المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌كتاب حاطب إلى مكة - محمد صلى الله عليه وسلم - جـ ١

[محمد رضا]

فهرس الكتاب

- ‌إهداء الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌[متن الكتاب]

- ‌نسبه صلى الله عليه وسلم

- ‌مناقب أجداده صلى الله عليه وسلم

- ‌أولاد عبد المطلب: أعمام رسول الله وعماته

- ‌نذر عبد المطلب جد النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌زواج عبد الله

- ‌قصة الفيل

- ‌مولده صلى الله عليه وسلم

- ‌الاحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم

- ‌مرضعاته صلى الله عليه وسلم

- ‌شق الصدر

- ‌الحض على قتله صغيراً

- ‌وفاة آمنة

- ‌عبد المطلب يهنئ سيف بن ذي يزن

- ‌وفاة جده عبد المطلب وكفالة عمه أبي طالب

- ‌السفر إلى الشام

- ‌من هو بحيرا

- ‌رعية رسول الله الغنم بمكة (1)

- ‌حرب الفجار (1) (580 - 590 م)

- ‌حِلف الفضول

- ‌هل سافر النبي إلى اليمن

- ‌الرحلة الثانية إلى الشام 595 م

- ‌تزويج رسول الله خديجة رضي الله عنها

- ‌تجديد بناء الكعبة سنة 605 م

- ‌تسميته بالأمين صلى الله عليه وسلم

- ‌رسالة محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌انذار يهود برسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌سلمان الفارسي وقصة إسلامه

- ‌من تسمى في الجاهلية بمحمد

- ‌كنية النبي وأسماؤه

- ‌عبادة الأصنام والأوثان

- ‌الأربعة الباحثون عن دين إبراهيم

- ‌زيد بن عمرو (1)

- ‌بدء الوحي

- ‌النبي المنتظر

- ‌النبي الأمي

- ‌فترة الوحي (1)

- ‌أبو بكر الصديق واسلامه

- ‌علي بن أبي طالب وإسلامه

- ‌قتله رضي الله عنه

- ‌زيد بن حارثة واسلامه

- ‌الدعوة إلى الاسلام خفية

- ‌ايذاء المشركين لأبي بكر الصديق

- ‌اظهار الاسلام

- ‌القرآن يحيّر ألباب العرب

- ‌قريش تفاوض أبا طالب في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌تعذيب المسلمين

- ‌ما عرضته قريش على رسول الله

- ‌حماقة أبي جهل

- ‌قريش تمتحن رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌اسلام جابر بن عبد الله

- ‌الهجرة الأولى إلى الحبشة

- ‌شفاعة الغرانيق (1) افتراء الزنادقة على رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌اسلام حمزة

- ‌عمر بن الخطاب وسبب اسلامه

- ‌الهجرة الثانية إلى الحبشة

- ‌الطفيل بن عمرو الدَّوسي شاعر يحكم عقله ويسلم

- ‌وفاة أبي طالب سنة 620 م

- ‌وفاة خديجة سنة 620 م

- ‌الإسراء والمعراج سنة 621 م

- ‌تأثير خبر الإسراء في قريش

- ‌المعراج (1)

- ‌فريضة الصلاة

- ‌عرض الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه على قبائل العرب

- ‌بدء اسلام الأنصار بيعة العقبة الأولى - اسلام سعد بن معاذ

- ‌مؤامرة قريش على قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌ما نزل من القرآن بمكة

- ‌الهجرة إلى المدينة

- ‌وصوله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة

- ‌خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم في أول جمعة صلاها بالمدينة

- ‌معاهدة رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهود

- ‌الخزرج والأوس وما كان بينهما وبين اليهود

- ‌العداوة بين الأوس والخزرج

- ‌الخلاصة

- ‌مدينة يثرب

- ‌مرض المهاجرين بحمى المدينة

- ‌مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌تزويج النبي صلى الله عليه وسلم بعائشة رضي الله عنها

- ‌صرف القبلة عن بيت المقدس إلى الكعبة

- ‌ذكر الأذان

- ‌فرض صيام شهر رمضان وزكاة الفطر

- ‌المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار

- ‌إسلام عبد الله بن سلام بن الحارث

- ‌عداء اليهود ومناقشاتهم

- ‌بعث حمزة

- ‌سرية عبيدة بن الحارث

- ‌سرية سعد بن أبي وقاص

- ‌غزوة وَدَّان أو غزوة الأبواء

- ‌غزوة بُواط

- ‌غزوة بدر الأولى

- ‌غزوة العُشيرة

- ‌سرية عبد الله بن حجش الأسدي

- ‌غزوة بدر الثانية أو غزوة بدر الكبرى

- ‌قوة قريش

- ‌قوة المسلمين

- ‌رسول الله صلى الله عليه وسلم يستشير أصحابه

- ‌الخلاف بين أبي سفيان وأبو جهل

- ‌مسير الجيشين ونزول المطر

- ‌بناء حوض على القليب

- ‌بناء العريش

- ‌عتبة بن ربيعة ينصح قريشا بالرجوع

- ‌اقتحام الحوض

- ‌المبارزة

- ‌تعديل صفوف المسلمين والحث على الجهاد

- ‌ألوية المسلمين والمشركين

- ‌تزاحف الناس والتحام القتال

- ‌امداد المسلمين بالملائكة يوم بدر

- ‌سيما الملائكة يوم بدر

- ‌القاء القتلى في القليب

- ‌الأسرى وفداؤهم

- ‌رأي أبي بكر رضي الله عنه في الأسرى

- ‌رأي عمر بن الخطاب رضي الله عنه

- ‌تأثير الإنتصار في المدينة

- ‌رجوعه صلى الله عليه وسلم إلى المدينة

- ‌وقع خبر الإنتصار على قريش

- ‌أسباب انتصار المسلمين في موقعة بدر

- ‌زواج فاطمة

- ‌غزوة بني سليم

- ‌غزوة بني قينقاع

- ‌غزوة السَّويق

- ‌غزوة ذي امَرّ وهي غزوة غَطَفان

- ‌زواج أم كلثوم

- ‌زواج حفصة

- ‌سرية زيد بن حارثة

- ‌قتل كعب بن الأشرف

- ‌قتل ابن سُنَيْنَةَ

- ‌غزوة أحد

- ‌الكرة على المسلمين

- ‌المثلة بحمزة

- ‌إحدى معجزات رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه

- ‌المنهزمون من المسلمين

- ‌شجاعة امرأة وثباتها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌أسباب انهزام المسلمين في موقعة أحد

- ‌نداء أبي سفيان

- ‌استشهاد سعد بن الربيع الأنصاري

- ‌قتل مخيريق

- ‌انتحار قُزمان

- ‌دفن قتلى أحد

- ‌رجوع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة

- ‌ذكر عزوة أحد في القرآن

- ‌غزوة حمراء الأسد

- ‌بعث الرَّجيع

- ‌سرية بئر معونة (1)

- ‌غزوة بني النضير

- ‌تحرم الخمر. (الاصلاح الأجتماعي العظيم)

- ‌غزوة ذات الرقاع

- ‌غزوة بدر الأخيرة

- ‌غزوة دومة الجندل وهي أول غزوات الشام

- ‌تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش

- ‌غزوة المريسيع أو غزوة بني المصطلق

- ‌قتل هشام بن صبابة

- ‌آية التيمم

- ‌عائشة وحديث الأفك

- ‌غزوة الخندق وهي الأحزاب

- ‌تحزب الأحزاب

- ‌خروج الأحزاب وقوادهم

- ‌حفر الخندق

- ‌سلمان منا أهل البيت

- ‌اعتراض صخرة بيضاء ومعجزة الرسول

- ‌عدد الجيشين

- ‌نقض العهد

- ‌اشتداد الحصار

- ‌اقتحام الخندق

- ‌حسان بن ثابت يخشى القتال

- ‌استمرار القتال وفوات الصلاة

- ‌إن الحرب خَدعة

- ‌حرب الطبيعة

- ‌خطبة أبي سفيان

- ‌خسائر المسلمين

- ‌خسائر المشركين

- ‌غزوة بني قريظة

- ‌حكم سعد بن معاذ

- ‌غنائم المسلمين

- ‌دفن القتلى

- ‌وفاة سعد

- ‌خسائر المسلمين في غزوة بني قريظة

- ‌ما نزل من القرآن في أمر الخندق وبني قريظة

- ‌يهود المدينة وما آل إليه أمرهم

- ‌سرية القُرْطا (1) واسلام ثمامة بن أُثال الحنفي

- ‌غزوة بني لحيان

- ‌اغارة عُيَيْنَة بن حصن

- ‌غزوة ذي قَرد وهي غزوة الغابة

- ‌سرية الغَمر أو سرية عكاشة بن محصن الأسدي

- ‌سرية محمد بن مسلمة الأنصاري إلى ذي القَصّة (1)

- ‌سرية زيد بن حارثة

- ‌سرية أخرى لزيد بن حارثة

- ‌سرية عبد الرحمن بن عوف إلى دُممة الجَندَل

- ‌سرية علي بن أبي طالب إلى بني سعد بن بكر

- ‌سرية زيد بن حارثة إلى أم قِرْفَة

- ‌سرية عبد الله بن عتيك لقتل سلام بن أبي الحُقيق

- ‌سرية عبد الله بن رواحة إلى أُسير بن رِزَام

- ‌سرية كُرزبن جابر الفهري

- ‌أمر الحديبية

- ‌بيعة الرضوان

- ‌الصلح

- ‌مزايا هذا الصلح

- ‌تنفيذ المعاهدة

- ‌رسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى الملوك والأمراء

- ‌خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌مارية القبطية

- ‌إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي أصحمة

- ‌زواج أم حبيبة بنت أبي سفيان برسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌نتيجة ارسال الرسل إلى الملوك والأمراء

- ‌غزوة خيبر (1)

- ‌صلح أهل فدَكَ

- ‌غزوة وادي القرى

- ‌خمس سرايا في خريف وشتاء السنة السابعة الهجرية (سنة 628 م)

- ‌عمرة القضاء

- ‌زواج رسول الله صلى الله عليه وسلم بميمونة رضي الله عنها

- ‌ما قبل سرية مؤتة من الحوادث

- ‌اسلام عمرو بن العاص

- ‌خالد بن الوليد وإسلامه

- ‌سرية مؤتة

- ‌مواساة رسول الله صلى الله عليه وسلم لآل جعفر

- ‌إسلام فروة بن عامر الجذامي

- ‌سرية عمرو بن العاص أو سرية ذات السلاسل (1)

- ‌سرية أبي عبيدة بن الجراح

- ‌غزوة فتح مكة

- ‌كتاب حاطب إلى مكة

- ‌عقد الألوية والرايات

- ‌نيران جيش المسلمين

- ‌المحكوم عليهم بالقتل

- ‌دخول الكعبة

- ‌البيعة

- ‌هدم الأصنام

- ‌أذان بلال على ظهر الكعبة

- ‌إسلام أبي قحافة (عثمان بن عامر التيمي)

- ‌سرية خالد بن الوليد إلى العزى (1)

- ‌سرية عمرو بن العاص إلى سواع

الفصل: ‌كتاب حاطب إلى مكة

‌كتاب حاطب إلى مكة

.

ص: 473

-كتب حاطب بن أبي بلتعة البدري حليف بني أسد كتابا إلى مكة يخبرهم بمسير النبي صلى الله عليه وسلم وأرسله مع امرأة (1) استأجرها بعشرة دنانير وقال لها أخفيه ما استطعت ولا تمري على الطريق فإن عليه حراساً. فجعلت الكتاب في رأسها ثم فتلت عليه قرونها ثم خرجت به وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر من السماء بما صنع حاطب فبعث عليّ ابن أبي طالب والزبير بن العوام فقال ادركا امرأة قد كتب معها حاطب بن أبي بلتعة بكتاب إلى قريش يحذرهم ما قد أجمعنا له في أمرهم (وقد كان حاطب رسول رسول الله إلى المقوقس سنة ست) .

فخرجا حتى أدركاها بالخليقة خليفة بني أبي أحمد فاستنزلاها فالتمسا في رحلها فلم يجدا شيئا فقال لها عليّ بن أبي طالب إني أحلف بالله ما كذب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا كذبنا ولتخرجن لنا هذا الكتاب أو لنكشفنك. فلما رأت الجد منه قالت أعرض.

فأعرض فحلت قرون رأسها فاستخرجت الكتاب منها فدفعته إليه فأتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم حاطبا فقال يا حاطب ما حملك على على هذا؟ فقال يا رسول الله أما والله إني لمؤمن بالله ورسوله ما غيرت ولا بدلت ولكني كنت امرأ ليس لي في القوم من أصل ولا عشيرة وكان لي بين أظهرهم ولد وأهل فصانعتهم عليهم. فقال عمر بن الخطاب يا رسول الله دعني أضرب عنقه فإن الرجل قد نافق. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وما يدريك يا عمر لعل الله قد اطلع على أصحاب بدر يوم بدر، فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم: فأنزل الله عز وجل في حاطب {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّى وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ} إلى قوله وإليك أنبنا إلى آخر القصة وقد جاء في كتابه ما يأتي:

"من حاطب بن أبي بلتعة إلى سهيل بن عمرو ومكرمة بن أبي جهل وصفوان ابن أمية. أما بعد يا معشر قريش فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءكم بجيش عظيم يسير كالسيل فوالله لو جاءكم وحده لنصره الله وأنجز له وعده فأنظروا لأنفسكم والسلام".

وفي رواية أن لفظ الكتاب:

"إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن في الناس بالغزو ولا أراه يريد غيركم وقد أحببت أن تكون لي عندكم يد".

وعلى كل حال فإن في إرسال هذا الكتاب لقريش إفشاء لسر أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتمه ولولا أن حاطبا كان من المجاهدين في غزوة بدر لعاقبه رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا ترى أن عمر كان يريد ضرب عنقه. وقيل أن عمر رضي الله عنه قال قاتلك الله ترى رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذ بالأنقاب وتكتب إلى قريش!

ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم لسفره واستخلف على المدينة أبا رُهمْ كلثوم بن حصين بن خلف الغفاري (2) وخرج لعشر مضين من شهر رمضان سنة ثمان (أول يناير سنة 630 م) فصام رسول الله صلى الله عليه وسلم وصام الناس معه حتى إذا كان بالكَدِيدِ ما بين (عُسفان وأمج) أفطر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم مضى حتى نزل مرّ الظّهران في عشرة آلاف من المسلمين وكان قد بعث إلى من حوله من العرب وطلب حضورهم: أسلم. وغِفار. وأشجع. وسليم. وبعث رسلا في كل ناحية. وقيل أن العشرة آلاف خرج بهم من نفس المدينة ثم تلاحق به ألفان.

وكان عدد جيش المسلمين كما جاء في السيرة الحلبية هو:

ص: 474

700 مهاجرون ومعهم 300 فرس

ص: 475

4000 من الأنصار ومعهم 500 فرس

ص: 476

1000 من مزينة ومعها 100 فرس

ص: 477

400 من أسلم ومعها 30 فرسا

ص: 478

300 من جهينة ومعها 50 فرسا

ص: 479

6400 980

لكن هذا العدد أقل من المشهور بكثير بل هو أقل ممن خرج من المدينة وحدها وكان معه صلى الله عليه وسلم من زوجاته أم سلمة وميمونة رضي الله عنهما. وكان حروجه بعد العصر. ولم يزل رسول الله مفطرا رفقا بالمسلمين حتى انسلخ الشهر لأنه وإن قدم مكة قبل تمام الشهر لكنه كان في أهبة القتال وقد عُمِّيَت الأخبار عن قريش فلا يأتيهم خبر عن رسول الله ولا يدرون ما هو فاعل. وخرج في تلك الليلة أبو سفيان ابن حرب وحكيم بن حزام وبديل بن ورقاء يتجسسون الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال العباس وكان قد خرج من مكة سمعت أبا سفيان وهو يقول "والله ما رأيت كاليوم قط نيرانا. فقال بديل هذه والله نيران خزاعة حمشتها الحرب. فقال أبو سفيان خزاعة ألام من ذلك وأذل. قال العباس فعرفت صوته فقلت يا أبا حنظلة "يعني أبا سفيان" فقال أبو الفضل (العباس) فقلت نعم. فقال لبيك فداك أبي وأمي فما وراءك؟ فقلت هذا رسول الله ورائي قد دلف إليكم بما لا قبل لكم به بعشرة الآف من المسلمين قال فما تأمرني؟ فقلت تركب عجز هذه البغلة فاستأمن لك رسول الله فوالله لئن ظفر بك ليضربن عنقك فردفني فخرجت به أركض بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو رسول الله فكلما مررت بنار من نيران المسلمين ونظروا إليَّ قالوا عم رسول الله على بغلة رسول الله حتى مررت بنار عمر بن الخطاب فقال لأبي سفيان الحمد لله الذي أمكن منك بغير عقد ولا عهد ثم أشتد نحو النبي صلى الله عليه وسلم وركضت البغلة وقد أردفت أبا سفيان حتى اقتحمت على باب القبة وسبقت عمر بما تسبق به الدابة البطيئة الرجل البطئ فدخل عمر على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله هذا أبو سفيان عدو الله قد أمكن الله منه بغير عهد ولا عقد فدعني أضرب عنقه. فقلت يا رسول الله إني قد أجرته (3) ثم جلست إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذت برأسه فقلت والله لا ينجيه اليوم أحد دوني فلما أكثر فيه عمر فوالله ما تصنع هذا إلا أنه رجل من بني عبد مناف ولو كان من بني عدي بن كعب ما قلت هذا. فقال مهلا يا عباس فوالله لاسلامك يوم أسلمت كان أحب إلى من إسلام الخطاب لو أسلم وذلك لأني أعلم أن إسلامك كان أحب إلى رسول الله من إسلام الخطاب لو أسلم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اذهب فقد أمّناه حتى تغدو به عليّ بالغداة فرجع به إلى منزله فلما أصبح غدا به على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رآه قال ويحك يا أبا سفيان ألم يأن لك أن تعلم أن لا إله إلا الله؟ فقال بأبي أنت وأمي، ما أوصلك وأحلمك وأكرمك! واللذه لقد ظننت أن لو كان مع الله غيره لقد أغنى عني شيئا. فقال ويحك يا أبا سفيان ألم يأن لك أن تعلم أني رسول الله؟ فقال بأبي أنت وأمي ما أوصلك وما أحلمك وما أكرمك! أما هذه ففي النفس منها شيء. فقال العباس فقلت له ويلك تشهد شهادة الحق قبل والله ان تضرب عنقك. قال فتشهد. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباس حين تشهد أبو سفيان إنصرف يا عباس فاحبسه عند خطم الجبل بمضيق الوادي حتى تمر عليه جنود الله. فقلت له يا رسول الله إن أبا سفيان رجل يحب الفخر فاجعل له شيئا يكون في قومه. فقال نعم "من دخل دار أبي سفيان فهو آمن. ومن دخلا لمسجد فهو آمن. ومن أغلق عليه بابه فهو آمن" فخرجت حتى حبسته عند خطم الجبل بمضيق الوادي فمرت عليه القبائل فيقول من هؤلاء يا عباس؟ فأقول سليم فيقول مالي ولسليم فتمر به قبيلة فيقول من هؤلاء؟ فيقول أسلم فيقول مالي ولأسلم وتمر جهينة فيقول مالي ولجهينة حتى مر رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخضراء كتيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم من المهاجرين والأنصار في الحديد لا يرى منهم إلا الحدق فقال من هؤلاء يا أبا الفضل؟ فقلت هذا رسول الله في المهاجرين والأنصار، فقال يا أبا الفضل لقد أصبح ملك ابن أخيك عظيما فقلت ويحك أنها النبوة. فقال نعم إذن فقلت ألحق الآن بقومك فحذرهم فخرج سريعا حتى أتى مكة فصرخ في المسجد:(يا معشر قريش هذا محمد قد جاءكم بما لا قبل لكم به) قالوا فمه. فقال (من دخل داري فهو آمن) قالوا ويحك وما تغني عنا دارك. فقال: (ومن دخل المسجد فهو آمن ومن أغلق عليه بابه فهو آمن) . كذا في رواية ابن اسحاق. وذكر موسى بن عقبة وغيره أن العباس قال قلت يا رسول الله أبو سفيان وحكيم وبديل قد أجرتهم وهم يدخلون عليك قال أدخلهم فدخلوا عليه فمكثوا عنده عامة الليل يستخبرهم فدعاهم إلى الإسلام وأن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأ، هـ رسول الله فشهد بديل وحكيم وقال أبو سفيان ما أ'لم ذلك والله إن في النفس من هذا شيئا فأرجئها وفي رواية قال له صلى الله عليه وسلم يا أبا سفيان اسلم تسلم. قال كيف أصنع بالات والعزى فقال له عمر اخرأ عليهما. وكان عمر رضي الله عنه خارج القبة ثم قال عمر أما والله لو كنت خارج القبة ما قلتها. فقال أبو سفيان ويحك يا عمر إنك رجل فاحش. دعني مع ابن عمي فإياه أكلم الخ

وكان ممن لقيه صلى الله عليه وسلم في الطريق أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب بن عمه صلى الله عليه وسلم وأخوه من الرضاع من حليمة السعدية وكان مع أبي سفيان ولده جعفر وعبد الله ابن أمية المخزومي ابن عمته صلى الله عليه وسلم عاتكة بنت عبد المطلب وهو أخو أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم لأبيها لأن أمها عاتكة بنت عامر بن قيس.

يقال إن الذين كانوا يشبهون النبي صلى الله عليه وسلم:

جعفر بن أبي طالب والحسن بن علي وقثم بن العباس وأبو سفيان ابن الحارث.

وكان أبو سفيان بن الحارث من الشعراء المطبوعين وكان سبق له هجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وإياه عارض حسان بن ثابت بقوله:

ألا أبلغ أبا سفيان عني

مغلغلة فقد برح الخفاء

هجوت محمداً فأحببت عنه

وعند الله في ذاك الجزاء

وكان لقاء أبي سفيان ومن معه النبي صلى الله عليه وسلم بنيق العقاب فيما بين مكة والمدينة. فالتمسا الدخول على رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلمته أم سلمة فيهما فقالت يا رسول الله ابن عمك وابن عمتك وصهرك، قال لا حاجة لي بهما أما ابن عمي فهتك عرضي، وأما ابن عمتي وصهري فهو الذي قال بمكة ما قال (يعني قوله له: والله لا آمنت بك حتى تتخذ سلما إلى السماء فتعرج فيه وأنا أنظر ثم تأتي بصك وأربعة من الملائكة يشهدون أن الله أرسلك) .

فلما خرج الخبر إليهما بذلك ومع أبي سفيان بُنَى له فقال والله ليأذنَنَّ لي أو لآخذن بيد بُنَيّ هذا ثم لنذهبن في الأرض حتى نموت عطشاً وجوعاً. فلما بلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم رق لهما ثم أذن لهما فأسلما وأنشد أبو سفيان قوله في إسلامه واعتذاره مما كان مضى منه:

لعمرك إني يوم أحمل راية

لتغلب خيلُ اللات خيلَ محمد

لكا لمدلج الحيران أظلم ليلُه

فهذا أواني حين أهدي وأهتدي

وهاد هداني غير نفسي ودلني (4)

على الله من طَرّدتُ كل مطرّد

أصُدّ وأنأى جاهداً عن محمد

واُدعى ولو لم أنتسب من محمد

هم ما هم من لم يقل بهواهُم

وإن كان ذا رأي يُلمْ ويُفنّد

أريد لأرضيهم ولست بلائط

مع القوم ما لم أهد في كل مقعد

فقل لثقيف لا أريد قتالها

وقل لتثقيف تلك عيري أوْ عدي

وما كنت في الجيش الذي نال عامرا

وما كان عن جَرّى لساني ولا يدي

قبائل جاءت من بلاد بعيدة

نزائع جاءت من سُهام وسُرْدد

قال ابن اسحاق فزعموا أنه حين أنشد رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله ونالني مع الله من طردت كل مطرد. ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدره وقال: "أنت طردتني كل كطرد" وقال عليّ رضي الله عنه لأبي سفيان بن الحارث عند اذنه صلى الله عليه وسلم له في الدخول عليه ائت من قبل وجهه فقال له ما قال اخوة يوسف: "تالله لقد آثرك الله علينا وإن كنا لخاطئين" فإنه لا يرضى أن يكون أحد أحسن منه قولا، ففعل ذلك أبو سفيان فقال له صلى الله عليه وسلم {لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ الله لَكُمْ وَهُوَ أرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} .

(1) اسم هذه المرأة سارة وهي مولاة لبني المطلب وسيأتي ذكرها فيمن أهدر رسول الله صلى الله عليه وسلم دمه يوم فتح مكة.

(2)

أبو رهم الغفاري اسمه كلثوم بن الحصين بعد قدوم النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وشهد أحدا فرمى بسهم في نحره فسمى "المنحور". واستخلفه النبي صلى الله عليه وسلم على المدينة عام الفتح فلم يزل عليها حتى انصرف رسول الله من الطائف وشهد بية الرضوان وبايع تحت الشجرة وغزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة تبوك.

(3)

قد آن لنا أن نكتب شيئا عن ترجمة أبي سفيان فهو صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس ابن عبد مناف القرشي الأموي ويكنى أبا حنظلة بابنه حنظلة ولد قبل الفيل بعشر سنين وكان من أشراف قريش وكان تاجرا يجهز التجار بماله وأموال قريش إلى الشام وغيرها من أرض العجم وكان يخرج أحيانا بنفسه وكانت إليه راية الرؤساء التي تسمى "العقاب" وإذا حميت الحرب اجتمعت قريش فرضعتها بيد الرئيس وهو الذي قاد قريشا كلها يوم أحد وكان أبو سفيان صديق العباس وأسلم ليلة الفتح وشهد حنينا والطائف مع رسول الله وأعطاه رسول الله من غنائم حنين مائة بعير وأربعين أوقية كما أعطى سائر المؤلفة وأعطى ابنيه يزيد ومعاوية وفقئت عين أبي سفيان يوم الطائف. قال يونس بن عبيد كان عتبة بن ربيعة وأخوه شيبة بن ربيعة وأبو جهل بن هشام وأبو سفيان لا يسقط لهم رآي في الجاهلية فلما جاء الإسلام لم يكن لهم رآي. وروى أنه لما أسلم ورأى المسلمين وكثرتهم قال للعباس: لقد أصبح ملك ابن أخيك عظيماً. قال إنها النبوة قال نعم. وفقئت عينه الأخرى يوم اليرموك وشهد اليرموك تحت راية ابنه يزيد. ولما عمي أبو سفيان كان يقوده مولى له وتوفي سنة إحدى وثلاثين وكان عمره ثمان وثمانين سنة وقيل كان عمره ثلاثا وتسعين سنة.

(4)

ويروى: ودلني على الحق ويروى: ونالني مع الله.

ص: 480