الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكلام هؤلاء العلماء متحد المعنى، مختلف اللفظ، وإنما أوردته مثالاً لغيرهم من العلماء - رحمهم الله تعالى -. وقال العلامة ابن باز - حفظه الله - في قول ابن حجر رحمه الله:" وقد يقول بالمنع - أي من الصلاة في المقبرة - مطلقا من يرى سد الذريعة، وهو متجه قوي ". قال - حفظه الله -: " وهذا هو الحق لعموم الأحاديث الواردة بالنهي عن اتخاذ القبور مساجد، ولعن من فعل ذلك؛ ولأن بناء المساجد على القبور من أعظم وسائل الشرك بالمقبور فيها "(1) .
وأما القول بأن العلة هي النجاسة فليس بصحيح، فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على قبر - صلاة جنازة - وهي صلاة يشترط لها الطهارة (2) . بل ذهب الإمام مالك إلى صحة الصلاة في المقبرة، وتبعه جماعة من العلماء (3) . وسيأتي تفصيل هذا - إن شاء الله - في الفصل الثالث من هذا الباب.
[المسألة الثالثة حكم المسجد المبني على القبر أو إدخال القبر فيه]
المسألة الثالثة: حكم المسجد المبني على القبر أو إدخال القبر فيه: تقدم أنه يحرم اتخاذ القبور مساجد؛ وحينئذ فإدخال القبر بالمسجد حرام.
وإذا اجتمع القبر والمسجد فلهما حالتان: -
(1) فتح الباري (الهامش)(3 / 308) .
(2)
انظر: المحلى لابن حزم (4 / 28) ، والمصنف لابن أبي شيبة (2 / 379) ، وإعلام الموقعين لابن القيم (2 / 365) ، والإنصاف (2 / 531) ، والفروع (1 / 371) ، وبداية المجتهد (1 / 238) .
(3)
المدونة الكبرى (1 / 90)، وانظر: التمهيد لابن عبد البر (5 / 234) ، والمغني لابن قدامة (2 / 71) .
الحالة الأولى: أن يبنى المسجد أولا ثم يدخل فيه القبر، فلا يخلو هذا القبر من أمرين: -
أحدهما: أن يكون جديدا، فيجب نبشه وإزالته عن المسجد تماما، وتسقط حرمته إن كان مسلما، باعتدائه أو اعتداء من أدخله المسجد. لقوله صلى الله عليه وسلم:«ليس لعرق ظالم حق» . رواه أبو داود (1) والترمذي (2) .
وثانيهما: أن يكون القبر قديما، لكنه بعد المسجد. فذكر ابن تيمية: أن هذا القبر يسوى (3) .
والذي يظهر لي: أنه يجب نبشه، وإخراج عظامه ولحمه، وما خالطها من تراب، واستبدال تراب طاهر به إن كان الميت مسلما، فإن كان كافرا فمن باب أولى، لما ذكرته من الأدلة آنفًا، ولاتفاق العلماء على تحريم دفن الميت بالمسجد (4) ولأن حماية المسجد واجبة؛ إذ هو حق مشاع للأحياء، وليس للأموات فيه مشاركة، فلا بد من إخراجه.
أما الصلاة في هذا المسجد فصحيحة، لكونه بني خالصا لله تعالى في أرض تجوز الصلاة فيها. وينبغي للمصلي أن يجتنب استقبال القبر ما وسعه ذلك، فإن استقبله في صلاته معظما له فهو على خطر عظيم (5) .
(1) أبو داود ك الإمارة ب إحياء الموات. سنن أبي داود المطبوع مع عون المعبود (8 / 326) .
(2)
الترمذي ـ أبواب الأحكام ب ما ذكر في إحياء أرض الموات. سنن الترمذي المطبوع مع شرح الإمام ابن العربي (6 / 146) وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب. قال في كشف الخفاء (2 / 171) : في سنده زمعة بن صالح ضعيف.
(3)
الفتاوى لابن تيمية (22 / 195) .
(4)
انظر: المجموع للنووي (2 / 182) ، والفتاوى لابن تيمية (22 / 195) .
(5)
انظر: المغني (2 / 73) ، وكشاف القناع (1 / 294) .
الحالة الثانية: أن يكون القبر قد وضع أولا، ثم بني عليه مسجد.
فهذه الحالة هي التي نص الرسول صلى الله عليه وسلم على لعن من يفعلها، وقد حدثت إقامة المشاهد على القبور في وسط المساجد، وحصل فيها بلاء وكفر بالله، وما تزال في بعض مساجد المسلمين اليوم، وأغلبها لأناس يزعم القائمون عليها أنهم من الصحابة أو التابعين، كالحسين (1) بن علي وزينب وغيرهما. وهي في الحقيقة ليست لهم (2) .
وقد أنكر المحققون للتوحيد هذه الأعمال، وبينوا حكمها للناس (3) .
والصلاة في هذه المساجد محرمة عند جمع من أهل العلم، لأن المسجد ذاته محرم، ويجب هدمه، لما في هذا العمل من مشابهة المشركين، ولأنه ذريعة إلى الشرك (4) .
وتصح في هذه المساجد صلاة الجنازة، لصحتها بالمقبرة، وتصح صلاة من سجن بمسجد فيه قبر، لكونه لا يجد محلا غيره، وعليه ألا يستقبل القبر ما أمكنه (5) .
وإن كانت القبور التي بالمسجد لمشركين، فتنبش ويطهر المسجد
(1) هو: الحسين بن علي بن أبي طالب، سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم وريحانته، أمه فاطمة بنت الرسول صلى الله عليه وسلم سيد شباب أهل الجنة. ولد عام 4هـ، وقتل عام 61 هـ.
انظر: الإصابة (2 / 76) ، والبداية والنهاية لابن كثير (ص149) .
(2)
الفتاوى لابن تيمية (27 / 488) .
(3)
انظر: حاشية الروض المربع لابن قاسم (3 / 131) ، والفتاوى لابن تيمية (22 / 195) .
(4)
انظر: المغني لابن قدامة (2 / 67) ، والفتاوى (27 / 489) ، وتيسير العزيز الحميد (ص704) .
(5)
انظر: المحلى (4 / 27) ، وكشاف القناع (1 / 294) .
منها، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم عند بنائه لمسجده (1) .
وأما أن يوجد القبر والمسجد في آن واحد فهذا نادر جدًا ولا يتأتى إلا إذا كان المسجد من مادة يمكن صنعها بسرعة، كعريش السعف ونحوه. قال ابن القيم: ولو وضع المسجد والقبر معًا لم يجز ولم يصح الوقف ولا الصلاة (2) وهذا من باب تغليب الحظر على الإباحة (3) ولأن الأحاديث تشمل هذه الصورة كغيرها مما تقدم ذكره (4) . ولو أن إنسانًا أوقف مسجدًا وشرط أن يدفن في جانب منه، لبطل شرطه لمخالفته المشروع (5) . ولربما قيل بحبوط عمله لسوء نيته.
(1) انظر: الجزء الأول، المسألة الأولى من أحكام المسجد النبوي.
(2)
ذكره ابن قاسم في حاشية الروض المربع (3 / 131) ولم أعثر عليه.
(3)
انظر: نيل الأوطار للشوكاني (5 / 112) ، والأشباه والنظائر للسيوطي (ص105)، وروضة الناظر لابن قدامة (ص27) تحقيق: الدكتور عبد العزيز بن عبد الرحمن السعيد. ط: الأولى.
(4)
انظر: حاشية ابن قاسم (3 / 131) ، وكشاف القناع (1 / 294) .
(5)
انظر: إعلام الساجد للزركشي (ص356) .