المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ترجمة حياة المؤلف - معجم متن اللغة - جـ ١

[أحمد رضا]

الفصل: ‌ترجمة حياة المؤلف

‌ترجمة حياة المؤلف

نشأ المؤلف نشأة أترابه من أبناء مدينة النبطية الصغيرة الواقعة إلى الجنوب من لبنان. وقد ولد في اليوم الرابع من حزيران 1872؛ ثم ألحقه والده سنة 1878 بكتاب البلدة، فقرأ فيه القرآن وجوده، كما تعلم أصول الخط. وفي سنة 1880 رحل الطفل، وهو بعد في الثامنة من عمره، إلى قرية أنصار، لطلب العلم فيها على يد العلامة السيد حسن إبراهيم، فدرس فيها الصرف والنحو. حتى إذا قضى عشرين شهرًا بين يدي أستاذه، استدعاه والده، بعد أن فقد عليًا أكبر أبنائه، ليتسلى به عن همومه. فأخذ الطفل يتردد في بلدته على مدرسة النبطية الرسمية، متعلمًا فيها مبادئ الحساب والجغرافيا، كما راح يختلف إلى مجلس العلامة السيد نور الدين قارئًا عليه شرح الألفية لابن الناظم.

ثم انقطع عن طلب العلم بعد أن توفي والده خلال عام 1884. ولم يصل ما انقطع من دراسته حتى هبط إلى بلدته السيد محمد إبراهيم، العالم الذي تميز بالخبرة، والسعة في الأفق، والشمول في المعرفة، فلازمه وقرأ عليه علوم المعاني والبيان والمنطق والطبيعيات، وتأثر بأستاذه تأثرًا بالغًا في شغفه بالعلوم العصرية والدراسات الفلسفية. ولما لم يكن يومئذ مدارس تتيح له فرصة التزيد من هذه العلوم فقد اجتهد وسعه في المطالعة وتثقيف نفسه، وبذل جهدًا شديدًا في اقتناء الكتب معلقًا عليها، شارحًا ما غمض منها، مستعينًا بمن يفوقه في المعرفة والدراية حتى أدى به ذلك إلى قصر البصر.

كان انتشار الجهل يؤلمه، وفقدان المدارس يحز في نفسه. فكأنه، في إكثاره من المطالعة والدراسة، يحاول أن يعوض عن الأمية الشاملة التي أخنت بكلكلها على بلدته. وما كاد يبلغ السابعة عشرة من عمره حتى وضع، مع فريق من إخوانه، حجر الأساس لجمعية المقاصد الخيرية الإسلامية في النبطية، مستهدفًا بها تأسيس مدرسة أو أكثر لتسهيل أسباب المعرفة أمام سكان بلدته.، وقد استولى الأتراك على ممتلكات هذه الجمعية وألغوا رخصتها خلال الحرب العالمية الأولى؛ ثم هدمت تلك الممتلكات. ولكنه أعاد الكرة بعد الحرب يؤازره إخوان له، فاستعاد للجمعية قوتها حتى أصبحت لها ممتلكات تقدر قيمتها- اليوم- بمليون ليرة لبنانية.

وفي سنة 1891 قدم العلامة السيد حسن يوسف مكي إلى النبطية، وافتتح فيها مدرسة

ص: 9

الحميدية التي التحق بها المؤلف الشاب طالبًا ومعلمًا. فكان يلقي دروسًا في النحو والصرف والمنطق والبيان على طلاب الصفوف الأولية، ويتلقى، بدوره من رئيس المدرسة، دروسًا في الفقه وأصوله وعلم الكلام والفقه الاستدلالي. ثم سافر غلى الحجاز لأداء فريضة الحج سنة 1893.

حياته السياسية والعلمية

كان، رحمه الله، دائم التطلع إلى كل جديد، تدفعه رغبة شديدة في تغيير الأوضاع السيئة التي وجد عليها سكان بلدته بصورة خاصة، وأولئك الذين كانوا يعيشون في مختلف القرى والدساكر المحيطة بالبلدة. كل شيء كان يؤلمه: الفقر، والجهل، والتمسك الأعمى بالتقاليد، وسلطان الإقطاع العشائري، وتخلف الناس واستسلامهم للأغلال التي كانوا يرسفون بها فلا يكادون يتحركون. فأقبل على مقاومة هذه العلل ما وسعته المقاومة، مستعينًا بالوسائل التي تهيأت له، رغم اشتغاله بتجارته، فتعاون مع إخوان له في تأسيس محافل أدبية وعلمية، وجمعيات سرية ذات أهداف سياسية لم تلبث أن تهاوت جميعها بسبب طغيان النظام الإقطاعي، وعجز المواطنين عن إدراك حقيقة أهدافه. ولكن محاولاته كانت مسمارًا، بل مسامير دقت في نعش هذا الإقطاع. ثم كرر هذه المحاولات وأعاد النظر في أساليبه، وبقي جاهدًا مناضلًا، رغم تقدم السن به، حتى آخر نفس من أنفاس حياته.

ولما لم يجد في بلدته ما يحقق له خطته بالسرعة التي يريدها، التحق بالحركات التحريرية العربية، واشترك في معترك السياسة العامة. فكان عضوًا مسؤولًا في يبعض الجمعيات السرية التي كانت تسعى إلى تحرير البلاد العربية من نير الحكم العثماني.

واكتشفت السلطات العثمانية الحلقات السرية لهذه الجمعيات أو أكثرها، فكان المؤلف مع رضا بك الصلح وولده رياض وعبد الكريم الخليل وغيرهم من أفراد القافلة الأولى التي قدمها السفاح جمال باشا للمحاكم العرفية في بلدة عالية. ولكن الله سلمه كما سلم المرحومين رضا بك ورياضًا من حبل المشنقة.

ولما لمك يجد ورفاقه، بعد انسحاب الأتراك، ما يحقق لهم "أهدافهم الوطنية" تابعوا نضالهم وقاوموا الانتداب الفرنسي مقاومة شديدة بالغة، واشترك المؤلف في ثورة جبل عامل على الاحتلال الفرنسي سنة 1920، فنكل به وأبعد عن بلده، كجزء من خطة وضعها الاستعمار الفرنسي للقضاء على القائلين بالأمة العربية الواحدة ذات السيادة الكاملة التامة.

وقد مثل بلاده في عدة مؤتمرات سياسية وأدبية، منها: مؤتمر الوحدة السورية، ومؤتمر الساحل، ومؤتمر بلودان، ثم المؤتمر الإسلامي العام في القدس، وانتخب عضوًا فخريًا بلجنة دار الكتب في المسجد الأقصى، وأخيرًا مؤتمر بيت مري الثقافي الذي عقدته جامعة الدول العربية.

ص: 10

وفي اليوم الثامن عشر من شهر تشرين الأول سنة 1920 قرر المجمع العلمي العربي بدمشق انتخاب صاحب الترجمة عضوًا في المجمع. وكتب إليه ما نصه: "كتابي إليكم والمجمع في جلسته الثمانين المنعقدة لاثني عشر يومًا خلت من شهر تشرين الأول سنة عشرين وتسعمائة وألف قد قرر انتخابكم عضو شرف لما يعهد فيكم من الكتابة في العلم والتمكن من آداب اللغة العربية التي نعدكم من فرسانها، لما قمتم به من الخدمات الجلي بلسانها، ولذلك يرجو مجمعنا هاذ، الصغير بأعماله اليوم، الكبير بآماله، أن يصل بكم حبله ويشد بمعاضدتكم عضده، وينير بنبراس أبحاثكم سبله، عسى أن يبلغ أمله وأمده

الخ".

وفي سنة 1930 م (1349 هـ) انتدبه المجمع العلمي العربي بدمشق لتأليف معجم يجمع فيه متن اللغة باختصار مفيد، ويضم إليه ما وضعه مجمعًا دمشق ومصر من الكلمات المنتخبة للمعاني المستحدثة، وما دخل في الاستعمال وطرأ على اللغة زمن العباسيين والأيوبيين ومن بعدهم. فتم له ذلك كله بعد جهد ونصب داما نحو ثماني عشرة سنة.

وخلاصة القول أنه كان للمؤلف أثر بارز، وكانت له مشاركات واسعة في مختلف وجوه النشاط السياسي والثقافي والاجتماعي، يملأ وقته كله بالتفكير والكتابة، فهو مناضل سياسي، وهو مؤلف وكاتب. نشر مئات المقالات في مختلف المجلات والجرائد، وعند صداقات واسعة صحيحة مع رجال العلم والأدب والسياسة، فكانت له في القلوب منزلة الراعي الأديب والعالم الثقة.

مؤلفاته

طبع منها:

رسالة الخط، هداية المتعلمين، الدروس الفقهية، رد العامي إلى الفصيح.

قيد الطبع:

معجم متن اللغة.

المخطوطة:

معجم الوسيط، المعجم الموجز، التذكرة في الأسماء المنتخبة للمعاني المستحدثة. كتاب الوافي بالكفاية والعمدة.

أما مقالاته اللغوية والعلمية والأدبية والسياسية والتاريخية وقصائده الشعرية، فما تزال متفرقة في بطون المجلات والجرائد من مثل مجلة المقتطف بمصر، ومجلة المجمع العلمي العربي بدمشق، ومجلة الكلية، ومجلة المقتبس، ومجلة العرفان بصيدا، وجريدة جبل عامل بالنبطية وغيرها.

ص: 11

وفاته:

فجع المؤلف سنة 1948 بوفاة أكبر أبنائه وأقربهم إليه، الدكتور محمد علي رضا، وهو في شرخ شبابه وميعة صباه، فأصابه من هذه الكارثة شر كثير طرحه في فراش المرض سنتين ونيفًا صور خلالها آلامه في قصائد شعرية مختلفة. وفي ليلة السابع من تموز 1953 لبى داعي ربه بعد حياة حافلة بالنشاط المستمر والتضحيات الجلى.

لقد كان رحمه الله رائد نهضة، ومعلم جيل، ومدماكًا من مداميك التقدمية في جبل عامل، مسقط رأسه، وملعب طفولته.

اللجنة.

ص: 12