المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ما عرضته قريش على رسول الله - محمد صلى الله عليه وسلم - جـ ١

[محمد رضا]

فهرس الكتاب

- ‌إهداء الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌[متن الكتاب]

- ‌نسبه صلى الله عليه وسلم

- ‌مناقب أجداده صلى الله عليه وسلم

- ‌أولاد عبد المطلب: أعمام رسول الله وعماته

- ‌نذر عبد المطلب جد النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌زواج عبد الله

- ‌قصة الفيل

- ‌مولده صلى الله عليه وسلم

- ‌الاحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم

- ‌مرضعاته صلى الله عليه وسلم

- ‌شق الصدر

- ‌الحض على قتله صغيراً

- ‌وفاة آمنة

- ‌عبد المطلب يهنئ سيف بن ذي يزن

- ‌وفاة جده عبد المطلب وكفالة عمه أبي طالب

- ‌السفر إلى الشام

- ‌من هو بحيرا

- ‌رعية رسول الله الغنم بمكة (1)

- ‌حرب الفجار (1) (580 - 590 م)

- ‌حِلف الفضول

- ‌هل سافر النبي إلى اليمن

- ‌الرحلة الثانية إلى الشام 595 م

- ‌تزويج رسول الله خديجة رضي الله عنها

- ‌تجديد بناء الكعبة سنة 605 م

- ‌تسميته بالأمين صلى الله عليه وسلم

- ‌رسالة محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌انذار يهود برسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌سلمان الفارسي وقصة إسلامه

- ‌من تسمى في الجاهلية بمحمد

- ‌كنية النبي وأسماؤه

- ‌عبادة الأصنام والأوثان

- ‌الأربعة الباحثون عن دين إبراهيم

- ‌زيد بن عمرو (1)

- ‌بدء الوحي

- ‌النبي المنتظر

- ‌النبي الأمي

- ‌فترة الوحي (1)

- ‌أبو بكر الصديق واسلامه

- ‌علي بن أبي طالب وإسلامه

- ‌قتله رضي الله عنه

- ‌زيد بن حارثة واسلامه

- ‌الدعوة إلى الاسلام خفية

- ‌ايذاء المشركين لأبي بكر الصديق

- ‌اظهار الاسلام

- ‌القرآن يحيّر ألباب العرب

- ‌قريش تفاوض أبا طالب في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌تعذيب المسلمين

- ‌ما عرضته قريش على رسول الله

- ‌حماقة أبي جهل

- ‌قريش تمتحن رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌اسلام جابر بن عبد الله

- ‌الهجرة الأولى إلى الحبشة

- ‌شفاعة الغرانيق (1) افتراء الزنادقة على رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌اسلام حمزة

- ‌عمر بن الخطاب وسبب اسلامه

- ‌الهجرة الثانية إلى الحبشة

- ‌الطفيل بن عمرو الدَّوسي شاعر يحكم عقله ويسلم

- ‌وفاة أبي طالب سنة 620 م

- ‌وفاة خديجة سنة 620 م

- ‌الإسراء والمعراج سنة 621 م

- ‌تأثير خبر الإسراء في قريش

- ‌المعراج (1)

- ‌فريضة الصلاة

- ‌عرض الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه على قبائل العرب

- ‌بدء اسلام الأنصار بيعة العقبة الأولى - اسلام سعد بن معاذ

- ‌مؤامرة قريش على قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌ما نزل من القرآن بمكة

- ‌الهجرة إلى المدينة

- ‌وصوله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة

- ‌خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم في أول جمعة صلاها بالمدينة

- ‌معاهدة رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهود

- ‌الخزرج والأوس وما كان بينهما وبين اليهود

- ‌العداوة بين الأوس والخزرج

- ‌الخلاصة

- ‌مدينة يثرب

- ‌مرض المهاجرين بحمى المدينة

- ‌مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌تزويج النبي صلى الله عليه وسلم بعائشة رضي الله عنها

- ‌صرف القبلة عن بيت المقدس إلى الكعبة

- ‌ذكر الأذان

- ‌فرض صيام شهر رمضان وزكاة الفطر

- ‌المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار

- ‌إسلام عبد الله بن سلام بن الحارث

- ‌عداء اليهود ومناقشاتهم

- ‌بعث حمزة

- ‌سرية عبيدة بن الحارث

- ‌سرية سعد بن أبي وقاص

- ‌غزوة وَدَّان أو غزوة الأبواء

- ‌غزوة بُواط

- ‌غزوة بدر الأولى

- ‌غزوة العُشيرة

- ‌سرية عبد الله بن حجش الأسدي

- ‌غزوة بدر الثانية أو غزوة بدر الكبرى

- ‌قوة قريش

- ‌قوة المسلمين

- ‌رسول الله صلى الله عليه وسلم يستشير أصحابه

- ‌الخلاف بين أبي سفيان وأبو جهل

- ‌مسير الجيشين ونزول المطر

- ‌بناء حوض على القليب

- ‌بناء العريش

- ‌عتبة بن ربيعة ينصح قريشا بالرجوع

- ‌اقتحام الحوض

- ‌المبارزة

- ‌تعديل صفوف المسلمين والحث على الجهاد

- ‌ألوية المسلمين والمشركين

- ‌تزاحف الناس والتحام القتال

- ‌امداد المسلمين بالملائكة يوم بدر

- ‌سيما الملائكة يوم بدر

- ‌القاء القتلى في القليب

- ‌الأسرى وفداؤهم

- ‌رأي أبي بكر رضي الله عنه في الأسرى

- ‌رأي عمر بن الخطاب رضي الله عنه

- ‌تأثير الإنتصار في المدينة

- ‌رجوعه صلى الله عليه وسلم إلى المدينة

- ‌وقع خبر الإنتصار على قريش

- ‌أسباب انتصار المسلمين في موقعة بدر

- ‌زواج فاطمة

- ‌غزوة بني سليم

- ‌غزوة بني قينقاع

- ‌غزوة السَّويق

- ‌غزوة ذي امَرّ وهي غزوة غَطَفان

- ‌زواج أم كلثوم

- ‌زواج حفصة

- ‌سرية زيد بن حارثة

- ‌قتل كعب بن الأشرف

- ‌قتل ابن سُنَيْنَةَ

- ‌غزوة أحد

- ‌الكرة على المسلمين

- ‌المثلة بحمزة

- ‌إحدى معجزات رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه

- ‌المنهزمون من المسلمين

- ‌شجاعة امرأة وثباتها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌أسباب انهزام المسلمين في موقعة أحد

- ‌نداء أبي سفيان

- ‌استشهاد سعد بن الربيع الأنصاري

- ‌قتل مخيريق

- ‌انتحار قُزمان

- ‌دفن قتلى أحد

- ‌رجوع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة

- ‌ذكر عزوة أحد في القرآن

- ‌غزوة حمراء الأسد

- ‌بعث الرَّجيع

- ‌سرية بئر معونة (1)

- ‌غزوة بني النضير

- ‌تحرم الخمر. (الاصلاح الأجتماعي العظيم)

- ‌غزوة ذات الرقاع

- ‌غزوة بدر الأخيرة

- ‌غزوة دومة الجندل وهي أول غزوات الشام

- ‌تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش

- ‌غزوة المريسيع أو غزوة بني المصطلق

- ‌قتل هشام بن صبابة

- ‌آية التيمم

- ‌عائشة وحديث الأفك

- ‌غزوة الخندق وهي الأحزاب

- ‌تحزب الأحزاب

- ‌خروج الأحزاب وقوادهم

- ‌حفر الخندق

- ‌سلمان منا أهل البيت

- ‌اعتراض صخرة بيضاء ومعجزة الرسول

- ‌عدد الجيشين

- ‌نقض العهد

- ‌اشتداد الحصار

- ‌اقتحام الخندق

- ‌حسان بن ثابت يخشى القتال

- ‌استمرار القتال وفوات الصلاة

- ‌إن الحرب خَدعة

- ‌حرب الطبيعة

- ‌خطبة أبي سفيان

- ‌خسائر المسلمين

- ‌خسائر المشركين

- ‌غزوة بني قريظة

- ‌حكم سعد بن معاذ

- ‌غنائم المسلمين

- ‌دفن القتلى

- ‌وفاة سعد

- ‌خسائر المسلمين في غزوة بني قريظة

- ‌ما نزل من القرآن في أمر الخندق وبني قريظة

- ‌يهود المدينة وما آل إليه أمرهم

- ‌سرية القُرْطا (1) واسلام ثمامة بن أُثال الحنفي

- ‌غزوة بني لحيان

- ‌اغارة عُيَيْنَة بن حصن

- ‌غزوة ذي قَرد وهي غزوة الغابة

- ‌سرية الغَمر أو سرية عكاشة بن محصن الأسدي

- ‌سرية محمد بن مسلمة الأنصاري إلى ذي القَصّة (1)

- ‌سرية زيد بن حارثة

- ‌سرية أخرى لزيد بن حارثة

- ‌سرية عبد الرحمن بن عوف إلى دُممة الجَندَل

- ‌سرية علي بن أبي طالب إلى بني سعد بن بكر

- ‌سرية زيد بن حارثة إلى أم قِرْفَة

- ‌سرية عبد الله بن عتيك لقتل سلام بن أبي الحُقيق

- ‌سرية عبد الله بن رواحة إلى أُسير بن رِزَام

- ‌سرية كُرزبن جابر الفهري

- ‌أمر الحديبية

- ‌بيعة الرضوان

- ‌الصلح

- ‌مزايا هذا الصلح

- ‌تنفيذ المعاهدة

- ‌رسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى الملوك والأمراء

- ‌خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌مارية القبطية

- ‌إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي أصحمة

- ‌زواج أم حبيبة بنت أبي سفيان برسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌نتيجة ارسال الرسل إلى الملوك والأمراء

- ‌غزوة خيبر (1)

- ‌صلح أهل فدَكَ

- ‌غزوة وادي القرى

- ‌خمس سرايا في خريف وشتاء السنة السابعة الهجرية (سنة 628 م)

- ‌عمرة القضاء

- ‌زواج رسول الله صلى الله عليه وسلم بميمونة رضي الله عنها

- ‌ما قبل سرية مؤتة من الحوادث

- ‌اسلام عمرو بن العاص

- ‌خالد بن الوليد وإسلامه

- ‌سرية مؤتة

- ‌مواساة رسول الله صلى الله عليه وسلم لآل جعفر

- ‌إسلام فروة بن عامر الجذامي

- ‌سرية عمرو بن العاص أو سرية ذات السلاسل (1)

- ‌سرية أبي عبيدة بن الجراح

- ‌غزوة فتح مكة

- ‌كتاب حاطب إلى مكة

- ‌عقد الألوية والرايات

- ‌نيران جيش المسلمين

- ‌المحكوم عليهم بالقتل

- ‌دخول الكعبة

- ‌البيعة

- ‌هدم الأصنام

- ‌أذان بلال على ظهر الكعبة

- ‌إسلام أبي قحافة (عثمان بن عامر التيمي)

- ‌سرية خالد بن الوليد إلى العزى (1)

- ‌سرية عمرو بن العاص إلى سواع

الفصل: ‌ما عرضته قريش على رسول الله

‌ما عرضته قريش على رسول الله

ص: 115

-قال عتبة بن ربيعة يوماً وهو جالس في نادي قريش والنبي عليه الصلاة والسلام جالس في المسجد وحده: يا معشر قريش ألا أقوم إلى محمد فأكلمه وأعرض عليه أموراً لعله يقبل بعضها فنعطيه إيها شاء ويكف عنا وذلك حين أسلم حمزة ورأوا أصحاب رسول الله يزيدون ويكثرون. فقالوا بلى يا أبا الوليد فقم إليه فكلمه. فقام إليه عُتبة حتى جلس إلى رسول الله فقال يا أبن أخي إنك منا حيث قد علمت من السِّطَة في العشيرة (1) والمكان في النسب وإنك قد أتيت قومك بأمر عظيم فرَّقتَ به جماعتهم وسفّهت به أحلامه وعبت به آلهتم ودينهم وكفَّرت به من مضى من آبائهم فاسمع مني أعرض عليك أموراً تنظر فيها لعلك تقبل منا بعضها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قل يا أبا الوليد أسمع. قال يا ابن أخي إن كنت إنما تريد بما جئت به من هذا الأمر مالاً جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالاً، وإن كنت تريد به شرفاً سوّدناك علينا حتى لا نقطع أمراً دونك وإن كنت تريد ملكا ملكناك علينا وإن كان هذا الذي يأتيك رَئِيًّا تراه لا تستطيع رده عن نفسك طلبنا لك الطب وبذلنا في أموالنا حتى نُبرئك منه فإنه ربما غلب التابع على الرجل حتى يُدَاوى منه، حتى إذا فرغ عتبة ورسول الله يستمع منه. قال: أقد فرغت يا أبا الوليد؟ قال نعم. قال فاسمع مني. قال افعل. قال:

{بِسْمِ الله الرَّحَمَنِ الرَّحِيمِ. حَم تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ بَشِيراً وَنَذِيراً فَأَعْرَضَ أكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ} ثم مضى رسول الله فيها يقرؤها عليه فلما سمعها عتبة منه انصت لها وألقى يديه خلف ظهره متعمداً عليهما يستمع منه ثم انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السجدة منها فسجد. ثم قال. قد سمعت يا أبا الوليد ما سمعت فأنت وذاك

فقام عتبة إلى أصحابه فقال بعضهم لبعض نحلف بالله لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به. فلما جلس إليهم قالوا ما وراءك يا أبا الوليد؟ قال ورائي أني قد سمعت قولا والله ما سمعت مثله قط. والله ما هو بالشعر ولا بالسحر ولا الكهانة. يا معشر قريش أطيعوني واجعلوها بي. خلوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه فاعتزلوه فو الله ليكونن لقوله الذي سمعت منه نبأ عظيم فإن تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم وأن يظهر على العرب فملكه ملككم وعزه عزكم وكنتم أسعد الناس به. قالوا سحرك والله يا أبا الوليد بلسانه. قال هذا رأيي فيه فاصنعوا ما بدا لكم (2) .

لقد ظن أبو الوليد في بادئ الأمر أن النبي صلى الله عليه وسلم يقبل ما يعرضه عليه من مال وجاه وملك فأظهر له استعداد قريش لمنحه كل ما يبغي على أن لا يتعرص لدينهم ولا يدعوهم إلى ترك عبادة الأصنام. ظن ذلك لأن الإنسان ولا سيما الفقير المحتاج يطمع في المال وتغره أبهة الملك فيتشبث بهما ويسعى إليهما ما وجد للسعي سبيلا ولو كان أبو الوليد عرض ذلك كله أبو بعضه على غير النبي صلى الله عليه وسلم لاغتبط به واتفق مع قريش في الحالوأراح نفسه وأصحابه من العناء والإيذاء والتعذيب والتهديد بالقتل في كل وقت. لكن النبي صلى الله عليه الصلاة والسلام لم يكن طامحا إلى شيء من ذلك أصلا ولم يكن في وسعه أن يتنحى عن الدعوة إلى الإسلام مهما حاولت قريش صرفه عنها. ألا ترى أنه قال لعمه أبي طالب "والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك فيه ما تركته" ـوما ذلك إلا لأن الله سبحانه وتعالى قد أمره بنشر الدعوة حيث قال {يَأَيُّهَا المُدَّثِّر قُمْ فَأَنْذِرْ} وقال عز شأنه {وَلِرَبِّكَ فَاصْبرْ} أي اصبر على مشاق التكاليف وأذى المشركين. فكيف بعد هذا الأمر الإلهي تخور عزيمته وتفتر قوته ولا يصبر على كل ما من الإيذاء؟ بل كيف يغتر بحطام الدنيا ويندع لما تعرضه عليه قريش من ملك وجاه ومال؟

ولما رأت قريش أن رسول الله قد رفض ما عرضوه عليه قالوا له يا محمد إن كنت غير قابل منا شيئا مما عرضناه عليك، فإنك قد علمت أ، هـ ليس من الناس أحد أضيق بلداً ولا أقل ماء ولا أشد عيشا منا فسل لنا ربك الذي بعثك بما بعثك به فليسير عنا هذه الجبال التي ضيقت علينا وليبسط لنا بلادنا وليخرق لنا فيها أنهار كأنهار الشام والعراق وليبعث لنا من مضى من آبائنا وليكن فيمن يبعث لنا منهم قصي بن كلاب (وهو من أجداد رسول الله) فإنه كان شيخ صدق فنسألهم عما تقول أحق أم هو باطل؟ فإن صدقوك وصنعت ما سألناك صدقناك وعرفنا منزلتك من الله وأنه بعثك رسولا كما تقول فقال لهم ما بهذا بعثت إليكم إنما جئتكم من الله بما بعثني به وقد بلغتكم ما أرسلت به فإن تقبلوا فهو حظكم في الدنيا والآخرة وأن تردوه على أصبر لأمر الله حتى يحكم الله بيني وبينكم. قالوا فإذا لم تفعل هذا لنا فخذ لنفسك، سل ربك أن يبعث معك مَلكا يصدقك بما تقول ويراجعنا عنك وسله فليجعل لك جنانا وقصورا وكنوزاً من ذهب وفضة يغنيك بها عما نراك تبتغي، فإنك تقوم بالأسواق وتلتمس المعاش كما نلتمسه حتى نعرف فضلك ومنزلتك من ربك إن كنت رسولا كما تزعم. فقال لهم رسول الله ما أنا بفاعل وما أنا بالذي يسأل ربه هذا. وما بعثت إليكم بهذا ولكن الله بعثني بشيراً ونذيراً ـأو كما قالـ فإن تقبلوا ما جئتكم به فهو حظكم في الدنيا والآخرة وإن تردوه علىّ أصبر لأمر الله حتى يحكم الله بيني وبينكم. قالوا فأسقط السماء علينا كِسفَاً كما زعمت أن ربك إن شاء فعل فإنا لن نؤمن لك إلا أن تفعل. فقال رسول الله ذلك إلى الله إن شاء أن يفعله بكم فعل. قالوا يا محمد فما علم ربك أنا سنجلس معك ونسألك عما سألناك عنه ونطلب منك ما نطلب فيتقدم إليك فيعلمك ما تراجعنا به ويخبرك ما هو صانع في ذلك بنا إذ لم نقبل منك ما جئتنا به، أنه قد بلغنا أنك إنما يعلمك هذا رجل باليمامة يقال له الرحمن وإنا نقبل منك ما جئتنا به، أنه قد اعتذرنا إليك يا محمد، وأنا والله لا نتركك وما بلغت منا حتى نهلك أو تهلكنا. وقال قائلهم نحن نعبد الملائكة وهي بنات الله. وقال قائلهم لن نؤمن لك حتى تأتي بالله والملائكة قبيلا. فلما قالوا ذلك لرسول الله قام عنهم وقام معه عبد الله بن أبي أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم وهو ابن عمته لعاتكة بنت عبد المطلب فقال يا محمد عرض عليك قومك ما عرضوا فلم تقبله منهم ثم سألوك لأنفسهم أموراً ليعرفوا بها منزلتك من الله كما تقول ويصدقوك ويتبعوك فلم تفعل ثم سألوك أن تأخذ لنفسك ما يعرفون به فضلك عليهم ومنزلتك من الله فلم تفعل ثم سالوك أن تعجل لهم بعض ما تخوفهم به من العذاب فلم تفعل، قال له فو الله لا أؤمن بك أبداً حتى تتخذ الساء سلماً ثم ترقى فيه وأنا أنظر حتى تأتيها ثم تأتي معك بصك معه أربعة من الملائكة يشهدون لك أنك كما تقول. وأيم الله لو فعلت ذلك ما ظننت أني أصدقك ثم انصرف رسول الله إلى أهله حزيناً آسفاً لما فاته مما كان يطمع به من قومه حين دعوه ولما رأى من مباعدتهم إياه (3) .

إن هذه المطالب التي طلبتها قريش من النبي صلى الله عليه وسلم مطالب مدهشة تدل على شدة تعنتهم وعنادهم وعلى أنهم لا يريدون أن يؤمنوا إلا إذا شاهدوا المستحيلات ورأوا خوارق العادات ولذلك سألوا رسول الله أشياء عجيبة لا تخطر على البال بقصد تعجيزه والتشهير به فسالوه أن يغير الطبيعة فيسير الجبال ويفجر الأنهار ويحيي الموتى وأن يجعل الله له الجنان والقصور ويعطيه الكنوز. فهذه مطالب عبّاد المادة عباد الأصنام. ثم ما أسخف ما سأله عبد الله بن أبي أمية بن المغيرة الذي طلب أن يتخذ النبي عليه الصلاة والسلام سلماً إلى السماء ويأتي بصك وأربعة ملائكة يشهدون معه على صحة ما يقول. ولماذا كل هذا؟ ليؤمن عبد الله بن أبي أمية هذا وقد قاسى الأنبياء صلوات الله عليهم الصعاب في سبيل هداية الكفار الذين كانوا يرمونهم بالضلال والسفاهة والجنون والسحر. قال تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا الله مَالَكُمْ مِنْ إِله غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُبِينٍ} فبماذا أجابوه على ذلك {قَالَ الْمَلأُ مِنْ إِنَّا لَنضرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} .

ولما دعا هود عليه السلام قومه إلى عبادة الله رموه بالسفاهة والكذب. قال تعالى: {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا الله مَالَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُنَ. قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ} .

ولما أظهر موسى عليه السلام المعجزة فألقى العصا فانقلبت ثعبانا ادعوا أنه ساحر. قال تعالى {فَأَلْقَى عَصَاهْ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ. وَنَزَعَ يَدَهُ فَلإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ. قَالَ الْمَلأُ مِنْ قَوْمِ قِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ} فالمتعنتون لا يؤمنون مهما رأوا من الآيات وخوارق العادات {وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ} فهل بعد ذلك مكابرة واصرار على الكفر؟

(1) من السطة مثل العدة والعظة من الوعد والوعظ والوسط بمعنى الخيار؟ قال تعالى {وكذلك جعلناكم أمة وسطاً} .

(2)

راجع سيرة ابن هشام.

(3)

راجع سيرة ابن هشام. وسيأتي ذكر اسلام عبد الله بن أبي أمية عند فتح مكة.

ص: 116