب ولم يخرج صلى الله عليه وسلم معه بسلاح الا سلاح المسافر، السيوف في القرب. فلما كان بعسفان لقيه بشر بن سفيان الكعبي، فقال له "يا رسول الله هذه قريش قد سمعوا بمسيرك فخرجوا ومعهم العوذ المطافيل (2) قد لبسوا جلود النمور وقد نزلوا بذي طوى يحلفون بالله لا تدخلها عليهم أبداً. وهذا خالد بن الوليد في خيلهم (3) قد قدموها إلى كراع الغميم (4) . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يا ويح قريش لقد أكلتهم الحرب ماذا عليهم لو خلوا بيني وبين سائر العرب فإن هم أصابوني كان ذلك الذي أرادوا وإن أظهرني الله عليهم دخلوا في الإسلام وافرين وإن لم يفعلوا قاتلوا وبهم قوة فما تظن قريش؟ فوالله لا أزال أجاهد على الذي بعثني الله حتى يظهره الله أو ينفرد هذه السالفة. ثم قال من رجل يخرج بنا على طريق غير طريقهم التي هم بها؟ فقال رجل من أسلم أنا يا رسول الله فسلك بهم طريقا وعراً (واسم هذا الرجل حمزة بن عمرو الأسلمي) فخرجوا منه بعد أن شق عليهم وأفضوا إلى طريق سهلة عند منقطع الوادي. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للناس قولوا نستغفر الله ونتوب إليه. فقالوا ذلك. فقال والله إنها للحطة التي عرضت على بني اسرائيل فلم يقولوها.

ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس فقال اسلكوا ذات اليمين بين ظهري الحمض في طريق على ثنية المراة مهبط الحديبية من أسف مكة. فسلك الجيش ذلك الطريق فلما رأت خيل قريش فترة الجيش قد خالفوا، رجعوا راكضين إلى قريش (ذكر أن فرسان قريش كانوا 200 منهم عكرمة بن أبي جهل وكان قائدهم خالد بن الوليد) .

خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا سلك في ثنية المرار بركت ناقته القصواء فقال الناس خلأت فقال "ما خلأت وما هو لها بخلق ولكن حبسها حابس الفيل عن مكة. لاتدعوني قريش اليوم إلى خطة وما هو لها بخلق ولكن حبسها حابس الفيل عن مكة. لا تدعوني قريش اليوم إلى خطة يسألوني صلة الرحم الا أعطيتهم اياها".

ثم قال للناس انزلوا. قيل يا رسول الله ما بالوادي ماء ينزل عليه فأخرج سهما من كنانته فأعطاه رجلا من أصحابه فنزل به في قليب من تلك القلب فغرزه في جوفه فجاش بالرواء حتى ضرب الناس عنه بعطن (5) واختلف فيمن نزل في القليب بسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل هو سائق بدنة ناجية بن جندب وقيل أنه البراء بن عازب وقيل عبادة بن خالد وفي البخاري عن البراء بن عازب رضي الله عنهما أنه صلى الله عليه وسلم جلس على البئر ثم دعا باناء فمضمض ودعا ثم صبه فيها. ثم قال دعوها ساعة فأرووا أنفسهم وركابهم حتى ارتحلوا. وفي حديث جابر عند البخاري ومسلم قال عطش الناس يوم الحديبية وبين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ركوة يتوضأ منها فأقبل الناس نحوه فقال ما بالكم؟ قالوا يا رسول الله ليس عندنا ما نتوضأ به ولا نشرب إلا ما في ركوتك فوضع يده في الركوة فجعل الماء يفور من بين أصابعه كأمثال العيون فشربنا وتوضأنا وجمع ابن حيان بينهما بأن ذلك وقع في وقتين. وكانت قصة الركوة قبل قصة البئر.

فلما اطمأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه بُديل بن ورقاء الخزاعي في رجال من خزاعة فكلموه وسألوه ما الذي جاء به فأخبرهم أنه لم يأت يريد حرباً وإما جاء زائرا للبيت ومعظما لحرمته. ثم قال لهم نحواً مما قال لبشر بن سفيان. فرجعوا إلى قريش. فقالوا يا معشر قريش إنكم تعجلون على محمد أن محمداً لم يأت لقتال. إنما جاء زائراً لهذا البيت فاتهموهم وجبهوهم وقالوا وإن كان جاء ولا يريد قتالا فوالله لا يدخلها عليها عنوة أبدا ولا تحدث بذلك عنا العرب.

وكانت خزاعة عيبة نصح رسول الله صلى الله عليه وسلم مسلمها ومشركها لا يخفون عنه شيئا كان بمكة.

ثم بعثوا إليه مكرز بن حفص فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم مقبلا، قال هذا رجل غادر فلما انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلمه قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم نحواً مما قال لبديل وأصحابه فرجع إلى قريش فأخبرهم بما قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ثم بعثوا إليه الحليس بن علقمة وكان يومئذ سيد الأحابيش فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن هذا من قوم يتألهو فابعثوا الهدى في وجهه حتى يراه، فلما رأى الهدى يسيل عليه من عرض الوادي في قلائده وقد أكل أوباره من طول الحبس عن محله رجع إلى قريش ولم يصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم اعظاماً لما رأى. فقال لهم ذلك. فقالوا له اجلس فإنما أنت اعرابي لا علم لك. فغضب الحليس عند ذلك وقال: يا معشر قريش والله ماعلى هذا حالفناكم ولا على هذا عاقدناكم. أيصد عن بيت الله من جاء معظماً له والذي نفس الحليس بيده لتخلن بين محمد وبين ما جاء له أو لا نفرن بالأحابيش نفرة رجل واحد. فقالوا له: كف عنا يا حليس حتى نأخذ لأنفسنا ما نرضى به.

ثم بعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عروة بن مسعود الثقفي فقال يامعشر قريش إني قد رأيت ما يلقى منكم من بعثتموه إلى محمد إذ جاءكم من التعنيف وسوء اللفظ وقد عرفتم إنكم والد واني ولد وكان عروة لسبيعة بنت عبد شمس وقد سمعت بالذي نابكم فجمعت من أطاعني من قومي ثم جئتكم حتى آسيتكم بنفس. قالوا: صدقت ما أنت عندنا بمتهم. فخرج حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس بين يديه ثم قال:

يا محمد أجمعت أوشاب الناس (6) ثم جئت بهم إلى بيضتك لتفضها بهم إنها قريش قد خرجت معها العوذ المطافيل قد لبسوا جلود النمور يعاهدون الله لاتدخلها عليهم عنوة أبداً (تكرر هذا الكلام فقد قاله "بشربن سفيان") وايم الله لكأني بهؤلاء قد انكشفوا عنك غدا (7) .

وكان أبو بكر الصديق خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعداً فقال (امصص بظر اللات (8) أنحن ننكشف عنه؟) .

فقول أبي بكر (امصص بظر اللات) مبالغة منه في سب عروة فإنه أقام معبود عروة وهو صنمه مقام امرأة تحقيراً لمعبوده وعادة العرب الشتم بذلك. وقد ساء أبا بكر قول عروة ان أصحابه صلى الله عليه وسلم ينكشفون عنه غداً أي يفرون فقال له ما قال وأجابه بما فيه تحقير له ولمعبوده.

فقال عروة بعد أن سمع هذه الأهانة: من هذا يامحمد؟ قال هذا ابن أبي قحافة. فقال أما والله لولا يد كانت لك عندي لكأفأتك بها ولكن هذه بها.

قال الزهري إن اليد المذكورة هي أن عروة كان تحمل دية فأعانه فيها أبو بكر رضي الله عنه بعون حسن.

ثم رجع عروة يتناول لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يكلمه والمغيرة بن شعبة واقف على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديد فجعل يقرع يده إذا تناول لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول اكفف يدك عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن لا تصل إليك فيقول عروة ويحك ما أفظك وأغلظك. فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال له عروة من هذا يا محمد. قال هذا ابن أخيك المغيرة بن شعبة. قال أي غدر! قال أي غدر! وهل غسلت سوأتك الا بالأمس.

ولشرح هذا الموقف نقول. المغيرة بن شعبة هو ابن أخي عروة. وقد كان أثناء حديث عروة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قائماً على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه السيف بقصد الحراسة وعليه المِغْفَر (9) فكان المغيرة كلما أهوى عروة بيده إلى لحية النبي صلى الله عليه وسلم ضرب يده بنعل السيف (10) . وكانت عادة العرب أن يتناول الرجل لحية من يكلمه ولا سيما عند الملاطفة يريدون بذلك التحية والتواصل وفي الغالب إنما يصنع ذلك النظير بالنظير فربما رأى عروة لمكانته ورفعته في قومه إنه نظير للنبي صلى الله عليه وسلم وما علم حينئذ أنه لا نظير له فاللائق منعه.

قال ابن هشام: أراد عروة بقوله هذا (أي غدر وهل غسلت سوأتك إلا بالأمس) إن المغيرة بن شعبة قبل اسلامه قتل ثلاثة عشر رجلا من بني مالك من ثقيف فتهايج الحيان من ثقيف بنو مالك رهط المقتولين والأحلاف رهط المغيرة فودى عروة المقتولين ثلاث عشر دية وأصلح الأمر.

وبعد أن قال عروة ما قال كلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحو مما كلم أصحابه وأخبره أنه لم يأت يريد حربا.

فقام من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجع إلى أصحابه وقد بهره ما رأى من احترام أصحابه صلى الله عليه وسلم له فقال:

"أي قوم. فوالله لقد وفدت على الملوك ووفدت على قيصر وكسرى والنجاشي. والله ما رأيت ملكا قط يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد محمداً. والله ما يتنخم نخامة الا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده وإذا أمرهم ابتدروا أمره وإذا توضأ كادوا يقتتون على وضوئه وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده اجلالا وتوقيرا وما يمددن النظر إليه تعظيما له وأنه قد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها ولقد رأيت قوما لا يسملونه لشيء أبداً فروا رأيكم".

فلم يسمع القوم ما قاله عروة بن مسعود وما رغبهم فيه من الصلح فانصرف هو ومن تبعه إلى الطائف.

قال ابن اسحاق وحدثني بعض أهل العلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا خراش بن أمية الخزاعي فبعثه إلى قريش بمكة وحمله على بعير له يقال له الثعلب ليبلغ أشرافهم عنه ما جاء له فعقروا به جمل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأرادوا قتله فمنعته الأحابيش فخلوا سبيله حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وبعثت قريش أربعين أو خمسين رجلا منهم ليصيبوا لهم من أصحابه أحداً فأخذوا أخذاً فأتى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فعفا عنهم وخلى سبيلهم وقد كانوا رموا في عسكر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحجارة والنبل. ثم دعا عمر بن الخطاب ليبعثه إلى مكة فيبلغ عنه أشراف قريش ما جاء له فقال: "يا رسول الله أني أخاف قريشاً على نفسي وليس بمكة من بني عدي بن كعب أحد يمنعني. وقد عرفت قريش عدواني إياها وغلظتي عليها. ولكني أدلك على رجل أعز بها مني عثمان بن عفان فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان بن عفان فبعثه إلى أبي سفيان وأشراف قريش يخبرهم أنه لم يأت لحربهم وأنه إنما جاء زائراً لهذا البيت ومعظماً لحرمته.

فخرج عثمان إلى مكة فلقيه أبان بن سعيد بن العاص حين دخل مكة أو قبل أن يدخلها فحلمه بين يديه ثم أجاره حتى بلغ رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم (11) . فانطلق عثمان حتى أتى أبا سفيان وعظماء قريش فبلغهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أرسله به. فقالوا لعثمان حين فرغ من رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم. إن شئت أن تطوف بالبيت فطف. فقال: ماكنت لأفعل حتى يطوف به رسول الله صلى الله عليه وسلم واحتبسته قريش عندها.

فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين أن عثمان بن عفان قد قتل (12) .

وقيل أن عثمان بن عفان دخل مكة ومعه عشرة من الصحابة بأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليزوروا أهاليهم ولم يذكروا أسماءهم. وقيل أن قريشا احتبست عثمان عندها ثلاثة أيام وأشاع الناس أنهم قتلوه هو والعشرة الذين معه. وعلى كل حال أبطأ عثمان رضي الله عنه عن الرجوع فقلق عليه المسلمون فلما بلغ ذلك الخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا نبرح حتى نناجز القوم أي نقاتلهم.

والظاهر أن أبا سفيان لم يكن بمكة وقتئذ لأننا لم نسمع له رأيا ونرجد أنه كان غائباً في تجارة.

(1) البدنة ناقة أو بقرة تنحر بمكة. سميت بذلك لأنهم كانوا يسمنونها والجمع بدن.

(2)

العوذ جمع عائذ وهي الناقة ذات اللبن. والمطافيل الأمهات التي معها أطفالها والمراد أنهم خرجوا بما ذكر لارادة طول المقام وعدم الفرار.

(3)

لم يكن خالد بن الوليد قد أسلم خلافاً لما زعمه بعض المؤرخين من أنه كان مع المسلمين.

(4)

موضع قريب من مكة.

(5)

سيرة ابن هشام.

(6)

بمعنى اخلاط الناس.

(7)

يريد أن أصحاب صلى الله عليه وسلم يفرون عنه غدا.

(8)

البظر في قول أبي بكر رضي الله عنه هو الفرج واللات اسم صنم كانت تعبده ثقيف لأن عروة كان بالطائف فاللات كان معبوده.

(9)

زرد ينسج على قدر الرأس.

(10)

وهو ما يكون أسفل القراب من فضة أو غيرها.

(11)

ابان بن سعيد بن العاس هو ابن عم عثمان أسلم بعد ذلك.

(12)

ابن اسحاق.

ص: 414