المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الآيات: (36- 40) [سورة الأحزاب (33) : الآيات 36 الى 40] - التفسير القرآني للقرآن - جـ ١١

[عبد الكريم يونس الخطيب]

فهرس الكتاب

- ‌الآيات: (46- 51) [سورة العنكبوت (29) : الآيات 46 الى 51]

- ‌الآيات: (52- 55) [سورة العنكبوت (29) : الآيات 52 الى 55]

- ‌الآيات: (56- 60) [سورة العنكبوت (29) : الآيات 56 الى 60]

- ‌الآيات: (61- 69) [سورة العنكبوت (29) : الآيات 61 الى 69]

- ‌30- سورة الرّوم

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 10) [سورة الروم (30) : الآيات 1 الى 10]

- ‌الآيات: (11- 19) [سورة الروم (30) : الآيات 11 الى 19]

- ‌الآيات: (20- 27) [سورة الروم (30) : الآيات 20 الى 27]

- ‌[الليل.. وما وسق]

- ‌الآيات: (28- 32) [سورة الروم (30) : الآيات 28 الى 32]

- ‌الآيات: (33- 40) [سورة الروم (30) : الآيات 33 الى 39]

- ‌الآيات: (40- 45) [سورة الروم (30) : الآيات 40 الى 45]

- ‌الآيات: (46- 53) [سورة الروم (30) : الآيات 46 الى 53]

- ‌الآيات: (54- 60) [سورة الروم (30) : الآيات 54 الى 60]

- ‌31- سورة لقمان

- ‌الآيات: (1- 11) [سورة لقمان (31) : الآيات 1 الى 11]

- ‌الآيات: (12- 19) [سورة لقمان (31) : الآيات 12 الى 19]

- ‌الآيات: (20- 28) [سورة لقمان (31) : الآيات 20 الى 28]

- ‌الآيات: (29- 34) [سورة لقمان (31) : الآيات 29 الى 34]

- ‌32- سورة السجدة

- ‌الآيات: (1- 11) [سورة السجده (32) : الآيات 1 الى 11]

- ‌الآيات: (12- 21) [سورة السجده (32) : الآيات 12 الى 21]

- ‌الآيات: (22- 30) [سورة السجده (32) : الآيات 22 الى 30]

- ‌33- سورة الأحزاب

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 5) [سورة الأحزاب (33) : الآيات 1 الى 5]

- ‌الآيات: (6- 8) [سورة الأحزاب (33) : الآيات 6 الى 8]

- ‌الآيات: (9- 20) [سورة الأحزاب (33) : الآيات 9 الى 20]

- ‌الآيات: (21- 27) [سورة الأحزاب (33) : الآيات 21 الى 27]

- ‌الآيات: (28- 30) [سورة الأحزاب (33) : الآيات 28 الى 30]

- ‌الآيات: (31- 35) [سورة الأحزاب (33) : الآيات 31 الى 35]

- ‌الآيات: (36- 40) [سورة الأحزاب (33) : الآيات 36 الى 40]

- ‌الآيات: (41- 48) [سورة الأحزاب (33) : الآيات 41 الى 48]

- ‌الآيات: (49- 52) [سورة الأحزاب (33) : الآيات 49 الى 52]

- ‌الآيات: (53- 55) [سورة الأحزاب (33) : الآيات 53 الى 55]

- ‌الآيات: (56- 59) [سورة الأحزاب (33) : الآيات 56 الى 59]

- ‌الآيات: (60- 71) [سورة الأحزاب (33) : الآيات 60 الى 71]

- ‌الآيتان: (72- 73) [سورة الأحزاب (33) : الآيات 72 الى 73]

- ‌34- سورة سبأ

- ‌الآيات: (1- 9) [سورة سبإ (34) : الآيات 1 الى 9]

- ‌الآيات: (10- 14) [سورة سبإ (34) : الآيات 10 الى 14]

- ‌الآيات: (15- 21) [سورة سبإ (34) : الآيات 15 الى 21]

- ‌الآيات: (22- 30) [سورة سبإ (34) : الآيات 22 الى 30]

- ‌الآيات: (31- 33) [سورة سبإ (34) : الآيات 31 الى 33]

- ‌الآيات: (34- 39) [سورة سبإ (34) : الآيات 34 الى 39]

- ‌الآيات: (40- 45) [سورة سبإ (34) : الآيات 40 الى 45]

- ‌الآيات: (46- 54) [سورة سبإ (34) : الآيات 46 الى 54]

- ‌35- سورة فاطر

- ‌الآيات: (1- 7) [سورة فاطر (35) : الآيات 1 الى 7]

- ‌الآيات: (8- 14) [سورة فاطر (35) : الآيات 8 الى 14]

- ‌الآيات: (15- 23) [سورة فاطر (35) : الآيات 15 الى 23]

- ‌الآيات: (24- 28) [سورة فاطر (35) : الآيات 24 الى 28]

- ‌الآيات: (29- 37) [سورة فاطر (35) : الآيات 29 الى 37]

- ‌الآيات: (38- 41) [سورة فاطر (35) : الآيات 38 الى 41]

- ‌الآيات: (42- 45) [سورة فاطر (35) : الآيات 42 الى 45]

- ‌36- سورة يس

- ‌الآيات: (1- 12) [سورة يس (36) : الآيات 1 الى 12]

- ‌الآيات: (13- 27) [سورة يس (36) : الآيات 13 الى 27]

- ‌فهرس الموضوعات

الفصل: ‌الآيات: (36- 40) [سورة الأحزاب (33) : الآيات 36 الى 40]

هذه الصفات، بمعزل عن بعضها، وإنما هى- كما قلنا- صفة واحدة مجملة، أو صفات عشر مفصلة، وهى في إجمالها وتفصيلها على سواء.

ولا ننظر كثيرا إلى التفاضل بين هذه الصفات، وإلى رجحان بعضها على بعض، إذ كانت كلها لازمة في بناء الإيمان السّوىّ في كيان المؤمن، تماما كبناء الجسد، كل عضو فيه- وإن قلّ شأنه- ضرورى لهذا الجسد، وفي فقده نقص وعيب.

ومع هذا، فلا بد لنا من نظرة إلى أول هذه الأوصاف، وهو الإسلام، وإلى آخرها وهو ذكر الله..

فالإسلام- كما قلنا- هو أول خطوة يدخل بها الإنسان في دين الله..

وذكر الله كثيرا، هو القمّة التي يرقى إليها هذا الذي دخل بالإسلام في دين الله.. وهذا ما يشير إليه قوله تعالى:«وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ» (45: العنكبوت) والمراد بذكر الله هو ملء القلب باستحضار جلاله، وعظمته، وقدرته، وعلمه، وحكمته، وكل ما لله من صفات الكمال والجلال.. فبهذا الذكر يكون المؤمن دائما في أنس من ربّه، وقرب من جلاله وعظمته.. فلا يعمل إلا تحت هذا الشعور المراقب لله، والخائف من عقابه، الطامع في رحمته.

وهكذا يستطيع الناظر في هذه الأوصاف أن يرى منها رؤى لا حصر لها، من آيات الله وشواهد الإعجاز في آيات الله وكلماته..

‌الآيات: (36- 40)[سورة الأحزاب (33) : الآيات 36 الى 40]

وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً (36) وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ إِذا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً (37) ما كانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيما فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً (38) الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَاّ اللَّهَ وَكَفى بِاللَّهِ حَسِيباً (39) ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً (40)

ص: 713

التفسير:

قوله تعالى:

«وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِيناً» .

مناسبة هذه الآية لما قبلها، هى أن الآية السابقة ذكرت الأوصاف التي تجمع صفات المؤمن الكامل الإيمان..

ومن شأن الإيمان الصحيح أن يقيم في كيان صاحبه ولاء خالصا لله، الذي آمن به، ولرسوله، الذي بلّغه رسالة ربّه، وشريعة دينه.. وإنه لا إيمان مطلقا، إذا لم يكن هذا الولاء ركيزة له، وأساسا يقوم عليه..

فهذه الآية إذن تعقيب على تلك الأوصاف العشرة السابقة، وإشارة إلى أن تلك الصفات، لا محصّل لها- مفردة ومجتمعة- إلا إذا قامت في ظلّ

ص: 714

الولاء لله ورسوله، والتسليم المطلق لأمر الله ورسوله.

فإذا قضى الله ورسوله أمرا، لم يكن لمؤمن أن ينازع في هذا الأمر، أو يتوقف في إمضائه، أو يبدّل في صفته.. وإلّا فهو ليس من الإيمان في شىء.. إنه حينئذ يكون عاصيا لله ولرسول الله، خارجا عن سلطانهما..

«وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِيناً» .

أما مناسبة الآية الكريمة لما بعدها فهو ترشيح لما ستقرره الآيات بعدها من مقررات، وبما تقضى به من أحكام لله ولرسول الله، وأن على المؤمنين تلقى هذه المقررات وتلك الأحكام بما ينبغى لها، من طاعة وولاء مطلقين، من غير تعقيب أو تردّد..

فالآية في موضعها هنا، تعمل- مقدّما- على إخلاء شعور المؤمن من أية لفتة إلى غير ما يقضى به الله ورسوله من أمر.. وبهذا يستقبل المؤمن- فى ولاء وامتثال- ما تحمل إليه الآيات التالية من أمر الله ورسوله.. كما سنرى..

قوله تعالى:

«وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ، فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ إِذا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا» .

[زينب.. وقصة زواج النبىّ منها] فى هذه الآية والآيات الثلاث التي بعدها، حدث من أحداث الإسلام، غرب به وجه من وجوه الحياة الجاهلية، وانتهى به أسلوب من أساليب نظامها الاجتماعى الموروث.

ص: 715

فقد كان الجاهليون يتخيّرون من يرون من أبناء غيرهم، ثم ينسبونهم إليهم نسبة الولد إلى أبيه، وقد كان هؤلاء المنتسبون إليهم بالتبني، فى حكم أبنائهم من أصلابهم، يضافون إليهم إضافة أبوة، ويرثونهم إرث الابن لأبيه..

ويحرّمون التزوج من نساء هؤلاء الأبناء تحريما مطلقا.. وقد أبطل الإسلام هذا التبنّي بقوله تعالى في أول هذه السورة: «ما جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَما جَعَلَ أَزْواجَكُمُ اللَّائِي تُظاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهاتِكُمْ وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ.. ذلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْواهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ.. ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ، فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آباءَهُمْ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوالِيكُمْ» ..

ومن حكمة الله، أن كان للنبىّ صلى الله عليه وسلم ابن بالتبنّي، هو زيد ابن حارثة.. وذلك ليكون في إبطال هذا التبنّي مثل يراه المؤمنون في النبىّ، حين يبطل نسبة زيد إليه، فلا يكون لمؤمن بعد هذا متعلّق بنسبة من كان منتسبا إليه من أبناء من غير صلبه.. وبهذا ينحسم الأمر في غير مهل أو تردد، إذ كان النبىّ- صلوات الله وسلامه عليه- هو أول من نفذ هذا القانون السّماوىّ، وأول من ألغى التبنّي الذي كان قائما بينه وبين أحبّ الناس إليه، زيد بن حارثة.. الذي كان يدعى زيد بن محمد، ويدعوه المسلمون زيد حبّ رسول الله.. ولو كان في هذا الأمر استثناء لكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى الناس به، إذ لم يكن له ولد ذكر، ولكان هذا الاستثناء من خصوصيات النبي فيما كانت له- صلوات الله وسلامه عليه من خصوصيات. وهذا يعنى أن هذا الأمر حكم واجب على كل مسلم، وأنه أمر لا يرد عليه استثناء أبدا.

بقيت مسألة تحريم الزواج من نساء الأبناء بالتبنّي.. التي كان يلزم بها الجاهليون أنفسهم، تمكينا لهذا النسب بينهم وبين أدعيائهم، وجعله على قدم المساواة في كل شىء، مع أبناء الأصلاب.

ص: 716

وكان لا بدّ للقضاء على هذه العادة من مثل عملىّ يراه المسلمون في رسول الله، فيقتدون به، ولا يقع في صدورهم حرج من الخروج على هذا الإلف القديم.

ومن حكمة الله في هذا، أن كان زيد بن حارثة (متبنّى النبىّ) متزوجا من زينب بنت جحش الأسدية، وهى ابنة عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد خطبها الرسول لزيد، وزوجها إياه، ولم تستطع زينب ولا أهلها مراجعة رسول الله في هذا الزواج، الذي كانت تراه زينب- ويراه أهلها معها- غبنا لها، إذ كانت ترى- ويرى أهلها معها- أنها أشرف من زيد بيتا، وأكرم نسبا.

ويتمّ الزواج، ويدخل زيد بزوجه.. ولكن لم يقع التوافق بينهما، إذ كانت زينب- كما عرفنا- تعيش مع زوجها بهذا الشعور المتعالي، وكان زوجها- إذ يجد منها هذا الشعور- يلقاها بما يحفظ عليه مروءته وأنفته كعربىّ، وبما يعطيه القوامة عليها كرجل، وكمسلم.. معا..

ولا شك أن هذا الزواج الذي لم يقم على التوافق من أول الأمر.. إنما هو تدبير من الحكيم العليم، وقد اصطنعه النبىّ بأمر من ربه، لحكمة ستكشف عنها الأيام فيما بعد..!

كان لا بد أن يمضى الأمر الإلهى في حلّ الزواج من زوجات الأبناء المتبنّين، بعد انتهاء الزوجية.. بأمر، أو بآخر..

وكان لا بد أيضا أن يكون النبىّ في هذا هو القدوة والأسوة، حتى يأخذ المسلمون بهذا الأمر، ولا يتحرجون منه.. وبهذا يقضى على عادة التبني، وما اتصل بها، فى فوريّة وحشم..

وذلك لا يتم على تلك الصورة إلا إذا كان للنبىّ متبنّى.. وقد كان..

وأن يكون هذا الابن متزوجا.. وقد كان هذا أيضا..!!

ص: 717

ثم يبقى بعد ذلك أن يطلّق هذا الابن زوجه، حتى تحلّ للنبىّ بعد انقضاء عدتها.. وقد كان ذلك أيضا.. فطّلق زيد زوجه.. ثم لما انقضت عدّتها تزوّجها النبىّ! ولا نقف من هذا الزواج أكثر من أنه أمر أمر الله نبيّه به، وألزمه إياه..

فالله سبحانه هو الذي زوج النبىّ بأمره من مطلقة متبنّاه، كما يقول سبحانه:

«فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها.. لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ إِذا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً» .. فهذه هى حكمة هذا الزواج..

والذي يجب أن نقف عنده، ونطيل النظر إليه، هو «الطلاق» ..

طلاق زينب من زوجها، أو تطليق زيد لزوجه..

هل كان هذا الطلاق بأمر سماوى، تلقاه النبىّ من ربه، ثم آذن به زيدا فأطلاع فيه أمر ربه وطلق زوجه؟

هذا ما لم يكن، ولن يكون من تدبير سماوى، وفي شريعة قامت على العدل والإحسان، وعلى رفع الحرج عن الناس.. ولو كان ذلك بأمر سماوى، لكان فيه إعنات، بل وجور على حقّ إنسان لم يأت أمرا يقضى بهذا الحكم عليه، فضلا عما في ذلك من قطع لعلاقة مقدسة، بين الزوج وزوجه، كان الإسلام، وكانت شريعة الإسلام، أحرص ما يكون على توثيق الرباط القائم بين الزوجين، وعلى التماس كل الوسائل الممكنة في الناس، للحفاظ عليه، وحياطته من دواعى الوهن والانحلال..

ثم كيف يكون من حكم الشريعة، أن تجعل أبغض الحلال إلى الله الطلاق، ثم تعود، فتأمر به، وتحمل الناس عليه حملا؟

هذا ما لم يكن، ولن يكون!

ص: 718

فهل كان هذا الطلاق عن رغبة من رسول الله، وعن إرادة له في الزواج من زوج مولاه زيد، بعد أن رآها في حال من أحوالها، فوقعت من نفسه، كما يتخرص بذلك المتخرصون، من أهل الضلال والنفاق، ومن أهل العداوة والكيد للإسلام ورسول الإسلام؟ وكما تمضى هذه الفرية، فتقول إن زيدا حين شعر بما لزينب في نفس رسول الله، اصطنع هذه المخاصمة بينه وبين زوجه، كى يطلقها، إرضاء للنبىّ، ومسارعة إلى إيثاره بأحبّ شىء في يده!! ومن عجب أن ينخدع كثير من المفسّرين لهذه الفرية المسمومة، ويجدون لها مساغا بهذا الظاهر الذي يلوح منها، والذي يمثّل وجها من وجوه الحبّ والإيثار لرسول الله في نفوس المسلمين، وتخلّيهم له عن أحب ما يحبون ويؤثرون.. فنراهم يتأولون على هذا قوله تعالى:

«وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ.. اللَّهَ.. وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ.. وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ» ويذهبون فى تأويلهم إلى أن النبىّ- صلوات الله وسلامه ورحمته وبركاته عليه- إذ يقول لزيد: «أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ» إنما يقولها ونفسه متطلعة إلى زينب، مترقبة لطلاقها.. ثم يتأوّلون قوله تعالى:«وَاتَّقِ اللَّهَ» أنه خطابّ للنبىّ، يحمل إليه عتابا من ربه، ودعوة إلى تقواه، لأنه- ومعاذ الله- أخفى ما بقلبه من حبّ لزينب، وقال لمولاه زيد:«أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ» ! ولهذا جاء العتاب بعد العتاب، بل اللوم بعد اللوم في قوله تعالى:«وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ» ! ونسأل أولئك الذين يستقيم لهم هذا الفهم من الآية الكريمة: على أية صورة يتصورون رسول الله، وأمينه على رسالة السماء؟ أيجوز على رسول من رسل الله الدّهان والمخادعة؟ إن ذلك مما يسقط مروءة أي إنسان في الناس، فكيف

ص: 719

برسول الله

سيد الناس، وأكملهم كمالا، وأجمعهم جميعا لمكارم الأخلاق كلها في أعلى مستواها، وأرفع منازلها؟

مستحيل إذن استحالة مطلقة، أن يكون شىء من هذا طاف برسول الله، أو ألمّ به في أي حال من أحواله، أو عرض له في خطرة نفس، أو طرفة خاطر! وننظر الآن في هذا الطلاق، وكيف وقع! إن الزواج الذي تمّ بين زينب وزيد، كان- كما قلنا- من عمل النبي، بأمر من ربه.. وهو زواج قام من أول الأمر على غير توافق، أو تكافؤ..

والنبي- صلوات الله وسلامه عليه- إذ قام بهذا الزواج بعلم هذا، والسماء تعلم هذا قبل أن يعلم النبي..

والسؤال هنا: لماذا إذن هذا الزواج؟ وما حكمته؟

إنه زواج، يجرى في ظاهره، وعلى مستوى النظر البشرى- على ما يجرى عليه كثير من حالات الزواج، التي تعرض لها عوارض الشقاق والخلاف، ثم الطلاق، وذلك بعد أن يتم الزواج، ويعايش الزوجان كل منهما الآخر..

أما قبل الزواج، فلم يكن أحد يدرى ما سيقع من خلاف، وطلاق، إلا رسول الله- صلوات الله وسلامه عليه- مما أنبأ به ربه، لأمر أراده الله سبحانه، ولم يقع بعد..

فلما تم زواج زيد وزينب، وعاشر كل منهما صاحبه، وظهرت أعراض الخلاف بين الزوجين، وشقى كلّ منهما بصاحبه، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو الزوجين إلى إصلاح ما فسد من أمرهما، متجاهلا، الحكم المقضى به في أمر هذا الزواج، وهو الفراق الذي لا بد منه، وغير ملتفت إلى القدر المقدور على هذا الزواج، كما علم من ربه.!!

ص: 720

إن النبي إنما يعمل هنا، على مستوى الحياة البشرية، ويعالج أمرا بين شخصين لم ينكشف لهما من حجب الغيب ما انكشف له منه، وكان من مقتضى هذا أن يدعو كلّا من الزوجين إلى المياسرة والمحاسنة.. أما ما يؤول إليه أمرهما بعد هذا، فأمره إلى الله.. «وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا» ، وعلى هذا المفهوم ننظر في قوله تعالى:

«وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ» .

ننظر في كلمات الله هذه، فنرى:

أولا: أن «زيدا» يوصف بأنه من الذين أنعم الله ورسوله عليهم.. فقد أنعم الله سبحانه وتعالى عليه بالإسلام، وأنعم الرسول- صلى الله عليه وسلم عليه بالحرية.. حين أعتقه، وهداه إلى الإسلام.

ثانيا: قول النبي، لزيد كما حكاه القرآن، وهو:«أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ» مما يقضى به تمام الإحسان إلى زيد.. فهو موضع نعمة النبي، ورعايته، وحبه، وبهذه النعمة والرعاية والحب، يتوجه إليه بالنصح في أمر فيه صلاح حياته مع زوجه.. فضلا عن رسالة الرسول في الناس عامة من النصح والإرشاد والتوجيه..

وثالثا: قوله تعالى: «وَاتَّقِ اللَّهَ» .. يمكن أن يكون من قول النبي لزيد معطوفا على قوله له: «أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ، وَاتَّقِ اللَّهَ» أي واتق الله في الرابطة التي بينك وبينها.. ويمكن أن يكون خطابا للنبى من ربه، وفيه لطف بالرسول من ربه، ورفق به من هذا الإرهاق الذي يرهق به نفسه، فى إصلاح

ص: 721

أمر يعلم- مما أعلمه ربه- أنه مقضىّ فيه.. كما يقول الله تعالى في ختام الآية:

«وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا» .. فليتق النبي الله في نفسه وليرفق بها، ولا يحاول إصلاح أمر، لن يصلح.

ورابعا: قوله تعالى: «وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ» - إشارة إلى ما كان يخفيه النبي من أمر الله في هذا لزواج، وأنه منته إلى الفراق.. فقد أخفى النبي هذا الذي علمه من ربه، ولكن الله سبحانه وتعالى سيبديه في حينه، وذلك حين يقع القدر المقدور، ويتمّ الطلاق..

وخامسا: قوله تعالى: «وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ» .. وإنّ الذي كان يخشاه النبي، هو ما يعقب هذا الطلاق، وهو أن يتزوج مطلقة متبناه، وما يتقوّله المنافقون ومن في قلوبهم مرض في هذا الزواج.. إنه امتحان للنبى فيما امتحن به على مسيرة الدعوة التي قام عليها، فليصبر على هذا الامتحان به وليحتمل ما يجىء إليه من أذى، فى سبيل إنفاذ أمر الله، وإمضاء مشيئته، دون التفات إلى تخرصات المتخرصين، وشناعات المشنعين.

ولا ندع النظر في أمر «الطلاق» الذي وقع هنا، دون أن نشير إلى أنه لم يدخل على حياة زوجية كانت قائمة على أسس متينة من أول أمرها، بل إنه دخل على حياة زوجية- وهذا من تدبير السماء- كانت تحمل في كيانها دواعى الفرقة، لأمر أراده الله.. وفي هذا ما يشير إلى حرص الإسلام على سلامة الحياة الزوجية السليمة.. وأنه حين أراد أن يتخذ من الطلاق حكما شرعيا، عمد إلى حياة زوجية، لم يجتمع لها شمل، ولم تنعقد عليها القلوب!

ص: 722

ثم جاء بعد هذا قوله تعالى:

«فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها» - مشيرا إلى ما كان يخفيه النبي فى نفسه، وهو أن يتم زواج النبي من مطلقة متبناه بأمر من ربه، وذلك بعد أن يكون قد عاشرها زيد معاشرة الأزواج، لا أن يكون قد عقد عليها ولم يدخل بها.. فالطلاق بعد الدخول، هو الذي يعطى الزواج صفته الكاملة.. وبهذا يكون من باب أولى زواج مطلقة المتبنى التي لم يدخل بها.

ثم يجىء قوله تعالى:

«لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ إِذا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً» - بيانا كاشفا عن الحكمة من هذا الأمر السماوي للنبى بالزواج من مطلقة متبناه، وهو أن يدفع الحرج عن المؤمنين في التزوج من مطلقات أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا.. وذلك أنه إذا كان النبي قد فعل هذا، فلا حرج إذن على المؤمنين أن يفعلوا ما فعل، وأن يتأسوا به.. والله سبحانه وتعالى يقول:

«لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً» .

ثم تختم الآية بقوله تعالى:

«وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا» .. وفيه ما أشرنا إليه من قبل، من نفاذ الأمر، الذي يقضى الله به في خلقه، وأنه- سبحانه- لا معقب لحكمه، ولا رادّ لما قضى به..

وأمر الله هنا، هو ما قضى به الله سبحانه من الفرقة بين زيد وزوجه، ثم زواج النبي من مطلقة زيد هذه..

وفي الحكم على الأمر بأنه مفعول، إشارة إلى أن النبي صلى الله عليه

ص: 723

وسلم سيفعل هذا الأمر، وإن كان يجد في نفسه حرجا منه..

وقوله تعالى:

«ما كانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيما فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً» هو نفى للحرج، ودفع لما يجد النبي منه، فى زواجه من مطلقة متبناه..

إن ذلك أمر من الله، والنبي إذ يفعله إنما يمضى به أمر ربه، وينفذ مشيئته..

فلا شىء من الحرج في هذا، إذ كان الأمر قائما على الصحة والسلامة، موزونا بميزان العدل والإحسان، لأنه حكم الحكيم العليم، ربّ العالمين..

وفي قوله تعالى: «فِيما فَرَضَ اللَّهُ لَهُ» إشارة إلى أن كل ما يفرض الله للنبى، ويبيحه له، لا حرج فيه، ولا التفات معه إلى أي قول يقال، من عدو أو صديق..

وقوله تعالى: «سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ» السنة هنا: الحكم والشأن.. والذين خلوا: هم الذين سبقوا من رسل الله.

وسنة منصوب.. مفعول لفعل محذوف.، تقديره سننّا بك سنة الذي خلوا من الرسل.

والمعنى أنك أيها النبي لست بدعا من الرسل في الأخذ بأمر الله، وامتثاله على وجهه، دون التفات إلى مقولات الناس، ودون خشية لما يتخرص به المتخرصون، فقد سبقك إلى هذا عباد مكرمون، هم إخوانك الكرام من رسل الله، فقد كانوا ولا يخشون في الله لومة لائم.. كما تشير إلى ذلك الآية التالية..

ص: 724

وقوله تعالى: «وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً» .. هو تعقيب على قوله تعالى: «ما كانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيما فَرَضَ اللَّهُ لَهُ» .. أي أن ما فرض الله للنبى، هو قدر من قدر الله، وأنه لا بد أن ينفذ هذا القدر كما قدّره الله، وإذن فليوطّن النبي نفسه على ذلك، وليمض لما أراد الله له.

قوله تعالى:

«الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ.. وَكَفى بِاللَّهِ حَسِيباً» .. هو بدل من قوله تعالى: «الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ» ..

فالذين خلوا من قبل، هم أولئك الذين يبلغون رسالات الله كما بلّغهم الله إياها، دون التفات إلى أحد، ودون نظر إلى ما يكون من الناس إزاء هذه الرسالات المبلغة إليهم، من استجابة لها أو إعراض عنها.. إنهم يبلغون رسالات الله على وجهها، ولا يعملون حسابا لما يلقاهم به السفهاء والجهال من لوم، أو سفه، وإنما همهم كلّه هو حسابهم عند الله، وما يكون لهم من جزاء..

«وَكَفى بِاللَّهِ حَسِيباً» فهو سبحانه وحده الذي يخشى حسابه، ويرجى ثوابه..

قوله تعالى:

«ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً» .

هو تقرير لهذه الحقيقة الواقعة، التي تدفع كل باطل، وتفضح كل زيف، وهى أن محمدا- صلوات الله وسلامه عليه- لم يكن أبا لأحد، أبوة نسب.. فقد كان له صلوات الله وسلامه عليه- أولاد، ولكن هؤلاء الأولاد ماتوا صغارا، ولم يبلغ أحد منهم مبلغ الرجال

وزيد بن حارثة هذا، الذي بلغ مبلغ الرجال، وتزوج، وهو في هذا النسب الذي أضيف به

ص: 725

إلى النبي ابنا له- زيد هذا ليس ابنا لمحمد.. «ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ» .. تلك حقيقة واقعة لا يمارى فيها أحد، أما هذا النسب الذي أضيف إليه زيد، فهو نسب مصطنع، فلا معتبر له، ولا نظر إليه..!

وهكذا الشأن في كل نسب جاء على تلك الصفة..

أما أبوة النبي للمؤمنين، فهى أبوة روحية، يدخل فيها كل مؤمن ومؤمنة..

وقوله تعالى: «وَلكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ» هو استدراك للنفى الذي شمل عموم نسبة الأبوة لأى رجل من الرجال إلى «محمد» .. وليس معنى هذا قطع الصلة بين «محمد» وبين الناس..

فهو- صلوات الله وسلامه عليه- وإن انقطعت أبوة النسب بينه وبين أي أحد من الرجال، فإن المؤمنين جميعا ينتسبون إليه نسبا أولى وأقرب من هذا النسب، بحكم أنه رسول الله فيهم، ومبلّغ رسالة الله إليهم.. فهو بهذه الصفة أولى بالمؤمنين من أنفسهم، وأزواجه أمهاتهم، وهذا أعظم وأشمل مما تعطيه أبوة النسب..

وفي قوله تعالى: «وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ» إشارة إلى أنه صلوات الله وسلامه عليه أب لكل مؤمن ومؤمنة، من كل دين، حيث أنه- صلوات الله وسلامه عليه- وارث النبيين جميعا، والمهيمن برسالته على رسالات الرسل كلهم، فلا رسول بعده إلى يوم الدين.. لقد ختمت به- صلوات الله وسلامه عليه- رسالات السماء، وأضيفت شعاعاتها كلها إلى شمس شريعته، فأصبحت تلك الشعاعات، مضمونا من مضامينها، وقبسا من أقباسها..

فلا هدى بعد هذا إلا من هداها، ولا نورا إلا من نورها.. «وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ..»

ص: 726