الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «صلاة الجميع تزيد على صلاته في بيته وصلاته في سوقه خمسا وعشرين درجة» . رواه البخاري (1) .
الشاهد: قوله: " في سوقه ".
وجه الدلالة:
أنه لما صحت الصلاة في السوق، جاء بناء المسجد فيه، مع كونه محجورا " لأن أسواق المتقدمين كانت تحجر. وقال البخاري رحمه الله:" وصلى ابن عون في مسجد في دار يغلق عليهم الباب "(2) .
وهذا الأثر يؤيد دلالة الحديث السابق، في أن القصور المحجرة الضخمة كالدور، يجوز بناء المساجد فيها (3) .
وأرى: أن تكون قريبة من أبوابها الرئيسة، حتى ينتفع بها كل من حولها، كما ينبغي أن تبنى المساجد في الأحياء في المواقع المناسبة، التي يستفيد منها جميع سكان الحي.
[المسألة الثالثة بناء المساجد بالدوائر والعمارات الشاهقة]
المسألة الثالثة: بناء المساجد بالدوائر والعمارات الشاهقة: لما تحدثت عن بناء المساجد في الأحياء، ناسب أن أتحدث عن بناء المساجد في بنايات تضم عددًا كبيرا من الرجال، قد يفوق تعداد سكان الحي الواحد، كموظفي الدوائر الحكومية والأهلية، وسكان العمارات الشاهقة والضخمة، فما حكم تخصيص مكان معين منها ليكون مسجدًا؟ .
(1) البخاري ك الصلاة ب 87 الصلاة في مسجد السوق رقم 477.
(2)
البخاري ك الصلاة ب 87 الصلاة في مسجد السوق، وانظر: فتح الباري (1 / 564) .
(3)
انظر بدائع الفوائد لابن القيم (3 / 95) .
اختلف العلماء - رحمهم الله تعالى - في مسألة بناء المسجد فوقه أو تحته، أو فوقه وتحته معا بناء. على أربعة أقوال: -
القول الأول: يجوز أن يبنى المسجد وفوقه أو تحته بناء، أو فوقه وتحته معا بناء. قال به أبو يوسف (1) .
صاحب أبي حنيفة (2) وابن قدامة صاحب المغني (3) .
القول الثاني: يجوز أن يبنى فوق المسجد بناء، ولا يكون تحته بناء. وروي عن أبي حنيفة في رواية عنه (4) . وهي رواية عن الإمام أحمد (5) قال أحمد:" كان ابن مسعود يكره أن يصلي في المسجد الذي بني على قنطرة (6) ". ا. هـ (7) .
القول الثالث: إذا كان البناء تحت المسجد، والمسجد ليس فوقه بناء صح ذلك. روي عن أبي حنيفة في رواية عنه، وذهب إليها بعض أصحابه (8) . وبهذا قال مالك (9) . وهو رواية عن الإمام أحمد (10) .
(1) هو: أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم بن حبيب بن خنيس بن سعد بن بجير بن حسنة الأنصاري، صاحب أبي حنيفة، روى عنه، وعن عطاء بن السائب، وعبيد الله بن عمر. تولى القضاء في بغداد للمهدي والهادي والرشيد، كان صدوقًا، وثقه النسائي، وأخذ عنه: أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، ومحمد بن الحسن الشيباني، وله آراء استقل بها عن صاحبه. ولد سنة 113هـ، وتوفي سنة 182 هـ. انظر: أخبار القضاة (2 / 100 ـ 107) ، وميزان الاعتدال (4 / 397) ، ووفيات الأعيان لابن خلكان (3 / 334) .
(2)
انظر: شرح فتح القدير لابن الهمام (5 / 444) .
(3)
المغني لابن قدامة (5 / 607) .
(4)
انظر: شرح فتح القدير (5 / 445) .
(5)
الفروع لابن مفلح (4 / 637) ، والإنصاف (7 / 102) .
(6)
القنطرة: هي جسر يبنى بالآجر أو بالحجارة على الماء يعبر عليه، وقيل: القنطرة: ما ارتفع من البنيان: قلت: ويشبهها الساباط. وهو: سقيفة بن حائطين تحتها طريق. انظر: لسان العرب (5 / 3752) ، وأساس البلاغة (ص419) ، ومختار الصحاح (ص283) .
(7)
الورع لأحمد (ص26) .
(8)
حاشية ابن عابدين (4 / 358) .
(9)
المدونة الكبرى (1 / 108) .
(10)
الفروع لابن مفلح (4 / 637) .
القول الرابع: لا يصح أدت يبنى مسجد فوقه بناء أو تحته بناء. قال بهذا بعض الأحناف (1) وابن حزم (2) .
الأدلة: استدل أصحاب القول الأول بأنه يجوز بيع البناء الذي تحته بناء أو فوقه بناء، كالشقق في العمارات، ولأن وقفه تصرف يزيل الملك إلى من يثبت له حق الاستقرار بالشراء، ويجوز تمليك منفعته بالأجرة ونحوها (3) .
واستدل أصحاب القول الثاني بأن المسجد إذا كان في قرار الأرض يتأبد، فلا يتغير، بخلاف العلو (4) .
واستدل أصحاب القول الثالث بأن المسجد إذا كان فوقه بناء، فإنه يهان، قال في المدونة:" وسألت مالكا عن المسجد يبنيه الرجل، ويبني فوقه بيتا يرتفق به. قال: ما يعجبني ذلك، وقد كان عمر بن عبد العزيز إمام هدى، وقد كان يبيت فوق ظهر المسجد - مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، فلا تقربه فيه امرأة، وهذا إذا بنى فوقه صار مسكنا، يجامع فيه ويأكل فيه "(5) .
واستدل أصحاب القول الرابع بأن الهواء لا يُتَملّك " لأنه لا يضبط، ولا يستقر، ولا يكون منفكًا عن حقوق العباد، والمسجد حق لله -
(1) حاشية ابن عابدين (4 / 358) ، (1 / 657) .
(2)
المحلى لابن حزم (4 / 248) .
(3)
انظر: المغني (5 / 607) ، والمجموع شرح المهذب ـ تكملة المطيعي رحمه الله (14 / 222) .
(4)
شرح فتح القدير لابن الهمام (5 / 445) .
(5)
المدونة الكبرى للإمام مالك (1 / 108) .