الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حصل الاستغناء بثلاث لم تجزئ الرابعة، وهكذا الخامسة والسادسة والسابعة اللاتي لا يحتاج إليهن، وتعتبر حينئذ صحة الصلاة بأسبقها، فالثلاث السابقات هن الصحيحات، وقيل: من كان فيه الإمام أو نائبه، وقيل: المسجد العتيق (1) .
وأما للضرورة والحاجة: فإن الإسلام دين يسر، ولا مشقة فيه، وجمع الخلائق بمكان واحد - مع كثرتهم الشديدة وضيق الأمكنة - فيه مشقة شديدة عليهم (2) وعلى هذا سار المسلمون اليوم، إذ لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم المنع من إقامتها. وقول ابن عمر مختلف فيه، لأن الصحابة كانوا يصلون في المساجد الجامعة في القرى وليس فيها الإمام الأعظم، فلا حجة فيه (3) .
[المسألة السادسة المسجد المتنقل]
المسألة السادسة: المسجد المتنقل: لما تحدثت عن موقع المسجد الثابت وانتهيت منه، ناسب الحديث عن المسجد المتنقل، وهذا المسجد المتنقل إما أن يكون مستقلا بنفسه، بحيث يحمله الإنسان حيث يشاء ويضعه حيث يشاء. قال في حاشية قليوبي وعميرة ما نصه: " قوله: (ومنقول) أي: غير مسجد، فإن ثبته بنحو تسمير صح إن كان محله يجوز الانتفاع به، ولا يضر نقله - أي المسجد - بعد ذلك. وحينئذ يصح الاعتكاف عليه ولو في هوائه، لا تحته، وكذا يحرم المكث من الجنب فوقه لا تحته، ولا
(1) انظر: الأم (1 / 193) ، والمغني (2 / 336) .
(2)
انظر: حاشية ابن عابدين (2 / 145) ، والأشباه والنظائر للسيوطي (ص76) .
(3)
انظر: نيل الأوطار (4 / 158) .
يحرم عليه - أي الجنب - حمله، كذا قاله بعض مشايخنا، والأقرب صحة الاعتكاف تحته، ولو لحامله؛ حيث كان داخلا في هوائه، ولا يضر تجدد هوائه وزواله " (1) .
هذا ما ذكره بعض الفقهاء الذين لم يعاصروا الطائرات، ولا القطارات، ولا المراكب الحديثة كلها، وأنا سأتحدث عن المسجد المتنقل في هذه المراكب، وفي السفينة. ولما كانت السفينة هي المركب المشابه لهذه المراكب والموجودة في القرون الأولى، فقد تحدث العلماء عن الصلاة فيها، فذكروا - رحمهم الله تعالى - أن الصلاة تصح في السفينة، ولا يلزم من فيها النزول إلى الشاطئ للصلاة، ويلزمه الوقوف إن قدر عليه، ويجوز إقامة الصلاة جماعة في السفينة، ولا يحنون رؤوسهم ليصلوا جماعة، بل يصلون فرادى في سطحها قياما، إلا إذا قدروا على الخروج من السفينة، وأداء الصلاة في الشاطئ جماعة أفضل، ويستقبل القبلة في السفينة، ويدور إلى القبلة كلما دارت السفينة، وإن خرج إلى الشاطئ وصلى مستقبلا القبلة بطمأنينة فهو أولى، وربما قيل بوجوب الخروج عليه لصلاة الفريضة إن لم يستطع استقبال القبلة في السفينة، ولم يخش فوات الصلاة (2) .
ويدل لهذا ما يلي: -
(1) حاشية قليوبي وعميرة (2 / 3 / 98) .
(2)
انظر: المغني لابن قدامة (1 / 436) ، والإنصاف (2 / 311) ، والمبسوط (1 / 2 / 3) ، والمحلى (4 / 185) ، والمدونة الكبرى (1 / 123) ، وبدائع الفوائد لابن القيم (4 / 107) ، وحاشية الروض المربع لابن قاسم (1 / 541) .
1 -
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «سئل النبي صلى الله عليه وسلم كيف أصلي في السسفينة؟ قال: " صل فيها قائما إلا أن تخاف الغرق» . رواه الدارقطني (1) .
الشاهد: قوله: «صل فيها قائما» .
وجه الدلالة:
أن الصلاة في السفينة صحيحة، ويصلي قائما، إلا أن يخاف من سقوط ونحوه.
2 -
وروي عن جابر بن عبد الله وأبي سعيد الخدري وأبي هريرة: " أنهم صلوا جماعة في سفينة، أمهم أحدهم، وهم يقدرون على المسجد ". رواه ابن أبي شيبة (2) وعن الشعبي (3) والحسن وابن سيرين أنهم قالوا: " صل في السفينة قائما " رواه مالك (4) . أما ما ذكر عن ابن سيرين ومجاهد: أنهم صلوا في السفينة قعودا، ولو شاؤوا لقاموا (5) فإنه محمول على النافلة، ولو حمل على الفريضة لكانت صلاتهم
(1) سنن الدارقطني (1 / 394) وقال: حسين بن علوان متروك. قلت: هو أحد رجال السند. فالحديث ضعيف عند الدارقطني. وقال صاحب التعليق المغني على الدارقطني (1 / 395) : الحديث أخرجه الحاكم. قال في المنتقى: هو صحيح على شرط الشيخين. قلت: فيه سيرين بن فافا، وضعفه الدارقطني. ا. هـ.
(2)
المصنف لابن أبي شيبة (2 / 266) .
(3)
هو: عامر بن شراحيل بن ذي كبار، وذو كبار قيل من أقيال اليمين أبو عمرو الهمداني. ولد في إمرة عمر رضي الله عنه وقيل: سنة إحدى وعشرين، ورأى عليًا وصلى خلفه، وسمع من عدة من كبراء الصحابة، وأخذ عنه جمع كثير، ولد هو له توأمًا، وكان ضئلاً نحيفًا. قال: أدركت خمسمائة صحابي. مات سنة 104 هـ ـ وقد بلغ 82 سنة، وقيل غير ذلك.
انظر: سير أعلام النبلاء (4 / 294) ، وطبقات ابن سعد (6 / 246) ، وأخبار القضاة (2 / 413) ، وتهذيب التهذيب (5 / 65) .
(4)
المدونة الكبرى لمالك (1 / 123) .
(5)
المبسوط للسرخسي (1 / 2 / 3) .
باطلة، لأن القيام مع القدرة عليه ركن في الصلاة بالإجماع (1) .
3 -
وعن الحسن وابن سيرين قالا: يصلون فيها قياما جماعة، ويدورون مع القبلة حيث دارت (2) . فهذه الآثار عن السلف الصالح تدل على اتفاقهم على صحة الصلاة في السفينة.
4 -
وقد نص العلماء - رحمهم الله تعالى - على صحة النافلة فوق الراحلة، ويصلي متنفلا حيث اتجهت، لكن يبدأ بتكبيرة الإحرام وهو متجه إلى القبلة. أما الفريضة: فلا بد أن ينزل عنها ويصلي في الأرض لقدرته على النزول، ولعدم ثبوت الراحلة واستقرارها (3) .
فالسيارة كالراحلة يمكن لسائقها الوقوف بسهولة، ولو صلى فيها متجها للقبلة في كامل الفريضة؛ صحت صلاته، إن كان يسير بخط تثبت معه السيارة، وله أن يصلي في السيارة في حالة الخوف مهما اتجهت كالدابة.
وأما الطائرة فأقرب شبه لها في القديم السفينة؛ لأن الراكب لا يتحكم في اتجاهها، ولا تقف متى شاء؛ بل لها مسارات محددة، والقطارات لها مسارات محددة لا يستطيع الراكب التحكم فيها. أما في الجو، وفي الطريق للقطار فإنهم لا يتوقفون، أما الطائرة فلعدم القدرة، وأما القطار فلارتباطه بزمن معين في شغل الطريق، لأنه سيشغل في وقت آخر من قطار آخر، وهكذا.
(1) انظر: الإفصاح لابن هبيرة (1 / 121) .
(2)
المصنف لابن أبي شيبة (2 / 267 ـ 268) .
(3)
انظر: شرح السنة (4 / 188) ، والفتاوى لابن تيمية (24 / 6ـ37) ، والفروع لابن مفلح (1 / 373) ، وحاشية ابن عابدين (2 / 38) والمغني لابن قدامة (2 / 600) ، وفتح الباري لابن حجر (2 / 576) ، وجامع الأصول في أحاديث الرسول لابن الأثير (5 / 478) ، ونيل الأوطار للشوكاني (2 / 289) .
ففي هذه المراكب، أرى: تحديد غرف معينة للمصلين لها قاعدة تتحرك بجهاز مغناطيسي عن طريق غرفة القيادة بأمان وسهولة، ويمكن ضبطها إلى جهة القبلة، وتكون هناك علامات للقبلة، وأجهزة تحدد اتجاه القبلة بالزمن والمكان، ليعرفها المصلون.
ولهم إقامة الصلاة جماعة في الطائرة وفي القطار، ويدورون مع القبلة حيث دارت، إما بأنفسهم، أو بالقاعدة التي ذكرتها آنفًا. وهذا ممكن في العصر الحديث.