الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قبيحٌ على طالب العلم أن يبدأ طلب العلم وفيه خصلة من خصال الجاهلية، وعيب -والله- على طالب العلم أن يطلب العلم ولم يبلّغ نفسه فعل الأمور المرضية، والتي من أجلّها تقوى الله ربّ البرية.
يا طالب العلم.. إنك إن اتقيت الله قَبِل منك: ((إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ)) [المائدة:27] .
ولما دخل عبد الله بن عمر على أبيه رضي الله عنهما في مرض موته، وقال: يا أبتِ.. ألم تكن تفعل وتفعل، وذكّره بتبشير النبي صلى الله عليه وسلم له بالجنة، قال له عمر رضي الله عنهما: يا بُني: إنما يتقبل الله من المتقين.
قال بعض العلماء:
قد آلم القلب أني جاهل مالي
…
عند الإله أَراضٍ هو أم قالي
وأن ذلك مخبوءٌ إلى يوم
…
اللقاء ومقفول عليه بأقفالِ
يا طالب العلم.. إنك إن اتقيت الله أحبك الله، ((بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ)) [آل عمران:76] .
يا طالب العلم.. إنك إن اتقيت الله كنتَ له ولياً، ((وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ)) [الجاثية:19] .
يا طالب العلم.. خير خلة تتحلى بها أن ينظر الله إلى قلبك قد عُمّر بتقواه، تخاف الله في قولك، تخاف الله في عملك.
وإذا خرجتَ وأنت تحمل كتابك، ورمقتك الأبصار والأنظار، فاستشعر وأنت تحمل كتاباً من كتب الدين والملة أنك تمثل دين الله وشرع الله، فاتقِ الله واحفظ جوارحك عن كل شيء يشين العلم وأهله.
المَعْلَمْ الثاني: الإخلاص لله
وهو ثمرة من ثمرات التقوى، إنه سرّ بينك وبين الله، لا يعلمه أحد سوى الله. هذه الوصية التي رفع الله عز وجل بها العلماء، فماتوا وما مات علمهم، وارتحلوا وما ارتحلت فضائلهم ومآثرهم لما علم الله إخلاصهم بقيت كتبهم كأنها كتبت بالأمس القريب، تنفذ وتطبع، وتنفذ وتطبع، بقيت علومهم تغشاهم بها الرحمات آناء الليل وأطراف النهار. إنها العبودية الصادقة لله.
قال بعض أهل العلم –رحمهم الله: الإخلاص هو الإسلام؛ لأن الإسلام هو الاستسلام لله وحده لا لشيء سواه، فأي طالب علم أخلص لله في طلبه، وكان يرجو الله عز وجل في قوله وعمله، فهو مسلم بحق، وهو طالب علم بصدق، وكم من أقوال قليلة عظمتها النية، وكم من أقوال كثيرة محق الله بركتها وعادت وبالاً على أصحابها لما خرجت لغير الله، وأريد بها غيره، فما كان لله دام واتصل، وما كان لغيره انقطع وانفصل.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: إخلاص العمل هو الدين لله، الذي لا يقبل الله ديناً سواه. وقال في موضع آخر: وهو خلاصة الدعوة النبوية، وقطب القرآن الذي تدور عليه رحاه، واستشهد بقول الله تبارك وتعالى:((تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ * إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ * أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ)) [الزمر:1-3] . ألا لله العبودية والأقوال والأعمال الخالصة لوجهه.
إخلاص العمل لله أن يأخذ هذا النور وهو يرجو رحمة الله في كل كلمة يسمعها ويقولها ويكتبها ويفهمها، فتكون أشجانه وأحزانه لله جل جلاله، فلا يزال بهذا الإخلاص تُخط به في صحيفة عمله الحسنات، ويُستوجب له بها عند الله رفعة الدرجات، يغدو إلى مجالس العلم فينظر الله في قلبه وهو جالس مع العلماء، ومذاكرة طلاب العلم، وهو لا يريد إلا وجه الله والدار الآخرة، فلا يزال يحبه الله ويكرمه ويرفعه ويعظم أجره ويحسن العاقبة له في العلم.
فمن كمل إخلاصه لله، فإن الله يوفقه ويسدده ويرحمه، ويجعل عمله نفعاً له في دينه ودنياه وآخرته.
لقد كان (1)[32] ) السلف الصالح يحملون همّ الإخلاص، حتى كان أبو هريرة رضي الله عنه إذا حدث بحديث الثلاثة الذين أول من تسعر بهم النار (2)[33] ) يغشى عليه، وكان سفيان بن عيينة رحمه الله يقول:(ما عالجت شيئاً أشد عليَّ من نيّتي أنها تتقلب عليَّ)(3)[34] ) .
وكان بعضهم إذا قيل له حدثنا، قال: لا.. حتى تأتي النية.
فأول ما يطلب الإنسان العلم يأتيه الزهو والغرور وحبّ المناظرة والمناقشة والبروز على الأقران وحظوظ الدنيا؛ لأنه حين رأيته يحمل كتابه بدأت تجله وتحترمه وتكبره وتخاطبه بالخطاب الذي يدل على إجلاله بعد أن كان من عوام الناس، فيعجب بذلك، فيهلك والعياذ بالله.
وإذا أراد الله بالعبد خيراً في بداية الطلب، كسر قلبه لخشيته، وبدأت تظهر أمارات الإخلاص على عمله وحركاته وسكناته، ويكون أشد ما يكون حرصاً على إخفاء عمله.
قال بعض السلف: وددتُ أن عبادتي بيني وبين الله، لا تراه عين.
الإخلاص لوجه الله أن تستحي من الله عز وجل، إذ علَّمَك وفَهَّمك وأجلسك مجالس الرحمة أن ترجو غيره، أو تلتمس رضوان أحد سواه، فاجعل تعلّمك خالصاً لله، ليس فيه لأحد سواه حظ ولا نصيب.
(1) 32] ) من دروس شرح كتاب التوحيد للشيخ محمد –شريط رقم 9- باب الخوف من الشرك.
(2)
33] ) رواه مسلم من حديث أبي هريرة، وسيأتي إن شاء الله تعالى.
(3)
34] ) ذكره ابن جماعة في تذكرة السامع والمتكلم (ص:69-70) .