المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌غيلان بن عقبة بن مسعود - مختصر تاريخ دمشق - جـ ٢٠

[ابن منظور]

فهرس الكتاب

- ‌عويمر بن زيد بن قيس

- ‌علان بن الحسين

- ‌العلاء بن برد بن سنان

- ‌العلاء بن الحارث بن عبد الوارث

- ‌العلاء بن الحارث أبي حكيم يحيى

- ‌العلاء بن أبي الزبير

- ‌العلاء بن عاصم

- ‌العلاء بن عبد الوهاب بن أحمد

- ‌العلاء بن كثير

- ‌العلاء بن اللجلاج

- ‌العلاء بن المغيرة البندار

- ‌العلاء بن الوليد

- ‌عياش بن أبي ربيعة ذي الرمحين

- ‌عياض بن عمرو الأشعري

- ‌عياض بن غطيف الحمصي

- ‌عياض بن غنم بن زهير

- ‌عياض بن مسلم الكاتب

- ‌عيسى بن إبراهيم

- ‌عيسى بن إبراهيم بن عبد ربه بن جهور

- ‌عيسى بن إدريس بن عيسى

- ‌عيسى بن أزهر

- ‌عيسى بن أيوب

- ‌عيسى بن جعفر

- ‌عيسى بن أبي الخير حماد بن عبد الله التيناتي

- ‌عيسى بن خذا بنده بن أبي عيسى

- ‌عيسى بن خالد

- ‌عيسى بن سنان

- ‌عيسى بن طلحة بن عبيد الله

- ‌عيسى بن عبد الله بن الحكم بن النعمان بن بشير

- ‌عيسى بن عبد الله بن سليمان العسقلاني

- ‌عيسى بن عبيد الجبلي

- ‌عيسى بن أبي عطاء الشامي الكاتب

- ‌عيسى بن علي بن عبد الله

- ‌عيسى بن محمد بن إسحاق

- ‌عيسى بن محمد بن حبيب

- ‌عيسى بن محمد بن السمط

- ‌عيسى بن محمد بن الطيب بن علي

- ‌عيسى بن محمد بن عبد الله بن الشهريج

- ‌عيسى بن مريم

- ‌عيسى بن المساور البغدادي الجوهري

- ‌عيسى بن معبد بن الفضل

- ‌عيسى بن موسى بن محمد

- ‌عيسى بن موسى

- ‌عيسى بن موسى القرشي

- ‌عيسى بن يزيد

- ‌عيسى بن يونس بن أبي إسحاق

- ‌عيلان بن زفر بن جبر

- ‌عيينة بن عائشة بن عمرو

- ‌أسماء النساء على حرف العين المهملة

- ‌عاتكة بنت عبد الله بن يزيد

- ‌عاتكة بنت يزيد بن معاوية

- ‌عائشة بنت طلحة بن عبيد الله

- ‌عبدة بنت أحمد بن عطية العنسية

- ‌عبدة بنت عبد الله بن يزيد

- ‌عتبة المدنية

- ‌عريب المأمونية

- ‌عزة بنت حميل بن حفص

- ‌عفراء بنت عقال بن مهاصر العذرية

- ‌عمارة أخت الغريض

- ‌عمرة بنت النعمان بن بشير

- ‌حرف الغين المعجمة

- ‌غازي بن لحسن بن أحمد

- ‌الغاز بن ربيعة بن عمرو

- ‌غازي بن محمد

- ‌غالب بن أحمد بن المسلم

- ‌غالب بن شعوذ

- ‌غالب بن غزوان الثقفي

- ‌غرير بن علي أو القاسم البغدادي

- ‌غزوان

- ‌غضبان بن القبعثري

- ‌غضور ويقال غضور بن عتيق

- ‌غضيف بن الحارث بن زنيم

- ‌غمر بن يزيد بن عبد الملك

- ‌غنائم بن أحمد بن الخضر

- ‌غنائم بن أحمد بن عبيد الله

- ‌غنائم بن أحمد بن مسلم بن الخضر

- ‌غوث بن أحمد بن حبان

- ‌غوث بن سليمان بن زياد

- ‌غياث بن جميل

- ‌غياث بن غوث

- ‌غيث بن علي بن عبد السلام

- ‌غيلان بن أنس

- ‌غيلان بن سلمة بن معتب

- ‌غيلان بن عقبة بن مسعود

- ‌غيلان بن أبي غيلان

- ‌أسماء النساء على حرف الغين المعجمة

- ‌غريبة ابنة عبد الله الحلبية

- ‌حرف الفاء

- ‌فارس بن الحسن بن منصور

- ‌فارس بن منصور بن عبد الله

- ‌الفتح بن الحسين بن أحمد بن سعدان

- ‌الفتح بن خاقان بن عرطوج

- ‌الفتح بن شخرف بن داود بن مزاحم

- ‌الفتح بن عبد الله

- ‌فديك بن سلمان

- ‌فرات بن مسلم ويقال ابن سالم

- ‌فراس الشعباني

- ‌الفرج بن فضالة بن النعمان بن نعيم

- ‌فروة بن عامر ويقال ابن عمرو

- ‌فروة بن مجاهد اللخمي الفلسطيني

- ‌فريج بن أحمد بن محمد

- ‌فضالة بن أبي سعيد المهري المصري

- ‌فضالة بن شريك بن سلمان بن خويلد

- ‌فضالة بن عبيد بن نافذ

- ‌فضائل بن الحسن بن الفتح

- ‌الفضل بن جعفر بن الفضل بن محمد

- ‌الفضل بن جعفر بن محمد

- ‌الفضل بن دلهم الواسطي القصاب

- ‌الفضل بن سهل بن بشر بن أحمد

- ‌الفضل بن سهل بن محمد بن أحمد

- ‌الفضل بن صالح بن علي

- ‌الفضل بن عبد المطلب بن هاشم

- ‌الفضل بن العباس بن عتبة

- ‌الفضل بن العباس

- ‌الفضل بن عبد الله بن مخلد

- ‌الفضل بن عمر بن أحمد

- ‌الفضل بن قدامة بن عبيد

- ‌الفضل بن محمد بن عبد الله

- ‌‌‌الفضل بن محمد

- ‌الفضل بن محمد

- ‌الفضل بن مروان

- ‌فضيل بن عياض بن مسعود

- ‌فقيم بن الحارث

- ‌فليح بن العوراء المكي

- ‌فهد بن سليمان بن يحيى

- ‌فهد بن موسى بن أبي رباح

- ‌فياض بن عبد الله الدمشقي

- ‌فياض بن عمرو

- ‌فياض بن القاسم بن الحريش

- ‌فيروز أبو عبد الرحمن

- ‌الفيض بن الخصر بن أحمد

- ‌الفيض بن محمد الثقفي

- ‌الفيض بن محمد بن الفياض الغساني

- ‌أسماء النساء على حرف الفاء

- ‌فاختة بنت عنبة بن سهيل

- ‌فاختة بنت قرظة بن عبد عمرو

- ‌فاطمة بنت الحسن

- ‌فاطمة بنت الحسين بن علي

- ‌فاطمة ست العجم

- ‌‌‌فاطمة بنت عبد الله

- ‌فاطمة بنت عبد الله

- ‌فاطمة بنت عبد العزيز

- ‌فاطمة بنت عبد الملك بن مروان

- ‌فاطمة بنت علي بن الحسين

- ‌فاطمة بنت علي بن أبي طالب

- ‌فاطمة بنت مجلي

- ‌فاطمة بنت مروان بن الحكم

- ‌فاطمة بنت الوليد بن المغيرة

- ‌فسيلة بنت واثلة بن الأسقع

الفصل: ‌غيلان بن عقبة بن مسعود

توفي غيلان في آخر خلافة عمر، سنة ثلاثٍ وعشرين.

‌غيلان بن عقبة بن مسعود

ابن حارثة بن عمرو بن ربيعة أبو الحارث العدوي، المعروف بذي الرمة الشاعر المشهور. وفي نسبه اختلاف. قيل: إنه لقب بذي الرمة لأنه أتى مية صاحبته وعلى كتفه قطعة حبل، وهي الرمة فاستسقاها فقالت: اشرب يا ذا الرمة فلقب به. وقيل: لقب بذلك لقوله: من مشكور الجز

أشعث باقي رمة التقليد

وقيل: كان يصيبه الفزع في صغره، فكانت له تميمةٌ تعلق عليه بحبل، فلقب ذا الرمة. وأمه ظبية - بالظاء المعجمة - من بني أسد. وفد على الويد بن عبد الملك.

حدث عن ابن عباسٍ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن من الشعر حكمة.

وحدث عن ابن عباس في قوله عز وجل " والبحر المسجور " قال: الفارغ، خرجت أمةٌ تستقي، فرجعت فقالت: إن الحوض مسجور. يعني فارغاً.

قال ابن سيار: ليس لذي الرمة غير هذين الحديثين.

دخل الفرزدق على الويد بن عبد الملك أو غيره فقال له: من أشعر الناس؟ قال: أنا، قال: أفتعلم أحداً أشعر منك؟ قال: لا، إلا أن غلاماً من بني عدي بن كعب يركب أعجاز الإبل، ينعت الفلوات. ثم أتاه جرير فسأله، فقال له مثل ذلك، ثم أتاه ذو الرمة فقال له: ويحك! أنت أشعر الناس! قال: لا ولكن غلامٌ من بني عقيل يقال له مزاحم، يسكن الروضات، يقول وحشياً من الشعر، لا تقدر على أن تقول مثله.

ص: 226

قال عيسى بن عمر: كان ذو الرمة يملي علي شعراً وأنا أكتب الشعر، إذ قال لي: يا غلام أصلح هذا الحرف، فقلت له: أصلحك الله وإنك لتكتب! فقال: نعم، قدم علينا حضري لكم فعلمنا الخط على الرمل.

قال ذو الرمة لعيسى بن عمر: اكتب شعري، فالكتاب أعجب إلي من الحفظ، إن الأعرابي ينسى الكلمة قد شهرت في طلبها ليلةٌ فيضع في موضعها كلمةٌ في وزنها ثم ينشده الناس، والكتاب لا ينسى ولا يبدل كلاماً بكلام.

حكى الأصمعي عن عيسى بن عمر قال: قدم ذو الرمة البصرة فأتيته أعتذر لأني لم أهد إليه شيئاً، فقال: لا تعتذر، أنا وأنت نأخذ ولا نعطي أحداً شيئاً.

وكان ذو الرمة طفيلياً يأتي العرسات.

كان الشافعي يقول ليس يقدم أهل البادية على ذي الرمة أحداً. قال الشافعي: لقي رجلٌ من أهل اليمن فقال اليماني: من أشعر الناس؟ فقال: ذو الرمة، قال له: فأين ارمؤ القيس؟ - يجميه بذلك لأنه يماني - فقال: لو أن امرأ القيس كلف أن ينشد شعر ذي الرمة ما أحسنه.

كان ذو الرمة بسوق المربد وقد عارضه رجلٌ يهزأ به، فقال له: يا أعرابي أتشهد بما لم تر؟ قال: نعم، قال: بماذا؟ قال: أشهد بأن أباك ناك أمك.

كان أبو عمرو بن العلاء يقول: شعر ذي الرمة نقط العروس، تضمحل عن قليل، وأبعار ظباء لها مشم في أول شمها ثم تعود إلى أرواح البعر.

ص: 227

قال رؤبة بن العجاج لبلال: علام تعطي ذا الرمة؟ فوالله ما يمدحك إلا بمقطعاتنا هذه يعمد إليها فيوصلها ثم يمدحك بها. فقال بلال: والله لو لم أعطه إلا على تأليفها لأعطيته.

دخل ذو الرمة على بلال بن أبي بردة - وكان بلال راويةً فصيحاً أديباً - فأنشد بلالٌ أبيات حاتم طيئ: من الطويل

لحا الله صعلوكاً مناه وهمه

من الدهر أن يلقى لبوساً ومطعما

يرى الخمس تعذيباً وإن نال شبعة

يبت قلبه من قلة الهم مبهما

فقال ذو الرمة: يرى الخمص تعذيباً، وإنما الخمس للإبل، وإنما هو خمص البطون. فحسده بلال - وكان محكاً - أنشنديهما رواة طيئ، فرد عليه ذو الرمة فضحك، ودخل أبو عمرو بن العلاء فقال له بلال: كيف تنشدها - وعرف أبو عمرو الذي به - فقال: كلا الوجهين، فقال: أتأخذون عن ذي الرمة؟ قال: إنه لفصيح، وإنا لنأخذ عنه بتمريض. وخرجا من عنده، فقال ذو الرمة لأبي عمرو: والله لولا أني أعلمك حطبت في حبله وقلت في هواه، لهجوتك هجاءٌ لا يقعد إليك اثنان!.

قال ذو الرمة يوماً: لقد قلت أبياتاً إن لها لعروضاً، وإن لها لمراداً ومعنى بعيداً، قال له الفرزدق: وما هيه؟ قال: قلت: من الطويل

أحين أعاذت بي تميم نساءها

وجردت تجريد اليماني من الغمد

ومد بضبعي الرباب ومالكٌ

وعمرو وشالت من ورائي بنو سعد

ومن آل يربوع زهاءٌ كأنه

زها الليل محمودٌ النكاية والرفد

ص: 228

فقال له الفرزدق: لا تعودن فيها فأنا أحق بها منك، قال: والله لا أعود فيها أبداً ولا أنشدها إلا لك. فهي قصيدة الفرزدق التي يقول فيها: من الطويل

وكنا إذا القيسي نب عتوده

ضربناه فوق الأنثيين على الكرد

الأنثيين: الأذنين، والكرد: العنق.

اجتمع ذو الرمة ورؤبة عند بلال بن أبي بردة وهو أمير البصرة، وكان رؤبة يثبت القدر، وكان ذو الرمة قدرياً، فقال لهما بلال: تناظرا في القدر، فقال رؤبة: والله ما افتحص طائر أحوصاً ولا تقرمص سبعٌ قرموصاً إلا بقضاءٍ من الله وقدر. فقال ذو الرمة: والله ما قدر الله للذئب على أكل حلوبة غيائل عالةٍ ضرائك ذوي حاجة. فقال رؤبة: أفبقدرته أكلها؟ هذا كذب على الذئب! فقال ذو الرمة: الكذب على الذئب أهون من الكذب علر رب الذئب.

قال العلاء بن أسلم أشند ذو الرمة شعراً: من الطويل

وعينان قال الله كونا فكانتا

فعولان بالألباب ماتفعل الخمر

فقال له العدوي الشاعر: قل فعولين بالألباب، فقال له ذو الرمة لو سبحت كان خيراً لك.

ص: 229

قال الصولي: كان العدوي مثبتاً للقدر، فأراد أن الله جعل العينين كذا، وفر ذو الرمة من هذا لينصر مذهبه.

قال الأصمعي: قلت ليونس: ما أراد ذو الرمة بقوله: من الطويل

وليلٍ كجلباب العروس ادرعته

بأربعةٍ والشخص في العين واحد

فقال يونس: ما أحسب الجن تقع على ماوقع عليه ذو الرمة وفطن له؛ قوله: كجلباب العروس، يقول: ليل طويل كقميص العروس في الطول، لأن العروس تجر أذيالها: اردعته: أي لبسته: بأربعة: يعني نفسه وناقته وسيفه وظله؛ والشخص في العين واحد: يقول والأنسان واحد.

قال أبو بكر بن عياش: كنت إذ أنا شاب إذا أصابتني مصيبة تصبرت، وكان ذلك يبرئ بدني جميعاً، حتى رأيت بالناسة أعرابياً ينشد وقد اجتمع الناس عليه وهو يقول: من الطويل

خليلي عوجا من صدور الرواحل

بجمهور حزوى فابكيا في المنازل

لعل انحدار الدمع يعقب راحةٌ

من الوجد أو يشفي نجي البلابل

فسألت عنه؟ فقيل: هذا ذو الرمة، فأصابني بعد ذلك مصيبات، فكنت أبكي فأجد له راحة.

ذكر ذو الرمة في مجلسٍ فيه عدةٌ من الأعراب، فقال عصمة بن مالك - شيخٌ من بني جاسئ بن فزارة، كان قد بلغ عشرين ومئة -: إياي فاسألوا عنه، كان من أظرف الناس، كان آدم، خفيف العارضين، حسن المضحك، حلو المنطق؛ وكان إذا أنشد بربر وجش صوته، فإذا راجعك لم تسأم حديثه وكلامه، وكان له إخوة يقولون الشعر منهم

ص: 230

مسعود وجرفاس - وهو أوفى - وهشام، كانوا يقولون القصيدة فيرد ففيها الأبيات فيغلب عليها فتذهب له، فجمعني وإياهم مربع، فأتاني يوماً فقال لي: ياعصمة! إن ميا منقرية، وبنو منقر أخبث الحي، أقوفه لأثر، وأبصره في نظر، وأعلمه بشر؛ فهل عندك من ناقةٍ نزداد عليها ميا؟ قلت: عندي الجؤذر، بنت يمانية، قال: علي بها، فركبناها وخرجنا حتى نشرف على بيوت الحي، فإذا هم خلوف، وإذا بيت مي خلو، فعرف النساء ذا الرمة حين طلعنا عليهن، فتقوض النساء إلى بيت مي، وجئنا حتى أنخنا، ثم دنونا فسلمنا وقعدنا نتحدث، وإذا مي جايةٌ أملود، واردة الشعر، صفراء فيها عسن، وعليها سب أصفر وطاقٌ أخضر، فتحدثن مليا ثم قلن له: أنشدنا ياذا الرمة، قال: أنشدهن ياعصمة، فأنشدهن قوله: من الطويل

نظرت إلى أظعان مي كأنها

ذرا النخل أو أثل تميل ذوائبه

فأوشلت العينان والصدر كاتم

بمغرورق نمت عليه سواكبه

بكا وامقٍ خاف الفراق ولم تجل

جوائلها أسراره ومعاتبه

ص: 231

فقالت ظريفة ممن حضر: لكن الآن فلتجل، فنظر إليها مي، ثم مضيت فيها إلى قوله:

إذا سرحت من حب مي س

وارحٌ عن القلب ابته جميعاً عوازبه

فقالت الظريفة: قتلتهقتلك الله، فقالت مي: ما أصحه وهنيئاً له! فتنفس ذو الرمة تنفساً كاد حره يطير شعر وجهه. ومضيت حتى انتهت إلى قوله:

وقد خلفت بالله مية ما الذي

أقول لها إلا الذي أنا كاذبه

إذاً فرماني الله من حيث لا أرى

ولا زال في أرضي عدو أحاربه

فقالت الظريفة قتلته قتلك الله، فالتفتت إليه مي فقالت: خف عواقب الله. ثم مضت فيها حتى انتهت إلى قوله:

إذا راجعتك القول مية أو بدا

لك الوجه منها أو نضا الدرع سالبه

فيا لك من خد آسيل ومنطق

رخيم ومن خلق تعلل جادبه

فقالت الظريفة: ها هي ذه قد راجعتك القول، وبدا لك وجهها، فمن لنا بأن ينضو الدرع سالبه؟ فالتفتت إليها مي فقالت: قاتلك الله! ما أنكر ما تجيئين به! قال عصمة: فتحدثنا ساعة ثم قالت الظريفة للنساء: إن لهذين شأناً، فقمن بنا. فقمن وقمت معهن؛ فجلست في بيتٍ أراهما منه فسمعتهما قالت له: كذبت والله. ووالله ما أدري ما قال لها وما أكذبته فيه، فلبث قليلاً ثم جاءني ومعه قارورةٌ فيها دهن وقلائد، فقال: هذا دهن طيب أتحفتنا به مي، وهذه قلائد الجؤذر، ولا والله لا أقلدهن بعيراً أبداً، وشدهن بذؤابة سيفه، وانصرفنا؛ فكان يختلف إليها حتى تقضي الربيع، ودعا الناس المصيف، فأتاني فقال: يا عصمة قد رحلت مي، ولم يبق إلا الآثار والنظر في الديار، فاذهب بنا ننظر في ديارهم، ونقفو آثارها. فخرجنا حتى أتينا منزلها فوقف ينظر ثم قال: من الطويل

ص: 232

ألا فاسلمي يا دار مي على البلى

ولا زال منهلا بجرعائك القطر

قال عصمة: فما ملك عينيه، فقلت: مه، فانتبه وقال: إني لجلد، وإن: ان مني ما ترى. قال: رأيت أحداً كان أشد منه صبابة يومئذ، ولا أحسن عزاء وصبراً! ثم انصرفنا، وكان آخر العهد به.

قال غيلان بن الحكم: وفد علينا ذو الرمة ونحن بكناسة الكوفة، فأنشدنا حائيته إلى أن بلغ قوله: من الطويل

إذا غير اليأس المحبين لم يكد

رسيس الهوى من حب مية يبرح

فقال له ابن شبرمة: أراه قد برح، فقلت: بم؟ قال: لم أجد رسيس الهوى. فرجعت بحديثهم إلى أبي الحكم البختري بن المختار فقال: أخطأ ابن شبرمة حين رد عليه، وأخطأ ذو الرمة حيث قبل منه، إنما هذا كقول الله عز وجل:" إذا أخرج يده لم يكد يراها " أي لم يرها ولم يكد.

كان ذو الرمة يشبب بمي بنت طلبة بن قيس بن عاصم المنقري، وكانت كنزة أمة مولدة لآل قيس بن عاصم، وهي أم سهم بن بردة الذي قتله سنان بن مخيس القشيري أيام محمد بن سليمان، فقالت كنزة: من الطويل:

على وجه مي مسحةٌ من ملاحةٍ

وتحت الثياب الخزي لو كان باديا

ألم تر أن الماء يخبث طعمه

ولو كان لون الماء في العين صافيا

ص: 233

ونحلتها ذا الرمة، فامتعض من ذلك وحلف بجهد أيمانه، ما قالهما وقال: بالله كيف أقوله وقد قطعت دهري وأفنيت شبابي أشبب بها وأمدحها، ثم أقول هذا! ثم اطلع على أن كنزة قالتهما ونحلتهما إياه.

قال أبو المهلهل الحدثي: ارتحلت إلى الرمال في طلب مي، صاحبة غيلان ذي الرمة، فما زلت أطلب موضع بيتها حتى أرشدت إلى البيت، فإذا خيمةٌ كبيرة، على بابها عجوز هتماء فسلمت عليها وقلت: أين منزل مي؟ قالت: مي ذي الرمة؟ قلت: نعم، قالت: أنا مي، فعجبت منها ثم قلت لها: العجب من ذي الرمة وكثرة ما قاله فيك! ولست أرى من المشاهد التي وصفك بها شيئاً! فقالت: لا تعجب يا هذا منه، فإني سأقوم بعذره عندك، ثم قالت: يا فلانة! فخرجت جاريةٌ ناهد، عليها برقع، فقالت أسفري، فسفرت، فتحيرت لجمالها وبراعتها وفصاحتها! فقالت لي: غلق ذو الرمة بي وأنا في سنها، فقلت: عذره الله ورحمه، أنشدني مما قال فيك؛ فجعلت تنشدني وأنا أكتب أياماً، ثم ارتحلت عنها.

وكان ذو الرمة أيضاً يشبب بخرقاء من بني عامر، تحل فلجة، ويمر بها الحاج، فتقعد لهم وتحادثهم وتهاديهم، وتقول: أنا منسك من مناسك الحج. ثم كانت تجلس معها فاطمة ابنتها، فحدثني من رآها قال: لم تكن فاطمة مثلها. وإنما قالت: أنا منسك من مناسك الحج، لقول ذي الرمة: من الوافر

تمام الحج أن تقف المطايا

على خرقاء واضعة اللثام

ص: 234

قال الأصمعي: كان تشبيب ذي الرمة بخرقاء أنه مر في بعض أسفاره ببعض البوادي، فإذا خرقاء خارجةٌ من خباء، فنظر إليها فوقعت في قلبه، فخرق إداوته، ودنا منها يستطعم بذلك كلامها، فقال لها: إني رجلٌ على سفر، وقد تخرقت إداوتي فأصلحيها لي، فقالت: إني لا أحسن العمل وإني لخرقاء. وفيها يقول: من البسيط

أأن توسمت من خرقاء منزلة

ماء الصبابة من عينيك مجوم

تعتادني زفراتٌ حين أذكرها

تكاد تنفض منهن الحيازيم

أنشد ذو الرمة خرقاء قصيدته التي يقول فيها:

أحبك حبا خالطته نصاحةٌ

وما كل ذي ود من الناس ناصح

فقال خرقاء: ومتى يكون محب غير ناصح؟ قال: إذا آثرت ما أهوى من قربك على ما تهوين من بعدك، واتخذتك برداً، علي منه جماله وستره وحصانته ونعمته، وعليك منه ابتداء إلى أعطافه وسجى أطرافه، فهناك نظرت لنفسي عليك، فأديت حق النصيحة إليها لا إليك. وأنشد: من الطويل

وأهوى لك الحسنى وأنت مسيئةٌ

ونيلك ممنوعٌ ومثواك نازح

قالت خرقاء: والله ما ادري أي تفسير أحسن، السالف من نثرك، أم الرادف من نظمك؟ فقال ذو الرمة:

لأحسن من هذا وهذاك نظرةٌ

لعينيك فيها منك آسٍ وجارح

فقالت له: ومن ذا يغالبك في محاورة؟ فقال:

ص: 235

يغالبني من مهجتي في إساره

يشاكها طوراً وطوراً يسامح

ومن لم أزل أبغي السلو ولم يزل

يتيمني منه مراضٌ صحائح

وأصدف عن سقيا ثناياه آيساً

فيعطفني منه بروقٌ لوامح

مضاحك غر لو تبسمن في الدجى

تجلى جبين من سنا الفجر واضح

يقر بعيني قربها وكذابها

ألا كل ما قرت به العين صالح

ثم قطع المحاورة والاقتضاب وأنشد حتى استكمل قصيدته.

مر رجلٌ في بادية بني عذرة فإذا فتاةٌ كأحسن ما يكون، فنظر إليها، فقالت له عجوز: ما تنظر إلى هذا الغزال النجدي ولا حظٌ لك فيه! فقالت الجارية: دعيه يا أمتاه، يكون كما قال ذو الرمة: من الطويل

وإن لم يكن إلا تعلل ساعةٍ

قليلاً فإني نافعً لي قليلها

قال أبو سلمة الكلابي: سمعت أبي يقول: لما فرغ ذو الرمة من قصيدته التي هي: من البسيط

ما بال عينك منها الماء ينسكب

كأنه من كلى مفريةٍ سرب

تبدى له إبليس فأخذ حجزته ثم قال له: لا تظن أنك منها في ئيء، ما شركتني فيها بحرف، وأنا قلتها كلها.

دخل ذو الرمة الكوفة، فبينا هو يسير في شوارعها على نجيب له إذ رأى جارية سوداء واقفة على باب الدار، فاستحسنها ووقعت بقلبه، فدنا منها وقال: يا جارية اسقيني ماء، فسقته، فأراد أن يمازحها ويستدعي كلامها، فقال: يا جارية ما أحر ماءك! فقالت: لو شئت لأقبلت على عيوب شعرك وتركت حر مائي فبرده، فقال لها: وأي شعري له عيب؟ فقالت: ألست ذا الرمة؟ قال: بلى، قالت: من الطويل

ص: 236

فأنت الذي شبهت عنزاً بقفرة

لها ذنب فوق استها أم سالم

جعلت لها قرنين فوق جبينها

ووطبين مسودين مثل المحاجم

وساقين إن يستمسكا منك يتركا

بحاذك يا غيلان مثل المياسم

" أيا ظبية الوعساء بين جلاجلٍ

وبين النقا أانت أم أم سالم "

فقال: نشدتك بالله إلا أخذت راحلتي هذه وما عليها ولم تظهري هذا لأحد. ونزل عن راحلته، فدفعها إليها وذهب ليمضي، فدفعتها إليه وضمنت له ألا تذكر لأحد ما جرى.

كانت وليمة عدي على مائدةٍ عليها إسحاق بن سويد وذو الرمة، فاستسقى ذو الرمة، فسقى نبيذاً، واستسقى إسحاق بن سويد فسقى ماء، فقال ذو الرمة: من البسيط

أما النبيذ فلا يذعرك شاربه

واحفظ ثيابك ممن يشرب الماء

مشمرين على أنصاف سوقهم

هم اللصوص وقد يدعون قراء

فقال إسحاق بن سويد: من البسيط

أما النبيذ فقد يزري بشاربه

ولا ترى أحداً يزري به الماء

الماء فيه حياة الناس كلهم

وفي النبيذ إذا عاقرته الداء

ثم قال لي الرمة: زد حتى نزيد قال ذو الرمة: بلغت نصف عمر الهرم، أنا ابن أربعين سنة. ولم يبق ذو الرمة بعد ذلك إلا قليلاً. ومات وهو شاب.

ص: 237

قال مسعود أخو ذي الرمة: كنا بالبدو، فحضرت ذا الرمة الوفاة فقال: احملوني إلى الماء يصل علي أهل الإسلام، فحملناه على باب، فأغفى إغفاءةٌ ثم انتبه فنقر الباب فقال: مسعود! قلت لبيك، قال: هذا والله الحق المبين لا حين أقول: من الطويل

عشية مالي حيلةٌ غير أنني

بلقط الحصى والخط في الدار مولع

كأن سناناً فارسيا أصابني

على كبدي بل لوعة الحب أوجع

دخل رجلٌ على ذي الرمة وهو يجود بنفسه فقال كيف تجدك يا غيلان؟ قال: أجدني أجد مالا أجد أيام أزعم أني أجد فأقول: من الطويل

كأني غداة البين يا مي مدنف

يجود بنفسٍ قد أتاها حمامها

زاد في آخر، بمعناه ثم قال: اللهم إني لا قوي فأنتصر، ولا برئ فأعتذر، ولكن لا إله إلا أنت. ثم مات.

قال الأصمعي: مات ذو الرمة عطشاناً، وأتى بالماء وبه رمق فلم ينتفع به، فكان آخر ما تكلم به قوله: من البسيط

يا مخرج الروم من نفسي إذا احتضرت

وفارج الكرب رحزحني عن النار

بلغ ذو الرمة أربعين سنة، وتوفي وهو خارجٌ إلى هشام بن عبد الملك، فدهن بحزوى، وهي الرملة التي كان يذكرها في شعره.

ص: 238