الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْأَدِلَّة الْعَقْلِيَّة على عدم نسب الْقبْح إِلَى الله
أما الْعقل فها أَنا أقدم طرفا مِنْهُ كالتوطئة والتمهيد ثمَّ أذكر بعد النَّقْل مِنْهُ طرفا ردا لَهُ وردفا
فَأَقُول وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق أما دلَالَة الْعقل على ذَلِك فَلِأَن الظَّالِم هُوَ الْمُتَصَرف فِي ملك غَيره
هَذَا قَول جَمِيع أَئِمَّة الْهدى والإتباع وَعَلِيهِ انْعَقَد الْإِجْمَاع قبل ظُهُور الابتداع
قلت أَو فِي ملكه على وَجه مُخَالف لحكم حَاكم عَلَيْهِ يلْزمه طَاعَته وَلَيْسَ الله تَعَالَى متصرفا فِي ملك غَيره وَلَا مُخَالفا لحكم من يلْزمه طَاعَته إِذْ لَا مَالك سواهُ ينْسب الْملك إِلَيْهِ وَلَا حَاكم غَيره يحكم عَلَيْهِ بل هُوَ الْمَالِك للعبيد وَالْحَاكِم بِمَا يُرِيد
لَهُ الْخلق وَالْأَمر والعزة والقهر وَالْعَظَمَة والكبرياء وَالْقُدْرَة والْعَلَاء وَالْعلم وَالْحكمَة وَالسُّلْطَان والسطوة لَا يجْرِي فِي ملكه إِلَّا مَا يَشَاء وَلَا يُوجد إِلَّا مَا سبق بِهِ الْقَضَاء يُعْطي وَيمْنَع ويضر وينفع ويخفض وَيرْفَع ويجلب وَيدْفَع وَيفرق وَيجمع كل نعْمَة مِنْهُ فضل وكل نقمة مِنْهُ عدل لَا يسْأَل عَمَّا يفعل وَهُوَ يسْأَلُون والقبح وَالْحسن يطلقان على معَان مُخْتَلفَة مِنْهَا أَن يُوصف الشَّيْء الملائم للطبع بالْحسنِ وَغير الملائم بالقبح وَمِنْهَا أَن يُوصف الشَّيْء الْكَامِل بالْحسنِ والناقص بالقبح
فهذان المعنيان عقليان بِلَا خلاف وَلَكِن لَيْسَ المُرَاد هُنَا وَإِنَّمَا المُرَاد مَا يتَعَلَّق بِهِ فِي الْأَجَل ثَوَاب أَو عِقَاب فَهَذَا الحكم فِيهِ للشَّرْع دون الْعقل لوجوه الأول مَا تقدم من قَوْله تَعَالَى {وَمَا كُنَّا معذبين حَتَّى نبعث رَسُولا}
الثَّانِي أَن الْعقل لَا مجَال لَهُ فِي الاهتداء إِلَى معرفَة الْآخِرَة وَمَا فِيهَا من الثَّوَاب وَالْعِقَاب
الثَّالِث أَن الْفِعْل الْقَبِيح كالكذب مثلا قد يَزُول قبحه وَيحسن عِنْد اشتماله على مصلحَة راجحة على مفسدته وَالْأَحْكَام البديهية ككون الْكل أعظم من جزئه لَا تَزُول بِسَبَب أصلا فَقَوْل الْمُعْتَزلَة إِن بديهة الْعقل تحكم بالتحسين والتقبيح لَيْسَ بِصَحِيح
الرَّابِع أَن أَفعَال الْخلق قد دلّ الدَّلِيل على وُقُوعهَا بقدرة الله تَعَالَى وإرادته وَأَن الْمَخْلُوق غير مستبد بالاختراع
قَالَ أَئِمَّتنَا رضي الله عنهم وَمِنْهُم الإِمَام حجَّة الْإِسْلَام أَبُو حَامِد الْغَزالِيّ وَهَذَا لَفظه وَكَيف يكون الْحَيَوَان مستبدا بالاختراع ويصدر من العنكبوت والنحل وَسَائِر الْحَيَوَانَات من لطائف الصناعات مَا تتحير فِيهِ عقول ذَوي الْأَلْبَاب فَكيف انْفَرَدت هِيَ باختراعها دون رب الأرباب وَهِي غير عَالِمَة بتفعيل مَا يصدر مِنْهَا من الأكساب هَيْهَات هَيْهَات ذلت الْمَخْلُوقَات وَتفرد بِالْملكِ والملكوت جَبَّار السَّمَاوَات
قلت وَإِلَى صُدُور ذَلِك عَن اختراع الْإِلَه الْوَاحِد أَشرت بِقَوْلِي فِي بعض القصائد فِي تَوْحِيد الرب الْمَاجِد منتقلا من ذكر الْغَزل إِلَى وصف الله عز وجل
(خليلي مَا نعمى ونعمان والحمى
…
وليلى وَمَا ذكري للبنى ولبنان)
(دَعَاهَا فمقصودي سواهَا وَإِنَّمَا
…
أكني بهَا عَن عالي الْوَصْف والشان)
(إِلَه تَعَالَى عَن ثَنَا وصف واصف
…
مجيد وَذي جود رَحِيم ورحمان)
(تقدس فِي أَسْمَائِهِ وَصِفَاته
…
وَفِي ذَاته عَن كل عيب ونقصان)
(عليم بِكُل الكائنات وخالق
…
لَهَا باختراع مِنْهُ من غير أعوان)
(فَكُن كَون الأكوان من غير حَاجَة
…
إِلَى فعل آلَات وَقَول وأزمان)
(إِلَه الْحَمد حَقًا وَحده دون غَيره
…
على ذَاك قد دلّت قواطع برهَان)
(وَيَكْفِي دَلِيلا قَوْلنَا الْحَمد والثنا
…
لوصفين محمودين حسن وإحسان)
(وَلَيْسَ كلا الوصفين إِلَّا لصانع
…
حَكِيم جواد وَاحِد مَا لَهُ ثَان)
(فَكل جميل أَو جمال فجوده
…
وصنعته عَن حِكْمَة ذَات إتقان)