الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولا تظنن أن قولي ذلك كله هو مجرد دعوى، فإن هذا أيضاً مما يفهمه أهل هذا الشأن، وأنه واجب القبول، مصرحٌ بعلمٍ شريفٍ من علوم الإسناد، والله أعلم.
وهذا ذكر بعض ما أرويه من الكتب على سبيل الاختصار طالباً مشاهيرها، المتداولة بين أهل الزمان دون ما لم يعرفوه في أكثر البلدان.
وإن طول الله في العمر وسهل في الأمر كتبت مشيخةً تحتوي على مجلدات، أذكر فيها جميع شيوخي وشيوخ أولادي، إذ شاركوني في أكثر مروياتي إجازةً وسماعاً، وأذكر جميع أسانيدنا بأعلى الطرق إلى المصنفين من جميع المذاهب الأربعة، ولا أبقي كتاباً مصنفاً مشهوراً متداولاً إلا وذكرت إسنادي فيه إلى مؤلفه من جميع أصناف العلوم الشرعية والأدبية وكتب الصوفية، بحيث لا يبقى لمعرضٍ عن فضيلة طلب الإسناد عذرٌ في إعراضه، ولا لطالب رواية جميع العلوم بالإسناد مانعٌ من أغراضه إن شاء الله تعالى.
وأقدم على ذكر الكتب الآن طرفاً نزراً من شروط رواية الحديث وآدابه وعلومه المذكورة في تلك الإجازة المشار إليها، مع إضافاتٍ قد لا آمن القلم أن يجري بها في إثباتها.
فمن الشروط التي اشترط على من يروم رواية الحديث:
[اشتراط الإسناد]
أن لا يقرأ شيئاً ولا يرويه إلا بإسنادٍ متصلٍ إلى راوي ذلك الحديث، أو مؤلف ذلك الكتاب، للراوي والمؤلف معاً، كيلا تنقطع سلسلة الإسناد،
الذي هو مما اختص الله تعالى به هذه الأمة دون سائر الأمم، وبين نقص غيرهم على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم في إسقاط عدالتهم، وعدم جواز الرواية بالعنعنة عنهم بقوله:((بينوا عني ولو آيةً، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج)) .
قال العلماء: أي ولا حرج في إسقاط الرواية عنهم، حيث لم يكونوا أهلاً للضبط والعدالة، وقد صح عن عبد الله بن المبارك الإمام أنه قال: الإسناد من الدين، ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء.
وقال أحمد بن حنبلٍ الإمام: طلب الإسناد العالي سنةٌ عمن سلف.
وقيل ليحيى بن معينٍ الإمام في مرضه الذي مات فيه: ما تشتهي؟ قال: بيتٌ خالٍ، وإسنادٌ عالٍ.
وقال محمد بن أسلم الطوسي الإمام الزاهد: قرب الإسناد قربةٌ إلى الله تعالى.
ولذلك كان السلف الصالح رحمة الله عليهم ينهون عن إسقاط الإسناد غاية النهي، حتى أنهم لم يرووا حكايةً ولا شعراً إلا بالإسناد إلى المروي عنه، حتى لا يدعي أحدٌ كلام غيره أو شعر غيره، فقد فعله كثيرٌ ممن فضحه الله ببركة الإسناد وجهابذته، فما ظنك بالحديث والتفسير والفقه الذي هو علم الشريعة خاصةً من بين سائر العلوم، حتى لو أوصي لأهل العلم أو لعلماء الشرع لم يصرف إلا إلى علماء التفسير والحديث والفقه، وناهيك بهم شرفاً.
ولا اغترار بكثرة عدد من ترك الإسناد في علومه في أقطار البلاد، بل ربما أنكره مستغنياً عنه بسواد بياض منقطع الإسناد، محتملٍ للزيادة
والنقصان والتبديل والتحريف، يفتون بموجبه، ويروون عن مشاهدة خطه، فلو قيل لهم: من أين لكم أن هذا الكتاب تأليف فلانٍ، أو هذا الكلام للإمام الشافعي، أو أبي حنيفة -رحمة الله عليهما- لاشتغلوا بتأويلات يسوغون بها باطلهم، بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه، فهذا الزمان الذي أخبر بمعناه صلى الله عليه وسلم في كثيرٍ من أحاديثه الصحيحة، هذا مع أنهم يقرؤون في كتب الأصول حكاية اختلاف العلماء قديماً وحديثاً في قبول رواية المراسيل التي يرويها التابعي المشهور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمجرد إسقاط ذكر الصحابي المروي عنه، فإن الشافعي وجمهور المحدثين لم يقبلوها، وإن قبل الشافعي مراسيل سعيدٍ بن المسيب، فإنه إنما قبلها لكونه تتبعها فوجدها عنده مسانيد.
فإذا كان مثل سعيد بن المسيب، والحسن البصري، ومحمد بن سيرين، وعمر بن عبد العزيز، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق وغيرهم من سادات التابعين، إذا أطلقوا الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسقطوا ذكر الصحابي لم يقبل ذلك احتجاجاً، به، فكيف [بغيرهم] ممن بعد سبعمائة ونيفٍ وعشرين سنةٍ؟!
يقولون في مثل كتاب (المصابيح) ، و (المشارق) ، و (الشهاب)، وغيرها: قال رسول لله صلى الله عليه وسلم؟! متأولين ثبوت أسانيدها عند أهلها، ويا له من خطأ ظاهرٍ عند أهله، فالواجب أن يذكر إسناد الكتاب المقروء أولاً، ويقول: أخبرنا فلان بن فلان بن فلان إجازةً أو قراءةً عليه، أو سماعاً، على ما تقتضيه روايته عن شيخه، قال: أخبرنا فلانٌ هكذا إلى مؤلفه، ثم يقول: