الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[المبحث الثاني بناء المسجد على القبر أو إليه]
[المسألة الأولى حكم اتخاذ القبور مساجد]
المبحث الثاني
بناء المسجد على القبر أو إليه الأصل أن هذا المبحث تابع لمسائل المبحث الأول، لكونه من ضمن موقع المسجد، لكن لأهميته، ولما فيه من مسائل مترابطة، فقد جعلته مبحثًا مستقلا ذا ثلاث مسائل، هي:
المسألة الأولى: حكم اتخاذ القبور مساجد: قال ابن تيمية: " اتفق الأئمة أنه لا يبنى مسجد على قبر "(1) .
وسواء كان القبر واحدا أو قبورا متعددة؛ وسواء أكان قبر مسلم أم مشرك (2) فإن اتخاذه مسجدا حرام، والأدلة على هذا ما يلي: - 1 - عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام» . رواه أبو داود والترمذي (3) . وقال الحافظ ابن حجر (4)" رجاله ثقات، واختلف في وصله وإرساله، وحكم مع ذلك بصحته الحاكم وابن حبان "(5) .
(1) الفتاوى لابن تيمية (27 / 140ـ 382 ـ 387 ـ 502) .
(2)
انظر: المحلى لابن حزم (4 / 27) ، وشرح السنة للبغوي (2 / 415) .
(3)
سبق تخريجه.
(4)
هو: أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن على العسقلاني المصري الشافعي. ولد سنة 773.
وله مصنفات كثيرة، منها: الإصابة، وفتح الباري، وبلوغ المرام، وغيرها. توفي رحمه الله سنة 852هـ.
انظر: طبقات الحفاظ للسيوطي (ص547 ـ 548) .
(5)
فتح الباري لابن حجر (1 / 528) .
الشاهد: قوله: «إلا المقبرة» .
وجه الدلالة:
حيث حرم صلى الله عليه وسلم الصلاة غير الجنازة بالمقبرة، مما دل على أن بناء المسجد بها حرام، لأنها ليست محلا للصلاة.
2 -
عن عائشة وابن عباس رضي الله عنهما قالا: «لما نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم طفق يطرح خميصة له على وجهه، فإذا اغتم بها كشفها عن وجهه، فقال وهو كذلك: " لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ". يحذر ما صنعوا.» متفق عليه، ولفظه للبخاري (1) .
الشاهد: قوله: «لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» .
وجه الدلالة:
حيث بين الرسول صلى الله عليه وسلم وهو في سكرات الموت: أن اليهود والنصارى لعنوا لاتخاذهم قبور أنبيائهم مساجد كما لعنوا بأسباب أخرى، وإنما بين صلى الله عليه وسلم أن هذا من أسباب لعنهم، ليحذر من صنيعهم، خشية أن يلعن من ارتكب السبب الذي به وبغيره لعنوا (2) .
3 -
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «قاتل الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» . رواه البخاري (3) .
(1) البخاري ك الصلاة ب55 حديث رقم 435 ـ 436، وانظر: فتح الباري (1 / 532) ، وصحيح مسلم (1 / 376) رقم 529) ، وانظر: شرح النووي على مسلم (2 / 162) .
(2)
انظر: سورة المائدة: الآيتان 13 ـ 78، وسورة البقرة: الآية 111.
(3)
البخاري ك الصلاة ب 55 رقم 437، وانظر: فتح الباري (532) .
ولمسلم بلفظ: «لعن الله اليهود والنصارى» (1) فهذا كالذي قبله في الدلالة على تحريم اتخاذ القبور مساجد.
4 -
عن جندب (2) قال: «سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس يقول: " ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك» . رواه مسلم (3) .
الشاهد: «ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك» .
وجه الدلالة:
حيث صرح صلى الله عليه وسلم بالنهي الدال على التحريم، وبين أن اتخاذ القبور مساجد كان من عادة الكفار المتقدمين: اليهود والنصارى. وبيانه للعلة يدل على أن النهي إنما كان لمشابهة المشركين، وسدا للذريعة؛ لئلا يعبد مع الله غيره.
5 -
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج» . رواه الترمذي وقال: حديث حسن (4) .
(1) صحيح مسلم (1 / 376) رقم 529، وانظر: شرح النووي على مسلم (2 / 162) ، وشرح السنة للبغوي (2 / 415) .
(2)
جندب بن عبد الله بن سفيان أبو عبد الله البجلي، صحابي جليل، نزل الكوفة والبصرة، وروى عنه: الحسن وابن سيرين وجماعة، بقي رضي الله عنه حيًا إلى سنة 70 هـ.
انظر: تهذيب التهذيب (2 / 117) ، وطبقات ابن سعد (6 / 35) ، وسير أعلام النبلاء (3 / 174) .
(3)
صحيح مسلم (1 / 377) رقم 532، وانظر: المحلى لابن حزم (4 / 27) ، وشرح النووي على صحيح مسلم (2 / 162) .
(4)
سنن الترمذي المطبوع مع تحفة الأحوذي (3 / 267)، وانظر: شرح السنة للبغوي (2 / 417) .
الشاهد: قوله: «لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد» .
وجه الدلالة:
حيث إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يلعن أحدا إلا بموجب الوحي، لقوله تعالى:{وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} [النجم: 3](1) . فلا يلعن الرسول صلى الله عليه وسلم إلا من لعنه الله. واللعن هو الطرد والإبعاد عن رحمة الله تعالى. وهذا دليل على أن من استحق اللعن إنما استحقه لفعل محرم.
6 -
عن عطاء بن يسار (2) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد، اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» . رواه مالك (3) . وقال ابن عبد البر: " هذا الحديث صحيح عند من قال بمراسيل الثقات، وعند من قال بالمسند لإسناد عمر بن محمد له، وهو ممن تقبل زيادته. وبالله التوفيق "(4) .
وقد وردت أحاديث كثيرة بمعنى الأحاديث التي ذكرت، وهي بجملتها نص قاطع على تحريم اتخاذ القبور مساجد (5) .
(1) سورة النجم: الآية 3.
(2)
هو: عطاء بن يسار أخ لسليمان مولى ميمونة. روى: عن أبي أيوب، وعائشة، وأبي هريرة، وأسامة بن زيد. وروى عنه: زيد بن أسلم، وصفوان بن سليم، وعمرو بن دينار. قال أبو داود: سمع عطاء من ابن مسعود. ويقال: إنه مات سنة 103 هـ، وقيل: قبل المائة.
انظر: طبقات ابن سعد (5 / 173) ، وتهذيب التهذيب (7 / 217) ، وسير أعلام النبلاء (4 / 448) .
(3)
التمهيد لابن عبد البر شرح الموطأ (5 / 42) .
(4)
التمهيد لابن عبد البر (5 / 42)، وانظر: ميزان الاعتدال (3 / 220) ، والجرح والتعديل (3 / 131) .
(5)
انظر: الفتاوى لابن تيمية (27 / 382) ، والتمهيد لابن عبد البر (1 / 168) ، وفتح الباري (3 / 208) ، وشرح السنة للبغوي (2 / 415) ، ونيل الأوطار للشوكاني (5 / 106) ، وجامع الأصول لابن الأثير (5 / 472) .