الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في أولها على أنها رواية فلان، وينص في آخرها على أنه "كمل شعر امرئ القيس من رواية فلان". ثم يختار الجامع قصائد من روايات أخرى يضعها بعد القصائد الأولى، وينص كذلك على أنها من رواية فلان أو فلان. مع أن شرط الجمع متوافر في هذا الضرب إلا أنه ليس غاية في ذاته، وإنما الغاية جمع رواية بعينها ثم اختيار قصائد من روايات أخرى.
الضرب الأول: الروايات المختلفة المتداخلة:
1-
نسخة السكري:
أبو سعيد الحسن بن الحسين السكري "ولد سنة 212 وتوفي سنة 275"، وهو ممن خلط المذهبين1: البصري والكوفي، فأخذ عن أبي حاتم السجستاني والعباس بن الفرج الرياشي، وهما من علماء المذهب البصري، وأخذ عن محمد بن حبيب ويعقوب بن السكيت، وهما من علماء المذهب الكوفي. وكان مشهورًا بكثرة الجمع والاستقصاء فيه، حتى قالوا عنه إنه "كان إذا جمع جمعًا فهو الغاية في الاستيعاب والكثرة"2. وعرَّفوه بأنه "الراوية الثقة المكثر3".
أما نسخته من ديوان امرئ القيس فليست -لسوء الحظ- بين أيدينا حتى ندرسها عن عيان ويقين. غير أن أهلوارد الذي طبع "العقد الثمين" ذكر في مقدمته أنه اطلع على هذه النسخة واعتمدها أصلًا في طبع شعر امرئ القيس الذي في مجموعته. ومخطوطة هذه النسخة موجودة في مكتبة ليدن وقد ذكر أهلوارد أنها كتبت سنة 545هـ4، وأن لكثير من القصائد التي تضمها مقدمات.
غير أن طبعة أهلوارد قد خلت من هذه المقدمات التي تسبق عادة القصائد،
1 الفهرست: 117.
2 ياقوت، إرشاد 8:94.
3 المصدر السابق.
4 مقدمة العقد الثمين: 21.
وإن كان أهلوارد جمعها، أو جمع بعضها، في آخر الديوان1. غير أن هذه المقدمات التي جمعها في آخر الديوان قد خلت خلوًّا تامًّا من الإشارة إلى الرواية والرواة، وهي لا تعدو أن تكون شرحًا مقتضبًا لمناسبة بعض القصائد أو سبب نظمها. ومع هذا كله فقد قال أهلوارد في مقدمة طبعته2 "يبدو أن نسخة السكري مروية عن أبي عبيدة معمر بن المثنى البصري الذي يحتمل أنه رواها عن شيخه أبي عمرو معمر بن المثنى البصري الذي يحتمل أنه رواها عن شيخه أبي عمرو بن العلاء". ولسنا ندري ما الذي حمل أهلوارد على هذا الظن فليس فيما أورده في طبعته أية إشارة إلى إسناد أو رواية. ومع أن النسخة الأصلية ليست بين أيدينا، فإننا نرجح أن الأمر قد التبس على أهلوارد، ونكاد نذهب إلى أن نسخة السكري هذه ذات روايات مختلفة أكثرها كوفية، ولنا على ذلك ثلاثة أدلة: أولها جوهري ويكاد يكون يقينًا، وهو أن في هذه النسخة سبعًا وستين قصيدة ومقطعة لامرئ القيس، بينما شعر امرئ القيس في رواية الأصمعي ثمان وعشرون قصيدة ومقطعة فقط، وهو في نسخة الطوسي من الرواية الكوفية سبع وأربعون قصيدة، منها اثنتان وأربعون من رواية المفضل نفسه، والخمس الأخرى جمعها الطوسي من رواية غيره من الكوفيين، ونص في إحداها على أنها من رواية أبي عمرو الشيباني. وشعره في نسخة ابن النحاس 56 قصيدة ومقطعة، وفي النسخة التي سميناها نسخة الطوسي قصائد كثيرة ألحقها جامع مجهول بنسخة الطوسي فجاء شعر امرئ القيس في هذه النسخة في ست وسبعين قصيدة.
فإذا علمنا أن منهج البصريين التضييق في الرواية والتحري والتدقيق في مصادرها، وأن منهج الكوفيين التوسع في الرواية والمصادر معًا، وإذا قرنا هذا بما رأيناه من أن رواية الأصمعي البصري لشعر امرئ القيس جاءت في ثمان وعشرين قصيدة ومقطعة فقط -وهي أقل روايات هذا الشعر كافة- علمنا
1 العقد الثمين: 220-223.
2 مقدمة العقد الثمين: 6.
أن نسخة السكري بقصائدها ومقطعاتها السبع والستين لا يمكن أن تكون عن بصري أو عن أبي عبيدة عن أبي عمرو بن العلاء.
والدليل الثاني: هذا النص الصريح الواضح الذي ذكره ابن النديم في معرض حديثه عن ديوان امرئ القيس ورواياته المختلفة، فقد قال1:"وصنعه من جميع الروايات أبو سعيد السكري فجود".
وأما الدليل الثالث: فهو أن السكري -على أخذه عن البصريين- قد كان، فيما يبدو لنا، أميل إلى الكوفيين وأكثر أخذًا عنهم، فهو متفق معهم في المنهج الذي يرمي إلى التوسع في المصادر، والتكثر في الرواية والجمع على ما بيناه في صدر حديثنا عن السكري. ومن أجل هذا نراه أكثر الأخذ عن محمد بن حبيب كما ذكر ياقوت2. ومحمد بن حبيب روى كتب ابن الأعرابي تلميذ المفضل.
ودليل رابع: فرع للدليل الثالث يدعمه ويقويه، وهو أن الدواوين التي بين أيدينا من صنعة السكري إنما رواها كلها عن محمد بن حبيب الكوفي المذهب، ومنها ديوان حسان بن ثابت3، وديوان الحطيئة4، وديوان جران العود5.
ومن أجل هذا كله -وخاصة من أجل الدليل الأول والثاني- نرجح أن نسخة السكري هذه صنعها من جميع الروايات كما ذكر ابن النديم، وأن معتمد هذه النسخة -لكثرة قصائدها- على الروايات الكوفية، وأنها لا يمكن أن تكون كلها من رواية أبي عبيدة وحده.
2-
نسخة ابن النحاس:
وهي مما صوره -على ميكروفيلم- معهد إحياء المخطوطات العربية
1 الفهرست: 223.
2 إرشاد 18: 112.
3 طبعة ليدن سنة 1910.
4 طبعة مطبعة التقدم بتصحيح أحمد بن الأمين الشنقيطي.
5 طبعة دار الكتب سنة 1931.
بجامعة الدول العربية من مكتبة الأسكوريال، وأوراقها 151 ورقة مكتوبة بخط النسخ، وليس عليها تاريخ كتابتها ولا اسم كاتبها، وإن كان الأرجح أنها كتبت في القرن السابع أو الثامن.
وأول إشكال يفجئونا في هذه النسخة هو تحقيق اسم صاحبها. فقد جاء في الورقة الأولى: "شرح ديوان امرئ القيس المسمى بالتعليقة للعلامة ابن النحاس" ثم كتب بجوار هذه الكنية بخط مائل "بهاء الدين أبي العباس أحمد"، وبجانبه علامة التصحيح والاستدراك "صح". وقد بذلنا جهدنا لمعرفة صاحب هذا الاسم، فلم نعثر له على أثر فيما بين أيدينا من كتب الرجال والتراجم والطبقات. وليس في هذه الكتب ممن يسمي ابن النحاس إلا اثنان، أولهما أبو جعفر أحمد بن محمد بن إسماعيل النحاس. والثاني: أبو عبد الله بهاء الدين بن النحاس محمد بن إبراهيم بن محمد. فرجحنا أن يكون الكاتب الذي استدرك في نسختنا على اسم ابن النحاس فجعله أبا العباس أحمد قد أخطأ وأنه كان يقصد أبا عبد الله محمدًا هذا الذي ذكرناه، ولقبه بهاء الدين كما أثبته كاتب الاستدراك. فإذا كان ترجيحنا هذا صحيحًا -إذ لم نعثر على بهاء الدين أبي العباس أحمد، ولعله لا وجود له- فإننا نريد أن نرجح ترجيحًا آخر وهو أن صاحب هذا الشرح هو أبو جعفر بن النحاس المشهور، وليس البهاء بن النحاس. وتفصيل ذلك أن البهاء بن النحاس "ولد سنة 627 وتوفي سنة 698" كان شيخ الديار المصرية، وأكثر شهرته في النحو و"لم يصنف شيئًا إلا ما أملاه شرحًا لكتابه المقرب"1. فهو إذن من رجال القرن السابع، بينما لا نجد في النسخة التي بين أيدينا ذكرًا لأحد من الرواة بعد النصف الأول من القرن الرابع. بل إن في هذه النسخة نصين جديرين بالوقوف عندهما ودرسهما.
الأول قوله2: "قال أصحابنا البصريون". والثاني قوله3: "سمعت ابن دريد
1 بغية الوعاة 6.
2 تعليقة ابن النحاس ورقة: 5.
3 المصدر السابق: 44.
قال:
…
"وهما من أسباب ترجيحنا أن أبا جعفر بن النحاس هو صاحب هذه التعليقة، وذلك أن أبا جعفر قد رحل إلى بغداد، وروى عن المبرد، والأخفش علي بن سليمان، والزجاج1، وهم جميعًا من علماء المذهب البصري.
وروى من الأخبار ما فيه تضعيف للكوفيين ونيل منهم2. فمن المعقول إذن أن يقول من كان هذا شأنه "قال أصحابنا البصريون". ثم إن أبا جعفر بن النحاس توفي سنة 377هـ، وتوفي ابن دريد سنة 321، وأخذ أبو جعفر عن شيوخ ابن دريد وعمن هم في طبقته مثل المبرد والأخفش والزجاج، وابن دريد بصري المذهب مثل ابن النحاس وشيوخه، فمن المعقول إذن لمن كان هذا شأنه أن يأخذ عن ابن دريد، وأن يقول "سمعت ابن دريد".
وشيء ثالث في النسخة نفسها، وذلك كثرة ما يرويه من شرح للألفاظ والأبيات عن أبي الحسن ونحن نستبعد أن يعني بأبي الحسن: الطوسي، وذلك لأنه ذكر الطوسي صراحة في مواطن كثيرة ولم يكنه. أما هذه الكنية التي تدل على الألفة والشهرة بحيث يُكتفَى بها ويُستغنَى عن التسمية فالمقصود بها -في رأينا- علي بن سليمان الأخفش، وهو أستاذ أبي جعفر بن النحاس "وله سماع كثير عنه"3.
فإذا أضفنا إلى هذا كله ما ذكرناه من أن البهاء بن النحاس "لم يصنف شيئًا إلا ما أملاه شرحًا لكتاب المقرب"، بينما نجد أن أبا جعفر بن النحاس يُعنَى عناية كبيرة بالشعر ويؤلف فيه، فله "شرح المعلقات" و"شرح المفضليات"4، و "فسر عشرة دواوين وأملاها"5، وله "كتاب أخبار
1 طبقات اللغويين والنحويين: 239، وياقوت، إرشاد 4:224.
2 طبقات اللغويين والنحويين: 94.
3 إنباه الرواة 1: 101.
4 السيوطي، البغية.
5 إنباه الرواة 1: 101.
الشعراء1" إذا ذكرنا ذلك كله استبانت لنا الأسباب التي من أجلها رجحنا أن يكون أبو جعفر بن النحاس هو صاحب هذه النسخة وليس البهاء بن النحاس.
أما النسخة نفسها ففيها ست وخمسون قصيدة ومقطعة لامرئ القيس، وهي مجموعة من روايات مختلفة متداخلة: بصرية وكوفية، وفي كثير منها نص على راويها، أو نص على أن فلانًا؟؟؟ وأنكر نسبتها لامرئ القيس، أو أن فلانًا لم يعرفها. ويبدو أن ابن النحاس قد اعتمد نسخة اليزيدي من ديوان امرئ القيس أصلًا، وهو أبو عبد الله محمد بن العباس بن محمد بن يحيى بن المبارك اليزيدي المتوفى سنة 310هـ. ويبدو كذلك أن نسخة اليزيدي هذه قد قرئت على ابن دريد، قرأها رجل كنيته أبو عمران فاعتمد ابن النحاس نسخة اليزيدي أصلًا ثم أضاف إليها ما ذكره ابن دريد وغيره من الزيادات أو الشروح أو الاستدراكات. وحديث ابن النحاس عن هذه النسخة يدل على هذا الذي ذكرناه، فهو يقول2: "كان في نسخة اليزيدي كذا وهو خطأ وحقه كذا
…
"، و"في نسخة اليزيدي كذا..3"، و"قال ابن دريد: دفعها الأصمعي ورواها قوم لابن أحمر، وهي في أصل اليزيدي"4، و"هذا البيت ليس في اليزيدي
…
وقد قرأه أبو عمران"5، و"هذا البيت ليس في نسخة اليزيدي وقد قرأه أبو عمران على ابن دريد"6، و"زيادة على اليزيدي قرأها أبو عمران"7، و"روى الأصمعي وقرأه أبو عمران على ابن دريد"8، و "كذا هو في اليزيدي9".
1 المصدر السابق 1: 103.
2 تعليقة ابن النحاس ورقة: 49.
3 المصدر السابق: 53.
4 المصدر السابق: 53.
5 المصدر السابق: 58.
6 المصدر السابق: 91.
7 المصدر السابق: 109.
8 المصدر السابق: 122.
9 المصدر السابق: 126.