الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والتفت فضالة إلى مولى لعاصم فقال: قل له أم والله لأطوقنك طوقاً لا يبلى. فقال يهجوه: من الطويل
ألا أيها الباغي القرى لست واجداً
…
قراك إذا ما بت في دار عاصم
إذا جئته تبغي القرى بات نائماً
…
بطيناً وأمسى ضيفه غير طاعم
فدع عاصماً أف لأفعال عاصمٍ
…
إذا حصل الأقوام أهل المكارم
فتى من قريشٍ لا يجود لسائلٍ
…
ويحسب أن البخل ضربة لازم
ولولا يد الفاروق قلدت عاصماً
…
مطوقة يحدى بها في المواسم
فليتك من جرم بن ربان أو بني
…
فقيمٍ أو النوكي أبان بن دارم
أناس إذا ما الضيف حل بيوتهم
…
غدا جائعاً غيمان ليس بغانم
فلما بلغت أبياته عاصماً استعدى عليه عمرو بن سعيد بن العاص وهو بالمدينة فعاذ فضالة بن شريك بيزيد بن معاوية، وعرفه ذنبه وما تخوف منه، فأعاده وكتب إلى عاصم يخبره أن فضالة أتاه مستجيراً به، وأنه يجب أن يهبه له ولا يذكر لمعاوية شيئاً من أمره، ويضمن له أن لا يعود لهجائه. فقبل ذلك عاصم، وشفع يزيد بن معاوية، وامتدح فضالة يزيد بأبيات.
فضالة بن عبيد بن نافذ
ابن قيس بن صهيب بن الأصرم أبو محمد الأنصاري من أصحاب سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين بايعوه تحت الشجرة ولاه معاوية على الغزاة، وولاه قضاء دمشق، وكان خليفة معاوية على دمشق إذا غاب عنها.
حدث فضالة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من مات على مرتبةٍ من هذه المراتب بعث عليها يوم القيامة.
قال حيوة بن شريح: رباط حج ونحو ذلك.
وعن فضالة بن عبيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثلاث هن الفواقر: إمام إن أحسنت لم يشكر، وإن أسأت لم يغفر؛ وجارٌ إن رأى خيراً دفنه، وإن رأى شراً أشاعه؛ وامرأة إن حضرتك آذتك، وإن غبت خانتك.
زاد في حديث موقوف: خانتك في مالك ونفسها.
وشهد فضالة بن عبيد أحداً والخندق، والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخرج إلى الشام ولم يزل فيها حتى مات هنا:. وشهد فتح مصر، وولي بها القضاء والبحر لمعاوية، وتوفي بدمشق سنة ثلاثٍ وخمسين ويقال: إن بها ولده اليوم، وقد كان غزا المغرب مع رويفع بن ثابت.
قال عبد الله بن المكرم مختار هذا الكتاب: هذا رويفع بن ثابت جدي أنتسب إليه، رحمه الله.
ويقال: مات سنة ثلاثٍ وخمسين. ويقال سنة سبعٍ وخمسين. وقيل سنة تسع وخمسين.
قال فضالة بن عبيد: لما كان الذي قدم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم قباء لقيناه نفر من صرطه ونحن غلمان نحتطب، فأرسلنا إلى أهلنا وقال: قولوا قد جاء صاحبكم الذي تنتظرون. قال: فخرجنا إلى أهلنا فأخبرناهم، وأقبل القوم.
زاد في غيره بمعناه: وكان يومئذٍ ابن ست سنين.
ومات رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن سبع عشرة سنة. والذي ذكر من أنه شهد أحداً والخندق هو الصواب.
وشهد فضالة بيعة الضوان وكان أصغر من شهدها.
وقال معاوية - حين هلك فضالة بن عبيد وهو يحمل نعشه - لابنه عبد الله بن معاوية: تعال اعقبني فإنك لن تحمل مثله أبداً.
وروى جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ليدخلن الجنة من بايع تحت الشجرة.
قال القاسم أبو عبد الرحمن:
غزونا مع فضالة بن عبيد، ولم يغز فضالة في البر غيرها، فبينا نحن نسير أو نسرع في السير وهو أمير الجيش - وكانت الولاة إذ ذاك يستمعون ممن استرعاهم الله عليه - فقال قائل: أيها الأمير، إن الناس قد تقطعوا، قف حتى يلحقونك. فوقف في مرجٍ عليه قلعة، فيها حصن، فمنا الواقف ومنا النازل إذا نحن برجل ذي شوارب أحمر بين أظهرنا فأتينا به فضالة فقلنا: إن هذا هبط من الحصن بلا عهدٍ ولا عقد، فسأله فضالة ما شأنه؟ فقال: إني البارحة أكلت الخنزير وشربت الخمر فبينا أنا نائم أتاني رجلان، فغسلا بطني، وجاءتني امرأتان لا تفضل إحداهما على الأخرى فقالتا: أسلم؛ فأنا مسلم. فما كانت كلمته أسرع من أن رمينا بالزبر، فأقبل يهوي حين أصابه فدق عنقه، فقال فضالة: الله أكبر! عمل قليلاً وأجر كثيراً، صلوا على صاحبكم، فصلينا عليه ودفناه.
قال القاسم: هذا شيء أنا رأيته.
سأل رجلٌ فضالة بن عبيد أن يكتبه في أصحابه حين ولي، فلم يجبه، فقال له الرجل: أتمنعني ذلك وقد انقطعت إليك ورغبت في قربك؟! فقال فضالة: امحوه من
عمل الله واكتبوه في عمال فضالة. فأنكر الرجل ذلك، فقال فضالة: هو على ذلك، تدعون وتحشرون يوم القيامة مع من كنتم تعملون.
حدث أبو مكينة قال: قال فضالة بن عبيد صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم: خذ هذا المصحف، فأمسك علي ولا ترد علي ألفاً ولا واواً فإنه سيكون قوم لا يسقطون ألفاً ولا واواً. ثم رفع فضالة يديه فقال: اللهم لا تجعلنا منهم.
كان أبو الدرداء يقضي على أهل دمشق، ولما احتضر أتاه معاوية عائداً له فقال: من ترى لهذا الأمر بعدك؟ قال: فضالة بن عبيد. فلما توفي أبو الدرداء قال معاوية لفضالة: إني قد وليتك القضاء، فاستعفى منه، فقال له معاوية: والله ما حابيتك بها، ولكني استترت بك من النار، فاستتر منها ما استطعت.
ولما خرج معاوية إلى صفين استخلف فضالة بن عبيد على دمشق.
وقعت لرجلٍ مئة دينار فعرفها فقال: من وجدها فله عشرون ديناراً، فأقبل الذي وجدها فقال: هذا مالك فأعطني الذي جعلت لي، فقال صاحب المال: كان مالي عشرين ومئة دينار، فاختصما إلى فضالة، فقال فضالة لصاحب المال: أليس طان مالك عشرين ومئة دينارٍ كما تذكر؟ قال: بلى، فقال للرجل الذي وجد المال: أليس الذي وجدت مئة؟ قال: بلى، قال: فاحبس هذا المال ولا تدفعه إليه، فليس بماله، حتى يجيء صاحبه.
كان فضالة بن عبيد إذا أتاه أصحابه قال: تدارسوا وأسندوا وزيدوا، زادكم الله خيراً وأحبكم وأحب من يحبكم، ردوا علينا المسائل فإن أجر آخرها كأجر أولها، واخلطوا حديثكم بالاستغفار.
كان فضالة بن عبيد يقول: لأن أعلم أن الله تقبل مني مثقال حبةٍ من خردل أحب