المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌عائشة بنت طلحة بن عبيد الله - مختصر تاريخ دمشق - جـ ٢٠

[ابن منظور]

فهرس الكتاب

- ‌عويمر بن زيد بن قيس

- ‌علان بن الحسين

- ‌العلاء بن برد بن سنان

- ‌العلاء بن الحارث بن عبد الوارث

- ‌العلاء بن الحارث أبي حكيم يحيى

- ‌العلاء بن أبي الزبير

- ‌العلاء بن عاصم

- ‌العلاء بن عبد الوهاب بن أحمد

- ‌العلاء بن كثير

- ‌العلاء بن اللجلاج

- ‌العلاء بن المغيرة البندار

- ‌العلاء بن الوليد

- ‌عياش بن أبي ربيعة ذي الرمحين

- ‌عياض بن عمرو الأشعري

- ‌عياض بن غطيف الحمصي

- ‌عياض بن غنم بن زهير

- ‌عياض بن مسلم الكاتب

- ‌عيسى بن إبراهيم

- ‌عيسى بن إبراهيم بن عبد ربه بن جهور

- ‌عيسى بن إدريس بن عيسى

- ‌عيسى بن أزهر

- ‌عيسى بن أيوب

- ‌عيسى بن جعفر

- ‌عيسى بن أبي الخير حماد بن عبد الله التيناتي

- ‌عيسى بن خذا بنده بن أبي عيسى

- ‌عيسى بن خالد

- ‌عيسى بن سنان

- ‌عيسى بن طلحة بن عبيد الله

- ‌عيسى بن عبد الله بن الحكم بن النعمان بن بشير

- ‌عيسى بن عبد الله بن سليمان العسقلاني

- ‌عيسى بن عبيد الجبلي

- ‌عيسى بن أبي عطاء الشامي الكاتب

- ‌عيسى بن علي بن عبد الله

- ‌عيسى بن محمد بن إسحاق

- ‌عيسى بن محمد بن حبيب

- ‌عيسى بن محمد بن السمط

- ‌عيسى بن محمد بن الطيب بن علي

- ‌عيسى بن محمد بن عبد الله بن الشهريج

- ‌عيسى بن مريم

- ‌عيسى بن المساور البغدادي الجوهري

- ‌عيسى بن معبد بن الفضل

- ‌عيسى بن موسى بن محمد

- ‌عيسى بن موسى

- ‌عيسى بن موسى القرشي

- ‌عيسى بن يزيد

- ‌عيسى بن يونس بن أبي إسحاق

- ‌عيلان بن زفر بن جبر

- ‌عيينة بن عائشة بن عمرو

- ‌أسماء النساء على حرف العين المهملة

- ‌عاتكة بنت عبد الله بن يزيد

- ‌عاتكة بنت يزيد بن معاوية

- ‌عائشة بنت طلحة بن عبيد الله

- ‌عبدة بنت أحمد بن عطية العنسية

- ‌عبدة بنت عبد الله بن يزيد

- ‌عتبة المدنية

- ‌عريب المأمونية

- ‌عزة بنت حميل بن حفص

- ‌عفراء بنت عقال بن مهاصر العذرية

- ‌عمارة أخت الغريض

- ‌عمرة بنت النعمان بن بشير

- ‌حرف الغين المعجمة

- ‌غازي بن لحسن بن أحمد

- ‌الغاز بن ربيعة بن عمرو

- ‌غازي بن محمد

- ‌غالب بن أحمد بن المسلم

- ‌غالب بن شعوذ

- ‌غالب بن غزوان الثقفي

- ‌غرير بن علي أو القاسم البغدادي

- ‌غزوان

- ‌غضبان بن القبعثري

- ‌غضور ويقال غضور بن عتيق

- ‌غضيف بن الحارث بن زنيم

- ‌غمر بن يزيد بن عبد الملك

- ‌غنائم بن أحمد بن الخضر

- ‌غنائم بن أحمد بن عبيد الله

- ‌غنائم بن أحمد بن مسلم بن الخضر

- ‌غوث بن أحمد بن حبان

- ‌غوث بن سليمان بن زياد

- ‌غياث بن جميل

- ‌غياث بن غوث

- ‌غيث بن علي بن عبد السلام

- ‌غيلان بن أنس

- ‌غيلان بن سلمة بن معتب

- ‌غيلان بن عقبة بن مسعود

- ‌غيلان بن أبي غيلان

- ‌أسماء النساء على حرف الغين المعجمة

- ‌غريبة ابنة عبد الله الحلبية

- ‌حرف الفاء

- ‌فارس بن الحسن بن منصور

- ‌فارس بن منصور بن عبد الله

- ‌الفتح بن الحسين بن أحمد بن سعدان

- ‌الفتح بن خاقان بن عرطوج

- ‌الفتح بن شخرف بن داود بن مزاحم

- ‌الفتح بن عبد الله

- ‌فديك بن سلمان

- ‌فرات بن مسلم ويقال ابن سالم

- ‌فراس الشعباني

- ‌الفرج بن فضالة بن النعمان بن نعيم

- ‌فروة بن عامر ويقال ابن عمرو

- ‌فروة بن مجاهد اللخمي الفلسطيني

- ‌فريج بن أحمد بن محمد

- ‌فضالة بن أبي سعيد المهري المصري

- ‌فضالة بن شريك بن سلمان بن خويلد

- ‌فضالة بن عبيد بن نافذ

- ‌فضائل بن الحسن بن الفتح

- ‌الفضل بن جعفر بن الفضل بن محمد

- ‌الفضل بن جعفر بن محمد

- ‌الفضل بن دلهم الواسطي القصاب

- ‌الفضل بن سهل بن بشر بن أحمد

- ‌الفضل بن سهل بن محمد بن أحمد

- ‌الفضل بن صالح بن علي

- ‌الفضل بن عبد المطلب بن هاشم

- ‌الفضل بن العباس بن عتبة

- ‌الفضل بن العباس

- ‌الفضل بن عبد الله بن مخلد

- ‌الفضل بن عمر بن أحمد

- ‌الفضل بن قدامة بن عبيد

- ‌الفضل بن محمد بن عبد الله

- ‌‌‌الفضل بن محمد

- ‌الفضل بن محمد

- ‌الفضل بن مروان

- ‌فضيل بن عياض بن مسعود

- ‌فقيم بن الحارث

- ‌فليح بن العوراء المكي

- ‌فهد بن سليمان بن يحيى

- ‌فهد بن موسى بن أبي رباح

- ‌فياض بن عبد الله الدمشقي

- ‌فياض بن عمرو

- ‌فياض بن القاسم بن الحريش

- ‌فيروز أبو عبد الرحمن

- ‌الفيض بن الخصر بن أحمد

- ‌الفيض بن محمد الثقفي

- ‌الفيض بن محمد بن الفياض الغساني

- ‌أسماء النساء على حرف الفاء

- ‌فاختة بنت عنبة بن سهيل

- ‌فاختة بنت قرظة بن عبد عمرو

- ‌فاطمة بنت الحسن

- ‌فاطمة بنت الحسين بن علي

- ‌فاطمة ست العجم

- ‌‌‌فاطمة بنت عبد الله

- ‌فاطمة بنت عبد الله

- ‌فاطمة بنت عبد العزيز

- ‌فاطمة بنت عبد الملك بن مروان

- ‌فاطمة بنت علي بن الحسين

- ‌فاطمة بنت علي بن أبي طالب

- ‌فاطمة بنت مجلي

- ‌فاطمة بنت مروان بن الحكم

- ‌فاطمة بنت الوليد بن المغيرة

- ‌فسيلة بنت واثلة بن الأسقع

الفصل: ‌عائشة بنت طلحة بن عبيد الله

لونه، فقال له عبد الملك: ما لك؟ قال: وجهتني إلة معاوية جالس في أثوابه! وأخبره الخبر.

قال ابن جندب: استأذنت ابنة يزيد بن معاوية عبد الملك بن مروان في الحج، فأذن لها وقال: ارفعي حوائجك واستظهري، فإن عائشة بنت طلحة تحج، وإن أقمت كان أحب إلي، فأبت، فرفعت حوائجها وتهيأت، فجهزها، فلما كانت بين مكة والمدينة أقبل ركبٌ في جماعة فضعضعها وفرق جماعتها، فقالوا: عائشة بنت طلحة، فإذا ذلك مع جاريةٍ من جواريها، ثم جاء ركبٌ في موكبٍ مثله، فقال: ما شطتها، ثم جاء موكبٌ أظم من ذلك في ثلاث مئة راحلة، فقالت عاتكة: ما عند الله خيرٌ وأبقى.

قالوا: إن عاتكة بقيت حتى أدركت قتل ابن ابنها الوليد بن يزيد بن عبد الملك.

‌عائشة بنت طلحة بن عبيد الله

ابن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعيد بن تيم بن مرة أم عمران التيميية، وأمها أم كلثوم بنت أبي بكر الصديق امرأة جليلة تحدث الناس عنها بقدرها وأدبها، ووفدت على عبد الملك بن مروان وعلى هشام بن عبد الملك.

حدثت عن عائشة زوج النبي صلى الله عليى وسلم قالت: جاءت الأنصار بصبي لهم إلى النبي صلى الله عليى وسلم فقلت - أو قيل -: هنيئاً له يا رسول الله! لم يعمل شراٌ قط ولم يدركم، عصفورٌ من عصافير الجنة. قال: أو غير ذلك إن الله

ص: 170

خلق الجنة وخلق لها أهلاً، وهم في أصلاب آبائهم، وخلق النار وخلق لها أهلاً وهم في أصلاب آبائهم.

لما وفدت عائشة بنت طلحة على عبد الملك وأرادت الحج حملها احشامها على ستين بغلاً من بغال الملوك، فقال عروة بن الزبير:

يا عيش يا ذات البغال الستين

أكل عامٍ هكذا تحجين

تزوجها عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، ثم خلف عليها مصعب بن الزبير بن العوام فقتل عنها، فخلف عليها عمر بن عبيد الله بن معمر بن عثمان التيمي.

قال أنس بن مالك لعائشة بنت طلحة: والله ما رأيت أحسن منك إلا معاوية على منبر رسول الله صلى الله عليى وسلم. فقالت: والله لأنا أحسن من النار في عين المقرور في الليلة القارة.

قال أنس بن مالك: دخلت على عائشة بنت طلحة في حاجة، فقلت: إن القوم يريدون أن يدخلوا إليك فينظروا إلى حسنك، قالت: أفلا قلت لي فألبس ثيابي! من أحسن الناس في زمانها.

قال إسحاق بن طلحة دخلت على أم المؤمنين وعندها عائشة بنت طلحة وهي تقول لأمها أم كلثوم بنت أبي بكر: أنا خير منك، وأبي خير من أبيك. قال: فجعلت أمها تسبها وتقول: أنت خير مني! قال: فقالت عائشة زوج النبي صلى الله عليى وسلم: ألا أقضي بينكما؟ قالتا: بلى، قالت: فإن أبا بكر دخل على رسول الله صلى الله عليى وسلم فقال له: يا أبا بكر! أنت عتيق الله من النار. فمن يومئذٍ سمي عتيقاً. قالت: ودخل طلحة بن عبيد الله عليه فقال: أنت يا طلحة ممن قضى نحبه.

حدثت عائشة بنت طلحة أنها كانت عند عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، فدخل

ص: 171

عليها زوجها هنالك وهو صائم، فقالت له عائشة: ما يمنعك أن تدنو من أهلك فتقبلها وتلاعبها؟ فقال: أقبلها وأنا صائم؟ فقالت: نعم.

قالت عائشة بنت طلحة: سافرت إلى مكة في العمرة، فلقيت عائشة أم المؤمنين فقالت لي: مالي أراك شعثة سيئة الهيئة! قالت: أسقطت سقطاً - أو ولدت ولداً - ولم أغتسل بعد. قالت: اغتسلي وادهني وتطيبي، فإنه قد حل لك كل شيء إلا زوجك.

حدث ابن عياش أن عائشة بنت طلحة كانت عند عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر وكان أبا عذرتها، ثم هلك، فتزوجها مصعب بن الزبير فقتل عنها، فتزوجها عمر بن عبيد الله بن معمر حيث وجهه عبد الملك من الشام إلى أبي فديك، وأمره أن ينتخب من أهل الكوفة ستة آلاف ومن أهل البصرة ستة آلاف فبنى بها في الحيرة.

قال ابن عياش: فحدثني من شهد عرسه تلك الليلة أنه مهدت له فرش لم أر مثلها، سبعة أذرع في عرض أربعة أذرع. قال: فانصرف تلك الليلة عن سبع مراتٍ. قال: فلقيته مولاةٌ لها حيث أصبح فقالت له: أبا حفص فديتك كملت في كل شيءٍ حتى في هذا! فلما مات ناحت عليه قائمة ولم تنح على أحدٍ منهم قائمة غيره. وكانت العرب إذا ناحت المرأة على زوجها قائمة علموا أنها لا تتزوج بعده. فقيل لها: يا عائشة! والله ما صنعت هذا بأحدٍ من أزواجك! فقالت: إنه كان فيه خلالً ثلاث، لم تكن في واحدٍ منهم: كان سيد بني تيم، وكان أقرب القوم، وأردت أن لا أتزوج بعده أبداً. قال: فعلم أنها كانت تؤثره على غيره.

قال إسحاق: دخلت على عائشة بنت طلحة، وكانت لا تحتجب من الرجال، تجلس وتأذن كما يأذن الرجل، فلقد رأيتني دخلت عليها وهي متكئة، ولو أن بعيراً أنيخ وراءها مارئي.

ص: 172

قال أبن إسحاق: فتزوجها مصعب بن الزبير على مئة ألف دينار. ثم تزوجها ابن عمها عمر بن عبيد الله، فأصدقها مئة ألف دينار.

حد الشعبي: دخلت المسجد باكراً فإذا أنا بمصعب بن الزبير على سرير جالساً والناس عنده، فجلست، وذهبت لأنصرف فقال: ادن، فدنوت فقال: إذا قمت فاتبعني، فجلست مليا، ثم نهض فتوجه نحو دار موسى بن طلحة، وتبعته، فلما طعن في الدار التفت إلي فقال: ادخل، ومضى نحو حجره، وتبعته، فالفت إلي فقال: ادخل، فدخلت فدخل صفته، فدخلت معه فإذا حجلة، وإنها لأول حجلةٍ رأيتها لأمير، فقمت ودخل الحجلة، فسمعت حركة، فكرهت الجلوس ولم يأمرني بالانصراف ولا الجلوس، فإذا جاريةً قد جاءت فقالت: يا شعبي؛ يأمرك الأمير أن تجلس، فجلست على وسادة، ورفع سجف الحجلة، فإذا أجمل الناس! فلم أر زوجاً قط أجمل منهما! مصعب وعائشة بنت طلحة، فقال: يا شعبي أتعرف هذه؟ قلت: نعم، هذه سيدة نساء العالمين عائشة بنت طلحة. قال: لا، ولكن هذه ليلى، ثم أنشأ يقول: من الطويل

وما زلت في ليلى لدن طرشاربي

إلى اليوم أخفي حبها وأداجن

وأحمل في ليلى لقومٍ ضغينة

وتحمل في ليلى علي الضغائن

إذا شئت يا شعبي، قال: فقمت، ثم رحنا إلى المسجد، فإذا مصعب جالس على سرير، فسلمت فقال: ادن، فدنوت، ثم قال: ادن، فدنوت حتى وضعت يدي على مرافقه فأصغى إلى فقال: هل رأيت مثل ذلك الإنسان قط؟ قلت: لا والله، قال: أتدري لم أخلناك؟ قلت: لا، قال لتحدث بما رأيت. ثم التفت إلى عبد الله بن أبي

ص: 173

فروة فقال: أعطه عشرة آلاف درهم وثلاثين ثوباً. قال: فما انصرف أحد يومئذٍ بما انصرفت به، عشرة آلاف درهم ومثل كارة القصار ثياباً، ونظر إلى عائشة!.

وفي رواية: فقالت عائشة: ينصرف هكذا وقد رآني! فأمر لي بحق مليء وثياب.

وفي رواية: ثو قال: يا شعبي إنها اشتهت علي حديثك فحادثها، فخرج وتركها، فجعلت أنشدها وتنشدني، وأحدثها وتحدثني حتى أنشدتها قول قيس بن ذريح: من الطويل

ألا يا غراب البين قد طرت بالذي

أحاذر من لبنى فهل أنت واقع

أتبكي على لبنى وأنت تركتها

فقد هلكت لبنى فما أنت صانع

قال: فلقد رأيتها وفي يدها غراب تنتف ريشه، وتضربه بقضيبٍ وتقول له: يا مشؤوم!.

وجه مصعب بن الزبير إلى عزة المدينية - وكانت من أعقل النساء - فأتته فقال لها: يا عزة! قد عزمت على تزويج عائشة بنت طلحة، وأنا أحب أن تصيري إليها متأملة لخلقةٍ مؤدية لخبرها إلى. فقالت: يا جارية، علي بمنقلي، فلبسته ثم صارت إلى منزل عائشة، فلما دخلت عليها قالت عائشة: مرحباً بالحبيبة، كيف نشطت لنا؟ قالت: جئت في حاجة، قالت: إذاً تقضى، قالت: ارمي عنك جلبابك، قالت: إذاً أفعل، ففعلت، ثم قالت لها: أعوذك بالسميع العليم من الشيطان الرجيم، الله جارك، ثم رجعت إلى مصعب فقال: ما الخبر يا عزة؟ قالت: رأيت وجهاً أحسن من العافية، ولها عينان نجلاوان، وإن هما مسكن هاروت وماروت، من تحت ذلك أنف أقنى، وخدان أسيلان وفم كفم الرمانة، وعنق كإبريق فضة، تحت ذلك صدر فيه حقا عاجٍ، تحت ذلك

ص: 174

بطن أقب، ولها عجز كدعص الرمل، وفخذان كدعص الرمل، وفخذان لفاوان، وساقان رياوان، غير أني رأيت في رجليها كبراً، وهي تغيب عنك في وقت الحاجة.

فلما تزوجها مصعب ودخل بها دعت عائشة عزة ونسواناً من قريش، فلما أصبن من طعامها غنتهن ومصعب قائم في دهليز الدار: من المتقارب

وثغر أغر شتيت النبات

لذيذ المقبل والمبتسم

وما ذقته غير ظني به

وبالظن يحكم فينا الحكم

فقال مصعب وهو في الدهليز: بارك الله عليك يا عزة، لكنا والله ذقناه فوجدناه كما ذكرت.

كان مصعب بن الزبير - وهو على العراق - كذيراً ما يولع بقصيدة جميل بن معمر العذري، وبهذا البيت خاصة: من البسيط

ما أنس لا أنس منها نظرة سلفت

بالحجر يوم جلتها أم منظور

فقال مصعب: أفلا تجلين عائشة بنت طلحة علي كما جليتها؟ قالت: هيهات! هي بين يديك في كل ساعة وفي كل وقت، قال: فإنها من أشكس خلق الله خلقاً، فتصلحين بيني وبينها، لقد بلغ من شكاستها أني بعثت إليها أترضاها وبعثت إليها بأربع مئة ألف درهم فردتها علي وشتمت الرسول. فدخلت عليها أم منظور ثم قالت: مثلك في شرفك وقدرك في نفسك، ينسب إليك هذا الخلق وهذا الفعال الذي لا يشبهك! تحوجين زوجك إلى هذا! فسكتت عائشة فلم ترد عليها؛ وقالت أم منظور لمصعب: قد كلمتها لك فسكتت، ورضاها صمتها. ودخل مصعب، فلما رأته أمرت بالباب فأغلق في وجهه، فكسر الباب ودخل، فتنازعا، فضربها وضربته، فأصلحت بينهما أم منظور، فقال مصعب لعائشة: هذه أربع مئة ألف قد حضرت، وإلى أيام يأتينا مثلها ندفعها إليك، فأمرت عائشة بدفع

ص: 175

الأربع مئة ألف المعجلة إلى أم منظور.

قال ابن وداع الوراق: مر بلبل المجنون يوماً فجلس إلي ونظر في بعض الكتب التي كانت بين يديه فمر به أبيات فيها: من الطويل

ونهتجر الأيام ثم يردنا

إلى الوصل أنا لم يكن بيننا ذحل

فقال لي: أتعرف من تمثل بهذا البيت في بعض الأمر؟ قلت: لا، قال: كانت عائشة بنت طلحة تحت مصعب بن الزبير، فعتبت عليه بسبب بعض جواريه فهجرته، فبلغ ذلك منه وانفتق عليه فتق بالبصرة فثار إليه، فرتقه ورجع، فقالت لها أم حبيبة امرأة أبي فروة: لو صرت إلى الأمير فأهديت إليه التهنئة بظفره لسره ذلك. فقامت نحوه، فلما رآها مصعب قال لها: مرحباً بالغضبان العاتب وأنشد:

ونهتجر الأيام ثم يردنا

إلى الوصل أنا لم يكن بيننا ذحل

فقالت: والله لولا التهنئة لطال الإعراض. ثم أهوت إليه فعانقته فقال: معذرة من سهك الحديد، فقالت: أوذنب ذاك؟ لهو أطيب من ريح المسك. ثم قالت: أفلح الوجه وعلا العقب وليهنك الظفر! يا جواري أرخين الستور وانصرفن. فخلوا لشأنهما. قال ابن وداع: فكتبت هذا ولم ألبث أن مر بنا علام الطاهري، فأقبل علي فقال: من الطويل

بحق الهوى إن كنت ممن يحيه

تحب غلام الطاهري المقرطقا

ص: 176