الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
30 -
وَقَوله عز وجل مخبرا عَن أولي الْأَلْبَاب ومعلما لنا الدُّعَاء والآداب {رَبنَا لَا تزغ قُلُوبنَا بعد إِذْ هديتنا وهب لنا من لَدُنْك رَحْمَة إِنَّك أَنْت الْوَهَّاب}
قلت وَهَذِه الْآيَة الْكَرِيمَة خَاتِمَة آيَات ثَلَاثِينَ نسْأَل الله الْكَرِيم أَن يخْتم لنا بهَا ولأحبابنا وَالْمُسْلِمين آمين
وَهَذَا مَا اقتصرت عَلَيْهِ من الْكتاب الْمُبين مِمَّا خطر بالبال وَحضر فِي الْحَال
الْأَدِلَّة النقلية من السّنة على أَن أَفعَال الْعباد وَاقعَة بقدرة الله تَعَالَى وإرادته
وَأما الْأَحَادِيث فاقتصر مِنْهَا أَيْضا على ثَلَاثِينَ حَدِيثا محذوفة الْأَسَانِيد وطرق الرِّوَايَات منسوبة إِلَى الْكتب السِّتَّة الَّتِي هِيَ الْأُصُول لكتب الحَدِيث والأمهات وَالْمُعْتَمد عَلَيْهَا فِي النَّقْل وَالِاسْتِدْلَال فِي جَمِيع الْجِهَات وَهِي صَحِيحا البُخَارِيّ وَمُسلم وموطأ مَالك وَسنَن أبي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ رضي الله عنهم أَجْمَعِينَ
الحَدِيث الأول روينَا فِي صحيحي البُخَارِيّ وَمُسلم وَسنَن أبي
دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ عَن ابْن مَسْعُود رضي الله عنه قَالَ حَدثنَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَهُوَ الصَّادِق المصدوق (إِن أحدكُم يجمع خلقه فِي بطن أمه أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثمَّ يكون علقَة مثل ذَلِك ثمَّ يكون مُضْغَة مثل ذَلِك ثمَّ يُرْسل الْملك فينفخ فِيهِ الرّوح وَيُؤمر بِأَرْبَع كَلِمَات يكْتب رزقه وَعلمه وأجله وشقي أَو سعيد فوالذي لَا إِلَه غَيره إِن أحدكُم ليعْمَل بِعَمَل أهل الْجنَّة حَتَّى مَا يكون بَينه وَبَينهَا إِلَّا ذِرَاع فَيَسْبق عَلَيْهِ الْكتاب فَيعْمل بِعَمَل أهل النَّار فيدخلها وَإِن أحدكُم ليعْمَل بِعَمَل أهل النَّار حَتَّى مَا يكون بَينه وَبَينهَا إِلَّا ذِرَاع فَيَسْبق عَلَيْهِ الْكتاب فَيعْمل بِعَمَل أهل الْجنَّة فيدخلها
الحَدِيث الثَّانِي وروينا فِي صَحِيح مُسلم عَن جَابر رضي الله عنه قَالَ (جَاءَ سراقَة بن مَالك بن جعْشم فَقَالَ يَا رَسُول الله بَين لنا ديننَا كأنا خلقنَا الْآن فِيمَا الْعَمَل الْيَوْم فِيمَا جَفتْ بِهِ الأقلام وَجَرت
بِهِ الْمَقَادِير أم فِيمَا يسْتَقْبل قَالَ بل فِيمَا جَفتْ بِهِ الأقلام وَجَرت بِهِ الْمَقَادِير قَالَ فَفِيمَ الْعَمَل قَالَ اعْمَلُوا فَكل ميسر لما خلق لَهُ وكل عَامل بِعَمَلِهِ)
الحَدِيث الثَّالِث روينَا فِي صَحِيح مُسلم أَيْضا عَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ قَالَ صلى الله عليه وسلم (إِن الرجل يعْمل الزَّمن الطَّوِيل بِعَمَل أهل الْجنَّة ثمَّ يخْتم لَهُ عمله بِعَمَل أهل النَّار وَإِن الرجل ليعْمَل الزَّمن الطَّوِيل بِعَمَل أهل النَّار ثمَّ يخْتم لَهُ عمله بِعَمَل أهل الْجنَّة)
الحَدِيث الرَّابِع روينَا فِي صَحِيح مُسلم وجامع التِّرْمِذِيّ عَن
عَمْرو بن الْعَاصِ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم (كتب الله مقادير الْخَلَائق قبل أَن يخلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض بِخَمْسِينَ ألف سنة وعرشه على المَاء)
قَالَ الْعلمَاء المُرَاد تَحْدِيد وَقت الْكِتَابَة فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ أَو غَيره لَا أصل التَّقْدِير فَإِن ذَلِك لَا أول لَهُ
الحَدِيث الْخَامِس روينَا فِي صَحِيح مُسلم عَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ قَالَ صلى الله عليه وسلم (الْمُؤمن الْقوي خير وَأحب إِلَى الله من الْمُؤمن الضَّعِيف فِي كل خير احرص على مَا ينفعك واستعن بِاللَّه وَلَا تعجز وَإِن أَصَابَك شَيْء فَلَا تقل لَو أَنِّي فعلت لَكَانَ كَذَا وَكَذَا وَلَكِن قل قدر الله وَمَا شَاءَ فعل فَإِن لَو تفتح عمل الشَّيْطَان)
قَالَ الْعلمَاء وَالْمرَاد بِالْقُوَّةِ عَزِيمَة النَّفس فِي أُمُور الْآخِرَة وَمَا يتَعَلَّق بِالدّينِ من الْإِقْدَام فِي الْجِهَاد وَالْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر وَالصَّبْر على الْأَذَى وأنواع الْبلَاء وَاحْتِمَال المشاق فِي الطَّاعَات والنشاط فِي الْعِبَادَات من الْأَذْكَار وَالصَّوْم والصلوات وَغير ذَلِك من الْمُهِمَّات
الحَدِيث السَّادِس روينَا فِي صَحِيح مُسلم وَسنَن أبي دَاوُد وَالنَّسَائِيّ عَن عَائِشَة رضي الله عنها قَالَت توفّي صبي فَقلت طُوبَى لَهُ عُصْفُور من عصافير الْجنَّة فَقَالَ صلى الله عليه وسلم (أَولا تدرين أَن الله خلق الْجنَّة وَخلق النَّار فخلق لهَذِهِ أَهلا ولهذه أَهلا)
الحَدِيث السَّابِع روينَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَسنَن أبي دَاوُد وَالنَّسَائِيّ عَن ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما قَالَ سُئِلَ صلى الله عليه وسلم عَن أَوْلَاد الْمُشْركين فَقَالَ (الله أعلم إِذْ خلقهمْ بِمَا كَانُوا عاملين)
قلت وَسَيَأْتِي فِي آخر الْكتاب ذكر خلاف فيهم من أهل السّنة وَالصَّحِيح أَنهم فِي الْجنَّة لحَدِيث صَحِيح يَأْتِي ذكره هُنَالك
الحَدِيث الثَّامِن عَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ قَالَ صلى الله عليه وسلم (حَاج آدم مُوسَى فَقَالَ أَنْت الَّذِي أخرجت النَّاس من الْجنَّة بذنبك وأشقيتهم فَقَالَ آدم لمُوسَى أَنْت الَّذِي اصطفاك الله برسالته وبكلامه أتلومني على أَمر كتبه الله تَعَالَى قبل أَن يخلقني أَو قدره عَليّ قبل أَن يخلقني قَالَ صلى الله عليه وسلم فحج آدم مُوسَى)
أخرجه البُخَارِيّ وَمُسلم وَمَالك وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ
قلت وَإِنَّمَا حجه لِأَنَّهُ لامه على ذَنبه بعد التَّوْبَة مِنْهُ والذنب بعد التَّوْبَة غير مواخذ بِهِ بِفضل الله تَعَالَى
وَأما قبل التَّوْبَة فالقدر لَا يقوم بِهِ حجَّة للمذنبين لأَنهم مواخذون بِعدْل الله تَعَالَى
الحَدِيث التَّاسِع روينَا فِي صَحِيح البُخَارِيّ عَن عَائِشَة رضي الله عنها قَالَت سُئِلَ صلى الله عليه وسلم عَن الطَّاعُون فَقَالَ (كَانَ عذَابا يَبْعَثهُ الله عز وجل على من كَانَ قبلكُمْ فَجعله رَحْمَة للْمُؤْمِنين مَا من عبد يكون فِي بلد يكون فِيهِ الطَّاعُون فيمكث فِيهِ وَلَا يخرج صَابِرًا محتسبا يعلم أَنه لَا يُصِيبهُ إِلَّا مَا كتب الله لَهُ إِلَّا كَانَ لَهُ مثل أجر شَهِيد
الحَدِيث الْعَاشِر روينَا فِي صَحِيح البُخَارِيّ أَيْضا عَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ قَالَ صلى الله عليه وسلم (تعوذوا بِاللَّه من جهد الْبلَاء ودرك الشَّقَاء وَسُوء الْقَضَاء وشماتة الْأَعْدَاء)
الحَدِيث الْحَادِي عشر روينَا فِي صَحِيح البُخَارِيّ أَيْضا عَن سهل بن سعد رضي الله عنه أَنه صلى الله عليه وسلم قَالَ (إِن العَبْد ليعْمَل عمل
أهل النَّار وَهُوَ من أهل الْجنَّة وَيعْمل عمل أهل الْجنَّة وَهُوَ من أهل النَّار وَإِنَّمَا الْأَعْمَال بالخواتيم)
الحَدِيث الثَّانِي عشر روينَا فِي صَحِيح البُخَارِيّ أَيْضا عَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ قَالَ صلى الله عليه وسلم (جف الْقَلَم بِمَا أَنْت لَاق)
الحَدِيث الثَّالِث عشر روينَا فِي صَحِيح البُخَارِيّ أَيْضا عَن عمرَان بن الْحصين رضي الله عنه قَالَ قَالَ صلى الله عليه وسلم (كل يعْمل لما خلق لَهُ أَو لما تيَسّر لَهُ)
الحَدِيث الرَّابِع عشر روينَا فِي صَحِيح البُخَارِيّ أَيْضا عَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ قَالَ صلى الله عليه وسلم (إِن الله كتب على ابْن آدم حَظه من الزِّنَا أدْرك ذَلِك لَا محاله فزنا الْعين النّظر وزنا اللِّسَان الْمنطق وَالنَّفس تتمنى وتشتهي والفرج يصدق ذَلِك أَو يكذبهُ)
الحَدِيث الْخَامِس عشر روينَا فِي صَحِيح البُخَارِيّ وَمُسلم وَسنَن أبي دَاوُد عَن عَليّ كرم الله وَجهه قَالَ كُنَّا فِي جَنَازَة ببقيع الْغَرْقَد فَأَتَانَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقعدَ وقعدنا حوله وَبِيَدِهِ مخصرة فَجعل ينكت بهَا الأَرْض وَفِي رِوَايَة بَعضهم عود فَقَالَ مَا مِنْكُم من أحد إِلَّا وَقد كتب مَقْعَده من النَّار أَو من الْجنَّة فَقَالَ رجل من الْقَوْم لَا نَتَّكِل يَا رَسُول الله قَالَ لَا اعْمَلُوا فَكل ميسر وَفِي رِوَايَة بَعضهم فَقَالُوا يَا رَسُول الله أَفلا نَتَّكِل على كتَابنَا فَقَالَ اعْمَلُوا فَكل ميسر لما خلق لَهُ) الحَدِيث
الحَدِيث السَّادِس عشر روينَا فِي صَحِيح مُسلم عَن يحيى بن يعمر رَحمَه الله تَعَالَى قَالَ (كَانَ أول من قَالَ بِالْقدرِ فِي الْبَصْرَة معبد الْجُهَنِيّ فَانْطَلَقت أَنا وَحميد بن عبد الرَّحْمَن الْحِمْيَرِي حاجين أَو معتمرين فَقُلْنَا لَو لَقينَا أحدا من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَسَأَلْنَاهُ عَمَّا يَقُول هَؤُلَاءِ فِي الْقدر فوفق لنا عبد الله بن عمر بن الْخطاب رضي الله عنهما دَاخِلا الْمَسْجِد فاكتنفته أَنا وصاحبي أَحَدنَا عَن يَمِينه وَالْآخر عَن شِمَاله فَظَنَنْت أَن صَاحِبي سيكل الْكَلَام إِلَيّ فَقلت أَبَا عبد الرَّحْمَن إِنَّه قد ظهر قبلنَا نَاس يقرءُون الْقُرْآن ويتقفرون الْعلم وَذكر من شَأْنهمْ وَأَنَّهُمْ يَزْعمُونَ أَن لَا قدر وَأَن الْأَمر أنف قَالَ فَإِذا لقِيت أُولَئِكَ فَأخْبرهُم أَنِّي بَرِيء مِنْهُم وَأَنَّهُمْ برءاء مني وَالَّذِي يحلف بِهِ عبد الله بن عمر لَو أَن لأَحَدهم مثل أحد ذَهَبا فأنفقه مَا قبل الله مِنْهُ حَتَّى يُؤمن بِالْقدرِ
ثمَّ قَالَ حَدثنِي أبي عمر بن الْخطاب قَائِلا بَيْنَمَا نَحن جُلُوس عِنْد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ذَات يَوْم إِذْ طلع علينا رجل شَدِيد بَيَاض الثِّيَاب شَدِيد سَواد الشّعْر لَا يرى عَلَيْهِ أثر السّفر وَلَا يعرفهُ منا أحد حَتَّى جلس إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم فاسند رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ وَوضع كفيه على فَخذيهِ وَقَالَ يَا مُحَمَّد أَخْبرنِي عَن الْإِسْلَام فَقَالَ صلى الله عليه وسلم (الْإِسْلَام أَن تشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله وتقيم الصَّلَاة وتؤتي الزَّكَاة وتصوم رَمَضَان وتحج الْبَيْت إِن اسْتَطَعْت إِلَيْهِ سَبِيلا فَقَالَ صدقت فعجبنا لَهُ يسْأَله ويصدقه قَالَ فَأَخْبرنِي عَن الْإِيمَان فَقَالَ أَن تؤمن بِاللَّه وَمَلَائِكَته وَكتبه وَرُسُله وَالْيَوْم الآخر وتؤمن بِالْقدرِ خَيره وشره قَالَ صدقت قَالَ وَأَخْبرنِي عَن الْإِحْسَان قَالَ أَن تعبد الله كَأَنَّك ترَاهُ فَإِن لم تكن ترَاهُ فَإِنَّهُ يراك قَالَ فَأَخْبرنِي عَن السَّاعَة قَالَ مَا الْمَسْئُول عَنْهَا بِأَعْلَم من السَّائِل قَالَ فَأَخْبرنِي عَن أمارتها قَالَ أَن تَلد الْأمة رَبهَا وَأَن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشَّاء يتطاولون فِي الْبُنيان قَالَ ثمَّ أَنطلق فَلَبثت مَلِيًّا ثمَّ قَالَ أَتَدْرِي من السَّائِل قلت الله وَرَسُوله أعلم قَالَ فَإِنَّهُ جِبْرِيل أَتَاكُم يعلمكم دينكُمْ) أخرجه البُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَالْبَيْهَقِيّ وَغَيرهم
وَقَوله يتقفرون هُوَ بِتَقْدِيم الْقَاف على الْفَاء وَمَعْنَاهُ يطلبونه ويتبعونه هَذَا هُوَ الْمَشْهُور وَقيل مَعْنَاهُ يجمعونه وَرَوَاهُ بَعضهم بِتَقْدِيم الْفَاء وَهُوَ صَحِيح أَيْضا وَمَعْنَاهُ يبحثون عَن غامضه ويستخرجون خُفْيَة
وَرُوِيَ فِي غير مُسلم يقتفون بِتَقْدِيم الْقَاف وَحذف الرَّاء وَهُوَ صَحِيح أَيْضا وَمَعْنَاهُ أَيْضا يتبعونه وَقَالَ بَعضهم يتقعرون بِالْعينِ وَفَسرهُ بِأَنَّهُم يطْلبُونَ قَعْره أَي غامضه وخفيه وَمِنْه متقعر فِي كَلَامه إِذا جَاءَ بالغريب مِنْهُ وَفِي رِوَايَة بَعضهم يتفقهون بِزِيَادَة الْهَاء وَهُوَ ظَاهر
قلت هَذَا مُخْتَصر كَلَام شرَّاح الحَدِيث رَحِمهم الله تَعَالَى
وَقَوله يَزْعمُونَ أَن لَا قدر وَأَن الْأَمر أنف هُوَ بِضَم الْهمزَة وَالنُّون أَي مُسْتَأْنف لم يسْبق بِهِ قدر وَلَا علم من الله وَإِنَّمَا يُعلمهُ بعد وُقُوعه
قَالَ أَئِمَّتنَا وَهَذَا قَول غلاتهم وَلَيْسَ قَول جَمِيع الْقَدَرِيَّة وَكذب قَائِله وضل وافترى
قلت يعنون أَن الْقَدَرِيَّة صنفان أَحدهمَا يَنْفِي الْقدر وَالْعلم مَعًا وَالثَّانِي يَنْفِي الْقدر فَحسب وَسَيَأْتِي إِن شَاءَ الله إِيضَاح ذَلِك وَبَيَان حكم الصِّنْفَيْنِ فِي التَّكْفِير وَأَن الأول مِنْهُمَا كَافِر بِلَا خلاف وهم الَّذين أَرَادَ ابْن عمر وَكَلَامه ظَاهر فِي تكفيرهم وَفِي الثَّانِي اخْتِلَاف بَين أَئِمَّة أهل الْحق وَالله أعلم
الحَدِيث السَّابِع عشر روينَا فِي صَحِيح مُسلم وجامع التِّرْمِذِيّ عَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ جَاءَ مشركو قُرَيْش يُخَاصِمُونَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِي الْقدر فَنزلت {يَوْم يسْحَبُونَ فِي النَّار على وُجُوههم ذوقوا مس سقر إِنَّا كل شَيْء خلقناه بِقدر}
قلت فَهَذِهِ سَبْعَة عشر حَدِيثا كلهَا فِي الْقدر وَكلهَا صِحَاح رويناها فِي الصَّحِيحَيْنِ مَعًا وَبَعضهَا فِي أَحدهمَا كَمَا ترى مَعَ زِيَادَة مَا ذكرت من رِوَايَة مَا فِي الْكتب السِّتَّة الَّتِي هِيَ أصُول الْإِسْلَام وَأُمَّهَات الْأَخْبَار ورواتها الَّذين ذكرتهم من سَادَات الصَّحَابَة رضي الله عنهم عشرَة عمر وَعلي وَابْن عَبَّاس وَابْن مَسْعُود وَأَبُو هُرَيْرَة وَعمْرَان بن الْحصين وَجَابِر بن عبد الله وَسَهل بن سعد وَعَمْرو بن الْعَاصِ وَعَائِشَة زوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَهَا أَنا أردفها بِأَحَادِيث أُخْرَى فِي الْقدر أَيْضا مِمَّا أخرجه أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَهِي ثَلَاثَة عشر تَتِمَّة الثَّلَاثِينَ الَّتِي وعدت بهَا
الحَدِيث الثَّامِن عشر روينَا فِي سنَن أبي دَاوُد عَن عَليّ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم (لَا يُؤمن عبد حَتَّى يُؤمن بِأَرْبَع يشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَنِّي مُحَمَّد رَسُول الله بَعَثَنِي بِالْحَقِّ ويؤمن بِالْمَوْتِ ويؤمن بِالْبَعْثِ بعد الْمَوْت ويؤمن بِالْقدرِ)
الحَدِيث التَّاسِع عشر روينَا فِي سنَن أبي دَاوُد عَنهُ صلى الله عليه وسلم (أَنه سَأَلَهُ رجل من مزينة أَو جُهَيْنَة فَقَالَ يَا رَسُول الله فِيمَا يعْمل فِي شَيْء خلا وَمضى أَو شَيْء يسْتَأْنف الْآن قَالَ فِي شَيْء خلا وَمضى فَقَالَ الرجل أَو قَالَ بعض الْقَوْم فَفِيمَ الْعَمَل قَالَ إِن أهل الْجنَّة ميسرون لعمل أهل الْجنَّة وَأَن أهل النَّار ميسرون لعمل أهل النَّار)
الحَدِيث الْعشْرُونَ روينَا فِي جَامع التِّرْمِذِيّ عَن جَابر بن سَمُرَة
رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم (لَا يُؤمن عبد حَتَّى يُؤمن بِالْقدرِ خَيره وشره وَحَتَّى يعلم أَن مَا أَصَابَهُ لم يكن ليخطئه وَمَا أخطأه لم يكن ليصيبه)
الحَدِيث الْحَادِي وَالْعشْرُونَ روينَا فِي سنَن أبي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ عَن عبَادَة بن الصَّامِت رضي الله عنه أَنه قَالَ لِابْنِهِ عِنْد الْمَوْت يَا بني إِنَّك لن تَجِد طعم الْإِيمَان حَتَّى تعلم أَن مَا أَصَابَك لم يكن ليخطئك وَمَا أخطأك لم يكن ليصيبك فَإِنِّي سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول (إِن أول مَا خلق الله الْقَلَم قَالَ لَهُ اكْتُبْ فَقَالَ يَا رب وماذا أكتب قَالَ اكْتُبْ مقادير كل شَيْء حَتَّى يَوْم الْقِيَامَة فَإِنِّي سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول من مَاتَ عل غير هَذَا فَلَيْسَ مني)
الحَدِيث الثَّانِي وَالْعشْرُونَ روينَا فِي كتاب التِّرْمِذِيّ عَن عَمْرو ابْن الْعَاصِ رضي الله عنه قَالَ خرج علينا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَفِي يَده كِتَابَانِ فَقَالَ أَتَدْرُونَ مَا هَذَانِ الكتابان فَقُلْنَا يَا رَسُول الله إِلَّا أَن تخبرنا فَقَالَ للَّذي فِي يَده الْيُمْنَى هَذَا كتاب من رب الْعَالمين فِيهِ أَسمَاء أهل الْجنَّة وَأَسْمَاء آبَائِهِم وقبائلهم ثمَّ أجمل على آخِرهم فَلَا يُزَاد فيهم وَلَا ينقص مِنْهُم أبدا وَقَالَ للَّذي فِي شِمَاله هَذَا كتاب من رب الْعَالمين فِيهِ أَسمَاء أهل النَّار وَأَسْمَاء آبَائِهِم وقبائلهم ثمَّ اجمل على آخِرهم فَلَا يُزَاد فيهم وَلَا ينقص مِنْهُم أبدا فَقَالَ أَصْحَابه فَفِيمَ الْعَمَل يَا رَسُول الله إِن كَانَ أَمر قد فرغ مِنْهُ فَقَالَ سددوا وقاربوا فَإِن صَاحب الْجنَّة يخْتم لَهُ بِعَمَل أهل الْجنَّة وَإِن عمل أَي عمل وَإِن
صَاحب النَّار يخْتم لَهُ بِعَمَل أهل النَّار وَإِن عمل أَي عمل ثمَّ قَالَ صلى الله عليه وسلم بيدَيْهِ فنبذهما ثمَّ قَالَ فرغ ربكُم من الْعباد فريق فِي الْجنَّة وفريق فِي السعير)
قَالَ التِّرْمِذِيّ وَفِي الْبَاب عَن ابْن عمر هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح غَرِيب
الحَدِيث الثَّالِث وَالْعشْرُونَ وروينا فِي كتاب التِّرْمِذِيّ عَن ابْن مَسْعُود رضي الله عنه أَنه صلى الله عليه وسلم قَالَ (إِن الله خلق كل نفس وَكتب حَيَاتهَا وَرِزْقهَا ومصائبها ومحابها) وَهَذَا بعض الحَدِيث
الحَدِيث الرَّابِع وَالْعشْرُونَ روينَا فِي كتاب التِّرْمِذِيّ أَيْضا عَن عَمْرو بن الْعَاصِ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم (إِن الله خلق خلقه فِي ظلمَة وَألقى عَلَيْهِم من نوره فَمن أَصَابَهُ ذَلِك النُّور فهادى وَمن أخطأه ضل فَلذَلِك أَقُول جف الْقَلَم على علم الله)
الحَدِيث الْخَامِس وَالْعشْرُونَ فِي الرضاء بِالْقدرِ روينَا فِي جَامع التِّرْمِذِيّ أَيْضا عَن سعد بن أبي وَقاص رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم (من سَعَادَة ابْن آدم رِضَاهُ بِمَا قضى الله وَمن شقاوة ابْن آدم تَركه استخارة الله وَمن شقاوة ابْن آدم سخطه بِمَا قضى الله)
الحَدِيث السَّادِس وَالْعشْرُونَ فِي ذمّ الْقَدَرِيَّة روينَا فِي سنَن أبي دَاوُد عَن حُذَيْفَة رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم (لكل أمة مجوس ومجوس هَذِه الْأمة الْقَدَرِيَّة الَّذين يَقُولُونَ لَا قدر من مَاتَ
مِنْهُم فَلَا تشهدوا جنَازَته وَمن مرض مِنْهُم فَلَا تعودوه فهم شيعَة الدَّجَّال وَحقّ على الله أَن يلحقهم بالدجال زَاد فِي رِوَايَة فَلَا تُجَالِسُوهُمْ وَلَا تفاتحوهم الْكَلَام)
الحَدِيث السَّابِع وَالْعشْرُونَ روينَا فِي كتاب التِّرْمِذِيّ عَن ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم (صنفان من أمتِي لَيْسَ لَهما فِي الْإِسْلَام نصيب المرجئة والقدرية)
الحَدِيث الثَّامِن وَالْعشْرُونَ روينَا فِي سنَن أبي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَنه قَالَ (يكون فِي هَذِه الْأمة خسف ومسخ وَذَلِكَ فِي المكذبين بِالْقدرِ) رَوَاهُ ابْن عمر رضي الله عنهما قَالَ وَعَن يافع أَن رجلا أَتَى ابْن عمر فَقَالَ إِن فلَانا يقْرَأ عَلَيْك السَّلَام الرجل من أهل الشَّام فَقَالَ ابْن عمر إِنَّه بَلغنِي أَنه قد أحدث التَّكْذِيب بِالْقدرِ فَإِن كَانَ قد أحدث فَلَا تقرئه مني السَّلَام فَإِنِّي سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول (يكون فِي هَذِه الْأمة خسف ومسخ) الحَدِيث
الحَدِيث التَّاسِع وَالْعشْرُونَ روينَا فِي كتاب التِّرْمِذِيّ عَن أبي
عزة رضي الله عنه أَنه صلى الله عليه وسلم قَالَ (إِذا قضى الله لعبد أَن يَمُوت بِأَرْض جعل لَهُ إِلَيْهَا حَاجَة)
قلت وَمن هَذَا نقل أَنه جَاءَ بعض النَّاس إِلَى سُلَيْمَان بن دَاوُد عليهما السلام وَقَالَ لَهُ يَا نَبِي الله أُرِيد مِنْك أَن تَأمر الرّيح تحملنِي إِلَى بِلَاد الْهِنْد فَإِن لي فِيهَا حَاجَة فِي هَذِه السَّاعَة وألح عَلَيْهِ فِي ذَلِك فَقَالَ لَهُ نعم وَأمر الرّيح أَن تحمله فَلَمَّا خرج من عِنْده الْتفت سُلَيْمَان فَرَأى ملك الْمَوْت عليه السلام قَائِما عِنْده وَرَآهُ مُتَبَسِّمًا فَسَأَلَهُ عَن تبسمه فَقَالَ يَا نَبِي الله تعجبت من هَذَا الرجل فَإِنِّي أمرت بِقَبض روحه فِي أَرض الْهِنْد فِي هَذِه السَّاعَة فَبَقيت مفكرا كَيفَ يصل إِلَى بِلَاد الْهِنْد فِي هَذِه السَّاعَة فَلَمَّا سَأَلَك أَن تَأمر الرّيح تعجبت من ذَلِك انْتهى
وَفِي هَذَا الْمَعْنى قلت
(فَمن لم تأته منا المنايا
…
إِلَى أوطانه يَوْمًا أَتَاهَا)
(كَمَا قَالَ الَّذِي عزى نفوسا
…
وقوى فِي توكلها قواها)
(فَمن كَانَت منيته بِأَرْض
…
فَلَيْسَ يَمُوت فِي أَرض سواهَا)
عَن الإِمَام مَالك رضي الله عنه أَنه بلغه أَنه قيل لإياس مَا رَأْيك فِي الْقدر فَقَالَ لَا يعلم سره إِلَّا الله وَكَانَ يضْرب بِهِ الْمثل فِي الْفَهم
قلت وَمِمَّا ضرب الْمثل بِهِ قَول أبي تَمام يمدح بعض الْخُلَفَاء قيل هُوَ الْمَأْمُون وَقيل هُوَ المعتصم بِشعر من جملَته قَوْله
(أَقْدَام عَمْرو فِي سماحة حَاتِم
…
فِي حلم أحنف فِي ذكاء إِيَاس)
شبهه فِي الشجَاعَة بِعَمْرو بن معدي كرب وَفِي الْكَرم بحاتم طي الْمَشْهُور وَفِي الْحلم بالسيد الْجَلِيل الْأَحْنَف بن قيس وَفِي الذكاء
بإياس بن مُعَاوِيَة بن قُرَّة الإِمَام المشكور فَغَضب بعض جلساء الممدوح من كبراء دولته من تشبه إِيَّاه بِعَمْرو وحاتم فِي شجاعته وسماحته وَتكلم عَلَيْهِ فِي ذَلِك مُصَغرًا لَهُ لَهما جنبه ومنكرا بالتشبيه بِأَهْل الْكفْر الَّذِي لَا يحمد فَأَطْرَقَ أَبُو تَمام مفكرا فِي ذَلِك ثمَّ أنْشد
(لَا تعجبوا من ضربي لَهُ من دونه مثلا
…
شرودا فِي الندى والباس)
(فَالله قد ضرب الْأَقَل لنوره
…
مثلا من الْمشكاة والنبراس)
قلت يَعْنِي أَن الله تَعَالَى قد ضرب النُّور الْأَقَل مثلا لنوره الْعَظِيم الْأَجَل وَذَلِكَ قَوْله سُبْحَانَهُ {الله نور السَّمَاوَات وَالْأَرْض مثل نوره كمشكاة فِيهَا مِصْبَاح} الْآيَة
فَزَالَ الْغَضَب وتعجبوا من براعة فطنته واتقاد قريحته غَايَة الْعجب وسألوه عَن إطراقه وسكوته
فَذكر كلَاما مَعْنَاهُ أَنه فكر فِي شَاهد يشْهد لَهُ من كَلَام الْعَرَب فَلم يجده فَاسْتَفْتَحَ كَلَام الله فَوجدَ فِيهِ مَا طلب
قلت لما لحقته فِي ذَلِك الْمَلَامَة فكر فِي شَاهد يشْهد لكَلَامه بالاستقامة فالتمس ذَلِك فِي كَلَام الْعَرَب فَلم يحصل لَهُ فِيهِ إرب فارتحل بفكره وانتقل إِلَى كَلَام الله عز وجل وغاص فِي بَحر جَوَاهِر علومه على عجل فِي غوصه حَتَّى انْتهى إِلَى بَحر جَوَاهِر النُّور فاستخرج مِنْهُ جَوْهَرَة الشَّاهِد الْمَذْكُور
قلت وَالْكَلَام فِي هَذَا وأشباهه يطول ويخرجنا مِمَّا نَحن لَهُ قاصدون
فَلهَذَا اخْتَرْت الإضراب عَن ذكر شَيْء من المحاسن والآداب وحلم
الْأَحْنَف بن قيس الْمَذْكُور وَمَا ذكر من تعلمه ذَلِك من قيس بن عَاصِم الْمَشْهُور
رَجعْنَا إِلَى مَا كُنَّا بصدده وَعَن الإِمَام مَالك أَيْضا أَنه سَأَلَهُ رجل عَن الْقدر فَقَالَ أَلَسْت تؤمن بِهِ قَالَ بلَى فَقَالَ حَسبك حَدثنِي عَليّ بن الْحُسَيْن عَن أَبِيه رضوَان الله عَلَيْهِمَا أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ (من حسن إِسْلَام الْمَرْء تَركه مَا لَا يعنيه)
وبلغه أَيْضا أَنه قيل للقمان رضوَان الله عَلَيْهِ مَا بلغ بك إِلَى مَا يرى قَالَ أَدَاء الْأَمَانَة وَصدق الحَدِيث وتركي مَا لَا يعنيني
وَقَالَ الإِمَام محيي الدّين النَّوَوِيّ رضي الله عنه قَالَ الإِمَام أَبُو المظفر السَّمْعَانِيّ رضي الله عنه سَبِيل معرفَة هَذَا الْبَاب التَّوْفِيق من الْكتاب وَالسّنة دون مَحْض الْقيَاس وَمُجَرَّد الْعُقُول فَمن عدل عَن التَّوْفِيق فِيهِ ضل وتاه فِي بحار الْحيرَة وَلم يبلغ شفا النَّفس وَلَا يصل إِلَى مَا يطمئن بِهِ الْقلب لِأَن الْقدر سر من أسرار الله تَعَالَى ضربت دونه الأستار واختص الله تَعَالَى بِهِ وحجبه عَن عقول الْخلق ومعارفهم لما علمه من الْحِكْمَة
وواجبنا أَن نقف حَيْثُ حد لنا وَلَا نتجاوزه وَقد طوى الله تَعَالَى علم الْقدر عَن الْعَالم فَلم يُعلمهُ نَبِي مُرْسل وَلَا ملك مقرب وَقيل إِن سر الْقدر ينْكَشف لَهُم إِذا دخلُوا الْجنَّة وَلَا ينْكَشف قبل دُخُولهَا
الحَدِيث الثَّلَاثُونَ روينَا فِي كتاب التِّرْمِذِيّ عَن أبي هُرَيْرَة