المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الآيات: (31- 35) [سورة الأحزاب (33) : الآيات 31 الى 35] - التفسير القرآني للقرآن - جـ ١١

[عبد الكريم يونس الخطيب]

فهرس الكتاب

- ‌الآيات: (46- 51) [سورة العنكبوت (29) : الآيات 46 الى 51]

- ‌الآيات: (52- 55) [سورة العنكبوت (29) : الآيات 52 الى 55]

- ‌الآيات: (56- 60) [سورة العنكبوت (29) : الآيات 56 الى 60]

- ‌الآيات: (61- 69) [سورة العنكبوت (29) : الآيات 61 الى 69]

- ‌30- سورة الرّوم

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 10) [سورة الروم (30) : الآيات 1 الى 10]

- ‌الآيات: (11- 19) [سورة الروم (30) : الآيات 11 الى 19]

- ‌الآيات: (20- 27) [سورة الروم (30) : الآيات 20 الى 27]

- ‌[الليل.. وما وسق]

- ‌الآيات: (28- 32) [سورة الروم (30) : الآيات 28 الى 32]

- ‌الآيات: (33- 40) [سورة الروم (30) : الآيات 33 الى 39]

- ‌الآيات: (40- 45) [سورة الروم (30) : الآيات 40 الى 45]

- ‌الآيات: (46- 53) [سورة الروم (30) : الآيات 46 الى 53]

- ‌الآيات: (54- 60) [سورة الروم (30) : الآيات 54 الى 60]

- ‌31- سورة لقمان

- ‌الآيات: (1- 11) [سورة لقمان (31) : الآيات 1 الى 11]

- ‌الآيات: (12- 19) [سورة لقمان (31) : الآيات 12 الى 19]

- ‌الآيات: (20- 28) [سورة لقمان (31) : الآيات 20 الى 28]

- ‌الآيات: (29- 34) [سورة لقمان (31) : الآيات 29 الى 34]

- ‌32- سورة السجدة

- ‌الآيات: (1- 11) [سورة السجده (32) : الآيات 1 الى 11]

- ‌الآيات: (12- 21) [سورة السجده (32) : الآيات 12 الى 21]

- ‌الآيات: (22- 30) [سورة السجده (32) : الآيات 22 الى 30]

- ‌33- سورة الأحزاب

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 5) [سورة الأحزاب (33) : الآيات 1 الى 5]

- ‌الآيات: (6- 8) [سورة الأحزاب (33) : الآيات 6 الى 8]

- ‌الآيات: (9- 20) [سورة الأحزاب (33) : الآيات 9 الى 20]

- ‌الآيات: (21- 27) [سورة الأحزاب (33) : الآيات 21 الى 27]

- ‌الآيات: (28- 30) [سورة الأحزاب (33) : الآيات 28 الى 30]

- ‌الآيات: (31- 35) [سورة الأحزاب (33) : الآيات 31 الى 35]

- ‌الآيات: (36- 40) [سورة الأحزاب (33) : الآيات 36 الى 40]

- ‌الآيات: (41- 48) [سورة الأحزاب (33) : الآيات 41 الى 48]

- ‌الآيات: (49- 52) [سورة الأحزاب (33) : الآيات 49 الى 52]

- ‌الآيات: (53- 55) [سورة الأحزاب (33) : الآيات 53 الى 55]

- ‌الآيات: (56- 59) [سورة الأحزاب (33) : الآيات 56 الى 59]

- ‌الآيات: (60- 71) [سورة الأحزاب (33) : الآيات 60 الى 71]

- ‌الآيتان: (72- 73) [سورة الأحزاب (33) : الآيات 72 الى 73]

- ‌34- سورة سبأ

- ‌الآيات: (1- 9) [سورة سبإ (34) : الآيات 1 الى 9]

- ‌الآيات: (10- 14) [سورة سبإ (34) : الآيات 10 الى 14]

- ‌الآيات: (15- 21) [سورة سبإ (34) : الآيات 15 الى 21]

- ‌الآيات: (22- 30) [سورة سبإ (34) : الآيات 22 الى 30]

- ‌الآيات: (31- 33) [سورة سبإ (34) : الآيات 31 الى 33]

- ‌الآيات: (34- 39) [سورة سبإ (34) : الآيات 34 الى 39]

- ‌الآيات: (40- 45) [سورة سبإ (34) : الآيات 40 الى 45]

- ‌الآيات: (46- 54) [سورة سبإ (34) : الآيات 46 الى 54]

- ‌35- سورة فاطر

- ‌الآيات: (1- 7) [سورة فاطر (35) : الآيات 1 الى 7]

- ‌الآيات: (8- 14) [سورة فاطر (35) : الآيات 8 الى 14]

- ‌الآيات: (15- 23) [سورة فاطر (35) : الآيات 15 الى 23]

- ‌الآيات: (24- 28) [سورة فاطر (35) : الآيات 24 الى 28]

- ‌الآيات: (29- 37) [سورة فاطر (35) : الآيات 29 الى 37]

- ‌الآيات: (38- 41) [سورة فاطر (35) : الآيات 38 الى 41]

- ‌الآيات: (42- 45) [سورة فاطر (35) : الآيات 42 الى 45]

- ‌36- سورة يس

- ‌الآيات: (1- 12) [سورة يس (36) : الآيات 1 الى 12]

- ‌الآيات: (13- 27) [سورة يس (36) : الآيات 13 الى 27]

- ‌فهرس الموضوعات

الفصل: ‌الآيات: (31- 35) [سورة الأحزاب (33) : الآيات 31 الى 35]

‌الآيات: (31- 35)[سورة الأحزاب (33) : الآيات 31 الى 35]

وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صالِحاً نُؤْتِها أَجْرَها مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنا لَها رِزْقاً كَرِيماً (31) يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً (32) وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً (33) وَاذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كانَ لَطِيفاً خَبِيراً (34) إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَالْقانِتِينَ وَالْقانِتاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِراتِ وَالْخاشِعِينَ وَالْخاشِعاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِماتِ وَالْحافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحافِظاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِراتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً (35)

التفسير:

قوله تعالى:

«وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صالِحاً نُؤْتِها أَجْرَها مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنا لَها رِزْقاً كَرِيماً» .

هو مقابل قوله تعالى في الآية السابقة: «يا نِساءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ» .

ص: 703

فهذا مقام، وذاك مقام.. هذا في مقام الإحسان، وذاك في مقام الإساءة..

وكما أن زلّة أهل الإحسان كبيرة ومؤاخذتهم عليها أكبر، فإن إحسانهم عظيم وجزاءهم عليه أعظم..

والقنوت: الولاء والخشوع..

وفي عطف الرسول على الله سبحانه وتعالى، تكريم عظيم للرسول، وإشارة إلى مقامه العظيم عند ربه..

وقوله تعالى: «وَتَعْمَلْ صالِحاً» معطوف على قوله تعالى: «يَقْنُتْ» ..

وفي هذا إشارة إلى أن القنوت- وهو الولاء والخشوع- من عمل القلب.. وأنه لكى يكون لهذا القنوت أثر، ينبغى أن يخرج إلى مجال العمل، فالعمل هو المحكّ الذي يظهر عليه ما في القلب من مشاعر ومعتقدات..

وإيتاء الأجر مرتين، هو مضاعفة الثواب لأهل الإحسان، فضلا من فضل الله، وإحسانا من إحسانه إلى أهل ودّه.. «وَاللَّهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ» (261: البقرة) قوله تعالى:

«يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفاً» تكشف الآية هنا عن السبب الذي من أجله كان حساب نساء النبي في مقام الإحسان أو الإساءة على هذا الوجه الذي أشارت إليه الآيات السابقة، وذلك أنهن لسن مثل غيرهن من النساء.. إنهن نساء النبي.. قد فرض عليهن أن يزهدن في الحياة الدنيا ومتاعها، إذا شئن أن يحسبن في نساء النبي.

ص: 704

ثم جعل حسابهن في مقام الإحسان أو الإساءة، على غير ما يقوم عليه حساب النساء جميعا..

- وفي قوله تعالى: «يا نِساءَ النَّبِيِّ» استدعاء لهن بتلك الصفة الرفيعة التي حلّاهن الله سبحانه وتعالى بها في بيت النبوة، وتذكير لهن بتلك النعمة العظيمة التي لبسنها بإضافتهن إلى النبي..

- وقوله تعالى: «لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ» .. نفى الشّبه عن نساء النبي هنا هو في المقام الذي حللنه في المسلمين.. فهن في هذا المقام أمهات المؤمنين، لهن ما للأمهات عند الأبناء من توقير وتقدير، فهن بهذا الوضع لسن كمطلق النساء، وعمومهن، بل إن لهن خصوصية لا يشاركهن فيها غيرهن من النساء- وقوله تعالى:«إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ» الخضوع بالقول مضغ الكلام، ولينه، تدلّلا.. وهذا من المرأة أشبه يكشف العورة، وإبداء الزينة، إذ كان الصوت من بعض مفاتنها.. وصوت المرأة إذا كان على طبيعته لا شىء فيه، ولكن التصنع هو الذي يجعل من صوتها داعيا يدعو إلى الريبة، وإثارة شهوة الرجال.. ولهذا تغزل الشعراء بمثل هذا الصوت الذي يجىء من المرأة عن دلال وصنعة..

ويعدّ المتنبي مضغ الكلام ولينه من بدع الحضارة الذي لا يعجبه فيقول:

أفدى ظباء فلاة ما عرفن بها

مضغ الكلام ولا صبغ الحواجيب

وقوله تعالى: «وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفاً» أي تحدثن حديثا، واضحا صريحا، بعيدا عن التكليف والصنعة، مجانبا، الغمز والإشارة..

فهذا أدب يباعد بين نساء النبي، وبين أن يطوف بهن طائف من الريب، وهو أدب ينبغى أن يكون لنساء المؤمنين جميعا.. فلهن في نساء النبي أسوة حسنة..

ص: 705

قوله تعالى:

«وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً» .

قرن في بيوتكن: أي أقمن في بيوتكن، والزمن الحياة فيها.. وهو من القرار والسكن، وأصله: اقررن في بيوتكن.

والتبرج: التهتك، وإظهار الزينة..

والجاهلية الأولى: أي الجاهلية العريقة في الجهل..

والآية، أمر لنساء النبي، أن يلزمن بيوتهن، وألا يغشين المجالس والطرقات.. إذ أن بيوتهن، هى مساجدهن التي رضين أن يعشن فيها بعيدات عن صخب الدنيا، وعن زخرفها ومتاعها..

وهذا القرار في البيوت، لنساء النبي- أمر طبيعى، بعد أن اخترن الله ورسوله والدار الآخرة.. فما لهن بعد هذا مطلب يطلبنه خارج بيوتهن، من لهو أو تجارة أو نحوها.. ولهذا كانت الدعوة إليهن بالقرار في البيوت مقترنة بالدعوة بإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة وإطاعة الله ورسوله.. فهذا هو دأبهن في الحياة.. الاتجاه إلى الله، والعمل لما يرضى الله، ورسول الله..

- وقوله تعالى: «إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً» .

أي إن هذا لذى يدعى إليه نساء النبي من أدب السماء، هو لما يريد الله سبحانه وتعالى لهن من طهر، يتناسب مع مقامهن، ويتلاقى مع انتسابهن إلى النبي..

ص: 706

«وأَهْلَ الْبَيْتِ» منادى، وفي النداء تذكير لنساء النبي بهذا النسب الكريم الذي ينتسبن إليه، وأنهن أهل بيت النبي.

- وقوله تعالى: «وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً» توكيد لهذا الطهر الذي يريد الله سبحانه وتعالى أن يضفيه على أهل بيت النبي.. فهو طهر خالص، لا تعلق به شائبة من دنس، أو رجس..

قوله تعالى:

«وَاذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كانَ لَطِيفاً خَبِيراً» .

آيات الله، هى القرآن الكريم، والحكمة: هى السنة المطهرة.

والمراد بذكر آيات الله والحكمة، هو تذكرها، والعمل بها.. ففى ذكر آيات الله، وسنة الرسول، تذكير بما فيهما من أحكام وآداب.. وفي هذا التذكير حثّ على العمل، وتحرّ لما يرضى الله ورسوله، من قول أو فعل!.

وقوله تعالى: «بُيُوتِكُنَّ» إشارة إلى أن بيوت نساء النبي هى الآفاق التي تطلع منها آيات الله، وسنة الرسول.. إذ كان الرسول- صلوات الله وسلامه عليه- على تلاوة دائمة لآيات الله آناء الليل أو النهار، فى أي بيت من بيوت نسائه..

- وقوله تعالى: «إِنَّ اللَّهَ كانَ لَطِيفاً خَبِيراً» - دعوة إلى ما ينبغى أن يصحب الذاكر لآيات الله وسنة الرسول من يقظة الوجدان، واستجماع المشاعر والمدارك لاستقبال ما يتلى من آيات الله والحكمة، فذلك هو الذي يمنح القدرة على استشفاف بعض ما ضمّت عليه كلمات الله، وهدى رسوله، من حكمة وموعظة، وعلى التعرف على بعض ما حملت من علم ومعرفة..

ص: 707

- «إِنَّ اللَّهَ كانَ لَطِيفاً خَبِيراً» .. ومن لطف الله وخبرته يقبس عباد الله المقربون، المكرمون..

قوله تعالى:

«إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَالْقانِتِينَ وَالْقانِتاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِراتِ وَالْخاشِعِينَ وَالْخاشِعاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِماتِ وَالْحافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحافِظاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِراتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً» ..

كانت الآيات السابقة دعوة لنساء النبي من الله سبحانه وتعالى، إلى ما يحفظ عليهن مقامهن الكريم عند الله، ومنزلتهن العالية في نفوس المسلمين..

وقد وعدهن الله سبحانه وتعالى على ذلك أجرا عظيما..

ورحمة الله الواسعة وفضله العظيم، يسعان الوجود كله، وينالان البرّ والفاجر من عباده.. فكيف بالمؤمنين الذين استجابوا الله، وأخلصوا دينهم وولاءهم له؟ إن لهم مزيدا من الرحمة، وأضعافا مضاعفة من الفضل والإحسان..

وفي الآية الكريمة تسوية بين الرجل والمرأة في مقام التكليف والجزاء..

وهذا ما يجعل للمرأة وجودها الكامل مع الرجل، إذا ارتبطا برباط الزوجية..

وإلا فإن أي حيف يدخل على وجودها- بحكم الشريعة- يحلها من الالتزام بأحكام هذه الشريعة وآدابها، إذ كانت- والأمر كذلك- غير- مالكة أمرها على الوجه الذي تحقق فيه ذاتيتها، وتحرر فيه إرادتها، وتمضى به مشيتها.. وهذا يؤيد ما ذهبنا إليه في تفسير قوله تعالى:«يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها.. الآية» .

ص: 708

وقد ذكرت الآية هنا عشرة أوصاف للرجال والنساء، من حققها من أىّ من الرجال والنساء، استحق ما وعد الله به من المغفرة والأجر العظيم..

ويلقانا مع الآية الكريمة سؤالان:

أولهما: هل اجتماع هذه الأوصاف شرط في تلقّى الجزاء الذي وعد الله سبحانه وتعالى به، فى هذه الآية، أم أنه يكفى أن يحقق المرء وصفا واحدا منها، فيكون أهلا لتلقى هذا الجزاء؟ وإذا كان ذلك كذلك، فلم تعددت هذه الأوصاف إذا كان واحد منها مغنيا عن غيره؟

والجواب على هذا- والله أعلم- هو أن أي وصف من هذه الأوصاف إذا حققه المرء تحقيقا كاملا، كان في الوقت نفسه، محققا، جامعا للأوصاف الأخرى كلها..

فمثلا.. المسلم.. إذا حقق معنى الإسلام على تمامه وكماله، كان مؤمنا، وكان قانتا، وكان صادقا، وكان صابرا، وخاشعا، ومتصدقا، وصائما، وحافظا لفرجه، وذاكرا لله كثيرا.. وهكذا.. المؤمن.. يكون مسلما، ويكون قانتا، وصادقا، وصابرا، وخاشعا، ومتصدقا، وصائما، وحافظا لفرجه، وذاكرا لله كثيرا..

ومثل هذا كل وصف تحققه المرء من هذه الأوصاف على وجهه كاملا، فإنه تتحقق معه الأوصاف التسعة الأخرى.. لأن كماله إنما يقوم على هذه الأوصاف كلها..

هذا هو الأصل في كل وصف من تلك الأوصاف، إذا تم وكمل! وتمام أي وصف من تلك الأوصاف، وكماله، يكاد يكون أمرا غير ممكن إلا في أفراد قلة من عباد الله المصطفين المكرمين.. فقد يكون المرء

ص: 709

مسلما، ومع هذا فلن يكون مؤمنا، أوقاتنا، أو صادقا.. إلى غير ذلك من الصفات الأخرى.. إذ الإسلام في أدنى درجاته، هو نطق باللسان بشهادة أن لا إله إلا الله.. ثم هو في أعلى درجاته جامع لتلك الأوصاف المذكورة كلها.. وهذا ما يشير إليه. قوله تعالى:«قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمالِكُمْ شَيْئاً» (14: الحجرات) فالإسلام هنا قولة باللسان، لا أكثر ولا أقلّ.. وتلك القولة إذا وقف بها المرء عند هذا الحدّ، فلن يكون محققا الوصف الذي لها، ومن ثمّ لن يكون مسلما بالمعنى الذي ينتظم به في هذا الموكب الكريم، الذي يجمع المؤمنين، القانتين، الصادقين..

إلى آخر ما ينتظمه هذا الموكب..

وكذلك الإيمان.. هو في أدنى درجاته إقرار باللسان، وتصديق بالقلب ثم يرتفع هذا الإيمان درجات، ويعلو منازل، بما يصحبه من أعمال، كالصدق والصبر، والخشوع، والتصدق، والصوم.. إلى آخر تلك الأوصاف..

وقل مثل ذلك، فى الصدق.. فقد يكون الصدق طبيعة، لا تستند إلى إيمان أو إسلام.. وكذلك الصبر، والخشوع، والتصدق، والصوم، وحفظ الفرج.. فقد يصدق الإنسان، مروءة وترفعا.. وقد يصبر شجاعة وجلدا.. وقد يخشع تواضعا وتألّفا.. وقد يتصدق، سخاء وكرما.. وقد يصوم، رياضة للروح أو صحة للبدن.. وقد يحفظ فرجه تعففا واستعلاء.. قد يفعل كلّ هذا غير ناظر إلى الله، وغير مرتبط بشريعة، أو دين.. إنه يعمل لحساب نفسه.. فلا يقام لشىء من ذلك وزن عند الله، الذي لا يقبل عملا من عامل إلا إذا كان مقصودا به وجهه، وامتثال أمره.. ثم قد يذكر الله

ص: 710

ذكرا كثيرا بلسانه، دون أن يتصل شىء من هذا الذكر بعقله أو قلبه، ودون أن يظهر لذلك أثر في قوله أو فعله..

وأوضح من هذا أن هذه الأوصاف يغذّى بعضها بعضا، ويمسك بعضها ببعض، فتبدو كأنها صفة واحدة، إذا نظر إليها باعتبار، وتبدو كأنها أوصاف إذا نظر إليها باعتبار آخر.. إنها أشبه بالجسد الحىّ.. إذا نظرت إليه مجملا وجدت ذلك الإنسان، المشخّص بذاته، وصفاته، وإذا نظرت إليه مفصلا، وجدته ذلك الإنسان المشخّص بذاته وصفاته.. وملاك الحياة في هذا الجسد هو القلب، كما أن ملاك تلك الأوصاف، هو الإيمان المستقر فى هذا القلب! والسؤال الثاني، الذي يلقانا من هذه الآية الكريمة، هو: هل هذا الجمع لتلك الصفات منظور فيه إلى شىء أكثر من مجرد الجمع والحصر، دون مراعاة للترتيب، والتقديم والتأخير؟ وإذا كان هناك نظر إلى أكثر من مجرّد الجمع والحصر، فهل هذا الترتيب تصاعدى أم تنازلى؟

والجواب- والله أعلم- أن جمع هذه الأوصاف إنما هو من تدبير الحكيم العليم، وتعالت حكمة الله، وجلّ علمه عن أن يجىء تدبير من تدبير الله عن غير حكمة وعلم..!

فالإسلام- الذي جاء بدءا- هو أول درجات السّلّم، الذي يرقى فيه المرء إلى منازل الشريعة، وهو المدخل، الذي يدخل منه إلى دين الله..

والإيمان.. هو العروج بالإسلام إلى موطنه من القلب.

والقنوت.. هو استجابة القلب، وتقبله لهذا الإيمان الذي استقر فيه واطمأن به.

ص: 711

والصدق.. هو نبتة نبتت من بذرة الإيمان في القلب..

والصبر.. هو الغذاء الذي تغتذى منه تلك النبتة، حتى تقاوم الآفات التي تعرض لها، وحتى تعطى الثمر المرجوّ منها..

والخشوع- وهو الولاء لله، والامتثال لأمره- هو أول ما تفتّح من زهر بيد الصبر..

هذا ويلاحظ أن هذه الأوصاف الستة إنما يكتسبها الإنسان من داخل نفسه، وفي حدود ذاته، فيما بين اللسان والقلب.. وهى في مجموعها، الرصيد المودع في قلب الإنسان من قوى الإيمان، ومنها ينفق فيما يعالج من شئون يستكمل بها تلك الأوصاف العشرة، ويوفّى منها مطلوب دينه وشريعته، منه..

فالصوم. والتصدق، وحفظ الفرج، وذكر الله.. هى أعمال تستلزم سلطان القلب، وخدمة الجوارح..

وبهذا نرى أن هذه الصفات بناء متكامل، يقوم بعضه على بعض، ويستند التّالى منه إلى السابق، بمعنى أنّ هذا الترتيب الذي جاءت عليه هو أمر لازم، لكى يتألف منها هذا النغم المتساوق الذي يقيم في كيان الإنسان إيمانا صحيحا، مثمرا..

وليس يعنى هذا، أن الإنسان يلقى هذه الصفات واحدة واحدة، وأنه كلّما حصل على صفة منها مدّ يده، أو فتح قلبه، إلى صفة أخرى.. كلا، وإنما الذي يعنيه هذا الجمع، وهذا الترتيب معا، هو أن المؤمن الجدير بهذا الوصف، المستحق للجزاء الموعود به المؤمنون من ربّهم، هو الذي يحقق هذه الصفات، فيكون مسلما، مؤمنا، قانتا.. إلى آخر الأوصاف العشرة.. فليست

ص: 712