المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌غزوة خيبر (1) - محمد صلى الله عليه وسلم - جـ ١

[محمد رضا]

فهرس الكتاب

- ‌إهداء الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌[متن الكتاب]

- ‌نسبه صلى الله عليه وسلم

- ‌مناقب أجداده صلى الله عليه وسلم

- ‌أولاد عبد المطلب: أعمام رسول الله وعماته

- ‌نذر عبد المطلب جد النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌زواج عبد الله

- ‌قصة الفيل

- ‌مولده صلى الله عليه وسلم

- ‌الاحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم

- ‌مرضعاته صلى الله عليه وسلم

- ‌شق الصدر

- ‌الحض على قتله صغيراً

- ‌وفاة آمنة

- ‌عبد المطلب يهنئ سيف بن ذي يزن

- ‌وفاة جده عبد المطلب وكفالة عمه أبي طالب

- ‌السفر إلى الشام

- ‌من هو بحيرا

- ‌رعية رسول الله الغنم بمكة (1)

- ‌حرب الفجار (1) (580 - 590 م)

- ‌حِلف الفضول

- ‌هل سافر النبي إلى اليمن

- ‌الرحلة الثانية إلى الشام 595 م

- ‌تزويج رسول الله خديجة رضي الله عنها

- ‌تجديد بناء الكعبة سنة 605 م

- ‌تسميته بالأمين صلى الله عليه وسلم

- ‌رسالة محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌انذار يهود برسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌سلمان الفارسي وقصة إسلامه

- ‌من تسمى في الجاهلية بمحمد

- ‌كنية النبي وأسماؤه

- ‌عبادة الأصنام والأوثان

- ‌الأربعة الباحثون عن دين إبراهيم

- ‌زيد بن عمرو (1)

- ‌بدء الوحي

- ‌النبي المنتظر

- ‌النبي الأمي

- ‌فترة الوحي (1)

- ‌أبو بكر الصديق واسلامه

- ‌علي بن أبي طالب وإسلامه

- ‌قتله رضي الله عنه

- ‌زيد بن حارثة واسلامه

- ‌الدعوة إلى الاسلام خفية

- ‌ايذاء المشركين لأبي بكر الصديق

- ‌اظهار الاسلام

- ‌القرآن يحيّر ألباب العرب

- ‌قريش تفاوض أبا طالب في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌تعذيب المسلمين

- ‌ما عرضته قريش على رسول الله

- ‌حماقة أبي جهل

- ‌قريش تمتحن رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌اسلام جابر بن عبد الله

- ‌الهجرة الأولى إلى الحبشة

- ‌شفاعة الغرانيق (1) افتراء الزنادقة على رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌اسلام حمزة

- ‌عمر بن الخطاب وسبب اسلامه

- ‌الهجرة الثانية إلى الحبشة

- ‌الطفيل بن عمرو الدَّوسي شاعر يحكم عقله ويسلم

- ‌وفاة أبي طالب سنة 620 م

- ‌وفاة خديجة سنة 620 م

- ‌الإسراء والمعراج سنة 621 م

- ‌تأثير خبر الإسراء في قريش

- ‌المعراج (1)

- ‌فريضة الصلاة

- ‌عرض الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه على قبائل العرب

- ‌بدء اسلام الأنصار بيعة العقبة الأولى - اسلام سعد بن معاذ

- ‌مؤامرة قريش على قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌ما نزل من القرآن بمكة

- ‌الهجرة إلى المدينة

- ‌وصوله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة

- ‌خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم في أول جمعة صلاها بالمدينة

- ‌معاهدة رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهود

- ‌الخزرج والأوس وما كان بينهما وبين اليهود

- ‌العداوة بين الأوس والخزرج

- ‌الخلاصة

- ‌مدينة يثرب

- ‌مرض المهاجرين بحمى المدينة

- ‌مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌تزويج النبي صلى الله عليه وسلم بعائشة رضي الله عنها

- ‌صرف القبلة عن بيت المقدس إلى الكعبة

- ‌ذكر الأذان

- ‌فرض صيام شهر رمضان وزكاة الفطر

- ‌المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار

- ‌إسلام عبد الله بن سلام بن الحارث

- ‌عداء اليهود ومناقشاتهم

- ‌بعث حمزة

- ‌سرية عبيدة بن الحارث

- ‌سرية سعد بن أبي وقاص

- ‌غزوة وَدَّان أو غزوة الأبواء

- ‌غزوة بُواط

- ‌غزوة بدر الأولى

- ‌غزوة العُشيرة

- ‌سرية عبد الله بن حجش الأسدي

- ‌غزوة بدر الثانية أو غزوة بدر الكبرى

- ‌قوة قريش

- ‌قوة المسلمين

- ‌رسول الله صلى الله عليه وسلم يستشير أصحابه

- ‌الخلاف بين أبي سفيان وأبو جهل

- ‌مسير الجيشين ونزول المطر

- ‌بناء حوض على القليب

- ‌بناء العريش

- ‌عتبة بن ربيعة ينصح قريشا بالرجوع

- ‌اقتحام الحوض

- ‌المبارزة

- ‌تعديل صفوف المسلمين والحث على الجهاد

- ‌ألوية المسلمين والمشركين

- ‌تزاحف الناس والتحام القتال

- ‌امداد المسلمين بالملائكة يوم بدر

- ‌سيما الملائكة يوم بدر

- ‌القاء القتلى في القليب

- ‌الأسرى وفداؤهم

- ‌رأي أبي بكر رضي الله عنه في الأسرى

- ‌رأي عمر بن الخطاب رضي الله عنه

- ‌تأثير الإنتصار في المدينة

- ‌رجوعه صلى الله عليه وسلم إلى المدينة

- ‌وقع خبر الإنتصار على قريش

- ‌أسباب انتصار المسلمين في موقعة بدر

- ‌زواج فاطمة

- ‌غزوة بني سليم

- ‌غزوة بني قينقاع

- ‌غزوة السَّويق

- ‌غزوة ذي امَرّ وهي غزوة غَطَفان

- ‌زواج أم كلثوم

- ‌زواج حفصة

- ‌سرية زيد بن حارثة

- ‌قتل كعب بن الأشرف

- ‌قتل ابن سُنَيْنَةَ

- ‌غزوة أحد

- ‌الكرة على المسلمين

- ‌المثلة بحمزة

- ‌إحدى معجزات رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه

- ‌المنهزمون من المسلمين

- ‌شجاعة امرأة وثباتها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌أسباب انهزام المسلمين في موقعة أحد

- ‌نداء أبي سفيان

- ‌استشهاد سعد بن الربيع الأنصاري

- ‌قتل مخيريق

- ‌انتحار قُزمان

- ‌دفن قتلى أحد

- ‌رجوع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة

- ‌ذكر عزوة أحد في القرآن

- ‌غزوة حمراء الأسد

- ‌بعث الرَّجيع

- ‌سرية بئر معونة (1)

- ‌غزوة بني النضير

- ‌تحرم الخمر. (الاصلاح الأجتماعي العظيم)

- ‌غزوة ذات الرقاع

- ‌غزوة بدر الأخيرة

- ‌غزوة دومة الجندل وهي أول غزوات الشام

- ‌تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش

- ‌غزوة المريسيع أو غزوة بني المصطلق

- ‌قتل هشام بن صبابة

- ‌آية التيمم

- ‌عائشة وحديث الأفك

- ‌غزوة الخندق وهي الأحزاب

- ‌تحزب الأحزاب

- ‌خروج الأحزاب وقوادهم

- ‌حفر الخندق

- ‌سلمان منا أهل البيت

- ‌اعتراض صخرة بيضاء ومعجزة الرسول

- ‌عدد الجيشين

- ‌نقض العهد

- ‌اشتداد الحصار

- ‌اقتحام الخندق

- ‌حسان بن ثابت يخشى القتال

- ‌استمرار القتال وفوات الصلاة

- ‌إن الحرب خَدعة

- ‌حرب الطبيعة

- ‌خطبة أبي سفيان

- ‌خسائر المسلمين

- ‌خسائر المشركين

- ‌غزوة بني قريظة

- ‌حكم سعد بن معاذ

- ‌غنائم المسلمين

- ‌دفن القتلى

- ‌وفاة سعد

- ‌خسائر المسلمين في غزوة بني قريظة

- ‌ما نزل من القرآن في أمر الخندق وبني قريظة

- ‌يهود المدينة وما آل إليه أمرهم

- ‌سرية القُرْطا (1) واسلام ثمامة بن أُثال الحنفي

- ‌غزوة بني لحيان

- ‌اغارة عُيَيْنَة بن حصن

- ‌غزوة ذي قَرد وهي غزوة الغابة

- ‌سرية الغَمر أو سرية عكاشة بن محصن الأسدي

- ‌سرية محمد بن مسلمة الأنصاري إلى ذي القَصّة (1)

- ‌سرية زيد بن حارثة

- ‌سرية أخرى لزيد بن حارثة

- ‌سرية عبد الرحمن بن عوف إلى دُممة الجَندَل

- ‌سرية علي بن أبي طالب إلى بني سعد بن بكر

- ‌سرية زيد بن حارثة إلى أم قِرْفَة

- ‌سرية عبد الله بن عتيك لقتل سلام بن أبي الحُقيق

- ‌سرية عبد الله بن رواحة إلى أُسير بن رِزَام

- ‌سرية كُرزبن جابر الفهري

- ‌أمر الحديبية

- ‌بيعة الرضوان

- ‌الصلح

- ‌مزايا هذا الصلح

- ‌تنفيذ المعاهدة

- ‌رسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى الملوك والأمراء

- ‌خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌مارية القبطية

- ‌إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي أصحمة

- ‌زواج أم حبيبة بنت أبي سفيان برسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌نتيجة ارسال الرسل إلى الملوك والأمراء

- ‌غزوة خيبر (1)

- ‌صلح أهل فدَكَ

- ‌غزوة وادي القرى

- ‌خمس سرايا في خريف وشتاء السنة السابعة الهجرية (سنة 628 م)

- ‌عمرة القضاء

- ‌زواج رسول الله صلى الله عليه وسلم بميمونة رضي الله عنها

- ‌ما قبل سرية مؤتة من الحوادث

- ‌اسلام عمرو بن العاص

- ‌خالد بن الوليد وإسلامه

- ‌سرية مؤتة

- ‌مواساة رسول الله صلى الله عليه وسلم لآل جعفر

- ‌إسلام فروة بن عامر الجذامي

- ‌سرية عمرو بن العاص أو سرية ذات السلاسل (1)

- ‌سرية أبي عبيدة بن الجراح

- ‌غزوة فتح مكة

- ‌كتاب حاطب إلى مكة

- ‌عقد الألوية والرايات

- ‌نيران جيش المسلمين

- ‌المحكوم عليهم بالقتل

- ‌دخول الكعبة

- ‌البيعة

- ‌هدم الأصنام

- ‌أذان بلال على ظهر الكعبة

- ‌إسلام أبي قحافة (عثمان بن عامر التيمي)

- ‌سرية خالد بن الوليد إلى العزى (1)

- ‌سرية عمرو بن العاص إلى سواع

الفصل: ‌غزوة خيبر (1)

‌غزوة خيبر (1)

ص: 443

-خيبر واحة كبيرة على ثمانية برد من المدينة إلى جهة الشام (والبريد أثنا عشر ميلا عربياً فتكون المسافة كلها 96 ميلا عربيا) .

وسكان خيبر يهود. وهي ذات حصون ومزارع ونخل كثير وكان سكانها غير مجتمعين في صعيد واحد بل كانوا متفرقين في الوديان المجاورة ويقطنون بيوتا حصينة وسط النخيل وحقول القمح. وكانت خيبر مركزاً لدسائس اليهود الذين هاجروا إليها وتشتمل على سبعة حصون مبنية بالحجارة وهي:

حصن ناعم. القموص حصن أبي الحقيق. حصن الشق. حصن النطاة. حصن السلالم. حصن الوطيح. حصن الكتيبة.

قال القرويني: وخيبر موصوفة بكثرة الحمى لا تفارق الحمى أهلها وكان أهلها يهوداً موصوفين بالمكر والخبث ومنها كان السموأل بن عادياء المشهور بالوفاء.

كانت غزوة خيبر سنة سبع من الهجرة (أغسطس سنة 628 م) وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما عاد من الحديبية أقام بالمدينة ذا الحجة وبعض المحرم من السنة السابعة وولى تلك الحجارة المشركون ثم خرج في بقية المحرم إلى خيبر وكان معه 1600 منهم 200 فارس ويلاحظ أن عدد الفرسان في هذه الغزوة قد ازداد لأنهم لم يكونوا في الغزوات السابقة يجاوزون الثلاثين وذلك بفضل عناية رسول الله بتربية الخيل. وخرج معه من نسائه أم سلمة رضي الله عنها وهي التي كانت خرجت معه إلى الحديبية واستخلف على المدينة سباع ابن عرفطة الغفاري واستنفر صلى الله عليه وسلم من حوله ممن شهد الحديبية يغزون معه وجاء المخلفون عنه في غزوة الحديبية ليخرجوا معه رجاء الغنيمة فقال لاتخرجوا معي الا راغبين في الجهاد فأما الغنيمة فلا. وكان الله قد وعد رسوله صلى الله عليه وسلم عند انصرافه من الحديبية في سورة الفتح بمغانم كثيرة بقوله تعالى {وَعَدَكُمُ الله مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأخُذوُنَهَا} . وفي البخاري عن أنس رضي الله عنه: "ان النبي صلى الله عليه وسلم أتى خيبر ليلا فنام هو وأصحابه دونها ثم ركبوا إليها بكرة فصبحوها بالقتال" وفي رواية لابن اسحاق أنه صلى الله عليه وسلم لا أشرف على خيبر قال لأصحابه. قفوا ثم قال: "اللهم رب السموات والأرض وما أظللن ورب الأرضين وما أقللن ورب الشياطين وما أضللن. ورب الرياح وما ذرين. فأنا نسألك خير هذه القرية وخير أهلها وخير ما فيها. ونعوذ بك من شرها وشر أهلها وشر ما فيها أقدموا بسم الله".

فلما أصبحت خرجت اليهود إلى زروعهم بمساحيهم ومكاتلهم ودفع رايته العقاب إلى الحباب بن المنذر ودفع راية لسعد بن عبادة ونزل بواد يقال له الرجيع بينهم وبين غطفان لئلا يمدوهم وكانوا حلفاءهم ومظاهرين لهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن غطفان تجهزوا وقصدوا خيبر فسمعوا حساً خلفهم فظنوا أن المسلمين خلفوهم في ذراريهم فرجعوا وأقاموا وخذلوا أهل خيبر.

وكان يهود خيبر أدخلوا أموالهم وعيالهم في حصن الكتيبة وجمعوا المقاتلة في حصن النطاة. وكان النبي صلى الله عليه وسلم نزل قريباً من حصن النطاة فأشار عليه صلى الله عليه وسلم الحباب بن المنذر بالتحول قائلا أن أهل النطاة لي بهم معرفة ليس قوم أبعد مدى منهم ولا أعدل رمية منهم وهم مرتفعون علينا وهو أسرع لانحطاط نبلهم ولا نأمن من بياتهم يدخلون في حمر النخل (2) فتحول رسول الله صلى الله عليه وسلم وتحول الناس إلى موضع حائل بين أهل خيبر وغطفان وابتنى هنالك مسجدا صلى به طول مقامه بخيبر وأمر بقطع نخيل أهل حصون النطاة فوقع المسلمون في قطعها حتى قطعوا 400 نخلة ثم نهاهم عن القطع وقاتل صلى الله عليه وسلم يومه ذلك أشد القتال وعليه درعان وبيضة ومغفر وهو على فرس يقال له الظرب في يده قناة وترس وفي ذلك اليوم قتل محمود بن مسلمة أخو محمد بن مسلمة برحى ألقيت عليه من حصن ناعم ألقاها عليه مرحب اليهودي وكان الحر في ذلك اليوم شديداً ومكث صلى الله عليه وسلم سبعة أيام يقاتل أهل حصن النطاة يذهب كل يوم بمحمد بن مسلمة للقتال ويخلف على محل العسكر عثمان بن عفان رضي الله عنه فإذا أمسى رجع إلى ذلك المحل ومن جرح من المسلمين يحمل إليه ليداوى جرحه. وكان اليهود كعادتهم يحاربون أمام الحصون لأنهم يخشون الحرب في الميدان فإذا انهزموا عادوا إلى حصونهم وأغلقوها دونهم.

ولما كانت الليلة السادسة أتى رجل من يهود خيبر في جوف الليل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره أنه خرج من حصن النطاة من عند قوم يتسللون من الحصن في هذه الليلة ويذهبون إلى حصن الشق يجعلون فيه ذراريهم ويتهأون للقتال وأخره أن في حصن الصعب من حصون النطاة في بيت فيه تحت الأرض منجنيقاً ودبابات ودروعا وسيوفاً فإذا دخل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم أوقفه على أسراره.

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم تأخذه الشقيقة (3) في بعض تلك الأيام فيبعث أناسا من أصحابه فلم يكن فتح ومنهم أبو بكر وعمر بن الخطاب.

ثم قال صلى الله عليه وسلم لمحمد بن مسلمة لأعطين الراية غداً لرجل يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله. لا يولى الدبر. يفتح الله عز وجل على يديه فيمكنه من قاتل أخيك.

وفي الغد بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عليّ رضي الله عنه وكان أرمد شديد الرمد فجئ به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد عصب عينيه فعقد له لواءه الأبيض وبصق في عينيه ودلكهما فبرأ حتى كأن لم يكن بهما وجع. وقال علي رضي الله عنه فما رمدت بعد يومئذ. ثم دعا النبي صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه بقوله "اللهم اكفه الحر والبرد" قال علي رضي الله عنه فما وجدت بعد ذلك لا حراً ولا برداً. فكان يلبس في الحر الشديد القباء المحشو الثخين ويلبس في البرد الشديد الثوب الخفيف فلا يبالي بالبرد.

فلما أخذ عليّ الراية قال أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم انفذ على رسلك حتى ينزل بساحتهم ثم ادعهم إلى الإسلام فإن لم يطيعوا لك بذلك فقالتهم فوالله لئن يهدي الله بك رجلا واحداً خير لك من حمر النعم.

فخرج علي رضي الله عنه حتى ركز الراية تحت الحصن فكان أول من خرج إليه من أهل الحصن الحارث أخو مرحب وكان مشهوراً بالشجاعة فقتله عليّ وانهزم اليهود إلى الحصن. ثم خرج إليه مرحب لابسا درعين ومتقلدا بسيفين ومعتما بمعامتين ولبس فوقهما مغفراً وحجراً قد ثقبه قدر البيضة ومعه رمح فبرز له علي رضي الله عنه ثم حمل مرحب على عليّ وضربه فطرح ترسه من يده فتناول علي رضي الله عنه بابا كان عند الحصن فتترس به عن نفسه فلم يزل في يده وهو يقاتل حتى فتح الله عليه الحصن ثم أن علياً ضرب مرحبا فتترس فوقع السيف على الترس فقده وشق المغفر والحجر الذي تحته والعمامتين وفلق هامته حتى أخذ السيف بالأضراس.

وقيل أن محمد بن مسلمة هو الذي قتل مرحباً اليهودي انتقاماً لأخيه محمود والصحيح الذي عليه أكثر أهل السير والحديث أن علي بن أبي طالب هو الذي قتل مرحباً.

ثم خرج ياسر أخو مرحب فخرج إليه الزبير رضي الله عنه وعند ذلك قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم "فداك عم وخال، لكل نبي حواري وحواريي الزبير"(4) وكان أول حصن فتح المسلمون هو حصن الناعم من حصون النطاة على يد عليّ رضي الله عنه ثم القموص. ولم يزل القتال ناشبا بين المسلمين واليهود والمسلمون يفتحون حصونهم حصنا بعد حصن حتى أتموها.

وقتل من اليهود 93 واستشهد من المسلمين 15 رجلا (5) وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم كنز آل أبي الحقيق وكان من بني النضير الذي حمله حيىّ بن أخطب لما أجلى عن المدينة وأمر رسول الله بقتل كنانة وأخيه الربيع لأنهما أخفوا مال حيى وقد علم رسول الله بمكان المال وأتى به وقوّم بعشرة آلاف دينار وأصاب المسلمين مجاعة قبل فتح الحصون فلما فتح حصن الصعب وكان أكثر الحصون طعاما، فيه شعير وتمر ووَدَك أي سمن وزيت وشحم، ومتاع وماشية وكان به 500 مقاتل أمر النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين أن يأكلوا ويعلفوا ولا يخرجوا به إلى بلادهم وكان صاحب الغنائم أبا اليسر كعب بن زائد الأنصاري.

فتحت الحصون كلها عنوة الا حصن الوطيح وحصن سلالم فقد مكث المسلمون على حصارهما أربعة عشر يوماً فلم يخرج أحد منهم فهمَّ رسول الله أن يحمل عليه وأن ينصب عليهم المنجنيق فلما أيقنوا بالهلكة سألوا رسول الله الصلح على حقن دماء المقاتلة وترك الذرية والخروج من خيبر وأرضها بذراريهم والا يصحب أحداً منهم الا ثوب واحد فصالحهم على ذلك وعلى أن ذمة الله تعالى ورسوله بريئة منهم ان كتموه شيئا فتركوا مالهم من أرض ومال وصفراء وبيضاء والكراع والحلقة والبز الا ثوبا واحداً. ووجد المسلمون في الحصنين المذكورين 100 درع و 400 سيف و 1000 رمح و 500 قوس عربية بجعابها ووجدوا في أثناء الغنيمة صحائف متعددة من التوراة فجاءت يهود تطلبها فأمر رسول صلى الله عليه وسلم بدفعها اليهم وبهذه المناسبة نذكر ماكتبه الأستاذ ولفنسون في كتابه تاريخ اليهود ببلاد العرب صفحة 170:

"ويدل هذا على ما كان لهذه الصحائف في نفس الرسول مع المكانة العالية مما جعل اليهود يشيرون إلى النبي بالبنان ويحفظون له هذه اليد حيث لم يتعرض بسوء لصحفهم المقدسة ويذكرون بازاء ذلك ما فعله الرومان حين تغلبوا على أورشليم وفتحوها سنة 70 ب م إذ أحرقوا الكتب المقدسة وداسوها بأرجلهم وما فعله المتعصبون من النصارى في حروب اضطهاد اليهود في الأندلس حين أحرقوا أيضا صحف التوراة. هذا هو البون الشاسع بين الفاتحين ممن ذكرناهم وبين رسول الإسلام" اه.

ونضيف إلى ذلك أن هذه ليست أول مرة تسامح فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وترك فيها صحائف اليهود المقدسة لم يتعرض لها بسوء ولم يحقرها مع شدة عداوتهم له فقد سمح لهم قبل ذلك بأخذ صحفهم المقدسة المشتملة على وصية موسى لبني اسرائيل عند اجلائهم من المدينة في غزوة بني النضير كما تقدم.

ثم جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم السبى فكان من نصيب دحية بن خليفة الكلبي صفية بنت حيى وكانت امرأة حسناء فنتافس الناس فيها فجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال يانبي الله أعطيت دحية صفية سيدة بني قريظة والنضير، لا تصلح الا لك. فقال ادعوه بها فلما نظر إليها النبي صلى الله عليه وسلم قال لدحية خذ جارية من السبى غيرها فأخذ أخت كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق زوج صفية وكانت صفية بنت حيى من سِبط هارون أخى موسى عليهما السلام فاصطفاها لنفسه ثم أعتقها وتزوج بها. وفي المواهب أنه صلى الله عليه وسلم أخذ صفية لأنها بنت ملك من ملوكهم.

وفي هذه الغزوة سمت اليهودية الشاة للنبي صلى الله عليه وسلم وأهدتها إليه واسمها زينب بنت الحارث امرأة سلام بن مشكم وأخت مرحب انتقاماً لقتل أبيها وزوجها وأخيها.

روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه. قال لما فتحت خيبر واطمأن صلى الله عليه وسلم بعد فتحها أهديت للنبي صلى الله عليه وسلم شاة فيها سم فلاك منها مضغة ثم لفظها حين أخبره العظم أنها مسمومة وازدرد بشر بن البراء لقمة فقال صلى الله عليه وسلم ارفعوا أيديكم وأرسل إلى اليهودية فقال هل سممت هذه الشاة؟ فقالت من أخبرك؟ قال أخبرتني هذه التي في يدي مشيراً للذراع. قالت نعم. قال لها ما حملك على ذلك. قالت إن كنت نبياً يطلعك الله وإن كنت كاذباً فأريح الناس منك. وقد استبان لي أنك صادق وأنا أشهدك ومن حضرك أني على دينك وأن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله فعفا عنها صلى الله عليه وسلم ولم يعاقبها. وتوفى من أصحابه الذين أكلوا معه بشر بن البراء رضي الله عنه واحتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم على كاهله من أجل الذي أكل من الشاة.

وبعد فتح خيبر قدم من الحبشة جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه ومن معه من المسلمين وهم ستة عشر رجلا فتلقى النبي صلى الله عليه وسلم جعفرا وقبل جبهته وعانقه وقام له ثم قال صلى الله عليه وسلم:"ما أدري بأيهما أفرح بفتح خيبر أم بقدوم جعفر" وقال صلى الله عليه وسلم لجعفر رضي الله عنه "أشبهت خلقي وخلقي" فرقس جعفر رضي الله عنه عنه لشدة هذا الخطاب ولفرط ماأصابه من الفرح ولم ينكر عليه.. رقصه وجعل ذلك أصلا لرقص الصوفية عندما يجدون من لذة المواجيد في مجالس الذكر والسماع. وقدم من الحبشة أبو موسى الأشعري رضي الله عنهما وجماعة من قومه فأسهم لهم ولم يسهم لأحد غاب عن فتح خيبر منا شيئا الا لمن شهدها معه.

وقد قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم غنائم خيبر فأعطى الراجل سهما والفارس ثلاثة أسهم بعد أن خمسها خمسة أجزاء ثم دفع صلى الله عليه وسلم لأهل خيبر الأرض ليعملوا فيها بشطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع وقال لهم انا إذا شئنا أن نخرجكم أخرجناكم. ثم استمروا على ذلك على خلافة عمر رضي الله عنه إلى أن وقعت منهم خيانة وغدر لبعض المسلمين فأجلاهم إلى الشام بعد أن استشار في ذلك الصحابة رضي الله عنه.

ولما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر فكان ببعض الطريق فما كان آخر الليل قال من رجل يحفظ علينا الفجر لعلنا ننام؟ قال بلال أنا يا رسول الله أحفظه عليك فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزل الناس فناموا وقام بلال يصلي فصلى ما شاء الله أن يصلي ثم استند إلى بعيره واستقبل الفجر يرمقه فغلبته عينه فنام فلم يوقظهم الا مس الشمس وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أول أصحابه هبا. فقال ماذا صنعت بنا يا بلال؟ قال يا رسول الله أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك. قال صدقت ثم اقتاد رسول الله صلى الله عليه وسلم بعيره غير كثير ثم أناخ فتوضأ وتوضأ الناس ثم أمر بلالا فأقام الصلاة فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس فلما سلم اقبل على الناس فقال: إذا نسيتم الصلاة فصلوها إذا ذكرتموها فإن الله تبارك وتعالى يقول (أقِمِ الصلَاةَ لِذِكرى) وكان فتح خيبر في صفر.

(1) معنى خيبر باللغة العبرية الحصن أو القلعة.

(2)

أي النخل المجتمع بعضه على بعض.

(3)

وجع يأخذ نصف الوجه والرأس.

(4)

الحواري: الناصر.

(5)

عدد قتلى المسلمين في طبقات ابن سعد 15 وفي سيرة ابن هشام 20.

ص: 444