الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القرينة الرابعة: أن يعلم مراد الإمام، بمعرفة حاله وحال الراوي مع النظر في سياقه لعبارته
.
قد يخرج الحكم من الإمام مخرج جرح الأقران، والمعروف أن يُطوى ولا يُروى (1).
وقد يكون سببه التحامل المذهبي، والخلاف في المعتقد، مثل جرح الجوزجاني لمتشيعه الكوفة، وابن خراش لأهل الشام (2).
ومثل ما حكاه ابن أبي حاتم في الجرح 7/ 191 من ترك أبي حاتم وأبي زرعة حديث البخاري من أجل مسألة اللفظ (لفظي بالقرآن مخلوق) ولا تصح عنه رحمه الله كما نفاها عن نفسه (3).
قال ابن حجر: ابن سعد يقلد الواقدي، والواقدي على طريقة أهل المدينة، في الانحراف على أهل العراق، فاعلم ذلك ترشد (4).
(1) انظر: لسان الميزان 1/ 16، وتعليق المعلمي في التنكيل 1/ 57 - 58، الموقظة ص 63، جامع ابن عبد البر، اليواقيت والدرر للمناوي 2/ 368، الرفع والتكميل ص 410، توضيح الأفكار 2/ 277، نظرية نقد الرجال د. الرشيد ص 226 - 239، دراسات في الجرح والتعديل د. الأعظمي ص 105 - 106، ميزان الاعتدال 3/ 607، مصطلحات الجرح والتعديل المتعارضة د. أسطيري 1/ 123 - 128، ص 166، كلام الأقران بعضهم في بعض لأبي سفيان مصطفى باحو ط. دار الضياء، الكفاية للخطيب ص 136.
(2)
انظر: مصطلحات الجرح والتعديل المتعارضة د. أسطيري 1/ 168 - 205، لسان الميزان 1/ 16، الرفع والتكميل ص 308، قواعد في الجرح والتعديل للسعد (أشرطة مفرغة) القاعدة السادسة، علم أصول الجرح والتعديل د. أبو لاوي ص 284.
(3)
انظر: سير أعلام النبلاء 12/ 457، اليواقيت والدرر للمناوي 2/ 375 - 376.
(4)
هدي الساري ص 443.
• وقد يقول أحدهم: فلان الصدوق في سبيل التهكم (1).
• وقد يكون له لقب يوهم في الحكم عليه، مثل:
- عبد الكريم الضال، وهو رجل فاضل، لكنه لقب، لأنه ضل في طريق مكة.
- عبد الله بن محمد الضعيف: كان ضعيفاً في جسمه لا في حديثه، وقيل لقب من باب الأضداد؛ لشدة إتقانه وضبطه، قاله ابن حبان.
- أبو الحسن يونس بن يزيد القوي: وهو ضعيف، وقيل له: القوي، لعبادته (2).
• وقد يخرج الحكم من الإمام مخرج المزاح والدعابة (3).
• وقد يُسأل الإمام عن رجل فيحيد عن الجواب لسبب من الأسباب (4)، مثاله:
سئل شعبة عن مجاعة بن الزبير، وكان جاره، وكان من العرب، فكان شعبة لا يعتمد عليه، وإذا سئل قال: كثير الصوم والصلاة.
قال ابن أبي حاتم: كان يحيد عن الجواب فيه، ودل حيدانه عن الجواب على توهينه.
مقدمة الجرح 1/ 154.
وانظر مثالاً آخر في ميزان الاعتدال 2/ 620، وتعقُّب الحافظ في اللسان.
(1) ميزان الاعتدال 4/ 485.
(2)
تدريب الراوي ص 290 أفاده في شفاء العليل ص 541.
(3)
انظر: تاريخ بغداد 2/ 212، تذكرة الحفاظ 1/ 380، سير أعلام النبلاء 10/ 246، أفاده في ضوابط الجرح والتعديل عند الذهبي 2/ 780، وانظر علم أصول الجرح والتعديل د. أبو لاوي ص 284.
(4)
شفاء العليل ص 542.
ويقولون في الحيدة عن الجواب: فلان رجل، من الناس، فلان هو كما شاء الله، كان رجلاً من العرب (1).
عُلِمَ من هذا أن معرفة حال الراوي، معين على فهم مراد الأئمة بعباراتهم،
قال شعبة: كان يزيد بن أبي زياد رفاعاً.
…
الجرح 9/ 265.
قال الذهبي: يعني الآثار التي هي من أقوال الصحابة، يرفعها.
سير أعلام النبلاء 6/ 130.
فقد صدر هذا التفسير من الذهبي؛ بناءً على معرفته بحال يزيد، ووقوفه على كلام الأئمة النقاد (2).
وقول يحيى بن سعيد لعبيد الله: (تكتب كذباً كثيراً) لما قال له: أذهب إلى وهب بن جرير أكتب السيرة.
الضعفاء للعقيلي 4/ 25.
انظر تفسيره من الحافظ الذهبي في السير 7/ 52 (3).
قال ابن معين: سويد بن سعيد مات منذ حين.
قال الذهبي: عنى أنه مات ذكره لِلِينه، وإلا فقد بقي سويد بعد يحيى سبع سنين.
السير 11/ 412 (4).
(1) شفاء العليل ص 543.
(2)
ضوابط الجرح والتعديل عند الذهبي للثاني 2/ 866.
(3)
المرجع السابق 2/ 867.
(4)
المرجع السابق 2/ 868 وما بعدها فقد ذكر أمثلة أخرى.
سئل الإمام أحمد عن الإمام الأوزاعي، فقال:(حديث ضعيف ورأي ضعيف).
علق الذهبي على هذا بقوله: يريد أن الأوزاعي حديثه ضعيف، من كونه يحتج بالمقاطيع وبمراسيل أهل الشام، وفي ذلك ضعف، لا أن الإمام في نفسه ضعيف.
السير 7/ 114 (1).
• ومن معرفة حال الراوي، أن الإمام الناقد قد يريد بعبارته حالاً دون حال، إما بعد اختلاط الراوي، أو ما حدث به في بلد دون بلد، أو رواية أهل بلد خاصة، أو شيوخ معينين.
قال الجرجاني: قد يخطر على قلب المسئول عن الرجل، من حاله في الحديث وقتاً، ما ينكره قلبه، فيخرج الجواب على حسب النكرة التي في قلبه، ويخطر له ما يخالفه في وقت آخر، فيجيب على ما يعرفه في الوقت منه، ويذكره، وليس ذلك تناقضاً، ولا إحالة، ولكنه قول صدر عن حالين مختلفين، يعرض أحدهما في وقت، والآخر في غيره (1).
وقد يحكم على سماع أحاديث قليلة للراوي، فيحكم عليه بالتوثيق، ثم ترد عليه من أحاديثه؛ ما يغير حكمه إلى الجرح (2).
مثال اختلاف أحوال الراوي:
- حديث معمر في البصرة، فيه اضطراب.
…
السير 7/ 12
(1) جواب المنذري على أسئلة الجرح والتعديل ص 89 وانظر التنكيل 1/ 57.
(2)
سؤالات ابن الجنيد لابن معين رقم (887)، تهذيب التهذيب 9/ 418.
- حديث العراقيين عن هشام، أوهام تحتمل.
…
السير 6/ 46.
- إسماعيل بن عياش حديثه عن الحجازيين والعراقيين لا يحتج به، وحديثه عن الشاميين صالح من قبيل الحسن (1).
…
السير 8/ 321.
قال ابن القيم: " طريقة أئمة الحديث العالمين بعلله، يصححون حديث الرجل، ثم يضعفونه بعينه في حديث آخر، إذا انفرد أو خالف الثقات؛ ومن تأمل هذا وتتبعه رأى منه الكثير، فإنه يصححون حديثه لمتابعة غيره له، أو لأنه معروف الرواية صحيح الحديث عن شيخ بعينه، ضعيفها في غيره.
وفي مثل هذا يعرض الغلط لطائفتين من الناس:
1) طائفة تجد الرجل قد خرج حديثه في الصحيح وقد احتج به فيه، فحيث وجدوه في حديث قالوا: هذا على شرط الصحيح، وأصحاب الصحيح يكونون قد انتقوا حديثه، ورووا له ما تابعه فيه الثقات، ولم يكن معلولاً، ويتركون من حديثه المعلول، وما شذ فيه، وانفرد به عن الناس، وخالف فيه الثقات، أو رواه عن غير معروف بالرواية عنه، ولاسيما إذا لم يجدوا حديثه عند أصحابه المختصين به، فإن لهم في هذا نظراً واعتباراً، اختصوا به عمن لم يشاركهم فيه؛ فلا يلزم حيث وجد حديث مثل هذا، أن يكون صحيحاً، ولهذا كثيراً ما يعلل البخاري ونظراؤه حديث الثقة؛ بأنه لا
(1) وانظر: شرح العلل لابن رجب 2/ 552، ضوابط الجرح والتعديل للعبد اللطيف ص 84 - 89 وص 67 - 68، الجرح والتعديل للاحم ص 438، مصطلحات الجرح والتعديل المتعارضة 1/ 469 - 521 و 2/ 633، 691 - 722، قواعد الجرح والتعديل للسعد (أشرطة مفرغة) القاعدة الحادية عشر.
يتابع عليه.
2) والطائفة الثانية، يرون الرجل قد تكلم فيه؛ بسبب حديث رواه، وضعف من أجله، فيجعلون هذا سبباً لتضعيف حديثه أين وجدوه، فيضعفون من حديثه، ما يجزم أهل المعرفة بالحديث بصحته، وهذا باب قد اشتبه كثيراً على غير النقاد.
والصواب: ما اعتمده أئمة الحديث ونقاده، من تنقية حديث الرجل، وتصحيحه، والاحتجاج به في موضع، وتضعيفه وترك حديثه في موضع آخر، وهذا فيما إذا تعددت شيوخ الرجل ظاهر، كإسماعيل بن عياش في غير الشاميين؛ وسفيان بن حسين في غير الزهري، ونظائرهما متعددة، وإنما النقد الخفي إذا كان شيخه واحداً، كحديث العلاء بن عبد الرحمن مثلاً عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه فإن مسلماً يصحح هذا الإسناد، ويحتج بالعلاء، وأعرض عن حديثه في الصيام بعد انتصاف شعبان، وهو من روايته، وعلى شرطه في الظاهر، ولم ير إخراجه لكلام الناس في هذا الحديث، وتفرد وحده به،
…
=
= وهذا أيضاً كثير، يعرفه من له عناية بعلم النقد، ومعرفة العلل، وهذا إمام الحديث البخاري، يعلل حديث الرجل؛ بأنه لا يتابع عليه، ويحتج به في صحيحه، ولا تناقض منه في ذلك. ا. هـ (1).
ومن التضعيف النسبي ما قال ابن حجر في هدي الساري ص 39 - 40 في ترجمة (عبد ربه بن نافع الكناني): " احتج الجماعة به سوى الترمذي والظاهر أن تضعيف من ضعفه إنما هو بالنسبة إلى غيره من أقرانه كأبي عوانة وأنظاره".
(1) تهذيب السنن 5/ 326، وانظر الفروسية ص 238 - 242 ط. مشهور، وفي هذا الموضوع رسالة د. صالح الرفاعي (الثقات الذين ضعفوا في بعض شيوخهم) في مجلد، رسالة ماجستير 1407 هـ، وانظرشرح العلل لابن رجب 2/ 552.
وقد يقول الناقد في راوٍ: له غلط كثير. ولا يريد به الكثرة المعروفة، وإنما يقصد كثرة بالنسبة لراوٍ آخر (1).
وأما أهمية معرفة السياق الذي ورد فيه كلام الإمام الناقد (2)؛ لتحديد مراده:
" فينبغي أن تعلم أن كلام المحدث في الراوي يكون على وجهين:
1) أن يُسأل عنه، فيجيل فكره في حاله، في نفسه وروايته، ثم يستخلص من مجموع ذلك معنى يحكم به.
2) أن يستقر في نفسه هذا المعنى، ثم يتكلم في ذاك الراوي، في صدد النظر في حديث خاص من روايته.
فالأول: هو الحكم المطلق، الذي لا يخالفه حكم آخر مثله، إلا لتغير الاجتهاد.
وأما الثاني: فإن كثيراً ما ينحى به، نحو حال الراوي في ذاك الحديث .... ثم ذكر أمثلة" (3).
(1) انظر مثالاً في المعرفة والتاريخ للبسوي 2/ 163، وعنه الثقات الذين ضعفوا في بعض شيوخهم للرفاعي ص 29، وانظر شفاء العليل ص 533، تحرير علوم الحديث 1/ 465 - 469.
(2)
انظر: ضوابط الجرح والتعديل للعبد اللطيف ص 89 - 90، الإمام ابن المديني ومنهجه في الرجال ص 531، الجرح والتعديل لللاحم ص 436 - 438، ظفر الأماني للكنوي ص 84 - 85.
فائدة: / ذكر الماوردي في (أدب الدنيا والدين) ص 84 أسباب خفاء المعاني، وذكر أن الكلام إما أن يكون مستقلاً بنفسه أو مقدمة لغيره أو نتيجة لغيره
…
الخ. وهذا يدل على أهمية معرفة السياق لبيان خفاء المعنى أو تحديد المراد.
(3)
التنكيل للمعلمي 1/ 363.
"وقد يذكر لأحد الأئمة، قول إمام آخر في أحد الرواة، فيجيب بما ظاهره تضعيف الراوي، وفي الحقيقة، إنما يقصد تضعيف قول ذاك الإمام، انظر مثالاً على ذلك في الجرح والتعديل لابن أبي حاتم 4/ 40 (1).
قال ابن الوزير اليماني رحمه الله: " أهل مراتب الاستشهاد في مراتب التعديل ومراتب التجريح، هُم هم، ولكن إذا سئل أحد الأئمة عن أحد هؤلاء مقروناً بغيره من الضعفاء، رفعه عن الضعيف بعبارة تعديل، وإن لم يكن قد ثبته، فهؤلاء أهل مراتب التعديل.
وإذا سئل عن أحد هؤلاء، مقروناً بأحد الثقات، ضعف هذا الراوي، وإن لم يكن قد أسقطه، فهؤلاء أهل مراتب التجريح
…
" (2) ا. هـ بمعناه.
قال أبو الوليد الباجي رحمه الله: " واعلم أنه قد يقول المعدِّل: فلان ثقة، ولا يريد به أنه ممن يحتج بحديثه، ويقول: فلان لا بأس به، ويريد أنه يحتج بحديثه؛ وإنما ذلك على حسب ما هو فيه، ووجه السؤال له، فقد يُسأل عن الرجل الفاضل في دينه، المتوسط في حديثه، فيقرن بالضعفاء، فيقال: ما تقول في فلان وفلان؟ فيقول: فلان ثقة، يريد أنه ليس من نمط من قرن به، وأنه ثقة بالإضافة إلى غيره .. "(3).
نقل هذا الكلام ابن حجر في اللسان 1/ 17 ثم السخاوي في فتح المغيث 2/ 127، ثم المعلمي في التنكيل 1/ 65 مع إضافات عليه (4).
(1) أفاده في شفاء العليل ص 522.
(2)
توضيح الأفكار للصنعاني، أفاده في شفاء العليل ص 282.
(3)
التعديل والتجريح 1/ 283، وانظر المثال على ذلك تاريخ الدارمي عن ابن معين ص 623، وتهذيب التهذيب 8/ 161.
(4)
وانظر: التسهيل في علم الجرح والتعديل لإبراهيم السعيد خليل ص 217، شفاء العليل ص 133، الرفع والتكميل ص 263، الجرح والتعديل لللاحم ص 443 - 444.
قال المعلمي رحمه الله: " قول المحدث: رواه جماعة ثقات حفاظ، ثم يعدهم لا يقتضي أن يكون كل من ذكره، بحيث لو سئل عنه ذاك المحدث وحده، لقال: ثقة حافظ.
هذا ابن حبان قصد أن يجمع الثقات في كتابه، ثم قد يذكر فيهم من يلينه، هو نفسه في الكتاب نفسه (1).
وهذا الدارقطني نفسه ذكر في السنن ص 35، حديثاً فيه "مسح الرأس ثلاثاً" وهو موافق لقول أصحابه الشافعية، ثم قال: خالفه جماعة من الحفاظ الأثبات ..... فعدهم، وذكر فيهم: شريكاً القاضي، وأبا الأشهب جعفر بن الحارث، والحجاج بن أرطاة، وجعفراً الأحمر، مع أنه قال ص 132:(شريك ليس بالقوي فيما يتفرد به)، وجعفر بن الحارث لم أر له كلاماً فيه، ولكن تكلم فيه غيره من الأئمة، كابن معين والنسائي.
وحجاج بن أرطاة قال الدارقطني نفسه، في مواضع من السنن: لا يحتج به، وفي بعض المواضع: ضعيف.
وجعفر الأحمر: اختلفوا فيه، وقال الدارقطني كما في التهذيب: يعتبر به، وهذا تليين كما لا يخفى.
ونحو هذا قول المحدث: شيوخي كلهم ثقات، أو شيوخ فلان كلهم ثقات، فلا يلزم من هذا، أن كل واحد منهم بحيث يستحق أن يقال له بمفرده، على الإطلاق: هو ثقة، وإنما ذكروا الرجل في جملة مَن أطلقوا عليهم ثقات، فاللازم أنه ثقة في الجملة، أي له حظ من الثقة، وقد تقدم في القواعد، أنهم
(1) علق الألباني رحمه الله بذكر أمثلة مثل: عبيد الله بن الأخنس غيره.
ربما يتجوزون في كلمة ثقة، فيطلقونها على من هو صالح في دينه، وإن كان ضعيف الحديث، أو نحو ذلك (1)، وهكذا قد يذكرون الرجل في جملة من أطلقوا أنهم ضعفاء، وإنما اللازم أن له حظاً ما، من الضعف، كما تجدهم يذكرون في كتب الضعفاء، كثيراً من الثقات الذين تُكُلِّم فيهم أيسر كلام (2). ا. هـ
وقد يُسأل الإمام عن الراوي، فيوثق غيره، فهذا تضعيف للمسئول (3).
(1) انظر فيما سبق ص (27).
(2)
التنكيل 1/ 362 - 363.
(3)
المعلمي في تعليقه على الجرح والتعديل لابن أبي حاتم 3/ 555.