الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الآيات: (56- 59)[سورة الأحزاب (33) : الآيات 56 الى 59]
إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً (56) إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً (57) وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً (58) يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ وَبَناتِكَ وَنِساءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذلِكَ أَدْنى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (59)
التفسير:
قوله تعالى:
مناسبة هذه الآية هنا، هو أن الآيات السابقة عرضت لأمور هى من خصوصيات النبيّ- صلى الله عليه وسلم وبهذه الخصوصيات التي اختصّه الله سبحانه وتعالى بها، كحلّ التزوج بعدد من النساء لا يحلّ لغيره من المسلمين التزوج بهن، وكالتزوج ممن يهبن أنفسهن له، من غير مهر، وكتلك الحراسة التي أقامها الله على بيت النبوّة من خارج ومن داخل- نقول بهذه الخصوصيات يعرف بعض ما لرسول الله من منزلة كريمة، ومقام عظيم، عند ربه..
وإذ عرف المسلمون هذا، فليعرفوا أيضا أنّ ذلك ليس هو كلّ ما للنبىّ عند ربّه.. بل إن له عند ربّه أكثر وأكثر.. «إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ» .. فهذه صلاة خاصة بالنبيّ، غير تلك الصلاة العامة التي للمؤمنين،
والتي جاءت في قوله تعالى: «هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ» .. إنها صلاة من الله وملائكته، اختص بها النبىّ وحده.. وإذا كان ذلك كذلك فإن على المؤمنين جميعا أن يشاركوا في الصلاة على النبىّ، والتسليم له، تسليم ولاء، وخضوع، وامتثال..
وصلاة الله سبحانه وتعالى كما قلنا- هى الرحمة، والإحسان، والرضوان..
وصلاة الملائكة، هى الدعاء والاستغفار.. أما صلاة المؤمنين على النبي فهى دعاؤهم الله سبحانه أن يصلى عليه، وأن يديم هذه الصلاة، ويضاعفها..
فيضاعف من رحمته وإحسانه ورضوانه على رسوله..
وأما التسليم من المؤمنين على النبي، فهو تسليم عليه وتسليم له.. تسليم عليه بالدعاء له بالأمن والسلام من الله:«السلام عليك أيها النبي» .. والتسليم له من المؤمنين بالطاعة والولاء..
فهذه الصلاة، وهذا التسليم من المؤمنين هو بعض ما يجزى به المؤمنون النبىّ من إحسان فى مقابل الإحسان العظيم الذي أحسن به إليهم، إذ هداهم إلى الإيمان، وأخرجهم من الظلمات إلى النور، وسلك بهم الطريق إلى رضوان الله، وإلى جنات لهم فيها نعيم مقيم.. فما أقلّ ما يجزى به المؤمن، هذا الإحسان الذي لرسول الله في عنقه! قوله تعالى:
«إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً» .. وإذا كانت الصلاة على النبىّ، والتسليم عليه وله من المؤمنين، هى بعض المطلوب منهم، جزاء إحسان النبىّ إليهم، فإن بعض الناس لا يجزون هذا الإحسان بالإحسان، بل يلقونه بالمساءة والضر..
وقد توعّد الله سبحانه هؤلاء الذين يؤذون رسول الله، باللعنة في الدنيا
والآخرة، وبالعذاب المهين، يوم الحساب والجزاء..
- وفي قوله تعالى: «يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ» تعظيم لشأن الرسول، وتغليظ للجرم الذي يقع في ساحة حرمه، من الكافرين، والمنافقين، ومن فى قلوبهم مرض.. فهذا الذي يسوء النبىّ ويؤذيه من أقوال أهل الضلال وأفعالهم، يؤذى الله سبحانه وتعالى.. فكيف تكون نقمة الله ممن يؤذيه؟
ذلك ما لا يمكن تصوره! قوله تعالى:
. «وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً» .. إن أهل السّوء مؤاخذون بجناياتهم، أيّا كان موقع هذه الجنايات.. ولكنها حين تكون في حق النبي تكون جنايات غليظة، وعدوانا آثما، إذ كان النبىّ داعية خير، ورسول هدى ورحمة.. فإذا لم يكن- والحال كذلك- ثمة جزاء بالإحسان، لقاء هذا الإحسان، فلا أقلّ من ألا يكون بغى وعدوان.. فإذا كان بغى وعدوان، فهو البلاء المبين، والإثم العظيم..
والمؤمنون والمؤمنات، هم أولياء الله، وهم جنده في الأرض، ورسله بين الناس.. والعدوان عليهم- بغير ما اكتسبوا- عدوان على الحقّ، واجتراء على حرم الله.. ومن ثمّ، فإن الذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا، فقد احتملوا بهتانا، أي افتراء وعدوانا على الحق، وباءوا بإثم عظيم، يلقون جزاءه عذابا ونكالا..
وفي قوله تعالى: «بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا» احتراس من الأذى الذي ينال المؤمنين والمؤمنات بما كسبت أيديهم.. فهذا الأذى لا يدخل في الحكم الذي ينال من يؤذونهم لغير ذنب ارتكبوه.. فالمؤمن والمؤمنة، قد يسرقان
فتقطع أيديهما.. وهذا أذى لهما، ولكنه أذى لا يؤاخذ عليه من أقام الحدّ عليهما.. وهكذا كل أذى يقع على المؤمن والمؤمنة في مقابل ذنب..
هذا، ولم يجىء هذا الاحتراس في قوله تعالى:«إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ» حيث لا يتصور أن يكون من رسول الله كسب يستحق عليه أذى.. ومعاذ الله! فقد حرسه الله من كل سوء، وحماه من المعاثر والمزالق.. وأكثر من هذا فقد جعله الله في ضمانه، إذ ضمه إلى جنابه، وجعل أذاه أذى له! قوله تعالى:
ومن سدّ الذّرائع ألّا يعرّض المؤمن نفسه للشّبه، وألا يدع سبيلا لقالة السوء فيه، بل ينبغى أن يتجنب مواقع التّهم، حتى لا يتعرّض للأذى، ويعرّض غيره للوقوع فيه.
وفي قوله تعالى: «يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ.. الآية» دعوة لنساء النبىّ وبناته ولنساء المؤمنين عامة أن يحموا أنفسهم من ألسنة السوء، وذلك بأن يدنين عليهن من ثيابهن، وأن يرسلنها حتى تكسو أجسامهن إلى مواقع أقدامهنّ.. وهذا هو لباس المحتشمات، على خلاف ما كان عليه لباس المتبرجات، الداعيات للرجال إلى أنفسهن.. وبهذا الزىّ ينعزل نساء النبىّ، وبناته، ونساء المؤمنين، عن غيرهن، ممن لا يسوءهن قول، أو فعل.
وفي قوله تعالى: «ذلِكَ أَدْنى أَنْ يُعْرَفْنَ» إشارة إلى أن هذا الزّى
السائر الذي يتزيا به نساء النبي وبناته ونساء المؤمنين، هو معلم من معالم المرأة الحرّة العفيفة التي لا مطمع لأحد فيها.
وفي قوله تعالى: «أَدْنى» .. إشارة إلى أن هذا الزىّ ليس وحده بالذي بقي الحرائر والعفيفات من ألسنة أهل الفجور والفسق، ولكنه- على أي حال- وقاء يجمّل الحرّة ويزيّن العفيفة، ويضفى على طهرها طهرا، وعلى عفتها جلالا وعفة، فهو وإن لم يكن الكمال كلّه، فهو من سمات الكمال، وإن لم يكن العفة كلّها، فهو مظهر من مظاهرها.
فستر الظاهر وتجميله، مطلوب، أيّا كان الباطن وما يختفى وراءه مما تنطوى عليه الصدور، وتسرّه السرائر.. فإن كان الباطن سيئا كريها، فالأولى بصاحبه أن يستره، ويجمّله بهذا الستر الذي يلقيه عليه من المداراة، والتحفظ.. وإن كان الباطن طيبا كريما، كان تهتّك الظاهر إزراء بقدره، وعدوانا على جلاله وبهائه..
روى أن عابدين من عبّاد البصرة، أحدهما أعور، والآخر أعرج..
تقابلا، فقال الأعرج للأعور:
هل لك في أن تكسب أجرا؟
فأجابه صاحبه: وما ذاك؟
قال: نتماشى معا، فيرانا الناس، فيقولون: أعور وأعرج.. فنؤجر ويأثمون!! فرد عليه صاحبه: وهل لك في خير من ذلك؟
قال: ماذا؟
قال: لا نفعل.. فنسلم ويسلمون!» إن الغنيمة حقّا، هى في أن يسلم الإنسان من النّاس.. وذلك بألا يمكنهم