الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث والفقه
مدخل
…
الحديث والفقه:
لقد رُوي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن بعض الصحابة ما يستفاد منه كراهة كتابة الحديث. وقد جمع الخطيب البغدادي هذه الأحاديث والآثار في القسم الأول من كتابه "تقييد العلم"1. ولكنه في القسم الثاني من كتابه جمع من الأحاديث والآثار ما يكشف عن سبب هذه الكراهة، ثم يعقد عليها بما يُغني عن إطالة الحديث، قال2: فقد ثبت أن كراهة من كره الكتاب من الصدر الأول، إنما هي لئلا يضاهي بكتاب الله غيره أو يُشتغل عن القرآن بسواه، ونُهي عن الكتب القديمة أن تُتخذ؛ لأنه لا يُعرف حقها من باطلها، وصحيحها من فاسدها، مع أن القرآن كفى منها، وصار مهيمنًا عليها. ونُهي عن كتب العلم في صدر الإسلام وجدته لقلة الفقهاء في ذلك الوقت، والمميزين بين الوحي وغيره؛ لأن أكثر الأعراب لم يكونوا فقهوا في الدين، ولا جالسوا العلماء العارفين، فلم يُؤمن أن يلحقوا ما يجدون من الصحف بالقرآن، ويعتقدوا أن ما اشتملت عليه كلام الرحمن".
غير أنه وردت كذلك أحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبار عن صحابته رضي الله عنهم، تحض على كتابة الحديث، وقد جمعها الخطيب كذلك في القسم الثالث من كتابه3.
ولن نعرض لهذه الأحاديث والآثار بشيء، ففيما صنعه الخطيب البغدادي ما يكفينا ويكفي غيرنا ممن يحب التوسع في هذا الموضوع. ولكننا سنورد من الأخبار ما يدحض الزعم الشائع أن الحديث ظل أكثر من مائة سنة يتناقله
1 من ص29 إلى ص49.
2 ص57.
3 من ص64 إلى ص114
العلماء حفظًا دون أن يكتب. وسنبين أن الحديث قد دُوِّن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وواصل الصحابة والتابعون تدوينه بعد ذلك؛ وأن الحفظ والرواية الشفهية قد سارتا جنبًا إلى جنب مع الكتابة والتدوين لا يفصل بينهما فاصل من الزمن، ولا ينفي وجود إحداهما وجود الأخرى.
فعبد الله بن عمرو بن العاص كان يكتب أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعلمه وإذنه، ولقد سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم -بعد أن أذن له بكتابة حديثه-: هل يكتب كل ما يسمع؟ فقال صلى الله عليه وسلم: اكتب فوالذي نفسي بيده ما خرج مني إلا حق1. وكان عبد الله بن عمرو يُسمي صحيفته التي كتب عليها الأحاديث: الصادقة. قال مجاهد2: رأيت عند عبد الله بن عمرو صحيفة، فسألته عنها، فقال: هذه الصادقة فيها ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليس بيني وبينه فيها أحد. ويقال إن فيها ألفًا من الأحاديث1، وقد بقيت هذه الصحيفة عند أهل بيته فكان حفيده عمرو بن شعيب يحدِّث4 منها. وقد ضمن أحمد بن حنبل هذه الصحيفة مسنده فصانها من الضياع5.
وصحابي جليل آخر كتب الأحاديث الشريفة هو عبد الله بن عباس. ذكر موسى بن عقبة قال6: وضع عندنا كريب حمل بعير من كتب ابن عباس، فكان علي بن عبد الله بن عباس إذا أراد الكتاب، كتب إليه: ابعث إلي بصحيفة كذا وكذا، فينسخها ويبعث بها.
وصحابي جليل ثالث هو أنس بن مالك خادم رسول الله وملازمه في بيته ليلًا
1 مسند أحمد: حديث رقم 6510 رقم 6802.
2 ابن سعد 7/ 2: 189.
3 أسد الغابة 3: 233.
4 تهذيب التهذيب 8: 48-49.
5 الدكتور محمد حميد الله: أقدم تأليف في الحديث النبوي، مقالة في مجلة المجمع العلمي العربي بدمشق، الجزء الأول سنة 1953 ص105.
6 ابن سعد 5: 216.
ونهارًا عشر سنوات. فقد روى هبيرة بن عبد الرحمن أن أنس مالك كان إذا حدث فكثر عليه الناس، جاء بمجال من كتب، فألقاها ثم قال: هذه أحاديث سمعتها وكتبتها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعرضتها عليه1.
وكان أنس يحض بينه على كتابة الحديث2.
وصحابي جليل رابع هو أبو هريرة أكثر الصحابة رواية للحديث. قال ابن لعمرو بن أمية الضمري3: تحدثت عند أبي هريرة بحديث، فأنكر، فقلت: إني قد سمعته منك. فقال: إن كنت سمعته مني فهو مكتوب عندي.
فأخذ بيدي إلى بيته، فأرانا كتبًا كثيرة من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوجد ذلك الحديث. وقد كتب عبد العزيز بن مروان إلى كثير بن مرة الحضرمي -وكان قد أدرك سبعين بدريًّا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكتب إليه بما سمع من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحاديثهم، إلا حديث أبي هريرة فقد ذكر أنه عنده4. وعن بشير بن نهيك5 قال: أتيت أبا هريرة بكتابي الذي كتبته فقرأته عليه، فقلت: هذا سمعته منك؟ قال: نعم.
ومن كبار التابعين الذين دونوا الحديث: عروة بن الزبير "المتوفى سنة 94" -وكانت عائشة خالته- قال هشام بن عروة بن الزبير6: أحرق أبي يوم الحرة كتب فقه كانت له؛ فكان يقول بعد ذلك: لأن تكون عندي أحب إلي من أن يكون لي مثل أهلي ومالي.
1 تقييد العلم: 95.
2 ابن سعد 7: 14.
3 الدكتور حميد الله -المقالة المذكورة سابقًا- نقلًا من جامع بيان العلم 1: 74.
4 ابن سعد 7/ 2: 157.
5 ابن سعد 7: 162.
6 المصدر السابق 5: 133.