المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[المسألة الخامسة تعدد المساجد في البلد الواحد] - أحكام المساجد في الشريعة الإسلامية

[إبراهيم الخضيري]

الفصل: ‌[المسألة الخامسة تعدد المساجد في البلد الواحد]

لك مسجدا، فحيثما أدركتك الصلاة فصل» . رواه مسلم (1) .

وأما جعل الطريق يمر من تحت المسجد (2) فقد كره ذلك الإمام أحمد وقال: " كان ابن مسعود يكره أن يصلي في المسجد الذي بني على قنطرة ". وقال في المساجد التي على الطرقات: إن حكمها أن تهدم. وقال: المساجد أعظم حرمة " (3) .

[المسألة الخامسة تعدد المساجد في البلد الواحد]

المسألة الخامسة: تعدد المساجد في البلد الواحد: تختلف البلدان من زمن إلى آخر، ومن مكان إلى مكان آخر، فربما كان البلد بالأمس قرية صغيرة، وهو اليوم مدينة كبيرة تحتوي على عدة أحياء، كل حي يعادل القرية أو يزيد. والكلام في تعدد المساجد من وجهين: -

الوجه الأول: تعدد المساجد التي تقام فيها الصلوات غير الجمعة.

نص العلماء - رحمهم الله تعالى - على تحريم بناء مسجد بجوار مسجد، أو بقربه، لقصد الإضرار والمنافسة، وهكذا قسمة المسجد الواحد إلى مسجدين.

فأما للضرورة والحاجة فيجوز بناء مسجد قرب مسجد آخر أو جنبه، ولا تحل قسمة المسجد إلى مسجدين؛ لأنه لا ضرورة تدعو لذلك. والأفضل توسعة المسجد، ولا يبنى بجواره مسجد (4) .

(1) صحيح مسلم (1 / 370)، وانظر: شرح النووي على مسلم (2 / 154) .

(2)

وهكذا لو بني المسجد على شكل ساباط ـ ببناء بين حائطين تحته طريق ـ انظر: أساس البلاغة (ص419) ، ومختار الصحاح (ص283) .

(3)

الورع لأحمد (ص26)، وانظر: المصنف لابن أبي شيبة (2 / 401) .

(4)

انظر: المبسوط (1 / 1 / 140) ، وتفسير القرطبي (4 / 8 / 254) ، والفروع لابن مفلح (2 / 38) ، والمحلى لابن حزم (4 / 43) .

ص: 21

ودليل ما تقدم: قول الله تعالى: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ - لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ} [التوبة: 107 - 108](1) .

الشاهد: قول الله تعالى: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ - لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا} [التوبة: 107 - 108]

وجه الدلالة:

أن الله سبحانه وتعالى بين قصد المنافقين من بناء مسجدهم، وأنهم إنما بنوه لقصد الضرر بالمسلمين، فلذلك نهى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يصلي فيه، فهدمه النبي صلى الله عليه وسلم عقابا لهم (2) .

الوجه الثاني: تعدد المساجد التي تقام فيها الجمعة.

من المعروف أن المساجد الجامعة تتخذ شكلا خاصا بها؛ حيث تحتوي على منبر، وتكون كبيرة. وقد اشترط بعض المالكية (3) لصلاة الجمعة: المسجد المسقف، مستدلين بقوله تعالى:{فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} [النور: 36](4) الآية. وقوله: (. . . {وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ} [الحج: 26] )(5) وحقيقة البيتية أن يكون

(1) سورة التوبة: الآيتان 107 - 108) .

(2)

انظر: أحكام القرآن لابن العربي (3 / 1012) ، وتفسير ابن كثير (4 / 148 ـ 150) ، وفتح القدير للشوكاني (2 / 403) .

(3)

الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (9 / 18 / 113) .

(4)

سورة النور: الآية 36.

(5)

سورة الحج: الآية 26.

ص: 22

ذا حيطان ترفع (1) . قلت: وغالب البيوت التي يسكنها الناس أو المساجد ذات حيطان وسقف (2) .

وجمهور العلماء: على أنه لا يشترط لصلاة الجمعة المسجد المسقف؛ بل تصح الصلاة في أي مكان لعموم الأدلة: «جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا» ، ولأنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه ما يدل على اشتراط المسجد للجمعة (3) . ولهذا كله: كان من المناسب أن أتعرض لحكم تعدد الجمعة في البلد الواحد، لأنه بمعرفة مكان إقامة الجمعة نعرف أنه يجوز بناء المسجد الجامع فيه لأجل صلاة الجمعة.

اختلف العلماء في جواز تعدد الجمعة في البلد الواحد، على قولين: -

القول الأول: يجوز تعدد الجمعة في البلد الواحد للضرورة والحاجة الداعية إلى ذلك. وهذا الراجح في مذهب أبي حنيفة (4) وأحمد (5) .

القول الثاني: لا يجوز تعدد الجمعة في البلد الواحد. روي هذا عن أبي حنيفة (6) . وبه قال مالك (7) والشافعي (8) ورواية عن الإمام أحمد (9) .

(1) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (9 / 18 / 113) .

(2)

انظر: لسان العرب (1 / 392) ، ومختار الصحاح (ص70) .

(3)

انظر: الجمعة ومكانتها في الدين لابن حجر آل بن علي آل بوطامي (ص56) ، والمغني لابن قدامة (3 / 332) ، وبداية المجتهد لابن رشد (1 / 160) .

(4)

المبسوط للسرخسي (2 / 120) .

(5)

الفروع لابن مفلح (2 / 102)، وانظر: الفتاوى لابن تيمية (24 / 167 ـ 149 ـ 209) .

(6)

حاشية ابن عابدين (2 / 145) .

(7)

المدونة الكبرى لمالك (1 / 151) .

(8)

الأم للشافعي (1 / 192) .

(9)

الإنصاف للمرداوي (2 / 378) ، والإفصاح (1 / 164) .

ص: 23

الأدلة: استدل أصحاب القول الأول بما يلي: -

1 -

ثبت أن علي بن أبي طالب استخلف ابن مسعود يصلي بالضعفة صلاة العيد. والجمعة مثلها (1) .

2 -

ولأن في تحديد إقامة الجمعة بموطن واحد حرجا عظيما، ومشقة كبيرة، والإسلام دين يسر، فتعددها إذا كان لحاجة وبإذن ولي الأمر - فيه رفع للحرج عن المسلمين، فهو جائز شرعا (2) .

واستدل أصحاب القول الثاني بما يلي: -

1 -

ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقم الجمعة وهو في المدينة إلا في مسجد واحد بالبلد، وهو مسجده صلى الله عليه وسلم، وكذلك فعل خلفاؤه الأربعة من بعده، ولم يظهر لهم مخالف (3) .

2 -

قال ابن عمر: (لا تقام الجمعة إلا في المسجد الذي يصلي فيه الإمام " (4) ومراده رضي الله عنه بقوله " الإمام ": أي الإمام الأعظم، ومفاد كلامه هذا: أنه لا يجوز تعدد إقامة الجمعة في البلد الواحد.

المناقشة: اتفق العلماء - رحمهم الله تعالى - على أن تعدد الجمعة بلا حاجة لا يجوز. قال في المغني: " لا نعلم في هذا مخالفا "(5) ولهذا إذا

(1) انظر: حاشية ابن قاسم على الروض المربع (2 / 499) .

(2)

انظر: المبسوط للسرخسي (1 / 1 / 120)، والأشباه والنظائر للسيوطي (ص76) ط: الأولى، سنة 1399هـ.

(3)

انظر: المجموع شرح المهذب (4 / 406) ، والجمعة ومكانتها في الدين (ص78) .

(4)

المغني لابن قدامة (2 / 334) .

(5)

المغني (2 / 335) ، والإفصاح لابن هبيرة (1 / 164) .

ص: 24