المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌معالم تربوية لطالبي أسنى الولايات الشرعية

- ‌مقدمة

- ‌تمهيد في شرف العلم ومكانة العلماء

- ‌الفصل الأول: معالم في الأدب مع العلماء

- ‌الفصل الثاني: معالم في آداب طالب العالم في نفسه

- ‌المَعْلَمْ الأول: تقوى الله

- ‌المَعْلَمْ الثاني: الإخلاص لله

- ‌المَعْلَمْ الثالث: الإقبال على العلم بكليته

- ‌المَعْلَمْ الرابع: الصبر وتحمل المشقة في الطلب

- ‌المَعْلَمْ الخامس: حفظ الوقت واغتنامه

- ‌المَعْلَمْ السادس: اختيار الرفقة في الطلب

- ‌المَعْلَمْ السابع: الوصية بالرفقة

- ‌المَعْلَمْ الثامن: الأدب وحسن الخلق

- ‌المَعْلَمْ التاسع: أخذ العلم عن أهله

- ‌المعْلَمْ العاشر: الاهتداء بالكتاب والسنة

- ‌المَعْلَمْ الحادي عشر: العمل بالعلم

- ‌الفصل الثالث: معالم في آداب طالب العلم في درسه

- ‌المَعْلَمْ الأول: أخذ العلم فنّاً فنّاً

- ‌المَعْلَمْ الثاني: الاجتهاد في ضبط العلم

- ‌المَعْلَمْ الثالث: عدم الاستعجال في النزول للساحة

- ‌الفصل الرابع: معالم في بعض أحكام الفتوى

- ‌تمهيد: في أهمية مقام الفتوى

- ‌المَعْلَمَ الأول: إخلاص النية لله

- ‌المَعْلَمَ الثاني: البصيرة في العلم

- ‌المَعْلَمَ الثالث: الورع

- ‌المَعْلَمَ الرابع: معرفة المصالح والمفاسد المترتبة على الفتوى

- ‌المَعْلَمَ الخامس: تحصيل الخشية من الله عز وجل

- ‌المَعْلَمَ السادس: التأني في فهم السؤال وتصوره

- ‌المَعْلَمَ السابع: معرفة حال المستفتي

- ‌الفصل الخامس: إجابات مُهِمّة عن أسئلة مُلِمّة

- ‌السؤال الأول

- ‌السؤال الثاني

- ‌السؤال الثالث

- ‌السؤال الرابع

- ‌السؤال الخامس

- ‌السؤال السادس

- ‌السؤال السابع

- ‌السؤال الثامن

- ‌السؤال التاسع

- ‌السؤال العاشر

- ‌السؤال الحادي عشر

- ‌السؤال الثاني عشر

- ‌السؤال الثالث عشر

- ‌السؤال الرابع عشر

- ‌الخاتمة

- ‌فهرس الموضوعات

الفصل: ‌السؤال الحادي عشر

فبعض الناس قد يعجز أثناء درسه عن إباحة كل ما في نفسه من علم، ويكون علمه مختبئاً، لا يظهر إلا إذا أمسك قلمه، والبعض العكس، وبعض العلماء جمع الله له بين التدريس والتأليف، وهذا موجود في كتب التراجم، تجد بعضهم أثني عليه في التدريس، ولم يُثن عليه في التأليف؛ ولذلك اليوم تجد البعض من العلماء وعاء من أوعية العلم، حافظاً يستحضر الشتات في المسألة، لكن لو سألته عن نازلة، لا يحسن الفتوى فيها، ولله تعالى في خلقه شؤون وحِكم.

ولا مانع أن تؤلف وتنفع إخوانك، ولو أخذت كتاباً من كتب السلف، أخرجته للنور -تحتسب عند الله الأجر، ويكون لك مثل أجر مؤلفه ووفاءً لحقهم علينا- لكان أجدى من هذا الزخم الموجود في المكتبات، والذي لا نحتاجه.

‌السؤال الحادي عشر

نرجو من فضيلة شيخنا الكريم أن يعطينا بعض الأشياء عن حياة والده وبعض المواقف من سيرته (1)[158] ) ؟

الجواب:

هذا سؤال مفاجئ، والشخص إذا فوجئ بالسؤال لا يستحضر، لكن من أهم الأمور التي كنت ألمسها في الوالد -رحمة الله عليه-:

أ- قضية إخلاص العمل لله جل جلاله. أذكر أني ذات مرة راجعته في مسألة فيها دخلٌ من الدنيا، فقال لي كلمة قد يقولها عوام الناس، ولكن والله كان لها عظيم الأثر في قلبي إلى الآن، قال: يا بني.. إن الله عليم بذات الصدور - أي بحقائقها من إرادة وجهه أو إرادة الدنيا -، فقال: بذات الصدور، والله هذه الكلمة إلى الآن في قلبي، كل ما وجدت شيئاً من دخل الدنيا تذكرتها.

(1) 158] ) من محاضرة (وصايا لطالب العلم) ، و (بتصرف) من محاضرة (قبسات من حياة النبي صلى الله عليه وسلم ، ألقيت في الدمام بتاريخ 5/6/1412هـ.

ص: 135

ب-مما لسمته منه -رحمة الله عليه-: كثرة العبادة الخفية، كان يجلس مع الناس ولا تظهر عليه كثرة العبادة، ولكن ما إن يخلو في جوف الليل حتى أسمع نشيجه وبكاؤه من غرفته -رحمة الله عليه-، وكان كثير قيام الليل، حتى أني أذكر أن بعض المشايخ في بعض المحاضرات استبعد أن يختم الشخص القرآن في ليلة، وجرى بينه وبينه كلام، وقلت: إن ذلك ممكن، خاصة في ليالي الشتاء، وإن كان -طبعاً- خلاف السنة كما تعلمون، أن لا يُختم في أقل من ثلاث.

فذكرت ذلك للوالد، فقال: ليس ببعيد، بل هو سهل جداً وبسيط، فلم أزل معه وكأني مع المحاضر أشكك في ذلك حتى قال لي: يا بني.. الحمد لله مرّت عليّ في بداية الطلب سنوات أستفتح بعد العشاء بالقرآن ولا يأتي السحر إلا وأنا في آخر القرآن. رحمة الله عليه.

ج-ومما عرف به: الورع والحرص على أكل الحلال. يقول لي العم: محل اتفاق عندنا أنه ما كان عنده صبوة إلى الحرام.

د-وكان أهم شيء عنده: الوقت، منذ بداية الطلب، يذكر لي أحد كبار السن عن خال له من أقرباء الشيخ الذي ارتحل الوالد لأخذ العلم عنه، يقول: وكان لا يخالط الطلاب إلا إذا كانت هناك فائدة، ولا يأنس بكل أحد -رحمة الله عليه-، وأنا لا أذكر أنه دخل المنزل وكان الوقت وقد صلاة وجلس دون أن يبدأ بالصلاة، حتى في مرض موته، كان يصلي جالساً ما كتب الله له، ثم ينقلب على فراشه.

وله مكتبة فيها ما لا يقل عن أربعة آلاف كتاب، ما فيها كتاب إلا وقرأه من جلدته إلى جلدته.

هـ- ووجدت فيه خصلة، أنه لا يمكن أن يتكلم في شيء يجهله، ولو كان من أوضح الواضحات، وكان يستشهد بقول الله تعالى:((قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ)) [ص:86] ، وإذا أعطاك المسالة يعطيك إياها عن تحرير، وهذا من أجلِّ نعم الله على طالب العلم: أن يرزقه الله عدم تكلف شيء لا يعرفه، وهو دليل على أمانته ووقوفه عند حدود الله.

ص: 136

و ومن الخصال التي كان يتحلى بها: عدم مبالاته بالدنيا أقبلت أو أدبرت. أذكر ذات مرة أنه حفر بئراً كلفه ما لا يقل عن مائتين وخمسين ألف ريال، ولم يشأ الله أن يخرج منها ماء، فجاء الذي حفره وقال: يا شيخ.. هذا يحتمل أن يسدّ شيئاً من المجاري، ويمكن مستقبلاً، أن يتحسن الوضع - يخفف الصدمة على الوالد-، فقال: يا بني.. والله لو تذهب هذه المزرعة كلها فإني راضٍ عن الله.

ز- وقلّ أن يُسأل شيئاً إلا أعطاه. دخلتُ عليه ذات يوم فوجدته يبكي، فلما رآني قلب وجهه إلى جهة الفراش ثانية ومسح الدموع، ثم جلس كأن لم يكن به شيء، فلما استقرّ بي المجلس وحييته بما يليق، سأتله لمعرفة ما الذي يبكيه -وكنت جريئاً عليه نوعاً ما-، وخشيت أن يكون جاءه ما يسوء، فما زلت به وهو يريد أن يصرفني، فقلت: يا شيخ.. رأيتك تبكي! فقال: يا بنيّ.. وما لي لا ابكي وأيتام فلان توفي أبوهم وليس عندي ما أرسله لهم!!. والله ما كفّ بكاءه حتى يسر الله عز وجل ما يسر، وإذا به كأنني جئت بالحاجة إليه.

وكان يعوّدنا الرحمة والرأفة بالمساكين، وهي خصلة عجيبة فيه، حتى كان يقول لي: إذا مررتَ بامرأة تسأل، لا تجاوزها حتى تعطيها، ولو تعطيها غترتك التي على راسك، كأني أتعجب من هذا الكلام.

فقال: لأنك تعرف المرأة إذا احتاجت قد تقع في الزنا، وهي عورة من عورات المسلمين، فلا يليق بك أن تمرّ بها إلا وقد كفيتها ولو كانت كاذبة.

وكان راتبه أكثر من سبعة آلاف في ذلك الزمان، ما يأتي منتصف الشهر إلا ويقترض -رحمة الله عليه-، فنفعه الله بهذه الصفة كثيراً، ولذلك إذا أراد الله أن يفرغ طالب العلم للعلم، نزع من قلبه حبّ الدنيا. ويعلم الله كم من بيوت لمّا توفي، فقدتْ عطفه وحنانه.

الموقف الأخير أذكره - ولعله يكون سبباً للترحم عليه- أنه قبل أن يتوفى بقرابة ثلث ساعة، والله العظيم لا أذكر أنني رأيته أشرق وجهاً ولا أبهج نفساً منه من تلك الساعة -رحمة الله عليه-.

هذه بعض المواقف التي تحضرني، واسأل الله العظيم أن يجمعنا في مستقر رحمته.

ص: 137