الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مُقَدّمَة
…
تَقْدِيم
الْحَمد لله الَّذِي أنزل الْكتاب متناسبةً سوره وآياتُه، متشابهة فواصله وغاياتُه.
وَأشْهد أَلا إِلَه إِلَّا الله الَّذِي تمت كلماتُه، وعمَّت مكرماتُه.
وَأشْهد أَن سيدنَا مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله
…
الَّذِي ختمت بِهِ نبواته، وكملت برسالته رسالاتُه
…
توالت عَلَيْهِ - وعَلى آله وَأَصْحَابه - صلواتُه، وتواتر تسليمُه وبركاتُه.
وَبعد..
فَإِن الْقُرْآن الْكَرِيم بلغ من ترابط أَجْزَائِهِ، وتماسك كَلِمَاته وجمله وآياته وسوره مبلغا فريداً، لَا يدانيه فِيهِ أَي كَلَام آخر.
فألفاظ الْقُرْآن وآياته وسوره متعانقة متماسكة، آخذ بعضُها بأعناق بعض، فتراها سَلِسَةً رقيقَة عذبةً متجانسة، أَو فخمةً جزلةً متآلفة.
وعَلى الرغم من أَنه كَثْرَة متنوعة، إِلَّا أَن كَلِمَاته متآخية متجاوبة.. جرساً وإيقاعاً ونغماً.
وَهَذَا كُله مِمَّا جعله كتابا سوياً، يَأْخُذ بالأبصار، ويستحوذ على الْعُقُول والأفكار:{قُرْآناً عَرَبِيّاً غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} (الزمر/28) ..
يعرف هَذَا الإحكام والترابط فِي الْقُرْآن كل من تمعن فِي التناسب الْوَاضِح فِيهِ، فَلَا تفكُّك وَلَا تخاذل ولاانحلال وَلَا تنافر. بَيْنَمَا الموضوعات مُخْتَلفَة متنوعة. فَمن تشريع، إِلَى عقائد إِلَى قصَص، إِلَى جدل، إِلَى وصف
…
إِلَخ.
وَهَذَا التناسب هُوَ سر من الْأَسْرَار الدقيقة الَّتِي تتجلى بهَا عَظمَة الْقُرْآن الْكَرِيم وإعجازه، كَيفَ لَا وَالنَّبِيّ صلى الله عليه وسلم يَقُول: "مَا من الْأَنْبِيَاء نَبِي إِلَّا أُعطي من
الْآيَات مَا مثله آمن عَلَيْهِ الْبشر، وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتهُ وَحيا أوحاه الله إليَ، فأرجو أَن أكون أَكْثَرهم تَابعا يَوْم الْقِيَامَة" (1) .
وَمن هُنَا كَانَ اهتمام عُلَمَائِنَا - عبر الْقُرُون - بإبراز هَذَا الإعجاز والبحث عَن السبل المؤدية إِلَيْهِ.. وَقد بَدَأَ اهتمامي بموضوع التناسب والترابط فِي الْقُرْآن الْكَرِيم - بِاعْتِبَارِهِ من أبرز مناحي الإعجاز القرآني - مُنْذُ فَتْرَة مبكرة من حَياتِي العلمية.. فمنذ مرحلة الماجستير، وَكَانَ مَوْضُوع بحثي هُوَ:(خَصَائِص السُّور والآيات المدنية ومقاصدها)(2) . وَأَنا أتتبع هَذَا الْمَعْنى فِي كَلَام المفسِّرين والمصنفين فِي عُلُوم الْقُرْآن
…
ثمَّ كَانَت مرحلة الدكتوراه، حَيْثُ اهتممت بِهِ أَيْضا فِي أثْنَاء عرضى لموضوع (الصراع بَين الْحق وَالْبَاطِل كَمَا جَاءَ فِي سُورَة الْأَعْرَاف) - وَهُوَ عنوان الرسَالَة (3) -، حَيْثُ تلمست الْوحدَة الموضوعية فِي سُورَة الْأَعْرَاف، وَالَّتِي تشد موضوعاتها إِلَى ذَلِك العنوان الرئيس.. ثمَّ تعرضت لنَفس الْمَوْضُوع كَذَلِك عِنْد تفسيري لسورة الحجرات (4) ، وَالَّذِي حاولت فِيهِ
(1) رَوَاهُ الشَّيْخَانِ - بِأَلْفَاظ مُتَقَارِبَة - عَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه..
البُخَارِيّ: كتاب فَضَائِل الْقُرْآن، بَاب كَيفَ نزل الْوَحْي وَأول مَا نزل. وَكتاب: الِاعْتِصَام بِالْكتاب وَالسّنة، بَاب قَول النَّبِي (بعثت بحوامع الْكَلم، حَدِيث (4981) ، حَدِيث (7274) ، ط. دَار السَّلَام للنشر والتوزيع، وَمُسلم: كتاب الْإِيمَان، بَاب وجوب الْإِيمَان برسالة النَّبِي (. حَدِيث 239 (1/134) . ط. دَار إحْيَاء التراث الْعَرَبِيّ، تَحْقِيق مُحَمَّد فؤاد عبد الْبَاقِي.
(2)
صدرت طبعتها الأولى (عَام1406?) عَن دَار الْقبْلَة للثقافة الإسلامية بجدة، ومؤسسة عُلُوم الْقُرْآن ببيروت.
(3)
طبعت للمرة الأولى عَام 1416? - 1995م، وصدرت ضمن مطبوعات مكتبة الْملك عبد الْعَزِيز الْعَامَّة بالرياض، ويجرى الْآن إِعَادَة طبعها للمرة الثَّانِيَة.
(4)
طبع ضمن: الْمنْهَج القويم فِي تَفْسِير الْقُرْآن الْكَرِيم، مؤسسة الرسَالَة - بيروت، ط 1/1419? - 1998م.
تطبيق هَذَا اللَّوْن من التناسب والترابط بَين آياتها الْكَرِيمَة.
وَهَا أَنا ذَا، أَعُود - بتوفيقٍ من الله سبحانه وتعالى إِلَى هَذَا الْمَوْضُوع المهم، فأخصه بِهَذِهِ الدراسة، الَّتِي يُمكن أَن تُعدَّ مدخلًا لمزيد من الْعِنَايَة بِعلم الْمُنَاسبَة (نظرياً وتطبيقاً) .
وَقد سميت هَذِه الدراسة المتواضعة بـ (مصابيح الدُّرَر فِي تناسب آيَات الْقُرْآن الْكَرِيم والسور) .
وَقد جَاءَت دراستي هَذِه فِي سِتَّة مبَاحث، حاولت فِيهَا أَن أَلُمَّ شتات الْمَوْضُوع، من حَيْثُ التَّعْرِيف بِعلم الْمُنَاسبَة، وتحديد موقعه بِالنِّسْبَةِ إِلَى عُلُوم الْقُرْآن، والتاريخ الْمُجْمل لَهُ، وَالْعرض لأهم وأبرز أَعْلَامه (من القدماء والمعاصرين) ، وتفصيل القَوْل قَلِيلا فِي أَنْوَاعه الرئيسة.. ثمَّ الاهتمام بإيراد نماذج تطبيقية على هَذَا الْعلم الشريف فِي أَنْوَاعه الثَّلَاثَة الرئيسة.
وَقد عُنيت عنايةً بَالِغَة بِنِسْبَة كل قَول إِلَى قَائِله، وتحديد مصدر النقولات عَن أهل الْعلم، وَالتَّعْلِيق عَلَيْهَا بالتوضيح، أَو الْإِضَافَة أَو النَّقْد (1) . . بِمَا يخْدم نطاق الْبَحْث.
هَذَا.. وأسأل الله تَعَالَى أَن يوفقني دَوْمًا إِلَى خدمَة كِتَابه الْعَزِيز، وَأَن يَجْعَلنِي
(1) أحب أَن أُشير هُنَا إِلَى طريقتي فِي النَّقْل عَن الْعلمَاء، فَأَنا ألتزم - غَالِبا - بِنَصّ كَلَامهم، وأشير فِي الْهَامِش إِلَى الْمصدر (ببياناته الموثقة كَامِلَة فِي أول موضعٍ يذكر فِيهِ) ، وَإِذا حدث أَن اختصرت مِنْهُ شَيْئا فَإِنِّي أَضَع ثَلَاث نقاط بَين قوسين كبيرين هَكَذَا (
…
) إِشَارَة إِلَى أَن هُنَا مَا تجاوزته.. وَإِذا حدث أَن تصرفت فِي بعض الْعبارَات، فإنني أُشير إِلَى ذَلِك فِي الْحَاشِيَة بقولى: انْظُر. وَمَا كَانَ من تَعْلِيق لي على نَص، فإنني أجعله فِي الْهَامِش مشاراً إِلَيْهِ بنجمة صَغِيرَة، وَمَا كَانَ من إِضَافَة يسيرَة إِلَى الْكَلَام فِي النَّص، فإنني أجعله بَين قوسين كبيرين.
من أَهله - الَّذين هم أهل الله وخاصتُه -، وَأَن ينفع كلَّ قارئٍ بِهَذَا الْجهد المقلِّ فِي هَذَا الْبَاب، وَأَن يتقبله مني بقبولٍ حسن، ويجعله خَالِصا لوجهه الْكَرِيم، ومقرباً إِلَى جواره فِي جنَّات النَّعيم.. إِنَّه هُوَ السَّمِيع الْمُجيب.
وَالْحَمْد لله أَولا وآخراً. وَصلى الله على سيدنَا مُحَمَّد وعَلى آله وَصَحبه وَسلم تَسْلِيمًا كثيرا.