الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
حمداً لله، وصلاةً وسلاماً دائمين على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، وترسم خطاه إلى يوم نلقاه
…
وبعد:
لا غرابة اليوم في كثرة المتحدثين عن آداب الطلب وطالب العلم، ولا غضاضة في كثرة ما تقذفه لنا المطابع من مؤلفات في هذا الموضوع.
ففي ظلال هذه الصحوة المباركة، راجت بضاعة العلم الشرعي بعد كسادها، وتلهفت على طلبه نفوس بعد خمولها، ولم نزل نرى -ولله الحمد- إقبالاً متزايداً من شباب الأمة وكهولها عليه.
وكثرة الكتب والأشرطة فيه ظاهرة صحية -كما يقولون-، وكثرة اختلاف وجهات نظر المتحدثين حول قضاياه من اختلاف التنوع المحمود.
بَيْدَ أن الحديث عن العلم وآدابه يحلو ويزدان، ويَلَذّ سماعه حينما يكون من أهله الذين بذلوا كليتهم له، وحينما تسمعه من عالم رباني يسّر الله له الأخذ بمجامع القلوب، ألا وهو الشيخ محمد بن الشيخ محمد المختار.
وليست النائحة الثكلى كالمستأجرة.
لا يعرف الشوق إلا من يكابده
…
... ولا الصَّبَابة إلا من يُعانيها
ولما كان الشيخ محمد كثيراً ما يتناول آداب الطلب وطالب العلم ما أتت له مناسبة، أو عند استهلال واستئناف دروسه، وتأتي توجيهاته ووصاياه مسددةً موفقة تَطْرَبُ لها الأسماع، أدركت أهمية ما يرمي إليه من توجيهات ومعالم وآداب يتربى عليها طلاب العلم، تهذب أخلاقهم، وتنفي زغل العلم عن طباعهم.
فخطر ببالي أن لو جُمِعَتْ هذه التوجيهات والمعالم المتناثرة من ثنايا أشرطة الدروس والمحاضرات، لانتظمت منها قطعة أدبية بليغة، وموعظة روحانية رقيقة، فعرضت الأمر على الشيخ عام (1414هـ) ، فدعا وبرّك، فكانت الخطوات التالية:
أولاً: فرغت من الأشرطة جميع المحاضرات التي خصصها الشيخ للحديث عن آداب طلب العلم وقضاياه، وعدتها ثمان محاضرات أُلقيت في سنوات متفاوتة، وأماكن متفرقة.
ثانياً: تَتَبَّعتُ مظان الحديث عن موضوع آداب طلب العلم في جميع أشرطة المحاضرات العامة، وهي غالباً إجابات على أسئلة تهم الموضوع في آخر بعض المحاضرات، وكذلك تتبعتها في أشرطة الدروس العلمية الموجودة عندي، فشملت:
- درس شرح كتاب عمدة الأحكام الذي بدأ الشيخ فيه عام (1410هـ) ، وانتهى منه عام (1416هـ) .
- درس شرح عمدة الفقه، والذي بدأ الشيخ في شرحه للطلاب عام (1409هـ) ، وانتهى منه عام (1413هـ) .
- درس شرح بلوغ المرام (متوقف) .
- درس شرح زاد المستقنع، والذي بدأ فيه الشيخ عام (1414هـ) ليلة الأربعاء من كل أسبوع، ولا يزال مستمراً فيه في جامع التنعيم بمكة المكرمة.
- درس تفسير سورة النور (متوقف) .
- درس شرح كتاب التوحيد (متوقف) .
- درس شرح سنن الترمذي الذي بدأ فيه الشيخ بتاريخ (2/6/1416هـ) بجامع الملك سعود بجدة ليلة الخميس من كل أسبوع، ولم ينتهِ بعد.
ثالثاً: آلفْتُ ونسقْتُ بين مواد هذه الأشرطة المجمعة لتصبح مادة مقروءة، وسقت عبارات الشيخ كما هي دون إضافة ولا زيادة، ولم أتصرف في كلام الشيخ إلا بحذف، خشية التكرار، أو تقديم أو تأخير اقتضاه السياق والسباق، أو جمع متفرق، من عدة أشرطة، وأجعله في موضع واحد.
رابعاً: وضعت عناوين للمعالم تسهل فهم المراد، وجعلت هذا الكتاب في تمهيد وخمسة فصول. أخذت فكرة التقسيم من محاضرة حلية طالب العلم التي ألقاها فضيلته في قاعة المحاضرات بالجامعة الإسلامية في المدينة المنورة بتاريخ (23/6/1413هـ) .
ولكي يستفيد طلاب العلم بشتى مستوياتهم، ضَمَّنْتُها فصلين ماتعين هما ألصق بما نحن فيه من غيره، وهما: الرابع والخامس.
فصارت حلة الكتاب كالتالي:
- تمهيد في شرف العلم ومكانة العلماء.
- الفصل الأول: معالم في الأدب مع العلماء.
- الفصل الثاني: معالم في آداب طالب العلم في نفسه.
- الفصل الثالث: معالم في آداب طالب العلم في درسه.
- الفصل الرابع: معالم في آداب الفتوى.
- الفصل الخامس: أجوبة مهمة على أسئلة ملمة.
خامساً: عزوت الآيات وخرجت الأحاديث، وحشّيتُ كلام الشيخ بما أراه يزيده إيضاحاً ويفيد منه القارئ الكريم، ولم أتقيد بطريقة كتابة البحوث العلمية ونظامها لحصول المقصود دون التقيد بذلك.
سادساً: لم أعتمد ما وجدته من تعليقاتي وتقيدات زملائي أثناء دروس الشيخ تبيّن آراءه في بعض جوانب موضوعنا؛ لأني بحثتُ عن الأشرطة، فلما لم أجدها أعرضتُ عن الأخذ من هذه التعليقات.
وكما هو مقرر معلوم أن تقيدات وطُرَر الطلاب عن الشيخ، لا يعتمد عليها في بيان آرائه وفتاويه؛ لمظنة خطأ الطلاب في الفهم والنقل، وعدم أمن اللبس؛ ولأن مقام التدريس ليس كمقام الفتوى.
قال العلامة النابغة الشنقيطي (ت:1245هـ) رحمه الله في طليحيته (1)[2] ) :
وكلِ ما قُيد مما يُسْتَمَد
…
في زمن الإقراء غيرُ معتمدْ
وهو المسمى عندهم بالطُّرةِ
…
قالوا ولا يُفتى به ابن حُرةِ
لأنه يَهْدى وليس يُسْتَنَد
…
عليه وحده مخافة الفَنَد (2)[3] )
ولن تجد –أخي القارئ- بين طيات هذا الكتاب تنظيراً ثقافياً، أو أطروحة فلسفية في توجيه طلاب العلم، كلا، ولا حشداً من النصوص والآثار –وما أكثرها- في فضل العلم ومكانة العلماء!!
(1) منظومة في ثلاثمائة بيت، موضوعها المعتمد وغير المعتمد في المذهب المالكي من الكتب والشروح والحواشي ورجال المذهب والمفتين، سميت بالطليحية؛ لأن مؤلفها نظمها تحت شجرة طلح.
(2)
الفَنَد: الخطأ.
بل غاية ما ستجده –ولعلي أتعجّل النتيجة- كلماتٍ إيمانية تربوية عميقة، وإشاراتٍ قلبية رقيقة، ذاتِ طلاوة تمتنع على الترجمة من غير نقصان بهائها، وكأني بالشيخ محمد قد أرسل ألفاظها وانتقى كلماتها في أبها أيامه، وأثناء وصوله إلى ذروة صفاء حياته وأقصى انغماسه الإيماني، تخاطب قلب وروح طالب العلم قبل عقله، ونتائج تجربة عملية تربى عليها الشيخ –حفظه الله- يقدمها لطلاب العلم، وليس ذلك بدعاً عليه، وهو الذي تربى في بيت علم، ونهل من معين عالم جهبذٍ، ومحدث فقيه، ومؤرخ لغوي، ونسّابة، سِيَرِيّ (1)[4] ) ، وهو والده رحمه الله الذي عرفته أروقة وسواري المسجد النبوي وعرفها، ولطالما دوى صوته بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه زهاء ثلاثين عاماً.
هو الشيخُ وابن الشيخ والشيخ جَدهُ
…
...
…
فيا حبذا شيخٌ تناسلَ من شيخِ
يأتي هذا الكتاب لينير لطلاب العلم الشرعي الدرب، ويبصّرهم بمداخل الشيطان فيه، ويكشف لهم عن تجربة طويلة مع مراحل الطلب.
كل ذلك ببيانٍ يقوم على تحليل علمي رصين، وتشخيصٍ موفق دقيق، وسَيْرٍ وراء الدليل، واتباعٍ لأثارةٍ من علم السلف الصالحين.
أبدتْ نقُولُك ما أخفيت من حِكَم
…
... موروثةٍ عن جدود وأنجُمٍ زُهُرِ
وسميته (معالم (2)[5] ) تربوية لطالبي أسنى الولايات الشرعية) .
ولعل في نشر هذه المعالم والتوجيهات خدمة لإخواني طلاب العلم، ورفعاً لهممهم، وتسديداً لخطواتهم، ووفاءً لبعض حق الشيخ، فإنما العالم بطلابه.
وإن أنسى فلا أنسى التنبيه على أن مادة هذا الكتاب في الأصل مسموعة، فلا ضير أن يوجد التفاوت بين الأسلوبين: أسلوب الكتابة، وأسلوب الإلقاء.
(1) نسبة إلى السيرة النبوية.
(2)
المعالم جمع مَعْلَم، وهو ما يُستدَلّ به على الطريق. قاله في القاموس والمنجد في اللغة.