الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقوله تعالى: «أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ» ؟.
هذا ما يجيبهم به لسان الحال. لقد عمروا فى الدنيا عمرا طويلا، يتسع لأن يتذكر فيه من تذكر، وأن يتعرف إلى ربه، ويؤمن به، ويعمل صالحا يرضاه له.
وقوله تعالى: «وَجاءَكُمُ النَّذِيرُ» .. إشارة إلى أنه مع العمر الذي عاشوه فى الدنيا، ومع ما معهم من عقول، لو استعملوها لاهتدوا بها، ولعرفوا الطريق إلى الله- مع هذا فقد بعث الله فيهم رسولا ينذرهم بين يدى هذا العذاب الأليم، فما استمعوا له، ولا التفتوا إليه..
وقوله تعالى: «فَذُوقُوا فَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ» - هو تعقيب على هذا اللوم الزاجر، الذي أجيبوا به على استصراخهم.. فما لهم إلا هذا العذاب، وما لهم هنا من نصير، يستجيب لهم، ويخلصهم مما هم فيه
الآيات: (38- 41)[سورة فاطر (35) : الآيات 38 الى 41]
إِنَّ اللَّهَ عالِمُ غَيْبِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (38) هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَلا يَزِيدُ الْكافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلَاّ مَقْتاً وَلا يَزِيدُ الْكافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَاّ خَساراً (39) قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي ماذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً فَهُمْ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْهُ بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً إِلَاّ غُرُوراً (40) إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زالَتا إِنْ أَمْسَكَهُما مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً (41)
التفسير تعود هذه الآيات بالمشركين والكافرين، من عذاب جهنم، الذي ساقتهم إليه، الآيات السابقة، فتلقاهم بهذا الحديث الذي يكشف عن علم الله وقدرته، وأنه وحده- سبحانه- العالم بكل شىء، المالك لكل شىء، القائم على كل شىء..
وقوله تعالى:
«إِنَّ اللَّهَ عالِمُ غَيْبِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ»
- هو تقرير للحقيقة، التي غايت عن أهل الشرك والضلال، وهى أن الله سبحانه هو الإله الذي ينبغى أن يعبد.. إنه يعلم كل غائبة فى السموات أو فى الأرض، وإنه يعلم ما تنطوى عليه الصدور، وما تكنّه الضمائر.. ومن كان هذا شأنه، كان سلطانه قائما على كل شىء، وكانت عبادته وحده واجبة على كل مخلوق..
وقوله تعالى:
«هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَلا يَزِيدُ الْكافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتاً وَلا يَزِيدُ الْكافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَساراً» أي أنه سبحانه قد أعلى قدر الإنسان، ورفع منزلته، وجعله خليفة فى الأرض.. وكان مقتضى هذا أن يحتفظ الإنسان بهذا المقام الكريم، وأن يعرف لله فضله عليه، وإحسانه إليه، وأن يذكر أنه خليفة لله، وأنه بهذه الخلافة يعمل فى الأرض التي هى ملك لله.. فكيف يسوغ له أن يخرج عن
سلطان الله، وأن يجعل ولاءه لغير الله، مما على الأرض من كائنات، يعبدها، ويتخذها آلهة له من دونه؟.
وقوله تعالى: «فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ» أي فمن خرج على استخلاف الله إياه، وكفر به، فعليه كفره، وسيلقى الجزاء الذي يستحقه وقوله تعالى:«وَلا يَزِيدُ الْكافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتاً» أي أن هذا الكفر الذي لبسه الكافرون بعد أن خلعوا نعمة الخلافة التي ألبسهم الله إياها، لا يزيدهم عند ربهم إلا، بغضا، وبعدا من رحمته، حيث ينزع عنهم ثوب الكرامة الذي خلعه عليهم، ويلبسهم الذلة والمهانة، ويلقى بهم فى جهنم مذمومين مدحورين
…
وقوله تعالى: «وَلا يَزِيدُ الْكافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَساراً» أي لا يزيدهم هذا الكفر الذي لبسوه إلا كفرا وضلالا، فهم مع هذا الكفر فى كفر ينمو على الأيام.. فهم يزدادون كل يوم مع هذا الكفر، خسرانا، حيث تخف موازينهم يوما بعد يوم.. إنهم يحملون فى كيانهم داء خبيثا، هو الكفر يمتص ماء الحياة منهم، قطرة قطرة، حتى يتحولوا إلى أعواد من الحطب لا نصلح إلّا وقودا للنار! قوله تعالى:
«قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي ماذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ؟ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ؟ أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً فَهُمْ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْهُ؟ بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً إِلَّا غُرُوراً» أسئلة مطلوب من المشركين أن يوردوها على عقولهم- إن كانت لهم عقول- ثم ليجيبوا عليها، إن كانوا يجدون لها جوابا..
أي أنظرتم فى وجه هؤلاء الشركاء الذين تعبدونهم من دون الله؟
وهل عرفتم ما هم عليه؟.
- «ماذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ؟» أي أخلقوا شيئا مما ترون على هذه الأرض من مخلوقات؟ هل خلقوا ذبابة؟
- «أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ؟» وإذا لم يكونوا قد خلقوا شيئا مما هو على الأرض، فهل لهم شىء مما فى السموات؟ ذلك بعيد.. فإن من عجز عن أن يخلق أدنى المخلوقات فى الأرض، لهو أعجز من أن يكون له أي شىء فى السموات..
- «أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً فَهُمْ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْهُ» .
سؤال إلى المشركين عن ذات أنفسهم هم.. وهو أنهم إذا لم يجدوا لهذا الذي سئلوا عنه فى شأن آلهتهم، جوابا يقبله العقل، بأن لهم شيئا فى هذا الوجود فى أرضه وسماواته- إذا لم يجدوا فى أنفسهم ما يحدّث عن آلهتهم تلك بأن لها شيئا أو شأنا فى الملك- فهل أخذوا هذا الذي أضافوه إلى آلهتهم عن كتاب من عند الله، فهم لهذا على بينة وعلم فى شأن آلهتهم، مما علموه من هذا الكتاب؟ ذلك ما لم يكن!.
فإذا كان العقل يأبى أن يضيف إلى آلهتهم شيئا، أو يجعل لهم شأنا فى هذا الوجود، وإذا لم يكن بأيدى هؤلاء المشركين كتاب من عند الله، أقامهم على هذا الرأى السقيم الباطل الذي رأوه فى آلهتهم، فلم يبق إذن شىء يصل بين هؤلاء المشركين وآلهتهم، إلا ما تلقوه من ضلالات الضالين وأهواء ذوى الأهواء منهم.. «بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً إِلَّا غُرُوراً» ..
إن هذا الذي هم فيه من ضلال مع هذه المعبودات التي يعبدونها، هو من